معلومات الوزراء: 6.9 تريليونات دولار حجم الاستثمار العالمي في الأصول غير الملموسة
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء خلال تحليل جديد له على ماهية الاستثمار غير الملموس وأنواعه، والاتجاهات العالمية لنمو هذا النوع من الاستثمار، فضلًا عن استعراض سعي مصر في دعم استثماراتها غير الملموسة وخاصة الملكية الفكرية، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة شهدَّت تحولًا نموذجيًّا في كيفية خلق القيمة وقياسها في عالم الأعمال، وفي ضوء الهيمنة المتزايدة للاقتصاد الرقمي والعولمة والتقدم التكنولوجي السريع، زادت أهمية الأصول غير الملموسة، وأصبح لها دور حاسم في دفع الأداء المالي للشركات وتقييم السوق، وأصبحت الشركات ذات الأصول غير الملموسة القوية أكثر مرونة، ولها قدرات ابتكارية ومكانة سوقية؛ مما يمكنها من التفوق على المنافسين في الأمد البعيد؛ حيث توفر هذه الأصول أساسًا للنمو المستدام والربحية.
وأوضح المركز أن الاستثمار كان تاريخيًّا مُوجَّهًا في المقام الأول نحو الأصول المادية أو الملموسة، مثل: المصانع والمعدات، وغيرهم، ومع التطورات التكنولوجية، اعتمدت الاقتصادات بشكل متزايد على مخزون من الأصول غير الملموسة التي لا يوجد لها وجود مادي، مثل: البحث، والتطوير، والمعرفة، والبرمجيات، والبيانات، والتصميم، والعلامات التجارية، والسمعة، والخبرة التنظيمية، أو سلسلة التوريد والمهارات عالية المستوى؛ أي جميع الأصول التي تنتج عن الملكية الفكرية أو تتفاعل معها بشكل ما.
وأضاف التحليل أنه يمكن تصنيف الأصول غير الملموسة إلى فئات مختلفة بناءً على خصائصها واستخدامها، وتمثل الملكية الفكرية، مثل: براءات الاختراع، وحقوق النشر، والعلامات التجارية، جزءًا كبيرًا من الأصول غير الملموسة. وتحمي هذه الأصول الإبداعات الفريدة للشركة، وتوفر حقوقًا قانونية بشأن استخدامها أو توزيعها.
وبالإضافة إلى الملكية الفكرية، تعَد العلامة التجارية أحد الأصول غير الملموسة المهمة؛ حيث يمكن للعلامة التجارية القوية أن تميز الشركة عن منافسيها، وتبني ثقة وولاء العملاء.
وتعَد علاقات العملاء أيضًا أصولًا غير ملموسة مهمة، وغالبًا ما تتمتع الشركات التي تعطي الأولوية لإدارة علاقات العملاء بميزة تنافسية في السوق؛ حيث يمكنها الاستفادة من قاعدة عملائها الحالية لدفع النمو المستقبلي.
وفي ضوء التحول الرقمي الذي شهده العالم، تعَد أنظمة البرمجيات نوعًا أساسيًّا آخر من الأصول غير الملموسة؛ حيث تعتمد الشركات بشكل كبير على البرمجيات للقيام بأعمال مختلفة، بما في ذلك إدارة علاقات العملاء وإدارة سلسلة التوريد وتحليل البيانات.
