سودانايل:
2024-12-22@11:29:15 GMT

الحرب في السودان والشرعية المفقودة

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

أدرك الغرب خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حقيقة أن شرعية أي نظام سياسي legitimacy تستمد من قبول أغلبية الشعب له، وهذا ما ساهم في صعود حزب العمال في بريطانيا إلي الحكم بعد انتهاء الحرب، رغم أن ذلك كان قد جاء خصما علي حساب رئيس الوزراء ونستون شرشل وشعبيته الكاسحة بإعتباره أشهر ابطال الحرب آنذاك ، وكذلك فعل الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت حينما طبق ما عرف "بالصفقة الجديده" وفي الحالتين مكن برنامج حزب العمال في بريطانيا والديمقراطيين في الولايات المتحدة شرائح واسعة من الشعب في أن يعيشوا هم وأبنائهم حياة أفضل.



ربما كان أهم ما جاء في آخر ظهور لقائد الدعم السريع هو إتهامه لمصر بمساعدة الجيش في قصف مواقع قوات الدعم السريع في جبل موية.
والحقيقة أن تدخل مصر في الحرب السودانية شئ مزعج اذا صحت إتهامات حميدتي وننتظر منه تقديم ادلة كي تدعم هذا الإتهام.
ليس معني ذلك انني أستبعد تدخل مصر ولكني استغرب له ، واخشى أن تكون الحكومة المصرية قد لعبت دور التمثيل الدبلوماسى والسياسي للأخوان المسلمين جناح المؤتمر الوطني في السودان، والذي يعيش عزله دولية، وهو شئ للاسف شبيه بالدور التركي في تمثيل حركة الإخوان المسلمين المصرية، مستفيدة من وضعها السياسي ومن عضويتها في حلف الناتو. والتمثيل السياسي والدبلوماسي يعني التفاوض مع المجتمع الدولي لفك الحصار عنهم وهي ، أي تركيا ، تلعب دورا أهم من الدور الذي ظلت تلعبه دولة قطر رغم ان الأخيرة تقوم باعباء الدعم المادي والإعلامي للاسلام السياسي بالمنطقه.
أنا هنا لا أتناول مسألة الدعم المصري للجيش السوداني المختطف من قبل جماعة الاخوان المسلمين والتي تسيطر على قراراته بشكل كامل، لا اتناوله من باب الكراهية لمصر لأنني أري في ذلك " شعوبية " بغيضة "popularism يعاني منها عدد كبير من الافراد سواء كانوا مصريين أو سودانيين ولأسباب مختلفة وتصورات تقوم علي المعرفة البدهية او الحدس الذي يتغذي علي الشائعات بدلا عن معرفة الحقائق والوعي بالتحديات الحضارية التي تواجه البلدين، ولذلك فهي تعتبر تصورات خاطئة تماما .
فاللغة والجغرافيا والثقافة عموما جعلت تأثير مصر علي السودان كبيرا جدا ، منه الصالح ومنه الطالح مافي ذلك شك، ولكن في تعاملنا مع تلك العلاقة ذات التعقيدات الكثيرة بين البلدين، علينا الانطلاق من أهم المنصات والتحديات التي تواجه الشعبين وهما التهديد الحضاري الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي من جهة وقضايا أخري ذات أبعاد ثقافية وتربوية في المجتمعات المصرية والسودانية ترتبط باضرار إرتفاع عدد المواليد بشكل كبير واثره السلبي علي التنمية وضغطه علي الموارد المحدودة.
يبدو أن الحكومة المصرية الحالية في معركتها الحضارية مع جماعات الإخوان المسلمين والسلفيين قد اتجهت إلي بناء المؤسسات والي التعمير في البني التحتية لمصر وهو إتجاه سليم رغم أثاره الجانبية السالبة سواء اكان في الفكرة أو في التنفيذ، والتي ظهرت في ديون مصر وتخفيض عملتها الوطنية والتضخم الذي يعاني منه الشعب المصري خاصة الشرائح الفقيرة والتي مازالت تمثل الأغلبية. لكن الاتجاه إلي بناء المؤسسات يساعد علي ضخ التفكير العقلاني في عروق المجتمع علي حساب الإنشغال بالقضايا الوجودية الكبري وهو شئ،إيجابي بطبيعة الحال بإعتبار انها قضايا تخص الافراد في نهاية الأمر.

