ما حدث يومي الأحد والاثنين في حيفا وتل أبيب يشفي صدور قوم مؤمنين؛ فقد سقط عشرات الجنود الصهاينة، وربما المئات، بين قتيل وجريح في معسكر تدريبي لجنود لواء “غولاني” الشهير، بعد أن ضربتهم طائرة مسيّرة انقضاضية أطلقها “حزب الله” وهم مجتمعون لتناول العشاء.
كما هرع أزيد من مليوني صهيوني إلى الملاجئ في تل أبيب و194 بلدة ومستوطنة بالشمال فرارا من ثلاثة صواريخ “باليستية”، بينهم عشرات الجنود الذين رصدتهم الكاميرات وهم يختبئون في قناة للصرف الصحّي!
لا ريب أن هذه الصّور تقضي تماما على شعور نتنياهو وكبار القادة الصهاينة بالنّشوة بعد تحقيق سلسلة نجاحات متتالية ضد “حزب الله” في شهر سبتمبر الماضي، من خلال تفجيرات “البايجر” واللاسلكي واغتيال عدد معتبر من قادة الحزب وفي مقدمتهم أمينه العامّ حسن نصر الله، وربما خليفته المحتمل هاشم صفي الدين.
اليوم بدأ الصهاينة يستفيقون من تلك النشوة العابرة على كابوس فشل قوّاتهم في تحقيق أيّ توغّل برّي حقيقي في جنوب لبنان، مع تسجيل خسائر بشرية ومادية كبيرة هناك خلال أسبوعين من بداية العملية البرية.
وأكثر من ذلك، صعّد “حزب الله” عملياته تدريجيّا، وانتقل من إطلاق عشرات الصواريخ إلى المئات يوميا، ووسّع نطاق المستوطنات والمدن المستهدفة، لتشمل مدينة حيفا الإستراتيجية هذه المرّة، وضرب معسكر “غولاني” في مقتل بطائرة انقضاضية أطلقت صاروخا ثم تهاوت لتتحوّل بدورها إلى صاروخ أتى على الكثير من الجنود، ما جعل جنرالات الاحتلال يعترفون بأنّه “الهجوم الأكثر دموية” منذ بداية الاشتباكات مع “حزب الله” في 8 أكتوبر 2023، وإن فرضت الرقابة العسكرية الصهيونية تعتيما على العدد الحقيقي للقتلى والجرحى.
وبغض النظر عن هذا التعتيم، فإن ما حدث من اختراق للدفاعات الجوية الصهيونية التي عجزت عن رصد المسيّرة، يشكّل ضربة موجعة للاحتلال، وفي الوقت ذاته يؤكد تعافي “حزب الله” سريعا من محنته بعد أن فقد توازنه بفعل سلسلة الضربات التي تلقاها في سبتمبر الماضي.
اليوم خسر المراهنون على انهيار الحزب رهانهم بعد أن لملم جراحه، وأعاد ترتيب صفوفه، واستعاد زمام المبادرة وبدأ يوجّه ضربات موجعة للعدوّ، ويجرّه إلى حزب استنزاف طويلة ودامية في الجنوب سيجعله يدفع فيها ثمنا باهظا، فضلا عن أن الحزب قد ربح تحديا آخر بالغ الأهمية، وهو إفشال رهان نتنياهو ووزير دفاعه غالانت بإعادة مستوطني الشمال إلى “بيوتهم” بالقوّة، بل إنه وسع نطاق استهدافه الصاروخي إلى المزيد من البلدات والمستوطنات وصولا إلى حيفا التي يقطنها نحو نصف مليون يهودي، وهو يدفع مستوطنيها إلى الفرار يوميا نحو الملاجئ، ولن يطول الوقت حتى نراهم يحملون بدورهم متاعهم ويهجرون “بيوتهم” إلى أماكن أخرى بفلسطين المحتلّة، وتتحوّل حيفا إلى كريات شمونة ثانية.
لكن إلى أين المفر، فهاهم مليونا صهيوني يفرّون إلى الملاجئ في تل أبيب نفسها، وجنودهم يختبئون كالجرذان في قناة صرف صحي، والصور متوفرة، فهل مثل هؤلاء الجنود الهاربين المذعورين سيحمون ملايين المستوطنين بفلسطين المحتلة ويوفرون لهم الأمن والحماية والاستقرار؟
لقد مضت سنة كاملة الآن على حرب غزة وجنوب لبنان، وخلالها “هاجر” مئات الآلاف من الصهاينة إلى الخارج هربا من صواريخ المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، والآن تدخل الحرب سنتها الثانية وقد قرّر “حزب الله” تصعيدها تدريجيّا، وأطلق الاثنين 3 صواريخ “باليستية” على تل أبيب نفسها، وبرغم أنّ دفاعات العدوّ أسقطتها، إلا أنها أرعبت مليوني مستعمر يهودي، فماذا لو تواصلت الحرب سنة أخرى أو أكثر وكانت صافرات الإنذار تدوي في تل أبيب وبقية المدن والبلدات الصهيونية يوميّا؟ كيف سيتعايش المستوطنون الغاصبون مع هذا الجحيم اليومي؟
ألا يوسّع هذا دائرة الهجرة العكسية لتشمل مئات آلاف آخرين؟ وماذا لو توسّعت الحرب أيضا، بفعل تهوّر نتنياهو وجنونه، لتشمل إيران التي تملك أزيد من مليون صاروخ، الكثير منها يفوق سرعة الصوت بـ13 إلى 16 مرة، وعشرات الآلاف من الطائرات المسيّرة؟
في عام 1998، وبمناسبة مرور 50 سنة على قيامها، تنبّأ شيخ المجاهدين والشهداء ومؤسّس “حماس”، أحمد ياسين، رحمه الله، في حصة بقناة “الجزيرة”، بزوال “إسرائيل” في سنة 2027، ونعتقد أن هذه الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 هي بداية نهايتها ولن تكمل عقدها الثامن.