وعلى الرغم من طبيعتها غير الملموسة، فإن هذه الأصول يمكن أن تُسهم بشكل فعال في خلق وتوليد القيمة سواء للاقتصاد ككل أو على مستوى الشركات أو الأفراد، فعلى مستوى الاقتصادات، تشكل الأصول غير الملموسة محركًا مهمًّا للإنتاجية ونمو الناتج المحلي الإجمالي للدول، كما أن لديها القدرة على زيادة مرونة الاقتصادات في مواجهة الصدمات الكبيرة باستخدام التقنيات الرقمية. وعلى مستوى الشركات، يلعب الاستثمار في الأصول غير الملموسة دورًا مهمًّا في تعزيز الميزة التنافسية للشركات والملكية الفكرية الخاصة بها، ودفع الابتكار والنمو، وجذب أفضل المواهب، وتنمية ولاء العملاء، وفي نهاية المطاف، ضمان نجاح السوق. وعلى مستوى الأفراد، فإنها تؤثر على الحياة اليومية من خلال تعزيز الابتكار وتحسين الأوضاع الاقتصادية للأفراد، وخلق وظائف أعلى أجرًا، وتحسين جودة المنتجات.
وفي هذا الإطار يشهد الاقتصاد العالمي ارتفاعًا ملحوظًا في الاستثمار في الأصول غير الملموسة؛ حيث وصل حجم الاستثمار العالمي في الأصول غير الملموسة إلى 6.9 تريليونات دولار أمريكي في عام 2023 مقارنةً بـ 2.9 تريليون دولار أمريكي في عام 1995، أي أكثر من الضعف. وفي المقابل، ارتفعت الاستثمارات الملموسة بنسبة 73%؛ حيث ارتفعت من 2.7 تريليون دولار عام 1995 إلى 4.66 تريليونات دولار عام 2023. وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي وتشديد الظروف النقدية، أثبتت الاستثمارات غير الملموسة مرونتها لتنمو بثلاثة أضعاف معدل نمو الاستثمارات الملموسة بين عامي 2008 و2023.
أشار التحليل إلى أنه بجانب نمو الاستثمار غير الملموس بشكل أسرع من الاستثمار الملموس، توجد بعض اتجاهات النمو الأخرى للاستثمارات غير الملموسة التي يجب تسليط الضوء عليها، ومنها: تزايد حصة الاستثمار غير الملموس من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بالاستثمار الملموس؛ حيث إنه في الاقتصادات ذات المستويات المرتفعة من الاستثمار غير الملموس، اتسعت الفجوة بين الاستثمار الملموس وغير الملموس كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ، فعلى سبيل المثال: بلغت حصة الاستثمار غير الملموس في الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من ضعف حصة الاستثمار الملموس في عام 2023.
في المقابل، في الدول ذات المستويات المنخفضة من الاستثمار غير الملموس، تقلصت الفجوة بين الاستثمار الملموس وغير الملموس كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مع لحاق الاستثمار غير الملموس بالاستثمار الملموس.
أفاد التحليل أن الارتفاع في نسبة الاستثمار غير الملموس من الناتج المحلي الإجمالي جاء مدفوعًا بتزايد أهميته الاقتصادية لا سيما في وقت الأزمات؛ حيث إن مستويات الاستثمار غير الملموس أكثر مرونة من مستويات الاستثمار الملموس خلال الأزمات الاقتصادية، فخلال جائحة كوفيد-19، انخفض الاستثمار الملموس بشكل أكثر حدة مقارنة بالاستثمار غير الملموس. ويرجع ذلك إلى أن طبيعة الاستثمار غير الملموس تجعله أكثر مرونة وأقل حساسية للصدمات الاقتصادية التي تعطل العرض والطلب المادي مقارنة بالاستثمار الملموس.
بالإضافة إلى ذلك، خلال الفترة الأخيرة والتي شهدت ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع تمويل الابتكار الذي أثر على رأس المال الاستثماري، أظهر الاستثمار غير الملموس نسبة إلى الاستثمار الملموس مرونة ملحوظة. ويمكن توضيح مرونة الاستثمارات غير الملموسة من خلال توضيح التغير في نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي قبل وبعد جائحة كوفيد-19. وجاءت لوكسمبورج وفرنسا والسويد كأعلى الدول التي شهدت زيادة الاستثمار غير الملموس كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بين الفترتين. ومن ناحية أخرى، شهدت كرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا أكبر انخفاض في الاستثمار غير الملموس بين الفترات أنفسها.
