سودانايل:
2024-10-16@10:34:15 GMT

النساء ضحايا الحرب.. ويستمر الاستهداف!

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

15 أكتوبر 2024

د. سعاد مصطفي الحاج موسي

منذ اندلاع هذه الحرب التي وصفها من أشعلها في البداية بال "عبثية،" وحتى توغلت في سحق الارواح السودانية وجماجم أبناء الوطن الواحد بلا تمييز، تواري امراء الموت والخراب العسكريون خجلا من وصفها بال "اللعينة القاتلة، والبشعة، والشيطانية" والتي أثارت حتى سخط ابليس نفسه فاشتكي منها وفر بجلده طلبا للنجاة.

ركز امراء الحرب بدايةً آلتهم الحربية المدمرة بلا هوادة على المقار العسكرية في العاصمة ومدن وقري الأقاليم التي يعتقد كل جانب انها تمثل موردا من البشر أو السلاح للآخر، ولم تفت على قريحتهم ضرورة واستراتيجية تدمير البنية التحتية لرعاية حياة المواطن – مصانع الغذاء والمياه، والعلاج والمستشفيات، والمدارس والجامعات، والطرق والكباري، وغيرها. فقد صناع الموت والدمار الوطني بوصلتهم قصدا وسهوا، في وقت كان الجيش يدق طبوله ويخبرنا أنه قادر علي استعادة الأمن وارسائه! وكنا نظن أنه سيخضع لصوت الحكمة قبل فوات الأوان، وسيسعى لإيقاف صوت البندقية رحمة بالمواطنين، ودرءا لضياع الوطن وتفتيته، فالجراح تنكأ ذاكرتنا فتئن وتصرخ من مأساة وحزن فقدنا جنوب الوطن، ونخشى تكرار التجربة في جزء آخر من وطن ما زلنا نبحث له عن هوية ولون وجنس. وما زلنا ننتظر حتى اللحظة ان يذعن الجيش الذي كني ب "جيش الهنا"، أن يمنحنا بعض الهناء والسكينة اللتين غادرتا وجداننا وغابتا عنها يوم صُوِّبَتْ البندقية علي صدر الشعب بأكمله!

لقد انتظرنا طويلاً، نحن النساء على وجه الخصوص، عودة الأمن ونهاية فجور الحرب وفسادها ومآسيها وفجائعها، وضاع الأمل منا ومن دواخلنا ونحن نري ونسمع ونشهد آلة الحرب وهي تحصد أجساد وإنسانية وأرواح النساء والفتيات أينما حللن – داخل البيوت، في الأسواق والمحلات التجارية، في المزارع ومعسكرات النزوح والملاجئ، وبيوت الايواء، على الطرقات والدروب والأزقة، وفي وسط الجبال والغابات والوديان. تمارس هذه الجرائم ضد الاناث بكل ما هو متاح من آلات الحرب، بما في ذلك الاغتصاب الذي يترك الأنثى شبحا ميتا يزحف، ومع ذلك تكافح من أجل الحصول علي ما يسد رمق ثلة من أفراد الاسرة - طفلها الرضيع، وابوها المسن، واختها المريضة، وأخيها المبتور، وقليل من العشيرة... تفعل النساء ذلك وهن يعلمن علم اليقين أن القتلة والمغتصبين يقعدون لهن كل مرصد لنهش ما تبقي من أجسادهن وسحق ما تبقت لهن من كرامة وقلوب تنبض. ومن نافلة القول إن المرأة لا تزال تخرج كلما سنحت الفرصة، تكافح من أجل مواصلة الحياة.. ليست حياتها بالطبع، بل حياة من حولها من أقارب وأيتام وفقراء، وتجسد خطواتها أروع ملاحم الإنسانية والنبل والتضحية..

