صحيفة البلاد:
2024-12-17@07:36:23 GMT

هل الحزن يؤدب صاحبه، أم يقتله؟

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

هل الحزن يؤدب صاحبه، أم يقتله؟

“لم أعد أمتلك دموعًا لأعيش بها أحزاني”. في نبرة يكسوها الحزن، ودموع متحجِّرة تأبي النزول،  أخبرني أحدهم بأنه علي وشك الإنهيار، توقفت أمام تلك الكلمات التي زلزلت جدران قلبي، وكأنه كان يشرح حالي، فقد مرت عليّ لحظات وددت فيها لو تقيأت قلب، وفقدت ذاكرتي، قد أكتب أنا وغيري فقط لأننا لا نستطيع الكلام، لأننا لم نجد من يفهم صمتنا، فكيف سنجد من يفهم الكلام، ذلك الصمت الذي كلفنا الكثير، وقد أخبرهم كل شيئ دون أن يشعروا، قد لا أمتلك الشجاعة الكافية التي تجعلني أظهر ضعفي، وحزني أمام الأخرين، حتّى  وإن كان قلبي يبكي دمًا، لكنني أعلم جيداً أنني لست الشخص الذي كنت عليه بالأمس، من دون أن ترفع يديك لتخبرني أنك حزين،  أو تشعر بالوحدة، أو الاكتئاب، أو الحزن، من دون أن تخجل من إخبار أي شخص بذلك، أنا أعلم جيداً ما تمرّ به، وأشعر به، فالحزن أصدق، وأعمق من السعادة، فهو عاطفة يصادفها كل شخص منا في حياته، وغالبًا ما تكون غير متوقعة، وقد تؤدبك، أو تقتلك، أعلم عنه جيدًا إنه شعور مفاجئ شامل بالثقل والشوق الذي لا يطاق يمكن له أن يصاحبنا بعد فقدان شخص عزيز، أو نهاية علاقة، أو فرصة ضائعة، أو مرض شخص قريب، أو حتى توقع لم يحدث، أو حلم لم يتحقق.

إن طبيعة الحزن تجعلنا نريد الانسحاب إلى داخلنا، والتوقف عن الركض والتأمل في تفاصيل كل ما حدث، إنه ثقل نحمله، يبطئنا، ويجعلنا نستعيد الذكريات، ونتأمل الكلمات، ونجمع أجزاء من أفكارنا، وأيام حياتنا القديمة، فالحزن غير مرئي، وصعب، وغير مريح، خاصة علي أولئك الأقوياء الذين يحاولون إخفاءه، لكنه يظل داخلهم كجانب أساسي من التجربة الإنسانية، الحزن قد يقتل ويكسر القلب، إنه مشاعر شديدة، وشخصية للغاية، تتجلَّى في شكل غصُّة في الحلق، أو عقدة في الصدر، لا تستطيع البوح بها، وكسور في الروح لا يراها أحد، خاصة وإن كنت ممّن لا يملك رفاهية الإنهيار، أو الضعف، حتي أمام نفسك في المرآة. كثير منا، واجه خسائر كبيرة، وانتكاسة جعلت الحزن يمنحه وسيلة للاعتراف بمشاعره، وضعفه، وقيمة ما فقده، وتكديس الألم، الذي في النهاية أدي به إلى الشعور بالمزيد من الألم علي المدي البعيد، بعد الرحلة الطويلة ودون سابق إنذار، ستشعر أن روحك بدأت تهدأ، بأنك غير مكترث، وكأنك تمشي في طريق مغطى بالجليد، دون أن تشعر بالبرد. في تلك اللحظة تحديدًا، سيمر شريط حياتك أمام عينك، ويعجّ ذهنك بالأفكار، لتدرك في هذا اليوم، أيّتها كانت اللحظة الأكثر حزنًا في حياتك، قد تبكي حينها كما الأطفال، لكن تأكد بعدها، أنك ستواجه إتجاهين لا ثالث لهما: إمّا موتك داخل حزنك، أو إستعادة قوتك، لكن ببطء شديد، فالحزن له جانب اجتماعي عميق، فهو عاطفة تدعو إلى التعاطف، والتواصل، لكنه يصبح معقّداً حينما لا تجد من لا يفهمك، قد تجد من يقدم لك الدعم بشكل غريزي، ويصغي إليك، لكنه ببساطة لا يفهمك، وهي لحظة أشد بؤساً من حزنك، لأنك ترغب حينها  في الهروب حتي من نفسك، ترغب فقط في الصمت حتي مع نفسك، صمت تام بلا فكرة أو شعور، قد تتجاوزه مع مرور الوقت، لكن يبقي داخلك سؤال: أيّ جزء من أحزانك كان حقيقيًا؟  تتساءل أيّ حزن كان أقوي، وترك تلك العلامة بداخلك؟ حزنك سيجعلك تتعمّق في عوالم عميقة من المعاناة والعذاب والألم العقلي الشديد ورحلة فكر لا ينتهي، فتشريح جوهر الألم، يعني الإبحار في المشهد المعقّد لحزنك وتجربتك، حيث ترسم ظلال الألم واليأس صورة مؤثرة لنقاط ضعفك أمامك، إنه ألم طبيعي وردّ فعل غريزي للمعاناة العاطفية الشديدة التي تمرّ بها، والتي تتجلّى داخلك غالبًا في شكل ألم عميق ومؤلم يمكن أن يكون نفسي أو جسدي. لقد مارس القلق طقوسه علينا جميعاً، لكن على عكس لحظات القلق العابرة، فإن الألم هو الرفيق الدائم الذي لازمنا كظل في أعماق وعينا، وقد نشأ من عدد لا يحصى من المواقف سواء كانت خسائر عميقة، أو حب بلا مقابل، أو حب من طرف واحد، أو أحلام محطّمة. يتطلب فهم الألم، الاعتراف بمحفِّزاته المتنوعة، وتقدير الطرق الفريدة التي يتجلّى بها في كل فرد، إنه الغصة في الحلق التي تتحدّى التعبير، والقلب الثقيل الذي ينبض على إيقاع الحزن، لطالما سعى الفنانون والشعراء والموسيقيون إلى التقاط جوهر الألم، في محاولة منهم لترجمة ما لا يمكن وصفه، لكن لم يتمكن أحد من شرحه كصاحبه. مشهد الألم ليس بانوراما أحادية اللون، بل هو مشهد متعدد الألوان من المشاعر التي تتغير وتتطور مع مدّ وجزر الحياة، وهو يشمل طيفًا يتراوح من الألم الحاد الحارق الناجم عن مأساة مفاجئة،  إلى الألم الباهت المستمر الناجم عن الضيق العاطفي المزمن، وفهم الفروق الدقيقة داخل هذا الطيف، أمر بالغ الأهمية للتنقل عبر التضاريس المعقّدة للمشاعر الإنسانية، الألم يتميز بحدّته، وطبيعته الشاملة للمعاناة التي يستلزمها، قد يعتبر البعض الحزن سحابة عابرة، لكن الألم الناتج عنه سيظل باقياً كعاصفة لاهوادة فيها، إن الحزن ليس مجرد عقبة يجب التغلب عليها، أو شعور غير سار يجب كبتّه، بل إنه جزء طبيعي، وضروري من كيان الإنسان، فهو يعلِّمنا أن نعتز بالأوقات السعيدة، ونتأمل الدروس المستفادة من الأوقات الصعبة، علي الرغم أنه شعور مرهق، لكنه يوفِّر لنا رؤى قيّمة، تسمح لنا بإعادة البناء بحكمة ومرونة، واحتضان الحزن كجزء طبيعي، حتّى وإن كان شعوراً غير مريح من الحياة.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: دون أن

