موقع 24:
2025-04-30@04:56:31 GMT

حروب الدم والكلمات في المنطقة العربية

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

حروب الدم والكلمات في المنطقة العربية

تشهد المنطقة العربية منذ عقود من الزمن حروباً ومعارك متعدّدة، بعضها كلاسيكي وكثير منها وجودي وحضاري وهوياتي.

وإذا كان العنوان الأبرز للمواجهات العسكرية هو سقوط أعداد هائلة من الضحايا، المتزامن مع سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ، في سياق مشاهد مرعبة تقشعر لها الأبدان، فإن الحروب غير التقليدية الهادفة إلى تغيير قناعات الأفراد وأفكارهم والتأثير في تصوراتهم، وأسلوب مقاربتهم لقضايا الأمة وشعوب المنطقة، تمارس فعلها عبر وسائط اللغات الطبيعية والخوارزميات الرقمية، من أجل محاولة تشكيل وعي جديد قادر على قبول تمثلات قائمة على احتقار الذات والطعن في مشروعية الهوية الثقافية والحضارية المشتركة والجامعة، لكل المجتمعات من المحيط إلى الخليج.



وتعتمد هذه الحروب غير التقليدية على الكلمات في تجلياتها المسموعة والمرئية، فاللغة كما يقول المتخصصون تسمح بالتفكير ومن ثم بالكلام؛ واختيار الكلمات والمصطلحات لا يمكنه أن يكون بريئاً ولا محايداً، لأن الكلمة تحوّل الواقع من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل، وتجعله حياً وحاضراً، وبالتالي فإن الكلمة تفرض فضاءاتها وتاريخها وأسلوب تصورها، والقول هو بشكل من الأشكال إبداع للعوالم ومحاولة لإدخال المتحاورين معنا بداخلها.
يقول الباحث جان باتيست نوي، إن الحديث عن الشام، عن الشرق الأوسط، وعن العالم العربي ليس أمراً محايداً، فكل كلمة تشير إلى واقع مختلف، ليس هو نفسه الذي تشير إليه كلمات أخرى تخلق فضاءً ذهنياً مغايراً، وعندما نستعمل كلمات أجنبية، فإننا نجعل من مفاهيم غيرنا مفاهيم لنا. وبالتالي فإنه ليس من الغريب أن كلمات مثل الشهداء والوطن العربي والأمة الإسلامية، ليست لها لا المعنى ولا الوقع نفسه مقارنة بكلمات تقابلها مثل القتلى، العالم العربي أو العالم الإسلامي. وعندما نتحدث عن الشرق الأوسط كبديل عن التسميات الأخرى، فإننا نقبل ضمنياً باستبعاد عناصر الهوية العربية والإسلامية للمنطقة.
لن نذيع سراً في هذا السياق عندما نقول، إن الإنسان كائن رمزي بامتياز، وذلك ما يجعله مستعداً للتضحية، وإلى بذل جهود مضنية للحصول على مكاسب رمزية، لا يمكن قياسها بفوائدها وخصائصها المادية المباشرة. وعليه فإن اختلاف الإنسان عن باقي المخلوقات الأخرى، تجعله كائناً قادراً على استبدال الأشياء الواقعية برموزها؛ وتكون الرموز في الكثير من الحالات أكثر قيمة من نسخها المادية، ويتحدث عالم السيمائيات الروسي يوري لوتمان عن هذا البعد الثقافي والرمزي للإنسان بكثير من الإسهاب، وبالاعتماد على نصوص إبداعية مستوحاة من الثقافة الروسية.
ويمكننا أن نتحدث أيضاً في هذا السياق، كما يشير إلى ذلك سيرج حاليمي، عن حروب الكلمات التي تتحوّل إلى فن من فنون التشهير والقذف السياسي لمنع الخصوم من التأثير في الجمهور، ولجعل خطابهم غير قابل للتداول بناءً على قاعدة شيطنة الآخر، واتهامه بتهم أخلاقية واهية، لا تستند إلى أي أسس موضوعية.