تطورت مقاصد الحرب وبتنا نري ونسمع يوميا ما يتكرر من حوادث استهداف النساء على أساس اثني باتهامهن بالتعاون مع قوات الدعم السريع كما حدث في قضية الدر حامد حمدون (24 عاما) التي اعتقلت في عطبرة مع شقيقة زوجها التي توفيت في سجن عطبرة، لتواجه حكما بالإعدام في أغسطس/آب 2024 تحت المادتين 50 و51 من قانون العقوبات لسنة 1991 المتعلقة بتقويض النظام الدستوري والتحريض علي الحرب ضد الدولة، بعد إدانتها بالتعاون مع قوات الدعم السريع. في 17 أغسطس/آب، نظمت نساء الميرم بغرب كردفان وقفة تضامنية طالبن فيها بوقف تنفيذ الحكم، ولفتن الي ان السلطات حولت الحرب الي حرب ضد النساء (راديو دبنقا في 18 أغسطس/آب 2024)، يذهب نصيب الأسد منها الي المجموعات الاثنية في الهامش، والتي توصم بأنها حواضن للدعم السريع. الدر هي ليست الاولي أو الأخيرة في حملة الاستهداف الاثني للنساء، فقد اعتقلت نساء اخريات علي ذات الخلفية الاثنية في مدينة بورتسودان، وذكرت احداهن (سلام) أن العديد من النساء تعرضن للعنف والضرب والصعق الكهربائي أثناء اعتقالهن بسبب انتمائهن لقبيلة المسيرية، رغم عدم ارتباطهن بقوات الدعم السريع، كما أفاد راديو دبنقا!

لقد سحقت الحرب أرواح وأجساد آلاف الأمهات والخالات والعمات وفلذات الاكباد، وتجرع زعماء الحرب ومقاتلوهم دمائهن الثمينة حتى الثمالة، فأصبح من الطبيعي أن تضعف وتختفي آثار المرأة وحركتها من أغلب الشوارع والأسواق والأزقة والممرات في وسط الأحياء، ومن المستشفيات وبيوت والعزاء وكل الساحات التي كانت تزينها النساء بحضورهن الجميل، وتحتفل بأهازيجهن وترنيماتهن في الأفراح، وشجوهن في الأحزان. وكغيرهن من "القلال الفضلو من الناس"، اعتادت نساؤنا على الفرار قدر الإمكان من البل والجغم والمتك – تلك الكلمات الدموية التي انبعثت من قاموس الحرب وقسوتها، وتغلغلت في لغتنا اليومية، تمضغها ألسنتا الجافة فتزيدها جفافا، وتجفف منابع الأمل فينا بأن يوم باكر سيكون أفضل وأن شمس السلام ستشرق ويسطع قمر المحبة. هذه الكلمات بالتأكيد ستوثق إبادة العسكر للمواطنين السودانيين عندما تضع الحرب أوزارها ويتم انشاء متحفا للإبادة في السودان تعرض أدوات العسكر وابداعاتهم في قهر النساء، لاستخلاص الدروس والعبر! فلم تستثن النساء من التهديدات بتلك الكلمات الحربية النتنة السامة، وبعضهن تلقينها علناً وعلى منصات وسائل الإعلام والاتصال الإلكترونية بأن نصيبهن من السحل ينتظرهن إذا تجرأت إحداهن على العودة إلى الوطن – السودان، واستمع أغلبنا إلى ذلك التهديد الموجه لأختنا الدكتورة مريم الصادق المهدي، وزيرة خارجيتنا الأسبق، في ذلك التسجيل لأحد أفراد دعاة الحرب من جنود الإنقاذ (جند الله، جند الوطن!).

