ماذا تعرف عن الكلية التي درس فيها السلطان سعيد بن تيمور والسيد فهر؟
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
خاص-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
حرص أهل عُمان على تعليم أبنائهم وصقل مهاراتهم وإمكاناتهم، فكانوا يستقدمون المعلمين المناسبين خصوصًا في مجال تعليم العلوم الأولية لأبنائهم. كما كانوا يلحقونهم بحلقات العلم والمجالس العامة للتزود من المعين الفكري الموجود في تلك المجالس والحلقات.
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عرفت عُمان العديد من المدارس شبه الحديثة التي استقطبت عددًا كبيرًا من الطلاب من بينهم أبناء الأسرة الحاكمة خصوصًا في مسقط مثل مدرسة الزواوي، وأبو ذينة، والسلطانية الأولى، عدا المدارس الخاصة التي ارتبطت بأسماء شخصيات علمية معيّنة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حرص حكّام عمان وعدد من الأسر الكبيرة على إرسال أبنائهم خارج حدود الوطن وبالأخص إلى الهند في مدن مثل مومباي وكراتشي وأجمير وغيرها لإلحاق أبنائهم ببعض المدارس الداخلية من أجل صقل مداركهم في مجال العلوم الإدارية والمالية والعسكرية.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من إحدى تلك الكليات العريقة التي استقطبت بعضًا من أبناء عمان ونقصد بها كلية مايو في مدينة أجمير التي كان من أبرز طلابها؛ السلطان سعيد بن تيمور وأخوه السيد فهر بن تيمور.
كلية مايو
تقع في أجمير بولاية راجستان شمال الهند، أسسها ريتشارد بورك، نائب الملك البريطاني عام ١٨٧٥م. وأنشئت تلك الكلية لتعليم أبناء الأمراء والحكام داخل الهند وخارجها.
رسمة زيتية للكلية تعود إلى مطلع القرن العشرينيعود أصل كلية مايو Mayo College -وهي واحدة من أقدم المدارس العامة في الهند- إلى عام 1869م عندما أوصى العقيد إف كيه إم والتر ، الوكيل السياسي لوكالة بهاراتبور ، بإنشاء مدرسة خاصة بمواصفات معيّنة للطلاب في الهند، وفي عام 1870م جاء اللورد مايو ، نائب الملك والحاكم العام آنذاك إلى أجمير، حيث أعرب أمام رؤساء الأمراء الحاكمين في راجبوتانا، عن رغبته في إنشاء كلية في أجمر، مكرّسة حصريًا لتعليم أبناء الرؤساء والأمراء والقادة.
افتتحت الكلية في أكتوبر 1875م مع السير أوليفر سانت جون كأول مدير لها، وتم الانتهاء من المبنى الرئيس في عام 1885م وصممه الرائد مانت. كما تم إجراء بعض التغييرات في المدرسة من قبل السيد ستو الذي كان المدير من 1931-1943م. في العام نفسه، توقف نائب الملك عن رئاسة المجلس العام، وتم الاتفاق على أن يترأس هذه الهيئة في المستقبل أمير حاكم ينتخبه المجلس.
بوابة الكلية. أرشيف صاحب السمو السيد فراس بن فاتك بن فهرأما مدينة أجمير التي تحتضن الكلية فتقع في قلب ولاية راجاستان، وتعرف أيضا باسم أجايميرو أو أجايمور بمعنى التل الذي لا يقهر، وتعد مركزًا للثقافة والتعليم، وتشتهر بأنماطها المعمارية الهندية الغنية، وهي كذلك مركز مواصلات مهم.
شعار الكلية إحدى دفعات الكلية في العشرينات من القرن العشرين ميدالية تذكارية تحمل شعار الكليةتعليم السلطان سعيد بن تيمور
في عام 1922م التحق السلطان سعيد بن تيمور بكلية مايو في أجمير وتعلم فيها اللغات الإنجليزية والأردية وغيرهما من اللغات الهندية، بالإضافة إلى العلوم الأخرى المختلفة، وظل بالمدرسة حتى سبتمبر من عام 1927م عندما التحق بالدراسة في إحدى مدارس بغداد.
