كتبت هيام قصيفي في" الاخبار": على إيقاع الحرب الدائرة، ثمة نقطتان تناقشان في الدوائر المختصة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية المعنية، ومنها ما يجري تداوله في نقاشات سفراء ودبلوماسيين في الأمم المتحدة.
الأولى، تتعلق بـ «اليوم التالي» للحرب في لبنان. حتى الآن، ما يقال إن ثمة ضرورة للبحث جدياً في ما يمكن أأن ينتج عن الحرب حتى لا تتكرر تجربة المدة الطويلة في غزة من دون الوصول إلى خريطة طريق لليوم التالي تنهي عملانياً وسياسياً الحرب، لأن ما يُرسم لغزة لم يصبح بعد ورقة عمل واضحة يمكن البناء عليها.

يختلف وضع لبنان عن غزة، لجهة إحاطة بعض الدول الغربية والعربية بفكرة لبنان ومستقبله، والاهتمام بما سيلي وقف الحرب. والمفارقة أن الكلام عن وقف النار في النقاشات كلام مجمّد، نتيجة تداول كلام أميركي يقول إن لبنان لم يبلغ فعلياً في وقت سابق قبوله بوقف النار. أما اليوم فالأوروبيون لا يملكون عملياً القدرة على الدخول في مفاوضات وقف النار لأن الكرة في ملعب إسرائيل، ولأن الموقف الأميركي غير ملتبس حيال وقف النار. فكل الحراك الأميركي يدور حول فكرة تخفيف وطأة استهداف المدنيين من دون تقديم أي ضمانات. الأمر نفسه حصل في الضاحية الجنوبية قبل اغتيال مسؤول حزب الله فؤاد شكر، وترجم خطأ في لبنان حينها على أنه ضمانات أو تعهدات. فما يقوله الأميركيون هو أنهم يحثون إسرائيل على عدم استهداف المدنيين لا أكثر ولا أقل. ولأن وقف النار يبدو اليوم متعثراً، فإن النقاشات تدور حول قرار أممي جديد انطلاقاً من فكرة أن القرار 1701 تخطاه الزمن، وقد يكون حتى القرار 1559 كذلك أصبح وراء الجميع. وهنا لبّ النقاش الذي يرسم حيثيات جديدة لمستقبل لبنان، ولو انطلاقاً من القرارين المذكورين اللذين يتطور النقاش حولهما من دون العودة الى لبنان الرسمي، لأن لبنان الرسمي لا قدرة له على تنفيذ أي من القرارات المذكورة. وهذا النقاش الذي بدأ بين دبلوماسيين في عواصم معنية، لا يزال في خطواته الأولى، وعبارة عن أفكار أولية لم تصل بعد إلى حد المسوّدة، لكنه يرسم خطاً فاصلاً بين الواقع الميداني وما ينتظر أن يُكتب من تسوية للوضع بعد وقف النار ولو طالت فترة الحرب. ومجرد البحث في قرار جديد، يعني حكماً أن القرارين السابقين اللذين يشكلان انطلاقاً لأي قرار يجري البحث فيه، قد استنزفا ولم يعودا صالحين للتطبيق، أميركياً وإسرائيلياً وحتى لدى عواصم أوروبية انطلاقاً من أنهما لم يُطبقا لبنانياً رغم مرور سنوات على صدورهما.
النقطة الثانية هي استطراداً للبحث الدولي عن مستقبل لبنان بعد وقف النار، تتعلق بوضع القوات الدولية. بغضّ النظر عن الحيثيات السابقة التي وسّعت مهامها بعد القرار 1701، فإن البحث يدور في عواصم الدول المشاركة فيها وفق وجهات نظر مختلفة. فليس جميع الأوروبيين لهم الموقف نفسه حيال الـ»يونيفل» كوضع وكأداء ومستقبل، سواء المشاركون فيها أو غير المشاركين. وليس لكل الدول المشاركة أيضاً الموقف نفسه مما يجري جنوباً ومن عمل القوات الدولية. وهنا يبرز التناقض بين ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وما يريده بعض الأوروبيين. وثمة نقطة يضيء عليها معارضون لموقع الـ»يونيفل» حالياً، وهي أن هذه القوة نفسها كانت محل انتقاد، وأحياناً «اتهام» ومعاينة حثيثة من حزب الله وممن كانوا يعترضون أحياناً على مهامها العملانية ويلمحون إلى أنها تخدم إسرائيل. في حين انقلبت الآية اليوم، اذ تتهمها إسرائيل بالانحياز إلى حزب الله وغض النظر عن ممارساته وتطالب بسحبها. والقضية مرشحة للتفاعل أكثر مع الضغط الاعلامي الغربي حيال وجود القوات الدولية ودورها، ولا سيما في ضوء التعارض بين مواقف دول مشاركة، من المعلومات التي تنقلها إسرائيل إلى هذه العواصم، علماً أن دور الـ»يونيفل» بذاته كان منذ سنتين مدار نقاش واسع بين لبنان والأمم المتحدة وممثلي دول فاعلة، حيال تغيير طبيعة عملها، كما حصل قبل عامين عند التجديد لها. وهنا يعود النقاش ربطاً بما يمكن أن يُرسم من قرار جديد، يكون مقدمة لتغيير طبيعة عمل هذه القوة بعد سنوات على وجودها في لبنان. وإذا كانت الولايات المتحدة غير مشاركة في عمل هذه القوة إلا أن دورها الحيوي ولا سيما مع دول أوروبية أكثر قرباً منها، مما هي الحال مع فرنسا على سبيل المثال، كفيل بالتأثير في مجريات النظرة إلى دور هذه القوة حالياً وإمكان الضغط لانسحابها من المنطقة الحدودية وأبعد، وفق الشروط الإسرائيلية. والخلاف الأميركي الفرنسي حيال الموقف من الوضع انطلاقاً من واقع الحرب الحالية، مرشح لأن يتفاعل في ضوء النظرتين المتناقضتين حيال وقف النار والحرب الإسرائيلية، ما يؤثر فعلياً على أي نقاش في شأن أي قرار أممي أو تغيير في عمل القوات الدولية. لكن التجربة دلت على أن أداء إدارة الإليزيه في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون لم يكن مؤثراً في مجريات الوضع اللبناني، وأعطى انطباعاً للأميركيين بأن انحيازه إلى حزب الله يلعب دوراً مؤثراً سعى الأميركيون مراراً إلى تطويقه. وسيكررون مرة أخرى الأمر نفسه إزاء أي دور، في مؤتمر دولي أو في الأمم المتحدة وخارجها، يفهم منه تحت غطاء مساعدة لبنان أنه قد يكون عنصراً فعالاً ومساعداً لحزب الله.
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القوات الدولیة وقف النار هذه القوة حزب الله

