صحيفة البلاد:
2024-10-16@00:21:48 GMT

هل الحزن يؤدب صاحبه، أم يقتله؟

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

هل الحزن يؤدب صاحبه، أم يقتله؟

“لم أعد أمتلك دموعًا لأعيش بها أحزاني”. في نبرة يكسوها الحزن، ودموع متحجِّرة تأبي النزول،  أخبرني أحدهم بأنه علي وشك الإنهيار، توقفت أمام تلك الكلمات التي زلزلت جدران قلبي، وكأنه كان يشرح حالي، فقد مرت عليّ لحظات وددت فيها لو تقيأت قلب، وفقدت ذاكرتي، قد أكتب أنا وغيري فقط لأننا لا نستطيع الكلام، لأننا لم نجد من يفهم صمتنا، فكيف سنجد من يفهم الكلام، ذلك الصمت الذي كلفنا الكثير، وقد أخبرهم كل شيئ دون أن يشعروا، قد لا أمتلك الشجاعة الكافية التي تجعلني أظهر ضعفي، وحزني أمام الأخرين، حتّى  وإن كان قلبي يبكي دمًا، لكنني أعلم جيداً أنني لست الشخص الذي كنت عليه بالأمس، من دون أن ترفع يديك لتخبرني أنك حزين،  أو تشعر بالوحدة، أو الاكتئاب، أو الحزن، من دون أن تخجل من إخبار أي شخص بذلك، أنا أعلم جيداً ما تمرّ به، وأشعر به، فالحزن أصدق، وأعمق من السعادة، فهو عاطفة يصادفها كل شخص منا في حياته، وغالبًا ما تكون غير متوقعة، وقد تؤدبك، أو تقتلك، أعلم عنه جيدًا إنه شعور مفاجئ شامل بالثقل والشوق الذي لا يطاق يمكن له أن يصاحبنا بعد فقدان شخص عزيز، أو نهاية علاقة، أو فرصة ضائعة، أو مرض شخص قريب، أو حتى توقع لم يحدث، أو حلم لم يتحقق.

إن طبيعة الحزن تجعلنا نريد الانسحاب إلى داخلنا، والتوقف عن الركض والتأمل في تفاصيل كل ما حدث، إنه ثقل نحمله، يبطئنا، ويجعلنا نستعيد الذكريات، ونتأمل الكلمات، ونجمع أجزاء من أفكارنا، وأيام حياتنا القديمة، فالحزن غير مرئي، وصعب، وغير مريح، خاصة علي أولئك الأقوياء الذين يحاولون إخفاءه، لكنه يظل داخلهم كجانب أساسي من التجربة الإنسانية، الحزن قد يقتل ويكسر القلب، إنه مشاعر شديدة، وشخصية للغاية، تتجلَّى في شكل غصُّة في الحلق، أو عقدة في الصدر، لا تستطيع البوح بها، وكسور في الروح لا يراها أحد، خاصة وإن كنت ممّن لا يملك رفاهية الإنهيار، أو الضعف، حتي أمام نفسك في المرآة. كثير منا، واجه خسائر كبيرة، وانتكاسة جعلت الحزن يمنحه وسيلة للاعتراف بمشاعره، وضعفه، وقيمة ما فقده، وتكديس الألم، الذي في النهاية أدي به إلى الشعور بالمزيد من الألم علي المدي البعيد، بعد الرحلة الطويلة ودون سابق إنذار، ستشعر أن روحك بدأت تهدأ، بأنك غير مكترث، وكأنك تمشي في طريق مغطى بالجليد، دون أن تشعر بالبرد. في تلك اللحظة تحديدًا، سيمر شريط حياتك أمام عينك، ويعجّ ذهنك بالأفكار، لتدرك في هذا اليوم، أيّتها كانت اللحظة الأكثر حزنًا في حياتك، قد تبكي حينها كما الأطفال، لكن تأكد بعدها، أنك ستواجه إتجاهين لا ثالث لهما: إمّا موتك داخل حزنك، أو إستعادة قوتك، لكن ببطء شديد، فالحزن له جانب اجتماعي عميق، فهو عاطفة تدعو إلى التعاطف، والتواصل، لكنه يصبح معقّداً حينما لا تجد من لا يفهمك، قد تجد من يقدم لك الدعم بشكل غريزي، ويصغي إليك، لكنه ببساطة لا يفهمك، وهي لحظة أشد بؤساً من حزنك، لأنك ترغب حينها  في الهروب حتي من نفسك، ترغب فقط في الصمت حتي مع نفسك، صمت تام بلا فكرة أو شعور، قد تتجاوزه مع مرور الوقت، لكن يبقي داخلك سؤال: أيّ جزء من أحزانك كان حقيقيًا؟  تتساءل أيّ حزن كان أقوي، وترك تلك العلامة بداخلك؟ حزنك سيجعلك تتعمّق في عوالم عميقة من المعاناة والعذاب والألم العقلي الشديد ورحلة فكر لا ينتهي، فتشريح جوهر الألم، يعني الإبحار في المشهد المعقّد لحزنك وتجربتك، حيث ترسم ظلال الألم واليأس صورة مؤثرة لنقاط ضعفك أمامك، إنه ألم طبيعي وردّ فعل غريزي للمعاناة العاطفية الشديدة التي تمرّ بها، والتي تتجلّى داخلك غالبًا في شكل ألم عميق ومؤلم يمكن أن يكون نفسي أو جسدي. لقد مارس القلق طقوسه علينا جميعاً، لكن على عكس لحظات القلق العابرة، فإن الألم هو الرفيق الدائم الذي لازمنا كظل في أعماق وعينا، وقد نشأ من عدد لا يحصى من المواقف سواء كانت خسائر عميقة، أو حب بلا مقابل، أو حب من طرف واحد، أو أحلام محطّمة. يتطلب فهم الألم، الاعتراف بمحفِّزاته المتنوعة، وتقدير الطرق الفريدة التي يتجلّى بها في كل فرد، إنه الغصة في الحلق التي تتحدّى التعبير، والقلب الثقيل الذي ينبض على إيقاع الحزن، لطالما سعى الفنانون والشعراء والموسيقيون إلى التقاط جوهر الألم، في محاولة منهم لترجمة ما لا يمكن وصفه، لكن لم يتمكن أحد من شرحه كصاحبه. مشهد الألم ليس بانوراما أحادية اللون، بل هو مشهد متعدد الألوان من المشاعر التي تتغير وتتطور مع مدّ وجزر الحياة، وهو يشمل طيفًا يتراوح من الألم الحاد الحارق الناجم عن مأساة مفاجئة،  إلى الألم الباهت المستمر الناجم عن الضيق العاطفي المزمن، وفهم الفروق الدقيقة داخل هذا الطيف، أمر بالغ الأهمية للتنقل عبر التضاريس المعقّدة للمشاعر الإنسانية، الألم يتميز بحدّته، وطبيعته الشاملة للمعاناة التي يستلزمها، قد يعتبر البعض الحزن سحابة عابرة، لكن الألم الناتج عنه سيظل باقياً كعاصفة لاهوادة فيها، إن الحزن ليس مجرد عقبة يجب التغلب عليها، أو شعور غير سار يجب كبتّه، بل إنه جزء طبيعي، وضروري من كيان الإنسان، فهو يعلِّمنا أن نعتز بالأوقات السعيدة، ونتأمل الدروس المستفادة من الأوقات الصعبة، علي الرغم أنه شعور مرهق، لكنه يوفِّر لنا رؤى قيّمة، تسمح لنا بإعادة البناء بحكمة ومرونة، واحتضان الحزن كجزء طبيعي، حتّى وإن كان شعوراً غير مريح من الحياة.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: دون أن