وكان السلطان تيمور بن فيصل مُتحمسًا لفكرة استقدام مُعلّم مصري لابنه السيد سعيد كان قد نصحه به محمد رشيد رضا، وهو مُفكّر إسلامي شهير في مصر في ذلك الوقت، ونظرًا لمعارضة المسؤولين البريطانيين للفكرة، فقد أجروا الترتيبات اللازمة لإرسال السيد سعيد إلى كلية مايو في أجمير بالهند بين ١٩٢٢-١٩٢٧م.
وقد كانت هناك مراسلات سابقة لإلحاق السيد سعيد بن تيمور بمقاعد الدراسة في كلية مايو، ففي أغسطس من عام 192م هناك خطاب مرسل من قبل بيج. غولد نائب سكرتير حكومة الهند إلى الممثل الحكومي في ولاية راجستان تتناول اهتمام السلطان تيمور بإلحاق ابنه بكلية مايو بأجمير، وأن الفتى ذا التسع سنوات ذكي وممتاز ومهذب ويجيد قراءة وكتابة اللغة العربية، وأن الدولة سوف توفر أية متطلبات تعتقد الكلية أنها ضرورية. كما تتناول الرسالة وضع المرافقين للسيد سعيد ومدى تأهيلهم لمرافقته أثناء الإقامة بقصد الدراسة، ويقترح صاحب الخطاب أن يتم وضعه في رعاية شخصية تجيد اللغة الإنجليزية.
كما يشير موجّه الخطاب إلى أنه مستعد لقبول أية ملاحظات تتعلق بالاعتراض على التحاق السيد سعيد بالكلية، أو الطلبة الذين يلتحقون بالكلية، وأنه إذا لم تكن هناك ثمة اعتراضات فإنه سيطلب من مدير الكلية إكمال ما يلزم من المراسلات المتعلقة بترتيبات التحاق السيد سعيد وذلك بالتنسيق مع السيد وينجيت الوكيل السياسي البريطاني في مسقط الذي من المرجّح أن يكون في الهند خلال الأسابيع القادمة.
وهناك رسالة بتاريخ 9 سبتمبر 1920م من وكيل الحاكم العام في راجبوتانا إلى سكرتير حكومة الهند في شملا تتعلق بالموافقة المبدئية على قبول السيد سعيد بن تيمور في كلية مايو، وأنه سيتم شرح المسألة المتعلقة بالتحاقه إلى اللجنة الإدارية الخاصة بقبول الطلب، وأنه سيتم بذل الجهود لترتيب إقامة السيد سعيد على أن يكون لديه مرافق يجيد التحدث باللغتين العربية والإنجليزية.
وفي سنة ١٩٢٦م أصرّ السلطان على إرسال نجله إلى إحدى البلدان العربية لتحسين لغته العربية، وقد قُدّمت له اقتراحات بإرساله إما إلى الجامعة الأمريكية في بيروت أو إلى إحدى المدارس في بغداد. وفي وقت لاحق، وتحديدًا في سبتمبر ١٩٢٧م بدأ السيد سعيد بن تيمور دراسته في بغداد حيث رافقه وزير المالية في مجلس وزراء مسقط وعمان والرحّالة المعروف بروترام توماس الذي كان قد عمل في العراق في فترة سابقة.
التحاق السيد فهر بن تيمور بالكلية
لم يكن السلطان سعيد بن تيمور هو الوحيد الذي التحق بكلية مايو في أجمير، فقد كان من عادة الأسرة الحاكمة إرسال بعض أبنائها للالتحاق ببعض المدارس والمعاهد والكليات الخارجية، ومن بين هؤلاء السيد طارق بن تيمور الذي التحق بدورة تدريبية في كلية تدريب الشرطة في فيلوري، في مدينة مدراس الهندية، في سبتمبر 1942م.
ومنهم كذلك السيد فهر بن تيمور من مواليد عام 1925م الذي تلقى تعليمه الأولي في مسقط على يد المربي إسماعيل بن خليل الرصاصي، ثم درس في بغداد، حيث إنه وبأمرٍ من السلطان سعيد بن تيمور، تقرر إرسال مجموعة من الطلبة العمانيين إلى العراق وذلك في عام 1937م، وتألفت البعثة من السيد فهر بن تيمور، والسيد ثويني بن شهاب، وعبد الله بن محمد الطائي، وأحمد بن محمد الجمالي، وحبيب بن شنون جمادار، وهؤلاء كانوا جميعًا من مسقط، وأضيف إليهم من صلالة حفيظ بن سالم الغساني، وكانت البعثة بإشراف الشيخ أحمد بن سعيد الكندي.