إقرأ أيضاً:

خبير دولي: استئناف قصف غزة في رمضان تستوجب مذكرات توقيف فورية لمجرمي الحرب الإسرائيليين

نـدّد الدكـتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، بشدة بإعلان نتنياهو استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في جميع أنحاء قطاع غزة، واصفاً القرار بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وقال الدكتور مهران في تصريحات صحفية، ان ما أعلنه نتنياهو اليوم من استئناف للعمليات العسكرية ضد غزة يمثل انقلاباً على الجهود الدبلوماسية وتنصلاً من الالتزامات الدولية وانتهاكاً جسيماً لقرارات الشرعية الدولية، مشيرا الي ان المبررات التي ساقها نتنياهو لاستئناف القصف هي ذرائع واهية تتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة في شهر رمضان المبارك.

وأضاف بلهجة تحذيرية أن سقوط أكثر من 34 شهيدا، بينهم 5 أطفال، في الساعات الأولى من استئناف العدوان يؤكد أن إسرائيل مصرة على استهداف المدنيين بشكل ممنهج، لافتا الي ان هذه الممارسات ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب ملاحقة جنائية دولية فورية.

وأوضح أستاذ القانون الدولي أن القصف العشوائي للمناطق السكنية باستخدام أسراب من الطائرات الحربية يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية المنصوص عليه في المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، كما يتعارض مع مبدأ التناسب الذي يحظر الهجمات التي قد يتوقع منها أن تسبب خسائر في أرواح المدنيين تكون مفرطة بالقياس إلى الميزة العسكرية المتوقعة.

وشدد مهران على أن تذرع إسرائيل بأن حماس رفضت إطلاق سراح الأسرى لا يمنحها أي سند قانوني لاستئناف العمليات العسكرية ضد المدنيين، موضحا أن القانون الدولي الإنساني يحظر بشكل قاطع العقاب الجماعي، وهو ما تنص عليه المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.

الدكتور محمد مهران أستاذ القانون الدولي

وتابع: إسرائيل، كقوة احتلال، تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن حماية المدنيين الواقعين تحت سيطرتها، مشيرا الي ان استئناف القصف بعد شهور من المجازر المتواصلة والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين يظهر استخفافاً متعمداً بالقانون الدولي وبحياة المدنيين.