وعندما يتم الآن، في سياق النقاش السياسي الغربي، اتهام معارضي السياسة الإسرائيلية الإجرامية في المنطقة العربية بمعاداة السامية، فإن ذلك يدخل في سياق استراتيجية تهدف إلى تدمير الآخر، واغتياله سياسياً كما يحدث الآن في فرنسا مع شخصيات سياسية مرموقة مثل جون لوك ميلونشون ودومينيك دوفيلبان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، حيث تهدف الآلة الإعلامية إلى إسكات كل الأصوات التي ترفع صوتها، من أجل انتقاد سياسة الإبادة في فلسطين، والتدمير في لبنان.
وعلاوة على ما تقدّم فإن حروب الكلمات والرموز، لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تشمل في أحايين كثيرة العمل على تشويه الحقائق، والتلاعب بالتاريخ، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويمكننا أن نقدم بشأنها مثالاً توضيحياً مأخوذاً من التاريخ الغربي المعاصر، فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، واستسلام ألمانيا النازية قام المعهد الفرنسي للرأي العام بطرح سؤال على عينة من المواطنين الفرنسيين مضمونه: من هي الأمة التي كان لها الإسهام الأبرز في إلحاق الهزيمة بألمانيا، وكان جواب أكثر من 80 في المئة منهم في شهر مايو/أيار من سنة 1945، أن الاتحاد السوفييتي لعب الدور الأبرز في إضعاف واستنزاف ألمانيا. بيد أن التاريخ الرسمي للدول الغربية ركّز لاحقاً على الإسهام الأمريكي في انتصار الحلفاء، وعملت الدعاية الهوليودية بعد ذلك على تضخيم دور الجيش الأمريكي على الرغم من الهزائم المذلة التي تلقاها على يد الجيش الياباني.
ومن الواضح أننا في محيطنا العربي الراهن، نعيش لحظة امتزاج حروب الكلمات بحروب الدم التي تُسفك فيها دماء الأبرياء؛ وبعد أن جرى تدجين الكلمات وجعل دلالاتها باهتة، يتم الآن تسفيه وتبسيط القتل، وتحويل أعداد الضحايا إلى أرقام صماء من دون روح. وسيكون من ثمة ممكناً للغرب تشويه الحاضر حتى قبل أن يتحوّل إلى ماض، مع العمل على صياغة سرديات تساوي بين الضحية والجلاد، وتتحدث بالتالي عن حق المحتل في «الدفاع عن نفسه»، وعن حقه في تدمير البشر والحجر واستفزاز اللبنانيين بالقول لهم سندمركم كما دمرنا غزة، وذلك كله بهدف تبرير حروب القتل والإبادة، وإقصاء كل ما هو مختلف ومغاير، وتمزيق الهويات الجماعية، وخلق ذوات مُغفلة، تتساوى لديها الأنوار والظلم.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل إسرائيل وحزب الله

إقرأ أيضاً:

بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير منطقة تبوك يطلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة

المناطق_تبوك

اطلع صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة تبوك، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة تبوك، على عدد من المشاريع البلدية والإسكانية التي تنفذها وزارة البلديات والإسكان بالمنطقة، وتنوعت ما بين مشاريع البُنى التحتية، وسفلتة الطرق، وتطوير الميادين، وأنسنة المدن، وتصريف مياه الأمطار، ودرء أخطار السيول، إضافةً إلى مشاريع إسكانية، واستثمارية، وبيئية، وبُنى تحتية مستقبلية تقدر تكلفتها الإجمالية بـ 4.335 مليار ريال.

جاء ذلك خلال لقاء سموه مساء أمس بالقصر الحكومي، المواطنين ورؤساء المحاكم والقضاة ومشايخ القبائل ومديري الإدارات الحكومية بالمنطقة، حيث بدأ اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم استُعرضت أبرز المشاريع البلدية والإسكانية والاستثمارية والخدمية، والتي قدَّم أمين منطقة تبوك، المهندس حسام بن موفق اليوسف، عنها عرضاً موجزاً عبر الشاشات المرئية أمام سموه والحضور، تضمّنت أكثر من 43 مشروعاً يجري تنفيذ البعض منها وترسية الأخرى، بقيمة إجمالية تصل لـ674 مليون ريال، في مجالات متعددة شملت النقل العام بالحافلات، وسفلتة مخططات المنح، وتطوير الطرق الرئيسية بالمنطقة، إضافة إلى رفع كفاءة الطرق بإنشاء جسرين على تقاطع طريق الملك فيصل مع طريق الأمير فهد بن سلطان (دوار صحاري) وتقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان مع طريق الملك فهد، وأنسنة المنطقة من خلال تطوير ساحات عدد من الجوامع، وتنفيذ شبكات تصريف مياه الأمطار، والتي ستساهم في معالجة 32 نقطة تجمع صغيرة و3 أخرى كبيرة، ليصل مجموع ما تم معالجته من نقاط التجمع الكبيرة لـ 20 نقطة من أصل 24، وتنفيذ مشاريع لدرء أخطار السيول، ومشاريع مستقبلية تتجاوز تكلفتها التقديرية مليارين وستمائة مليون ريال.