السلطان تيمور بن فيصل يتوسط ابنيه السلطان سعيد والسيد فهرثم رغب السلطان سعيد بن تيمور وبعد التشاور مع عدد من مستشاريه بإلحاق أخيه السيد فهر بن تيمور بإحدى الكليات ذات السمعة الأكاديمية الرصينة، فوقع الاختيار على كلية مايو الذي كان السلطان قد التحق بها عام 1922م.
ففي ملف بعنوان “ملف ١٢/١١ ملخص استخبارات مسقط” تحت رقم استدعاء IOR/R/15/6/358، يحتوي على تدوينات سياسية وإدارية لليوميات كان يرفعها الوكيل السياسي في مسقط كل أسبوعين، هناك فقرة تشير إلى أن السلطان سعيد بن تيمور يعتزم في يناير 1941م إرسال أخيه غير الشقيق، فهر بن تيمور، الذي يدرس وقتها في مدرسة بغداد ضمن بعثة الطلبة العمانيين، إلى كلية مايو في أجمير، حيث تلقى السلطان تعليمه هو نفسه.
ومن ضمن المراسلات المتعلقة بوجود السيد فهر بن تيمور ضمن طلبة كلية مايو بأجمير، مراسلة من قبل إدارة كلية مايو إلى القنصلية البريطانية بمسقط تشير إلى أن الكلية سوف تغلق لقضاء العطلة الصيفية ابتداء من يوم الأحد 27 أبريل حتى يوم الثلاثاء 1 يوليو 1941م باستثناء أولئك الذين يحتجزون لأي سبب خاص، وأنه سيسمح للسيد فهر بن تيمور بمغادرة الكلية في مساء يوم 26 أبريل 1941م.
وهناك مراسلة بتاريخ 20 سبتمبر 1941م من مدير كلية مايو إلى السكرتارية الخاصة للسلطان سعيد بن تيمور تحوي تقريرًا بالمصاريف المالية الخاصة بالسيد فهر بن تيمور عن الشهور من أبريل 1941م حتى أغسطس 1941م، وأن تلك المبالغ ينبغي أن تدفع عن طريق فرع بنك الهند الإمبراطوري في مدينة أجمير.
كما أن هناك مراسلة أخرى بتاريخ 2 سبتمبر 1943م من قبل إدارة كلية مايو تحوي تقريرا عاما عن وضع السيد فهر بن تيمور ومستواه الدراسي خلال العام الدراسي الماضي، ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من التحاق السيد فهر المتأخر بالكلية إلا أنه يبذل جهدًا ملحوظًا لتخطي العوائق التي تصادفه، واشتمل التقرير على معلومات عامة عن حالة السيد فهر الاجتماعية، ثم مستواه في المواد الدراسية المختلفة والأنشطة المدرسية.
بيت عمان
بُني هذا البيت الذي خصّص لسكن طلبة المرحلة المتوسطة، في عام 1986م، على نفقة السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- تكريما لذكرى السلطان سعيد بن تيمور الذي درس في كلية مايو لمدة 5 سنوات (1927 – 1922م).
وقد تم افتتاح البيت في تاريخ 5 ديسمبر 1986م تحت رعاية السيد فهر بن تيمور آل سعيد وسط حضور رسمي وإعلامي كبير، حيث يذكر هاركشان لال دوت Harkishan Lal Dutt، في كتابه My Princely Colleges أن السيد فهر بن تيمور كان عفويًا في تعامله، وأنه استأجر برفقة مرافقيه دراجات هوائية داروا بها في أرجاء الحرم الجامعي، وأنه حاول استعادة ذكرياته القديمة عندما كان طالبًا، والتقى ببعض زملائه الذين ما زالوا على قيد الحياة. كما زار البيت الذي كان قد سكن فيه خلال فترة دراسته بالكلية.
