قد يبدو طرح هذا السؤال عن اليوم التالي لوقف هذه الحرب الهمجية، التي أعادت لبنان إلى الوراء سنوات ضوئية، غير مستحب وغير مقبول ربما من بيئة "حزب الله" المستهدفة بالاعتداءات والاغتيالات والتهجير، وغير مناسب مع الظروف التي يعيشها أكثر من مليون لبناني نازح في بلده. فصوت المعركة يعلو اليوم كل ما عداه من أصوات، وإن كانت محقّة.
ويتضح من خلال سياق ما ترمي إليه إسرائيل من أهداف ظاهرة ومبيتة أنها تسعى من خلال جواسيسها في الداخل إلى الاكثار من بثّ الشائعات المغرضة، التي يمكن من خلالها زعزعة ما تبقى من ثقة بين المكونات اللبنانية المعارضة لسياسة "حزب الله" في المطلق، ولاسيما ما له علاقة بـ "حرب الاسناد والمشاغلة" وبين البيئة الحاضنة لـ "الثنائي الشيعي"، والتي أصبحت على تماس يومي مع بيئات أخرى من خلال وجودهم المؤقت في أمكان النزوح. والهدف من هذه الشائعات تعميق الخلافات بين هذه المكونات وصولًا إلى أجواء قد تكون شبيهة إلى حد كبير بالأجواء التي سادت بلدة برجا بعد استهداف أحد المباني فيها، وقيل إنها كانت موجهة ضد عنصر من عناصر "حزب الله". إلا أن التعليمات المعطاة من قِبل أحزاب "المعارضة" لجمهورها في هذا المجال واضحة، وتقضي بعدم الإفساح في المجال أمام أي تأثيرات ظرفية لتعكير الأجواء بين النازحين وبين مستضيفيهم، وذلك إدراكًا من المسؤولين الحزبيين لحساسية هذه القضية ومدى تأثيرها السلبي مستقبلًا على العلاقات اللبنانية – اللبنانية.
فالحرب، وإن طالت، ستحطّ رحالها في يوم من الأيام، لأن إسرائيل لن تستطيع أن تصمد طويلًا لا في الميدان ولا أمام الضغط الدولي، الذي يطالبها بإلحاح بوقف عدوانها على لبنان وعلى غزة. وعندما ستنتهي هذه الحرب المدّمرة تعود الخلافات القديمة – الجديدة لتطفو على وجه الأزمة السياسية، التي كانت قائمة قبل عملية "طوفان الأقصى" وقبل "حرب الاسناد والمشاغلة"، وهي باقية طالما أن اللبنانيين غير متفقين على عناوين أساسية كثيرة في الحياة السياسية المشتركة مساحاتها بين الجميع.
فما بعد الحرب لن يكون الوضع كما كان قبلها، لا شكلًا ولا مضمونًا. هذا ما يقوله كلا الطرفين المتناقضة نظرتهما إلى المستقبل. وهذا ما يجب أن يُطرح على بساط البحث الجدّي في مؤتمر وطني جامع وشامل بعد فك أسر موقع رئاسة الجمهورية. فمن دون رئيس جديد للجمهورية تبقى الأمور على جمودها السلبي. فمن قصر بعبدا تبدأ الحلول. ومنه إلى السرايا الحكومية فساحة النجمة يُطَالب المجتمع الدولي بالضغط الفعلي على إسرائيل لوقف عدوانها، ومن ثم تُعمّم خطة التعافي التكاملية من خلال تعاون وثيق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في المجال الإصلاحي وفي مجال إعادة اعمار ما تهدّم، وصولًا إلى إعادة اللحمة إلى النسيج اللبناني، الذي أصابته أكثر من شظية في هذه الحرب وفي غيرها من الحروب، وإن بغير سلاح. وهذه اللحمة لن تتحقق ما دام كل فريق "واقف على سلاحو" بالمعنى المجازي للكلمة، وما دام كل فريق "يغني على ليلاه".