أخبار قد تهمك أمير منطقة تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 في عامها التاسع 25 أبريل 2025 - 6:08 مساءً برعاية أمير منطقة تبوك.. انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الرابع للحوسبة وتقنية المعلومات بجامعة تبوك 13 أبريل 2025 - 5:54 مساءً

وفي جانب الاستثمارات، استعرض المهندس اليوسف المشاريع الاستثمارية الجاري تنفيذها، والتي تجاوز عددها 48 مشروعاً بتكلفة إنشاء تقديرية تتخطى المليار ومائتي مليون ريال، تشمل قطاعات طبية وتعليمية ورياضية وترفيهية ولوجستية، بما يلبي احتياجات السكان والزوار، ويفتح آفاقاً جديدة لفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ومن بين هذه المشاريع: مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بسعة 200 سرير و100 عيادة طبية، ومركز ألفا الطبي الذي يضم أربع عيادات متخصصة وصيدلية وشققاً فندقية (90 غرفة)، ومركز رؤية الطبي الذي يحتوي على 18 قسماً ومركز غسيل كلى مجاني، إضافة إلى مشروع فندق المريديان الذي يضم 150 غرفة وجناحاً فندقياً، ومركزاً لإيواء أكثر من ألفي معدة ثقيلة لضمان عدم تعطّلها داخل الأحياء السكنية.

وفي الشأن البيئي، تناول العرض مشروع المردم البيئي الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في إدارة النفايات بالمنطقة، حيث تم إنشاؤه بأكثر من 35 مليون ريال شرق مدينة تبوك، وبعكس اتجاه الرياح، وبمعدات أوروبية حديثة تضمن معالجة النفايات الصلبة بطريقة علمية متطورة، ويتضمن المشروع محطة طاقة استيعابية تصل إلى 80 طناً في الساعة، وخلايا هندسية عازلة لمنع تسرب العصارات، إلى جانب منظومة متكاملة لفرز النفايات وإعادة تدوير المواد القابلة للاستفادة، وتحويل المخلفات العضوية مستقبلاً إلى طاقة بديلة وسماد عضوي.

كما اطلع سموه والحضور على مجسم لواجهة فالي تبوك والتي تقع على مساحة إجمالية تقدر بـ 778 ألف متر مربع تتضمن 874 وحدة سكنية و4 مساجد وجوامع و5 حدائق ومنتزهات وعدد 5 مراكز تجارية ومجمعات تعليمية تحتوي على 5 مدارس.

وفي ختام اللقاء، ثمّن سمو أمير منطقة تبوك جهود أمانة تبوك في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، مؤكداً أهمية استكمالها بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة، وتحقيق تطلعات سكان منطقة تبوك ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.

وقال سموه في تصريح صحفي: “بأن هذه المشاريع ولله الحمد مشاريع مبشرة بالخير وتصب في خدمة المواطن والمواطنة، وتوفر الخدمات اللازمة لهم”.

منوهاً سموه بما توليه القيادة الحكيمة -أيدها الله- من اهتمام وعناية بكل ما يخدم الوطن والمواطن من المشروعات التنموية، وتسهم في رفع مستوى جودة الحياة، وتعزز النقلة الحضارية الكبيرة التي تعيشها المنطقة.

داعياً سموه المستثمرين ورجال الأعمال للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة التي تطرحها أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها بالمحافظات.

مقالات مشابهة

  • الغرف العربية: مركز عربي – صيني لدعم ريادة الأعمال والابتكار
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير منطقة تبوك يطلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير منطقة تبوك يطلع على المشاريع التي تُنفّذها أمانة المنطقة
  • «الغرف العربية»: العالم العربي سيصبح الشريك التجاري الأول للصين
  • اتحاد الغرف العربية: 400 مليار دولار حجم التبادل التجاري العربي - الصيني في 2024
  • المفوضية الأوراسية: مصر شريك استراتيجي لنا في المنطقة العربية والإفريقية
  • 7مايو توزيع جوائز الإبداع في خدمة العربية بالبرلمان العربي
  • مشاركة واسعة في «تحدّي القراءة العربي».. الإحصائيات وأبرز النتائج
  • لمناقشة أحدث الابتكارات العلاجية.. مؤتمر أمراض الدم ينطلق غدًا بالقطيف