يتساءل الكثيرون عن الكلم الطيب في القرآن ومعنى الصعود لله في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾؟ وهل يفيد إثبات جهة معينة لله تعالى؟

الكلم الطيب في القرآن 

قالت دار الإفتاء المصرية إن ما عليه جماهير علماء المسلمين المعتبرين عبر العصور: أنَّ الصعود إليه سبحانه وتعالى معناه ارتفاع الرتبة وعلو المكانة وشرف المنزلة وزيادة الفضل، وليس في ذلك صعودٌ حِسِّيٌّ ولا انتقالٌ أو قطعُ مسافة.

وصعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه سبحانه في جهة معينة؛ لأنَّه تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان جلَّ وعلا موجودًا قبل الجهة والمكان.

المراد بالصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10] إما أن يكونَ الصعود إليه سبحانه؛ فيكون مجازًا عن علو المكانة ورُقيِّ المرتبة عنده؛ لاستحالة المكان في حقه سبحانه، وإما أن يكون لمواضع مخلوقاته المشرفة؛ فيصحّ فيه ارتفاع المكانة أو المكان؛ قال الإمام بدر الدين بن جماعة الشافعي في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" (ص: 111-112، ط. دار السلام): [قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: 55]: اعْلَم أَنه قد تقدَّم الكلامُ عليه في آيَة الاسْتوَاء، ونزيد هَهُنَا: أَنه إِذا ثَبت اسْتِحَالَةُ الْجِهَة فِي حَقه تَعَالَى وَجب تَأْوِيل هَذِه الْآيَات، وَأَن المُرَاد: يصعد ويعرج إِلَى مَحل أمره وإرادته، أَو أَنَّ المُرَاد بالمعارج: الرتب والدرجات؛ كَمَا ورد فِي دَرَجَات الْجنَّة، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ: الدَّرَجَات الَّتِي هِيَ مراقي من سفل إِلَى علو الرُّتْبَة والمنازل عِنْده تَعَالَى، وَفِي إفاضات النعم فِي الْجنَّة، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾، وقوله: ﴿بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ إِلَى مَحل كرامته؛ كَمَا يُقَال: رفع السُّلْطَان فلَانا إِلَيْهِ؛ لَيْسَ المُرَاد مَكَانًا وَلَا جِهَة علو، بل قرب رُتْبَة ومنزلة] اهـ.

واتَّفق علماء المسلمين على أنَّ العروج إلى الله تعالى إنما هو بالرتبة والمنزلة والمكانة، لا بالمسافة والانتقال؛ لأنَّه تعالى مُنزَّهٌ عن المكان والجهة والنُقلة ودُنوِّ الْمسَافَة؛ قال الإمام الثعلبي في "الكشف والبيان" (25/ 86، ط. دار التفسير): [ودُنوّ الله من العبد ودنوّ العبد من الله تعالى بالرتبة، والمنزلة، والمكانة، وإجابة الدعوة، لا بالمسافة؛ لأن المسافة لمن يكون له المكان مشتغلًا به، فيكون بينه وبين المكان الآخر مسافة، وذلك كله من أمارات الأجسام وخواصها، والله عزَّ شأنه يتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وإنما هو كقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ﴾ [البقرة: 186]، وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ [الواقعة: 85]؛ يعني: بالعلم والقدرة وإجابة الدعوة] اهـ.

هل يجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة ؟.. أمين الإفتاء يجيب حكم المصافحة بين المُصلين بعد الصلاة .. دار الإفتاء تجيب

وقال الإمام القرطبي المالكي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 333، ط. دار الكتب المصرية-القاهرة): [وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» المعنى: فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت. وهذا يدل على أن الباريَ سبحانه وتعالى ليس في جهة] اهـ.

وقال الإمام بدر الدين بن جماعة الشافعي في كتابه "إيضاح الدليل" (ص: 144): [اعْلَم أَن دنو الْمسَافَة على الله تَعَالَى محَال] اهـ.

وقال العلَّامة القسطلاني الشافعي في "إرشاد الساري" (10/ 393، ط. الأميرية) عند شرحه لقول زينب بنت جحش رضي الله عنها: "إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ": [وذات الله تعالى منزّهة عن المكان والجهة، فالمراد بقولها: "فِي السَّمَاءِ": الإشارة إلى علوّ الذات والصفات، وليس ذلك باعتبار أنَّ محله تعالى في السماء، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا] اهـ.

وقد صنَّف العلماء قديمًا وحديثًا في نفي الجهة عن الله سبحانه تعالى، وخصصوا الأبواب والفصول في الرد على من يدَّعي ذلك من الجهمية المُجسمة والمشبهة، ومن على شاكلتهم ممن يتعلَّقون بالظواهر، التي دلت الأدلة القطعية على أنها غير مرادة على جهة الحقيقة؛ فخصص الإمام البخاري بابًا في "صحيحه" للرد على الجهمية المجسِّمة المتعلقين بظاهر الآيات والأحاديث، فقال: (باب قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، وقوله جل ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وقال أبو جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعثُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء"، وقال مجاهد: "العمل الصالح يرفع الكلم الطيب" يقال: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 3]: "الملائكة تعرج إلى الله").