وبهذا المعنى يمكن القول إن ما بعد الحرب لن يكون كما كان قبله، أقله بالنسبة إلى الذهنية التي كانت سائدة لدى الجميع قبل 8 تشرين الأول من العام 2023. ويبقى السؤال الأكثر واقعية عن مدى قدرة لبنان على الصمود أمام هول ما ينزل به من كوارث من دون جواب. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذه الحرب من خلال
إقرأ أيضاً:
ماذا تحمل زيارة ويتكوف المرتقبة للمنطقة؟.. محللون يجيبون
يرى محللون سياسيون أن الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف قد لا تحدث اختراقا في المفاوضات المتعثرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن الإدارة الأميركية تتبنى الموقف الإسرائيلي.
وبعد سلسلة من التأجيلات من المقرر أن يزور ويتكوف المنطقة الأسبوع المقبل وفق ما ذكرت بعض المصادر، في محاولة لكسر حالة الجمود الحالية في تطبيق اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي آخر تصريحاته، تحدث ويتكوف عن رغبة الولايات المتحدة في "حل الأمور مع حركة حماس من خلال الحوار"، لكنه توعد بـ"خيار بديل لن يكون جيدا" في حال فشلت المفاوضات.
وبشأن ما يحمله المبعوث الأميركي في جعبته، شكك رئيس مؤسسة المصلحة الوطنية في واشنطن الدكتور خالد صفوري في أن تؤدي زيارة ويتكوف المرتقبة إلى حلحلة الأمور، لأن "هدفه هو تمديد المرحلة الأولى من اتفاق غزة مقابل هدنة مؤقتة".
وقال إن الولايات المتحدة "تفاوض نيابة عن إسرائيل"، وإدارة الرئيس دونالد ترامب هدفها مصلحة إسرائيل وليس مصلحة الشعب الفلسطيني، وترامب نفسه غيّر موقفه وأعلن تفهمه لموقف إسرائيل بعدما كان يؤيد وقف إطلاق نار شامل في غزة.
إعلانكما أن إدارة ترامب -يضيف صفوري- تتبنى التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب على غزة، وتتبنى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة خطوة خطوة حتى تسحب الأوراق من يد حماس وتمنح إسرائيل الحرية لتفعل ما تشاء.
وتوقع صفوري أن تكون الحرب بشكل أشرس، خاصة أن ترامب يزود إسرائيل بقذائف ذات قدرة تدميرية أكثر من التي زودها بها سلفه جو بايدن.
مرونة حماس
وحسب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إياد القرا، فإن حركة حماس مدركة لخطورة الأمور الحالية، وهي متمسكة بكل مراحل التفاوض من أجل التوصل إلى وقف الحرب بشكل كامل، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.
ورأى أن حماس لا تزال تملك ورقة الأسرى، و"كلما كان هناك أسرى أحياء كانت لديها القدرة على المناورة مع واشنطن والوسطاء"، وبالتالي يتم الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كي يلتزم باتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
كما أن حماس قدمت مرونة خلال مراحل التفاوض، وأعلنت بشكل واضح أنها لن تكون موجودة في الحكم في فترة ما بعد الحرب، وهو ما يطالب به الإسرائيليون.
وتؤكد حركة حماس أن "المسار الأمثل للإفراج عن باقي الأسرى الإسرائيليين هو دخول الاحتلال في مفاوضات المرحلة الثانية وإلزامه بالاتفاق الموقّع برعاية الوسطاء".
وحسب الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، فإن أولوية إسرائيل هي تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار لفترة معينة، ويتم خلالها إطلاق سراح أسرى إسرائيليين، مؤكدا أن خيار العودة إلى الحرب موجود على الطاولة ويتم التعامل معه بشكل جدي.
أما بخصوص المرحلة الثانية من الاتفاق فإن إسرائيل تشترط الذهاب إليها بشروطها، وهي نزع سلاح حماس والمقاومة وإبعاد الحركة عن قطاع غزة.
وبشأن ما تسرب عن محادثات مباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة حماس، قال مصطفى إن "إسرائيل كانت لها مساهمة في إفشالها"، مشيرا إلى أن حماس اقترحت الإفراج عن 5 أسرى يحملون الجنسية الأميركية في مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين في سجونها، وهو ما رفضه نتنياهو.
إعلانوكانت هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مصادر مطلعة قولها إن الولايات المتحدة تقترح مبادرة جديدة لإطلاق 10 أسرى إسرائيليين أحياء.
وأضافت المصادر ذاتها أن إسرائيل لا تشارك في مفاوضات بشأن مقترح واشنطن الجديد للإفراج عن أسرى.