وعن تبعات القرار الإسرائيلي، أكد الدكتور مهران أن استئناف العمليات العسكرية سيفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، ويقوض جهود تقديم المساعدات الإنسانية، ويزيد من معاناة مليوني فلسطيني يواجهون أصلاً ظروفاً لا إنسانية، لافتا الي ان هذا التصعيد المتعمد ينذر بموجة جديدة من الضحايا المدنيين والدمار الشامل.

وأضاف أن استمرار إسرائيل في خرق القانون الدولي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية، مطالبا الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالالتزام باحترام وضمان احترام الاتفاقيات في جميع الأحوال، وفقاً للمادة الأولى المشتركة.

وحول الموقف القانوني من تصريحات نتنياهو بشأن «العمل بقوة عسكرية متزايدة»، قال مهران ان هذه التصريحات تكشف عن نية مبيتة لارتكاب انتهاكات أشد جسامة، مشيرا الي ان التهديد باستخدام قوة عسكرية متزايدة ضد سكان محاصرين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة يمثل تهديداً مباشراً بارتكاب جرائم حرب.

وبين ان نتنياهو وكاتس يتحملان المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه القرارات بموجب المادة 25 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، موضحا ان إصدارهما تعليمات مباشرة باستهداف قطاع غزة بأكمله يشكل أدلة دامغة على تورطهما في التخطيط المباشر لجرائم الحرب.

هذا وشدد مهران على أن مجلس الأمن مطالب بالتدخل الفوري لوقف العدوان وتفعيل دوره، وإلزام إسرائيل بالعودة إلى المسار التفاوضي، محذرا من ان استمرار الصمت الدولي يشجع إسرائيل على المزيد من الانتهاكات ويقوض مصداقية النظام الدولي برمته.

واختتم الدكتور مهران تصريحاته بدعوة مباشرة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قائلاً: الأدلة على ارتكاب جرائم حرب في غزة أصبحت جلية وموثقة، على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف فورية بحق المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، بمن فيهم نتنياهو وكاتس، بتهمة التورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وطلب استعجال ضبطهم.

واستكمل: المجتمع الدولي والدول العربية مطالبان أيضا بتدخل فوري وحاسم لوقف العدوان الإسرائيلي، من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل والمسؤولين الإسرائيليين، وتجميد أصولهم، وحظر سفرهم، وتفعيل الولاية القضائية العالمية لملاحقتهم، لافتا إلى ان الإدانات والبيانات لم تعد كافية، وان الوقت قد حان لإجراءات عملية تثبت أن القانون الدولي ليس حبراً على ورق، وأن حماية المدنيين الفلسطينيين مسؤولية جماعية لا يمكن التنصل منها.

يذكر أن مكتب نتنياهو أعلن اليوم أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع كاتس أصدرا تعليمات للجيش "للعمل بقوة ضد حماس في قطاع غزة"، متذرعين برفض حماس إطلاق سراح الأسرى، وقد بدأت إسرائيل بالفعل قصف مناطق متفرقة من قطاع غزة، مما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء، بينهم أطفال، في مستشفى المعمداني وحده، فضلاً عن عشرات الجرحى.

اقرأ أيضاً«القاهرة الإخبارية»: نحو 160 شهيدا وأكثر من 300 مصاب جراء غارات الاحتلال على غزة

ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة إلى 48572 و112032 مصابا

مقالات مشابهة

  • فرنسا مُهتمة بزيارة عون لتأمين مظلّة دوليّة لدعم لبنان وواشنطن غير مُستعجلة
  • برئاسة اليمن.. الجامعة العربية تدعو لتحرك دولي لإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة
  • بعد استئناف الحرب..غوتيريش يعبر عن "صدمته" من الضربات الإسرائيلية على غزة
  • برلماني: خرق إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار انتهاك صارخ للمواثيق الدولية
  • الأورومتوسطي يحذر من تفويض دولي للاحتلال لتصعيد الإبادة الجماعية في غزة
  • دول غربية تندد باستئناف العدوان وتطالب الاحتلال باحترام وقف إطلاق النار بغزة
  • غضب شعبي وتنديد دولي بتجدد العدوان الإسرائيلي على غزة
  • خبير دولي: استئناف قصف غزة في رمضان تستوجب مذكرات توقيف فورية لمجرمي الحرب الإسرائيليين
  • العدوان على اليمن يتسبب بازمة شحن دولي
  • مقتل شخص كحصيلة أولية بخلاف على أراضي في كركوك