قال العلّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (10 /453، ط. مكتبة الرشد): [غرضُه في هذا الباب: رد شبهة الجهمية المجسمة في تعلقها بظاهر قوله تعالى: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ ۞ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3-4]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وما تضمنته أحاديث الباب من هذا المعنى، وقد تقدم الكلام في الرد عليهم؛ وهو: أنَّ الدلائل الواضحة قد قامت على أن الباري تعالى ليس بجسمٍ، ولا محتاجًا إلى مكان يحلُّه ويستقر فيه؛ لأنه تعالى قد كان ولا مكان، وهو على ما كان ثم خلق المكان، فمحال كونه غنيًّا عن المكان قبل خلقه إياه، ثم يحتاج إليه بعد خلقه له، هذا مستحيل، فلا حجة لهم في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾؛ لأنه إنما أضاف المعارج إليه إضافة فعل، وقد كان لا فعل له موجود، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ هو بمعنى: العلو والرفعة. وكذلك لا شبهة لهم في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾؛ لأنَّ صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو؛ لأنَّ الباري تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرفُ هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة، فوجب أن يكون تأويل قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ رفعته واعتلاؤه على خليقته وتنزيهه عن الكون في جهة؛ لأنَّ في ذلك ما يوجب كونه جسمًا، تعالى الله عن ذلك. وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكلم عَرَضٌ، والعرض لا يصح أن يَفْعَل؛ لأن من شرط الفاعل كونَه حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرفُ الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به] اهـ.

وشددت على ذلك: فالذي عليه الأمة الإسلامية كلها بفقهائها ومُحدثيها ومتكلميها أن الصعود إليه سبحانه معناه ارتفاع الرتب وزيادة الفضائل وعلو المكانة وشرف المنزلة، ونحو ذلك؛ مما ليس فيه صعودٌ حِسِّيٌّ ولا نُقلةٌ أو قطع مسافة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الكلم الطيب دار الإفتاء الملائكة علماء المسلمين ذ ی ال م ع ار ج الله تعالى قال الإمام قوله تعالى رضی الله إلى الله تعالى لا الم ر اد الله عن فی قوله ه تعالى ال ک ل م فی جهة الله ت على أن

إقرأ أيضاً:

داعية إسلامي لعمر كمال: عملك الطيب لن يذهب سدى ولكن عليك الإخلاص

كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

رد الشيخ أسامة قابيل، الداعية الإسلامي، على المغني عمر كمال، والتي طالب فيها علماء الأزهر بتوضيح مدى قبول أعمال الخير التي يقوم بها.

وقال قابيل عبر صفحته على "فيسبوك"، إن التصريحات التي أدلى بها عمر كمال تعكس حالة من التوتر النفسي التي يشعر بها بعض الفنانين في المجتمع، خاصة عندما يتعرضون لملاحظات سلبية حول مصدر رزقهم.

وأضاف قابيل، أن الله سبحانه وتعالى هو العليم بقلوب العباد ونواياهم، وعندما نتحدث عن أعمال الخير، فإننا يجب أن نركز على النية وراء هذه الأعمال، والأعمال لا تُقبل أو تُرد بناءً على ما يقوله الآخرون، بل تُقبل على أساس النية الخالصة لله".

وتابع: "إذا كان الشخص يسعى لمساعدة الآخرين ويدعم الفقراء والمحتاجين، فالأولى أن نتعامل مع تلك النوايا بإيجابية، وأن نكون مشجعين له في أعماله الخيرية، بدلاً من نقده، والتمسك بالقيم النبيلة ومساعدة الآخرين هو من صميم تعاليم ديننا، بغض النظر عن المهنة التي يمارسها الفرد".

وأوضح : "أقول لعمر كمال وكل من يشعر بمثل هذه الضغوط: اعملوا الخير، وتوكلوا على الله، فالنية الصادقة والعمل الطيب لن يذهب سدى، عليكم أن تظلوا مخلصين فيما تقومون به، وأن تدركوا أن النقد يجب أن يكون بناءً، وليس هدمًا".

ولفت إلى أن البعض يعتبر الموسيقى مُحرمة إذا كانت تروج للمعاصي أو تلهي عن ذكر الله، بينما يرى آخرون أنه يمكن أن تكون مباحة إذا كانت ذات محتوى إيجابي، وتُستخدم في المناسبات السعيدة دون الإخلال بالقيم الإسلامية، الأهم هنا هو النية وراء الفعل، ومدى تأثيره على الروح والمجتمع، لذا، ينبغي علينا أن نتعامل مع هذه القضايا بفهمٍ متوازن، وأن نتجنب إصدار أحكامٍ قاسية، ونركز بدلاً من ذلك على ما يُعزز من قيم الخير والمحبة في المجتمع".

مقالات مشابهة

  • عبد الله الطيب في عيني محمد المكي إبراهيم
  • كثرة اليابسة.. وفرة المعنى وقلة اللّفظ
  • حزب الله: نستطيع استهداف أي نقطة في إسرائيل وسنختار المكان المناسب
  • هل يعتبر طلاب الجلالة شهداء علم.. وما هي حالات الشهادة؟
  • برنامج أسبوعي لإبطال سحر المقابر.. بـ 4 سور من القرآن
  • 21 شهيدا في غارة إسرائيلية على بلدة شمالي لبنان.. ونتنياهو يتوعد حزب الله
  • هل قراءة آية "الله نور السموات والأرض" تجلب الخير والبركة وسعة الرزق؟
  • داعية إسلامي لعمر كمال: عملك الطيب لن يذهب سدى ولكن عليك الإخلاص
  • عجائب القرآن.. رئيس جامعة الأزهر يوضح 10 معجزات علمية أذهلت العالم