السيد فهر وسط جمع من الحضور. أرشيف صاحب السمو السيد فراس بن فاتك بن فهرويتكون البيت من 15 غرفة، تتسع كل منها لثمانية طلاب، بسعة إجمالية 126 طالبًا، كما يحوي غرفة واحدة مشتركة، وقاعتين عامتين، وغرفة للحاسب الآلي وحديقة ملحقة.
وفي عام 2005م وبمناسبة الاحتفال بمرور (50) عامًا على العلاقات الدبلوماسية العمانية – الهندية، أرسلت السفارة الهندية في مسقط خطابا رسميا إلى إدارة كلية مايو في أجمير بخصوص تزويدها بمجموعة من الصور الخاصة بالمدرسة وبالأخص المتعلقة بالسلطان سعيد بن تيمور وأخيه السيد فهر بن تيمور اللذين درسا في الكلية، وذلك لعرضها في معرض الصور التذكارية الذي أقامته السفارة تجسيدًا للعلاقات الثنائية بين البلدين.
خطاب السفارة الهندية. أرشيف صاحب السمو السيد فراس بن فاتك بن فهرالمراجع:
العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022. ملف ٥١/٨ شؤون دولة مسقط: السيد طارق والسيد فهر بن تيمور. مكتبة قطر الرقمية، IOR/R/15/6/230 ملف XXXIII/١٢. تعليم سيد سعيد بن تيمور ١٩١٦-١٩٢٦. مكتبة قطر الرقمية، IOR/R/15/6/55 My Princely Colleges- Harkishan Lal Dutt، 2019 https://mayocollege.com/about-us/history-of-mayo/ صفحة السيد فراس بن فاتك في تويتر. @FirasFatik11المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: السید سعید الذی کان فی کلیة فی مسقط کلیة فی فی عام من قبل إلى أن
إقرأ أيضاً:
الإخوان المسلمون في سوريا يطالبون بعودة دستور 1950.. ماذا تعرف عنه؟
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الأحد بيانًا دعت فيه إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري. وأشار البيان إلى أن هدم نظام المخلوع بشار الأسد الاستبدادي كان مكلفًا وصعبًا.
ودعت الجماعة إلى التكاتف لبناء دولة العدل والقانون على قاعدة السواء في الوطن في هذه الظروف المحيطة.
سقوط الطغيان وبناء الأوطان#بيان_رسمي pic.twitter.com/H1hF4n7OCO — إخوان سورية (@IkhwanSyriaAR) December 21, 2024
وأكدت الجماعة أنها تمد يدها إلى حكومة تسيير الأعمال برئاسة محمد البشير، وتقدم كل إمكاناتها لبناء الدولة السورية، ومؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
وطالبت في بيانها، على أهمية الإسراع في بناء مؤسسات دولة مستقرة ترتكز على القاعدة الشعبية الثورية التي قادت عملية التغيير. وشددت الجماعة على ضرورة أن تضم هذه المؤسسات تمثيلاً واسعاً لمختلف شرائح الشعب السوري لتحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة.
وبشأن القرار الأممي 2254، قالت الجماعة إنها تدرك أن الجزء الأول من القرار والمتعلق بإنشاء إدارة انتقالية بالمشاركة بين المعارضة والنظام لم يعد قائماً بعد سقوط النظام، ولكن البلاد ما زالت بحاجة إلى دستور جديد وانتخابات حرة.
دعت الجماعة إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري، ريثما يتم تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد يحافظ على هوية البلد ويصون حقوق جميع المكونات. يتبع ذلك إجراء انتخابات حرة تشريعية ورئاسية.
دعوى قديمة
وفي عام 2017 أطلق عدد من الثوار السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لدعم الدستور السوري عام 1950، بديلا عن دستور 7319 المعمول به في نظام البعث.
وقالوا إن دستور عام 1950 هو الدستور الوحيد الذي تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة واستطاع أن يمثل جميع الأطياف السياسية والدينية والعرقية، وبآلية ديمقراطية، واعتمد نظاما برلمانيا يقوم على التوازن والتعاون بين السلطات، وهي ضرورة حكمت ظروف المرحلة السائدة آنذاك.