الشرق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله نصر الله لبنان الاحتلال لبنان حزب الله الاحتلال نصر الله مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی تل أبیب حزب الله
إقرأ أيضاً:
قنبلة الشرق الأوسط الموقوتة تهدد بالانفجار
أعاصير التغيير الكبير تهب على العالم بعنف لأن أخطر مؤشرات الحرب العالمية الثالثة هي اليوم تهديد (ترامب) و (ناتنياهو) بقصف إيران تبعه موقف إيران العقلاني الساعي للسلام.
ويصاب المرء بفقدان البوصلة لأننا تجاوزنا ما سميناه بالحداثة وما سميناه بما بعد الحداثة وأصبحت تكهنات (صامويل هنتنغتون) وراء ظهورنا وهو الذي بشر بحرب الحضارات بعد الحروب بين الدول. على رغم أن الحرب الروسية – الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد بدأ الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء باستخلاص الدروس منها.
هذه الحرب كشفت حجم الخلل البنيوي الذي تعاني منه أوروبا على صعيد قدراتها الدفاعية مع سعي دونالد ترامب إلى وضع حد لهذه الحرب بمعزل عن الأوروبيين: إزاء رئيس أمريكي لا يعترف إلا بالقوة الذاتية للدول اتضح افتقاد الأوروبيين ككتلة إقليمية ممثلة بالاتحاد الأوروبي وكدول مستقلة القدرة على فرض مصالحها.
ولعلنا نعيش أواخر عصر السياسة حين نشهد الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على سوريا بدعوى ضرب مواقع إرهابية وعلى لبنان تحت تعلة ضربات استباقية لما يدبره حزب الله من هجومات على إسرائيل ومشاركة الجيش الإسرائيلي في الحرب على اليمن وعلى العراق تحت غطاء تدمير قواعد الحشد الشعبي وطبعا بالتوازي مع إعادة حرب الإبادة في غزة (بالأمس الخميس استشهد 70 فلسطينيا منهم 25 طفلا) ثم إن قصف المستشفيات جريمة حرب غير مسبوقة مع غلق المعابر ومنع وصول الإعانات لغزة هو القتل بالتجويع!
نعم نحن أمام مذابح ترتكبها إسرائيل ضد أشقائنا الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وربما قريبا الأردنيين والمصريين فنغضب ونشارك في النفير الكبير الذي دعت له المقاومة واستجابت له بقية الأمة الإسلامية!
تؤكد وكالات الأنباء أن حكومة (نتنياهو) تستعد لاحتلال قطاع غزة والضفة وفرض الحكم العسكري عليهما والسيطرة الكاملة على الفلسطينيين وعلى الشرق الأوسط وتنفيذ مخططاتها المتعلقة بالاستيطان أو التهجير. وهو التوجه الذي يتوافق مع خطة رئيس هيئة الأركان العامة (إيال زامير)
لكن يبقى السؤال: هل تمتلك إسرائيل إستراتيجية واضحة لما تقوم به؟ وانظروا ما يحدث في العالم من حولنا: رجل أمريكي مثير للجدل ترأس الأمة الأمريكية مرتين واحتل البيت الأبيض ويخطط لعهدة ثالثة وأعلن أن كندا وبنما والقطب الشمالي (غرين لاند) هي ولايات تابعة لأمريكا ! وأن خليج المكسيك أصبح اسمه خليج أمريكا وأن أوكرانيا ليست أوروبية بل هي قطعة من روسيا ثم أعلن أنه لا يعترف للاتحاد الأوروبي بأي سلطة على أوكرانيا بل أنه يعمل على إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية في مفاوضات بينه وبين (بوتين) حليفه الجديد ونعت الرئيس الفرنسي (ماكرون) بالمعتوه الذي يغرر بالأوروبيين ويريد قيادتهم الى حرب ضد روسيا مثلما نعت (زيلنسكي) أيضا بالمجنون الذي نفخ فيه الأوروبيون روحا من البطولة المزيفة أفقدته حجمه الحقيقي!