أما المرأة الريفية فنصيبها سيناريو آخر من الاستهداف المباشر بقصد السحل والإبادة، خاصة في ريف غرب السودان، الريف الذي تعتمد فيه المرأة على الزراعة وتربية الماعز (النعيز/ات أو الغنم) وتدعم جهودها بالدعاء الصادق والطقوس الروحية حتى لا يفشل الموسم الزراعي بسبب قلة الأمطار أو آفات تقضي على الزرع والضرع، أو علة قد تقعد صاحبة المزرعة من إكمال المهام الزراعية في غياب الزوج بسبب طاحونة الحياة أو الموت! هذه الأمراض والعلل تجمعت الآن في آلة الحرب، خاصة تلك التي بدأت تستهدف ما يسمي بحواضن قوات الدعم السريع حيث غالبا ما تعتمد المرأة على تربية النعيز لبيع الحليب ومنتجاته في عمليات التبادل التجاري والتكامل الغذائي للمنتجات الزراعية والرعوية بين الرعاة والمزارعين من اثنيات مختلفة. أورد الدكتور صديق امبدة في مقال نشر في سودانايل بتاريخ 9 أكتوبر 2024 بأن امرأة قصفت الطيران نعيزها وقتلتهن، فرفعت يديها إلى السماء تشكو البرهان، داعية الله بصدق وتكرار، بأنها امرأة ضعيفة، وكل ما لديها من مال الدنيا هي تلك النعيزات التي قتلتها طائرات البرهان. صوت تلك المرأة هو صدي لأصوات آلاف النساء اللائي طحنت افئدتهن الحرب، وهو بالتأكيد صوت الحق الذي ينتظر العدالة الإلهية (ذلك بأن الله هو الحق - الحج: 6)، والذي لن يخيب أمل المظلومين الصادقين في اللجوء إليه.

ان قوانين واخلاقيات الحرب تنص على عدم المساس بالنساء والاطفال، بل تدعو وتؤكد على حمايتهم والاهتمام بحياتهم وقد سعى المجتمع الدولي الى صياغة قوانين ومواثيق دولية تحفظ الحقوق وتدين الانتهاكات وتعاقب عليها، تمثلت في مواثيق حقوق الانسان وبلغت ذروتها فيما يتعلق بالمرأة في قرار مجلس الامن رقم 1325 الذي نص على حماية المرأة في زمن الحرب وبعده من العنف. ولكن غطرسة وغرور امراء الحرب والموت في السودان دفعتهم بألا يراعوا ولا يلتزموا بالمواثيق والقرارات الدولية ولم يبالوا منذ بداية حربهم بحماية المرأة ولعلهم يستنكرون ان المرأة هي المورد الذي يحتاجه المجتمع للعيش والبقاء والتقدم والنماء، وأنها المرساة التي ترسو عليها سفينة السلام وتستقر، والحضن الدافئ الذي يهدهد الوطن ويدفعه الى اطفاء نيران الفتن التي يشعلها رجال لا يدركون قيمة الاوطان غير قادرين على التضحية من اجل استقرارها ورفاهية مواطنيها. فألقوا بالنساء في أتون الحرب واستخدموهن وقودا لرغبات ذكورية، حتى أصبحن ساحة معركة لكلا الجانبين، وكأنما زعماء الحرب ومقاتليهم لم يخرجوا من أرحام امهاتهم!

علينا أن نتذكر سرديات لحروب كثيرة في التاريخ تفجرت من أجل حماية امرأة وصون كرامتها، وليس بعيداً عن ذاكرتنا حرب عمورية التي اندلعت بسبب صرخة امرأة: “وامعتصماه وامعتصماه"، وهي تساق إلى السجن، فأمر أمير المؤمنين المعتصم أمير عمورية الرومي: «أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي». وعندما لم يستجب الأمير، أوفى المعتصم بوعده. فهل نتوقع أن نشهد تكرار مثل هذه الحوادث التاريخية من أجل المرأة في عموريتنا اليوم؟ أم أن البرهان وجيشه وحميدتي وقواته سيستجيبون لصوت العقل الداعي إلى انهاء الحرب حتى تتمكن المرأة من العيش بسلام في وطن سالم آمن؟
ونستمر بالنداء:
لا للحرب.. أوقفوا الحرب من اجل النساء والأطفال، يرحمنا الله ويرحمكم

د. سعاد مصطفي

Khairkhanaga16@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع من أجل

إقرأ أيضاً:

