خريف ظفار.. بين الواقع والمأمول
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
د. سليمان المحذوري
abualazher@gmail.com
أضحت مُحافظة ظفار قِبلةً سياحيةً بامتياز خلال أشهر الصيف الممتدة من شهر يونيو إلى أغسطس من كل عام، وهذا الموسم يُعرف محليًا بالخريف حيث تكتسي المُحافظة خلال هذه الفترة حلة بهية خضراء تسرّ الناظرين بجبالها وسهولها ووديانها، وبالتالي حجزت ظفار موقعًا مهمًا في خارطة السياحة المحليّة والإقليميّة.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في مختلف ربوع عُمان- كما هو الحال في باقي أجزاء شبه الجزيرة العربية- تحرص كثير من الأسر العُمانية والخليجية على شد الرحال إلى محافظة ظفار للاستمتاع بأجوائها الاستثنائية المعتدلة، وقضاء أوقات ماتعة في أماكنها الجميلة.
وشخصيًا بين فترة وأخرى، أحرص على زيارتها بصحبة الأسرة كلما سنحت الظروف لذلك، وخلال هذا الموسم كانت صلالة هي وجهتي، وبعد اتخاذ الترتيبات اللازمة قبل فترة كافية من حجز تذاكر الطيران، ومكان الإقامة المُناسب، وشحن السيارة من مسقط حطت قدماي مطار صلالة بنهاية شهر يوليو المنصرم. وكما يُقال "من رأى ليس كمن سمع"؛ فقد شهدت المحافظة خلال هذا العام نقلة في توفر الخدمات الترفيهية، وأماكن الإيواء، وتنوع المقاصد السياحية المزودة بالخدمات الضرورية وهذا أمر محمود يُشكر القائمون عليه مع أهمية مواصلة العمل لاستكمال جميع البنى الأساسية، وتطوير المناطق السياحية لنهوض صناعة سياحية مستدامة في ظفار منافسة إقليميًا على أقل تقدير.
من وجهة نظري وبعد رصد جميع الملاحظات بشأن موسم الخريف، ينبغي مباشرة العمل مع بداية شهر سبتمبر بخطة عمل مدروسة بحيث تنتهي جميع الأعمال المقررة مع بداية الموسم القادم وهكذا دواليك. ومن الأهمية بمكان مد فترة الموسم إلى ثلاثة أشهر، وزحزحة بداية العام الدراسي قليلًا ضمانًا لنجاح موسم السياحة في المحافظة، وحتى لا يتكدس السياح خلال فترة محددة وبالتالي الطلب العالي على مكان السكن، والزحمة الشديدة في الشوارع.
كما يُمكن العمل على توسعة الشوارع الحالية، وتهيئة المداخل والمخارج، وعمل الجسور في الأماكن الحيوية لامتصاص الأعداد المتزايدة من المركبات، وتسهيل انسيابية الحركة المرورية الكثيفة. وكم هو جميل لو يتم تصميم - بأشكال عصرية جذابة - أماكن مهيئة لبيع المأكولات المحلية خاصة عند مداخل الأماكن السياحية الطبيعية. وربما من الأشياء المزعجة للسائح انتشار البعوض في بعض الأماكن لا سيما عند العيون التي تحتاج إلى مزيد من العناية لمكافحة هذه الحشرات.
ومن الملفت زيادة حركة الطيران الداخلية من مسقط إلى صلالة والعكس بسبب تثبيت الأسعار للعُمانيين إلى الحد المعقول مُقارنة بالأسعار السابقة؛ سواء كان على الطيران العُماني أو طيران السلام. ونتمنى استمرار الجهود في هذا الإطار، وتخفيض الأسعار للرحلات الداخلية طوال العام ولجميع الوجهات مُراعاة للمواطنين، وتشجيعًا للحركة الداخلية المستمرة بين محافظة وأخرى.
إجمالًا.. لا شكّ أنَّ السائح يحتاج إلى حزمة سياحية متكاملة مع أهمية جذب الاستثمارات والتركيز على المشاريع السياحية النوعية ذات الطابع الترفيهي، وضرورة تمكين العُماني الجاد للاستفادة من هذا الموسم. كما إنّ محافظة ظفار بها تنوع بيئي وجيولوجي عجيب يُمكن من خلال صناعة سياحة دائمة طوال العام وليس في موسم الخريف فقط.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفن كوسيلة للاحتجاج.. أداة فعّالة للتعبير عن الغضب وتغيير الواقع
على مر العصور، كان الفن وسيلةً قوية للتعبير عن الأفكار والمشاعر، ولكنه تجاوز هذا الدور التقليدي ليصبح سلاحًا مؤثرًا في الحركات الاجتماعية والسياسية. الفن لم يعد مقتصرًا على الجماليات أو التعبير الفردي فقط، بل أصبح أداة احتجاج تحمل رسائل حادة، مثيرة للجدل، وتلعب دورًا محوريًا في تغيير الواقع. من الرسومات الجدارية إلى العروض المسرحية، ومن الموسيقى إلى الأفلام الوثائقية، استُخدم الفن كسلاح سلمي في مواجهة القمع، الظلم الاجتماعي، والتمييز.