وأضاف التحليل أنه فيما يتعلق بأنواع الاستثمارات غير الملموسة الأسرع نموًّا، جاءت البرمجيات والبيانات والعلامات التجارية كأسرع أنواع الاستثمارات غير الملموسة نموًّا خلال العقد الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن البرمجيات والبيانات والعلامات التجارية نمت بشكل أسرع ثلاث مرات من البحث والتطوير بين عامي 2010 و2018، في حين انخفض الاستثمار في منتجات الملكية الفكرية الأخرى (التنقيب عن المعادن والأعمال الفنية والترفيهية والأدبية) خلال الفترة من 2011 إلى 2021.
وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للاستثمار غير الملموس، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية كأعلى دولة من حيث حجم الاستثمار غير الملموس، تلتها 22 دولة من الاتحاد الأوروبي، ومن بينها اتبعت فرنسا وألمانيا مسارات نمو مماثلة حتى عام 2020، وبعد ذلك ارتفع مستوى الاستثمار غير الملموس في فرنسا إلى مستوى أعلى من نظيره في ألمانيا. وعلى نحو مماثل، بدأت ألمانيا في التفوق على المملكة المتحدة منذ عام 2018 فصاعدًا. وتشمل الاقتصادات الأخرى ذات الأداء الأفضل ضمن الـ 22 دولة من الاتحاد الأوروبي: إيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، وبولندا، والسويد.
وعن دور مصر في دعم استثماراتها غير الملموسة، أوضح التحليل أنه انطلاقًا من أهمية الملكية الفكرية كأحد أبرز أنواع الاستثمار غير الملموس، وإيمانًا بدورها في تعزيز الابتكار والإبداع الذي يُعَد أساس النمو الاقتصادي والتنمية الثقافية في أي دولة، أصدرت مصر قانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، الذي يضع الإطار القانوني لحماية أنواع مختلفة من الملكية الفكرية، بما في ذلك التصميمات الصناعية والعلامات التجارية وحقوق النشر وبراءات الاختراع، وتجدر الإشارة إلى أنه تم تعديل بعض أحكام هذا القانون بموجب القانون رقم 178 لعام 2020، بالإضافة إلى إصدار الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في سبتمبر 2022؛ التي تُعَد بمثابة حجر أساس لمنظومة الملكية الفكرية في مصر.
حقوق الملكية الفكرية يواجه عددًا من التحدياتوعلى الرغم من الإطار القوي الذي وضعه القانون رقم 82 لسنة 2002، فإن إنفاذ حقوق الملكية الفكرية يواجه عددًا من التحديات، ومنها: التعقيدات التي يشهدها العالم في ضوء التحول الرقمي وتوسع التجارة الإلكترونية وما صاحبها من سرقة البيانات والقرصنة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى نقص الوعي العام بشأن أهمية حقوق الملكية الفكرية. وهو ما يمكن التغلب عليه من خلال:
-الإصلاحات التشريعية: من خلال تحديث قوانين الملكية الفكرية لمعالجة التحديات الناشئة، وخاصة تلك المتعلقة بالمحتوى الرقمي والتجارة الإلكترونية. ويشمل هذا توسيع نطاق الحماية لتغطية أشكال جديدة من الانتهاك.
-حملات التوعية العامة: تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية حقوق الملكية الفكرية، وذلك من خلال وضع برامج تعليمية تستهدف تعزيز الالتزام بحقوق الملكية الفكرية وحمايتها، وذلك على مستوى الشركات والمستهلكين والمهنيين والقانونيين.
-تعزيز التعاون الدولي: التعاون الفعال مع المنظمات الدولية لتوفير الموارد والخبرة اللازمتين لمواجهة تحديات إنفاذ الملكية الفكرية، ويمكن على سبيل المثال التعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكاتب الإقليمية للملكية الفكرية.