لكن دستور 1950 لم يعمل به طويلا، فسرعان ما غير مع انقلاب حزب البعث، وتولي حافظ الأسد على الحكم عبر انقلاب عسكري.
فصاغ على مقاسه لأول مرة الدستور 7319، وظل بدون أي تعديل إلا في استثنائيين إثنين، الأول عام 1981 للتخلي وقتها عن علم اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، وقد ترك الأمر يوم إذ لحافظ لاختيار العلم البديل.
أما المرة الثانية التي عدل فيها الدستور فكانت عام 2000 لتعديل السن القانونية لرئيس الجمهورية من سن ال40 إلى 34، بما يتناسب عند تلك المرحلة مع سن بشار الأسد لتوريثه للحكم الذي بقي على رأسه، متمسكا بذات الدستور حتى عام 2012.
وعقب انطلاق الثورة السورية قام بشار بإجراء تعديلات شكلية، ولم ينفعه إلغاء المادة الثامنة التي يحتكر بموجبها حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع والدولة.
دستور 1950 وبداية الحكم المدني
وفي عام 1950، وضعت سوريا "دستور الاستقلال"، وهو أول دستور مدني من نوعه للبلاد. اطلعت اللجنة المكلفة بصياغته على 15 دستوراً أوروبياً وآسيوياً للوصول إلى "أرقى المعايير الممكنة".
وجاءت المادة الثالثة من الدستور لتحدد أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع"، وهو ما استمر في الدساتير اللاحقة.
حدد دستور عام 1950 صلاحيات رئيس الجمهورية، ومنح البرلمان دوراً تشريعياً أوسع من خلال منعه نقل صلاحياته التشريعية إلى الحكومة، حتى بشكل مؤقت. كما عزز الدستور من سلطة القضاء عبر إنشاء المحكمة الدستورية العليا لضمان مراقبة دستورية القوانين وحماية الحقوق.
كفل الدستور حرية الرأي والصحافة، والاجتماع والتظاهر، والمحاكمة العادلة، ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة لفترة طويلة، وحفظ حق الملكية والمشاركة في الحياة الاقتصادية وتأطير الملكية العامة للدولة، وحماية حقوق الفلاحين والعمال على وجه الخصوص.
كما يعتبر مرجعاً يمكن البناء عليه في الفترة الانتقالية لضمان المساواة بين السوريين كافة بمختلف قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم.
مصطفى السباعي ودين الدولة
يعد لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا٬ وأول مراقب عام لها الشيخ مصطفى السباعي٬ دورا في صياغة دستور عام 1950.
فحين احتدم الجدل في البرلمان حول مسألة دين الدولة في دستور عام 1950، الذي شكلت جمعية تأسيسية لإقراره، وقف السباعي الذي كان عضوا في لجنة صياغة الدستور، ليدافع عن روح الإسلام المعتدل في وجه نواب حزب البعث وأتباع أكرم الحوراني في حزب الشباب.
قائلا إن سوريا دولة برلمانية، وحق التشريع يعود فقط للبرلمان، فلا توجد سلطة دينية بإمكانها إرغام البرلمان على قبول دستور لا يقره البرلمان ولا يرضى به.
وأوضح مصطفى السباعي أن الهدف من تسمية دين الدولة٬ هو لمنحها مسحة روحية وأخلاقية، تساعد في تحديد النظام والقانون، وأن المسألة عمليا مرتبطة بأكثرية السكان، وبما أن 90% من سكان سوريا مسلمون، ليصبح الإسلام تلقائيا دينا للدولة.
وكانت هذه الردود الدفاعية كفيلة بوضع حدود للنقاش الذي امتد إلى الشارع، قبل أن يتقدم السباعي بمقترح حل الخلاف القائم، ومكن الجمعية التأسيسية من إقرار الدستور حين استبدل عبارة الإسلام دين الدولة، بأن الإسلام دين رئيس الدولة.
عُطل دستور 1950 أكثر من مرة بسبب تجدد الانقلابات العسكرية، ثم عُطل مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 حتى عام 1961 مع سنة الانفصال، حيث أعيد إحياؤه، وبقي معمولاً به حتى 8 آذار/مارس 1963، عندما سيطر حزب البعث على السلطة وألغى الدستور والحريات العامة وأغلق الصحف.