الفن والاحتجاج الاجتماعي: كيف يُحدث الفرق؟الفن قادر على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية ليخاطب الجماهير بشكل مباشر وعاطفي. في حين أن الكلمات المكتوبة أو الخطابات قد تكون محدودة بتأثيرها، فإن الفن يستطيع اختراق النفوس وإثارة التساؤلات بشكل يصعب تجاهله. على سبيل المثال، عندما تكون هناك رقابة على وسائل الإعلام أو قيود على حرية التعبير، يظهر الفن في المساحات العامة، كالجدران أو الشوارع، ليحمل صرخات المحتجين.
أحد أبرز الأمثلة هو فن الجرافيتي، الذي وُلد في أزقة المدن ليصبح صوت المهمّشين. في سبعينيات القرن الماضي، استخدمت حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الفن لتسليط الضوء على قضايا العنصرية والتهميش. كان الفنانون السود، مثل كيث هارينغ وجان ميشيل باسكيات، يعبرون عن غضبهم من العنصرية من خلال رسومات تحمل رموزًا ومعاني عميقة.
الفن ضد الأنظمة القمعيةفي أماكن أخرى من العالم، واجه الفنانون أنظمة قمعية باستخدام أدوات بسيطة ولكن ذات أثر كبير. في أمريكا اللاتينية خلال فترة الديكتاتوريات العسكرية في السبعينيات والثمانينيات، ظهرت حركات فنية قوية مثل "فن المناديل البيضاء" في الأرجنتين، حيث كانت أمهات المفقودين يرتدين مناديل بيضاء ويعبرن عن معاناتهن برسائل فنية صامتة في الساحات العامة. كانت تلك المناديل رمزًا للمقاومة السلمية ضد اختفاء أبنائهن على يد الأنظمة القمعية.
وفي العالم العربي، شكّل الربيع العربي لحظة فارقة في استخدام الفن كوسيلة احتجاجية. فقد انتشرت الأغاني الثورية، مثل أغنية "إرحل" التونسية التي غناها المطرب الشاب حمادة بن عمر (الجنرال)، والتي أصبحت صوت الاحتجاجات في الشوارع. كما لعب فن الشارع دورًا محوريًا، حيث امتلأت الجدران برسومات تعبر عن الغضب والأمل في نفس الوقت، مثل رسومات الفنان المصري المعروف باسم "علاء عوض" التي أصبحت رمزًا للاحتجاج ضد الفساد.
الأفلام والمسرح: سلاح سلمي ذو تأثير عميقلم يقتصر الاحتجاج الفني على الشوارع، بل امتد إلى المسرح والسينما. في جنوب إفريقيا، خلال نظام الفصل العنصري، استخدم الكاتب المسرحي أثول فوغارد المسرح لتعرية الظلم الاجتماعي من خلال عروض تفاعل معها الجمهور بقوة. كما لعبت الأفلام الوثائقية دورًا كبيرًا، مثل فيلم "13th" للمخرجة آفا دوفيرناي، الذي يسلط الضوء على العنصرية الممنهجة في النظام القانوني الأمريكي.
الجدل حول الفن الاحتجاجي: حرية تعبير أم تهديد للنظام؟
رغم قوة الفن كوسيلة احتجاج، فإنه يثير الجدل حول حدود حرية التعبير. هناك من يرى أن هذا النوع من الفن يشعل التوترات الاجتماعية أو يهدد استقرار الأنظمة. في المقابل، يجادل المدافعون بأن الفن الاحتجاجي هو جزء من الحق الإنساني في التعبير، ويعتبرونه شكلًا سلميًا وضروريًا لمواجهة الظلم.
في الوقت الذي يحاول فيه بعض الأنظمة قمع الفنانين أو تجريم أعمالهم، يظهر التاريخ أن القمع غالبًا ما يزيد من إصرار الفنانين على الإبداع والتعبير. وهكذا، يبقى الفن أداة احتجاج لا يمكن إيقافها، وجسرًا يربط بين الأجيال والمجتمعات، حاملًا صوت المهمشين ودعوات التغيير.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سيظل الفن وسيلة سلمية للتعبير عن القضايا العادلة، أم أنه سيتحول إلى ساحة مواجهة مع القوى المسيطرة؟ الإجابة على هذا السؤال متروكة للجماهير، وللفنانين أنفسهم، الذين أثبتوا مرارًا أن أصواتهم لا يمكن إسكاتها.