وأظهر التحليل أن الاستثمار غير الملموس يؤدي في الوقت الحالي دورًا مهمًّا في زيادة الابتكار والإبداع ودعم النمو الاقتصادي. وفي ضوء التحول الرقمي الذي يشهده العالم وظهور تقنيات جديدة، زادت أهمية الأصول غير الملموسة، بما يخلق دافعًا للعديد من الدول نحو تبني سياسات داعمة لهذا النوع من الاستثمار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی حقوق الملکیة الفکریة والعلامات التجاریة غیر الملموسة ا من الاستثمار الاستثمار ا على مستوى من خلال فی ضوء إلى أن حقوق ا
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: تغير المناخ يؤثر عالمياً على الأمن الغذائي ويدفع بالملايين للنزوح
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم تغيُّر المناخ ومسبباته وتداعياته على مختلف المناطق، كما استعرض تأثيره على الأفراد والشركات، مع توضيح أبرز مقترحات مواجهته.
أشار التحليل إلى أن تغيُّر المناخ يُعد أحد أخطر التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا في العصر الحديث؛ حيث يؤثر بشكل مباشر على الأفراد، من خلال مظاهر هذا التغيُّر التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، والتي تهدد الصحة العامة، لا سيما لدى الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن، كما يؤدي إلى تراجع الموارد الطبيعية، مثل المياه والغذاء، نتيجة لاختلال أنماط هطول الأمطار؛ مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، ويهدد الأمن الغذائي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الأعباء المعيشية، بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة، مثل الفيضانات والجفاف، في فقدان المنازل وتشريد الملايين؛ مما يؤدي إلى أزمات إنسانية واجتماعية، كما تتأثر سبل العيش؛ حيث يواجه العاملون في الزراعة والصيد والسياحة تحديات تهدد استقرارهم الاقتصادي.
أوضح التحليل أن تغيُّر المناخ يُشير إلى التغيُّرات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس، والتي قد تحدث بشكل طبيعي نتيجة للتقلبات في النشاط الشمسي أو الانفجارات البركانية الكبرى، ومع ذلك، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي العامل الأساسي وراء تغيُّر المناخ، وقد أكد علماء المناخ أنها مسؤولة بشكل كامل عن الاحترار العالمي خلال القرنين الماضيين؛ إذ تؤدي الأنشطة البشرية إلى انبعاث الغازات الدفيئة التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أي وقت مضى، وذلك خلال الألفي عام الأخيرة على الأقل.
أضاف التحليل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض أصبح الآن حوالي 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا مما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل الثورة الصناعية، ويُعد العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وينتج عن احتراق هذه المصادر انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)، التي تعمل كغطاء يحيط بالأرض؛ مما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ذكر التحليل أن ثاني أكسيد الكربون والميثان يُعدوا من الغازات الدفيئة الرئيسة المسؤولة عن تغيُّر المناخ؛ حيث تنتج هذه الغازات من استخدام البنزين في وسائل النقل أو حرق الفحم لتدفئة المباني، كما أن إزالة الغابات تُسهم في إطلاق كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون، وتُعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي، من بين القطاعات الرئيسة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وعند وصول الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ستصبح موجات الحر أكثر شدة، وستمتد الفصول الدافئة لفترات أطول، بينما ستتقلص الفصول الباردة، أما في حال ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية، فستصل موجات الحر المتطرفة بشكل متكرر إلى مستويات حرجة؛ مما يشكل تهديدًا مباشرًا للزراعة والصحة.
أوضح التحليل أن تأثيرات تغيُّر المناخ لا تقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تمتد لتشمل تغييرات واسعة في مختلف الأنظمة البيئية والمناطق الجغرافية، والتي ستزداد حدتها مع استمرار الاحترار، وتشمل هذه التأثيرات:
-تغيُّر أنماط هطول الأمطار: حيث من المتوقع أن تزداد نسبة الهطول في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا، بينما ستنخفض بشكل ملحوظ في أجزاء واسعة من المناطق شبه الاستوائية، كما ستتغير أنماط الأمطار الموسمية وفقًا لكل منطقة، مع حدوث فيضانات متكررة بالتزامن مع موجات جفاف أكثر حدة بعدد من المناطق.