من المعروف أن عدد كبير من السودانيين كانوا قد إستبشروا خيرا بخبر بانتصارات الجيش التي جاءت من إعلام فلول النظام السابق من جماعات الإسلام السياسي، فخرج الناس في فرح وابتهاج لانتصارات الجيش " المزعومه " تلك، وخبر تحرير مدينة بحري ومصفاة البترول في الجيلي. وليس لدي شك في أن تلك البهجه وذلك التاييد للجيش هو تأييد مشروط بوقف الحرب ورجوع الناس إلي منازلهم واوضاعهم السابقة، بعد أن مزقت الحرب احلامهم ونسيجهم الاجتماعي وافقدتهم الأعزاء من الاهل والأصدقاء.
اذن فإن تأييدهم للجيش قد جاء بناءا علي معلومات مضللة يقوم ببثها أنصار النظام السابق واعلامهم المدعوم بغرض إضعاف معسكر السلام المطالب بوقف الحرب فورا عن طريق التفاوض.
ويبدو أن الجماهير السودانية مازالت في اغلبها ترفض الرجوع إلي العيش تحت حكم النظام السابق لكن اعلام الإخوان المسلمين مازال يستجدى مسألة "إظهار قبول الشعب لهم" ولو عن طريق الكذب والتدليس واستخدام مؤسسة الجيش التي يسيطرون علي قراراتها.
واخشي أن تكون الحكومة المصرية قد ساعدتهم علي تسويق ذلك للمجتمع الدولي خاصة وأن الجميع يعلم دور كتائب الإخوان المسلمين الواضح في هذه الحرب. إن محاولات إقناع المجتمع الدولي والاقليمي بأن غالبية شعب السودان يؤيد جيشه في حربه ضد قوات الدعم السريع خطأ فادح في هذا الظرف العصيب ، ويعد بمثابة تسويق لسلعة فاسدة لأن الشعب في حقيقة الأمر يتوق إلى وقف الحرب وعودة الحياة في السودان الي طبيعتها.

من الضروري في الوقت الراهن إقناع الإدارة المصرية بالتخلي عن دعمها السياسي والدبلوماسي والعسكري إن وجد، للجيش السوداني وقياداته التي تسببت في اندلاع الحرب والإصرار علي استطالة امدها بمواقفها الرافضة للتفاوض حتي تضع الحرب أوزارها.
نتمنى أن تهتم حكومة مصر بالمنصات ذات الطابع الاستراتيجي المذكورة بعاليه وأن تنطلق منها ، حتي تدرك قبل فوات الاوان ان منح انصار النظام السابق في السودان شرعيةزائفة خطأ في حق الحاضر وفي حق المستقبل والأجيال القادمة.

طلعت محمد الطيب

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإخوان المسلمین النظام السابق فی السودان

إقرأ أيضاً:

رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا

وجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة حادة إلى الدول التي تقدم الدعم العسكري للأطراف المتحاربة في السودان قائلا "يكفي هذا".

وقال بلينكن أمام اجتماع حول السودان بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودانيين وليس تعميقها، استخدموا نفوذكم لإنهاء الحرب وليس إدامتها، لا تكتفوا بالزعم بأنكم مهتمون بمستقبل السودان، بل أثبتوا ذلك".

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وقد خلفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى، وشردت أكثر من 11 مليون سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.

دعم إضافي

وخلال الجلسة، أعلن وزير الخارجية الأميركي عن تخصيص بلاده مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار، مضيفا أن الولايات المتحدة عملت كثيرا مع الشركاء لتوفير المساعدة إلى السودان.

إعلان

وأشار بلينكن إلى أن التمويل سيوفر الغذاء والمأوى والرعاية الصحية للسودان الذي يتعين توصيل مزيد من المساعدات إليه بشكل آمن وسريع.

وأضاف أن الولايات المتحدة ستستخدم كل وسيلة -مثل فرض مزيد من العقوبات- لمنع الانتهاكات في السودان ومحاسبة مرتكبيها، ودعا الآخرين إلى فرض إجراءات عقابية مماثلة على المتسببين في تفاقم الصراع.

وعلى صعيد متصل، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، حيث يعاني 1.7 مليون شخص من الجوع أو يواجهون خطره المباشر، كما يعاني نحو 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد طالب بتوفير مساعدة بقيمة 4.2 مليارات دولار لتلبية حاجات السودانيين في 2025.

مقالات مشابهة

  • هل صارت الخدمات من أدوات الصراع السياسي في السودان؟
  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • مواقف دول الجوار من حرب السودان (1)
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم توجه بتنفيذ حملة لازالة مخلفات الحرب في المناطق التي تم تطهيرها ببحري
  • الهيئة الدولية لدعم فلسطين: نثمن الجهود المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة
  • وزير الخارجية الأمريكي: نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني
  • رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا
  • في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني
  • بوتين: لا نعرف ما الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها في غزة
  • بيان بمناسبة ذكرى ثورة ديسمبر من تحالف القوى المدنية لشرق السودان