إقرأ أيضاً:

شهداء لقمة العيش.. الحزن يسود بين أهالي المحلة لوفاة 3 شباب بالسعودية|صور

سادت حالة من الحزن والوجيعة بين الأسر والعائلات بمدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية اليوم، الثلاثاء، عقب وفاة 3 شباب وإصابة آخرين في حوادث سير مختلفة في المملكة العربية السعودية. 

وتوجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بالدعاء لضحايا لقمة العيش بالرحمة والمغفرة وإقامة صدقات جارية على أرواحهم.

تعطل حركة المرور بسبب انقلاب سيارة نقل بطريق "طنطا ـ المحلة" والأمن يتدخل

وأعلن زملاء الشهداء على مواقع التواصل الاجتماعي، نعي زملائهم شهداء لقمة العيش وهم كل من بهاء مدحت، وتامر معوض سعد، وآخر يدعى أبانوب، وأصيب اثنان آخران، عقب أن صدمتهم سيارة نقل بمدينة القصيم بالمملكة العربية السعودية، أثناء ذهابهم لاستخراج رخصة قيادة.

زراعة الغربية تعلن تدشين حصاد محصول الأرز بسمتي بقرية بوريك بطنطا

وكشف أقارب شهداء ضحايا لقمة العيش، عن أن الشهداء الثلاثة اغتربوا بحثا عن أرزاقهم، لافتين إلى أنهم قرروا السفر إلى المملكة العربية السعودية عقب مرور أسبوعين سعيا في البحث وكسب لقمة العيش لذويهم.

FB_IMG_1728999184212 FB_IMG_1728999171781

مقالات مشابهة

  • تفاصيل انهيار عقار في الشيخ زايد: كان صاحبه يبني سقفا
  • شهداء لقمة العيش.. الحزن يسود بين أهالي المحلة لوفاة 3 شباب بالسعودية|صور
  • دعاء لتخفيف الألم الشديد وآيات الشفاء من كل داء.. احرص عليه
  • دموع فوق الجمر: كيف يختار خونة العرب الحزن على العدو ويفرح بقتل الأخ؟؟
  • حارس النصر يغيب عن الملاعب لمدة شهرين
  • الصحة تحذر من 5 أمراض تصيب الإنسان بسبب قلة الحركة
  • علاج آلام المفاصل بالتقنيات الحديثة.. خيارات فعالة لتحسين الصحة
  • صلصة حارة تكشف لغز الألم والمتعة في الدماغ
  • رغم الألم.. غزة حاضرة في مهرجان الموسيقى العربية