-ارتفاع مستوى سطح البحر: سيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع على مدار القرن الحادي والعشرين؛ مما سيؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية في المناطق المنخفضة، وزيادة معدلات تآكل السواحل، ومن المتوقع أن تتحول الأحداث المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر، التي كانت تحدث مرة كل 100 عام، إلى ظواهر سنوية بحلول نهاية القرن.
- ذوبان الجليد وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي: سيؤدي الاحترار المستمر إلى تسارع ذوبان التربة الصقيعية، واستمرار فقدان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال فصل الصيف، إلى جانب تراجع الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
-تغيُّرات في المحيطات: حيث يشهد المحيط ارتفاعًا في درجة حرارة مياهه، وزيادة في موجات الحرارة البحرية، وتحمضًا متزايدًا، وانخفاضًا في مستويات الأكسجين، وهي تغييرات مرتبطة بالنشاط البشري، ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات على النظم البيئية البحرية والمجتمعات التي تعتمد عليها، وستستمر على الأقل حتى نهاية هذا القرن.
-تأثيرات على المدن: حيث ستتفاقم بعض جوانب تغيُّر المناخ في المناطق الحضرية، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة؛ حيث تكون المدن عادة أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية.
علاوةً على ذلك، تُسهم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير وحرائق الغابات في تدمير المنازل والبنية التحتية؛ مما يجبر الكثيرين على النزوح من مناطقهم، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المدن الساحلية؛ مما يجعل السكان أكثر عرضة لفقدان مساكنهم ومصادر رزقهم، ولا تقتصر التأثيرات على الصحة والاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية؛ حيث يزيد القلق بشأن المستقبل مما يتسبب في زيادة مستويات التوتر والاكتئاب بين الأفراد.
استعرض التحليل تأثير تغير المناخ على الأفراد من خلال تسليط الضوء على عدة جوانب رئيسية وهي:
أولاً: تأثيرات تغيُّر المناخ على الصحة: تصف منظمة الصحة العالمية تغيُّر المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، إذ تُقدر أنه سيتسبب في نحو 250,000 وفاة إضافية سنويًّا بين عامي 2030 و2050، وستكون معظم هذه الوفيات ناتجة عن سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، على أن الحرارة هي أخطر أنواع الطقس القاسي؛ حيث تُسهم درجات الحرارة المرتفعة في وفيات العمال الذين يعملون في الهواء الطلق، والسياح، والحجاج الدينيين، والأشخاص الذين يعانون من التشرد، لكن تأثير الحرارة لا يقتصر على ذلك، بل يؤثر أيضًا على الصحة الجسدية والعقلية بطرق مختلفة:
1- تسببت فصول الشتاء الأقصر والأكثر دفئًا في انتشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحشرات، مثل داء لايم، وزيكا، والملاريا، وحمى الضنك، وفيروس غرب النيل، وشيكونغونيا.
2- تؤدي موجات الحر، خاصةً عند اقترانها بتلوث الهواء الناتج عن حركة المرور، إلى ارتفاع مستويات الأوزون؛ مما يُسهم في تفاقم العديد من المشكلات الصحية، مثل: الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
3- زيادة تركيزات حبوب اللقاح وإطالة مواسم الحساسية، فوفقًا لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية، فإن ارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة أدى إلى تمديد موسم حبوب اللقاح بين 11 و27 يومًا خلال الفترة من 1995 إلى 2011.