المرأة الجديدة تنظم ورشة حول حقوق النساء في الأرض والآليات الدولية للدفاع عنها

 نظمت المرأة الجديدة وبالتعاون مع شبكة حقوق الأرض والسكن - التحالف الدولي للموئل، ورشة عمل حول "حقوق النساء في الأرض والآليات الدولية للدفاع عنها" قدمها الخبير والاستشاري جوزيف شكلا، منسق شبكة حقوق الأرض والسكن في القاهرة، وبمشاركة ممثلي.ات عدد من نقابات صغار الفلاحين في محافظات المنيا والبحيرة وبنى سويف، وعدد من الباحثين.ات والصحفيين.ات، وممثلي.ات عن بعض الجمعيات الأهلية.

تناولت الورشة الحقوق المتعلقة بالحيازة والملكية والسكن والأرض في الاتفاقيات الدولية، خاصة ما ورد في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتوصية العامة رقم 34 (2016) لاتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وإعلان عمل منهاج بكين.

كما تطرقت للحقوق الواردة في أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالحق في امتلاك الأراضي والموارد الاقتصادية والتصرف فيها بشكل متساو بين النساء والرجال، وحق النساء في الميراث. 

وقدم جوزيف شكلا لمحة عن الخطة الحضرية الجديدة والتي تلزم الدول بضمان الحيازة للجميع وخاصة للنساء والاعتراف بتعدد أشكال الحيازة، مثل: التمليك المؤقت، الملكية المتوقعة، الإيجار المعترف به رسميًا وآخرغير معترف به رسميًا.

بالإضافة لهذا، عرض المدرب لمحة عن هيكل نظام حقوق الإنسان، ومنظومة الأمم المتحدة والهيئات المختلفة، ولجان الاتفاقيات الدولية ودورها، والتقارير الدورية وطريقة عملها، والآليات المتاحة لمنظمات المجتمع المدني للاشتباك في القضايا المجتمعية وتصميم حملات مناصرة واستخدام آليات التشبيك على المستوى الدولي والاستفادة من الأدوات التي تقدمها منظومة الأمم المتحدة والتقارير الدورية. 

شارك النقابين.ات الإشكاليات التي تتعرض لها النساء في الريف فيما يخص بتملك الموارد الاقتصادية أو التصرف فيها، وقدموا.ن بعض المقترحات للعمل على تحسين أوضاع النساء الريفيات بالأخص.

تطرقت النقاشات إلى موضوع تأثير التغيرات المناخية على النساء بالأخص في الريف، سواء فيما يخص المساحات المزروعة من المحاصيل، أو جودة المحاصيل وكميتها، والنسبة التي تحصل عليها النساء، وهو ما يؤثر على موارد النساء باعتبارها المسؤولة عن النمط المعيشي للأسرة. واقترح البعض حساب المديونية المناخية للدول الكبرى، وخصم جزء من مديونية الدول النامية. 

وتأثير الاستراتيجية العالمية التي تحددها الدول الرأسمالية في السياسات الزراعية بما يخدم مصالحها في تحديد مايتم زراعته، دون النظر لحاجة الدول النامية.


 

مقالات مشابهة

  • برلمانيات مغربيات يسلطن الضوء على دور المرأة في مواجهة تحديات السلم بالبرلمان الإفريقي
  • ماذا تنتظر النساء من مجلس النواب القادم؟
  • المرأة الجديدة تنظم ورشة حول حقوق النساء في الأرض والآليات الدولية للدفاع عنها
  • نساء السودان.. بحث عن القيادة والتمكين الاقتصادي
  • غدا الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الريفية
  • هيئة تدخل على خط حملة “مدرجات ملاعب دون نساء”
  • معركة تحقيق الذات.. عندما أصبحت المرأة الرجلَ الذي كانت تريد أن تتزوجه
  • الحزب السوري القومي الاجتماعي يبارك عملية الاستهداف النوعية التي قام بها حزب الله للواء غولاني
  • بعد غد .. انطلاق المؤتمر العالمي لطب النساء والولادة