وأمام حرب إبادة الفلسطينيين وقف عاجزا عن إبداع من إبداعاته واكتفى بالرجوع الى أصول ديانته الأنغليكانية التي تدمج الخرافات التلمودية المتطرفة في عقيدتها المسيحية (والتي قاومها القس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس م) واكتفى بالقول بأن إسرائيل محقة في الدفاع عن أمنها!!! وهو التبرير الخطأ الممجوج من كثرة تكراره حتى لم يعد يقنع اليهود أنفسهم وخرج بعض نزهائهم للتظاهر ضد حرب الإبادة التي وصمت اليهود بالعار الى أبد الدهر وجعلت شرفاء الدنيا كلهم يشيرون إليهم بالبنان كقتلة أطفال وهو عار لن تمحوه الدعايات البلهاء الصادرة عن العنصريين المتطرفين من مستوطني فلسطين منذ العشرينيات (بداية الهجرات الكبرى) الى عام 2025 حيث بدأ الإسرائيليون حاملو جنسيتين يغادرون فلسطين المحتلة الى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها (أكثر من 300 ألف حالة عودة طوعية منذ السابع من أكتوبر 2013).
وحسب تحليل أخير للدكتور طلال أبو غزالة (وهو أفضل من يفكك خفايا الصراع في الشرق الأوسط) فإن إسرائيل دخلت مرحلة الحرب الأهلية لأن نصف شعبها يقف ضد (ناتنياهو) والنصف الثاني متعدد الانتماءات والمصالح وبلغت الحرب الأهلية مستوى قياداتها العسكرية حتى أن بعضهم استعمل مصطلح الحرب الأهلية مرات عديدة! ويتنبأ هذا الخبير الواعي بأن حماس سوف تنتصر لأنها تدافع عن أرضها المغتصبة بينما يقاتل الإسرائيلي من أجل الاحتفاظ بأرض اغتصبها ولأن (ناتنياهو) حينما يؤكد أنه يقاتل على سبع جبهات فإنه في الحقيقة يقر باستحالة الانتصار في السبع جبهات بسببين: سبب جغرافي وسبب عقائدي فجبهة لبنان مثلا هي عدة جبهات: حزب الله ودولة لبنان مع الرئيس الجديد (جوزاف عون) الذي أكد أمام (ماكرون) أن الدولة وحدها لديها حق حمل السلاح لكنه أضاف: «وهذا أمر يحتاج الى شيء من الوقت بالنظر الى أن جزءا من أراضينا ما زالت محتلة» فاقتنع الجميع وأولهم (ماكرون) الراعي الرسمي للدولة اللبنانية بأن عملية نزع سلاح حزب الله بالقوة يعني بكل تأكيد حربا أهلية لبنانية أعنف من الحرب الأهلية الأولى (1975-1990) وهي حربٌ أهليّةٌ متعدّدة الأصعدة راح ضحيتها 120 ألف لبناني مسلحين ومدنيين ولا يزال 76 ألف لبناني مشردين نازحين ولاجئين داخل لبنان أو خارجه.
يتذكر أبناء جيلي أن تلك الحرب الضروس اندلعت على إثر محاولة اغتيال الزعيم (بيار جميل) ومحاولات إسقاط إصلاحات فؤاد شهاب الذي سعى لجمع الطوائف وسن دستور ديمقراطي مما حرك طبقات اجتماعية من اللبنانيين تعودوا على الإثراء مغتنمين هشاشة الدولة ثم تحركت قوى اقليمية ودولية تسعى للحفاظ على مصالحها في لبنان والشرق الأوسط مثل سوريا ومصر والأردن ثم روسيا وأمريكا وفي الأثناء ازداد تواجد الفلسطينيين وقياداتهم على التراب اللبناني معتبرين عن خطأ في التقدير أن لبنان أرض مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي المحتل ولا ننسى أن منظمة التحرير تم إجلاؤها بقوة عن الأردن في أيلول 1970عندما شرع فدائيوها في تفجير طائرات مختطفة في الأردن فاستقروا في لبنان ليخلوا بالتوازن الهش بين المسلمين والمسيحيين فانقسموا الى يمين ويسار! وحمل شبابهم السلاح وتقاتلوا فيما بينهم واندلعت حرب أهلية دمرت لبنان! نحن اليوم في مارس 2025 نكتشف مزيد انقسام دار الإسلام ونستحي عندما نرى ونسمع السودانيين يتقاتلون وكل فريق يهتف «الله أكبر» وهو يقصف مسلمين موحدين يهتفون أيضا «الله أكبر»! ونرى ليبيا عاصمتين وجيشين وحكومتين ونرى اليمن يمنين وحكومتين وجيشين! وتصل الأزمة العنيفة الى تركيا السنية لتوقظ مارد الفانوس السحري من نومه فيهدد استقرار تركيا مع أردوغان ويكاد يعصف بالليرة وبالسياحة. من جهتها أطلقت الإيكونوميست البريطانية تحذيرا مرعبا للإسرائيليين حول دولتهم مشيرة إلى أن سياسات الحكومة الحالية تقودهم إلى كارثة غير مسبوقة وجاء في تقريرها الذي تصدر غلافها تحت عنوان «غطرسة إسرائيل» أن دولتهم تبدو قوية ظاهريا لكنها تواجه أخطارا متزايدة تهدد استقرارها بل وجودها!!
(الشرق القطرية)