وأضاف التحليل أن تغيُّر المناخ يزيد احتمال حدوث جائحة جديدة؛ حيث إن ارتفاع درجات الحرارة سيجبر الحيوانات البرية على تغيير موائلها (بيئاتها)، ووفقًا لتقرير نُشر في المجلة العلمية Nature، فقد يؤدي ذلك إلى دفع هذه الحيوانات إلى العيش بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان؛ مما يزيد فرص انتقال الفيروسات وحدوث جائحة جديدة.
ويشير التقرير إلى أن "تغيُّر النطاق الجغرافي" سيؤدي إلى تفاعل الثدييات مع بعضها بعضًا لأول مرة؛ مما قد يتسبب في تبادل آلاف الفيروسات. ويؤكد العلماء أنه حتى في حال الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية هذا القرن، فإن ذلك "لن يقلل من انتقال الفيروسات في المستقبل".
وأوضح التحليل أنه بالرغم من أن التغيُّر المناخي يؤثر على الجميع، فإن بعض الفئات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، وتشمل:
1-الأطفال: بسبب جهازهم المناعي غير المكتمل، يكونون أكثر عرضة للإجهاد الحراري والجفاف، كما أنهم أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان حرائق الغابات.
2-النساء الحوامل: يواجهن خطرًا متزايدًا من الإجهاد الحراري أثناء موجات الحر بسبب التغيُّرات الفسيولوجية المرتبطة بالحمل، كما أنهن وأجنتهن أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان الحرائق.
3-كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة: يكونون أكثر عرضة للجفاف، والإجهاد الحراري، والالتهابات، وتفاقم أمراض القلب والجهاز التنفسي.
4-السكان في المناطق الريفية والنائية وسكان الشعوب الأصلية والأشخاص ذوي الدخل المنخفض: يواجهون مخاطر أكبر بسبب قلة الخدمات الصحية، وزيادة التعرض للكوارث الطبيعية، مثل: حرائق الغابات والجفاف والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر.
ثانياً: التأثير الاقتصادي لتغيُّر المناخ على الأفراد والشركات: أشار التحليل إلى أن موجات الحرارة المرتفعة، والجفاف الطويل الأمد، والفيضانات الشديدة تُسهم في ارتفاع تكاليف المعيشة وجعل الناس أكثر عرضة للمخاطر.
1- التأثير على الأمن الغذائي والأسعار: تؤثر الأحوال الجوية القاسية على إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية، مثل الأرز، والقمح، والذرة، والقهوة، والكاكاو؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة.
2- تراجع استقرار شبكة الكهرباء وارتفاع التكاليف: حيث تصبح شبكة الكهرباء أكثر عرضة للاضطرابات، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط عليها، خاصة مع تزايد الاعتماد على أجهزة التبريد، كما يواجه مزودو الخدمات أضرارًا متزايدة بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والعواصف العنيفة، وفي النهاية، تنعكس هذه التحديات على المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف الكهرباء.
3- ارتفاع حرارة المحيطات يهدد حياتنا واقتصادنا: يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر خطرًا غير مسبوق على سلاسل التوريد العالمية، فقد يؤدي إلى تعطيل الموانئ والبنية التحتية الساحلية، كما أن ارتفاع درجات حرارة المياه يُسهم في زيادة شدة العواصف في المناطق الاستوائية؛ مما يعرض الأرواح والممتلكات للخطر، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المحيطات تعد موطنًا لغالبية التنوع البيولوجي في العالم، كما يعتمد عليها 3 مليارات شخص في كسب رزقهم، ومع ذلك، تؤدي انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع حرارة المحيطات، وزيادة حموضتها، ونقص مستويات الأكسجين؛ مما يهدد مستقبل الوظائف والصناعات المرتبطة بالبحار.
4- تغيُّر المناخ يدفع بالملايين إلى النزوح: يُعد تغيُّر المناخ أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الهجرة الداخلية؛ حيث يؤثر سلبًا على سبل العيش، ويجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن بسبب تعرضها الشديد للظواهر المناخية القاسية، وتشير التوقعات إلى أن 216 مليون شخص قد يضطرون للنزوح بسبب تغيُّر المناخ بحلول عام 2050، وذلك عبر ست مناطق حول العالم، وستكون أكبر أعداد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (86 مليون شخص)، تليها شرق آسيا والمحيط الهادي (49 مليون شخص)، ثم جنوب آسيا (40 مليون شخص).
5- تغيُّر المناخ قد يجعل تأمين الممتلكات أكثر تكلفة: ففي عام 2021 تسببت الكوارث الجوية المتطرفة في خسائر مؤمَّنة بلغت 105 مليارات دولار، وهو رابع أعلى مستوى منذ عام 1970، وذلك وفقًا للتقديرات الأولية لشركة Swiss Re، إحدى الشركات الرائدة عالميًّا في التأمين وإعادة التأمين، ولا يؤدي هذا فقط إلى ارتفاع تكاليف التأمين للجميع، بل قد يجعل بعض الأصول غير قابلة للتأمين تمامًا. ووفقًا لمجلس المناخ الأسترالي، فإن واحدًا من كل 25 منزلًا في أستراليا قد يصبح غير قابل للتأمين بحلول عام 2030.
6- تكاليف باهظة للشركات بسبب المخاطر البيئية: أشارت دراسة صادرة عن منظمة CDP غير الربحية في عام 2021، التي تدير أكبر نظام عالمي للإفصاح البيئي، إلى أن الشركات قد تتحمل ما يصل إلى 120 مليار دولار من التكاليف المرتبطة بالمخاطر البيئية في سلاسل التوريد بحلول عام 2026، وتشمل هذه التكاليف ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى تغييرات تنظيمية مثل فرض ضرائب الكربون، وذلك في إطار الجهود العالمية للتصدي للأزمات البيئية.
استعرض التحليل طرق مواجهة تغيُّر المناخ ومنها:
-التمويل المتعلق بالمناخ: يلعب الدعم الاقتصادي دورًا كبيرًا في معالجة تغيُّر المناخ؛ حيث تحتاج الدول النامية إلى 127 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، و295 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2050 للتكيف مع تغيُّر المناخ، في الوقت الحالي، يبلغ تمويل التكيف مع المناخ نحو 50 مليار دولار سنويًّا؛ مما يشكل فجوة كبيرة في تلبية الاحتياجات المتزايدة لمواجهة التحديات البيئية.
-التخفيف والتكيف: يجب أن تضمن جهود التخفيف والتكيف مع تغيُّر المناخ عدم تضرر أي فئة بشكل غير عادل، خلال مسيرة الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، ويجب أن تلعب السياسات الحكومية دورًا حاسمًا في الحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، يمكن دعم إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، من خلال برامج تأهيل العمال لاكتساب مهارات جديدة تلائم الوظائف المستدامة، كما يمكن توجيه العائدات الناتجة عن تطبيق سياسات مثل ضرائب الكربون لدعم المجتمعات منخفضة الدخل.
-الأمن الغذائي والمائي: يعد تطوير نظم إنتاج الغذاء وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية من الخطوات الأساسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه تغيُّر المناخ. ومع ذلك، هناك تفاوتات كبيرة في استهلاك المياه بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل، وكذلك بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة. لذا، فإن ضمان توزيع عادل ومستدام للموارد أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وأكد التحليل في ختامه أن مواجهة أزمة تغيُّر المناخ، تتطلب تعزيز الوعي واتخاذ تدابير جادة للتخفيف من آثاره والتكيف معها؛ حيث إن المسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والأفراد، فالتغيير يبدأ من السياسات البيئية المستدامة، مرورًا بالاستثمارات في الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تبني سلوكيات صديقة للبيئة. كما يلعب التعاون الدولي دورًا أساسيًّا في وضع سياسات فعالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة؛ لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.