إقرأ أيضاً:

وداعًا آية .. تسمم طالبة يخلق حالة من الحزن تخيم على العسيرات

في أحد الأيام الهادئة بمركز العسيرات جنوب محافظة سوهاج، تسللت المأساة بهدوء إلى منزل عائلة "عبد الله" الصغيرة، لم يكن صباح ذلك اليوم مختلفًا عن غيره؛ أصوات العصافير تملأ الأجواء، والأطفال يمرحون في الخارج، بينما كانت "آية"، الفتاة ذات الخمسة عشر عامًا، تجهز نفسها ليوم جديد.

كانت "آية" كعادتها فتاة مليئة بالحياة، تحب الضحك والمزاح، وكانت تُعرف بين أصدقائها برقتها وحبها للدراسة، في تلك الليلة التي سبقت الحادثة، اجتمعت العائلة على العشاء، ودار الحديث عن أحلام "آية"، التي كانت تتمنى أن تصبح معلمة لتساهم في تعليم الأطفال من قريتها.

بعد تناول الطعام، لم تشعر "آية" بأي شيء غير طبيعي، الطعام كان معدًا مسبقًا، لكنه تُرك خارج الثلاجة بسبب انقطاع الكهرباء، ولم يخطر على بال أحد أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة لها بينهم.

مع بزوغ فجر اليوم التالي، بدأت "آية" تشكو من آلام شديدة في بطنها، حاولت والدتها، "نفيسة"، التخفيف عنها بطرق تقليدية، لكن الألم لم يهدأ.

شعرت العائلة بالقلق عندما بدأت حالتها تتدهور، فقرر والدها نقلها إلى مستشفى سوهاج الجامعي الجديد، حيث استُقبلت في حالة حرجة.

في المستشفى، كان الأطباء يحاولون إنقاذها، لكن التسمم كان قد انتشر في جسدها، كانت "آية" تتألم بينما تمسك بيد والدتها، تُخبرها أنها تخشى الموت ولم تكن مستعدة للرحيل.

ضمن "حياة كريمة".. 3204 مشروعات بتكلفة تجاوزت 50 مليار جنيه بالمنيابدء أعمال استكمال تطوير كورنيش كفر الزيات لتحويله لوجهة حضاريةتسمم طالبة في سوهاج

حاولت "نفيسة" طمأنتها، لكن قلب الأم كان يعلم أن الأمر خطير، بكلماتها الأخيرة، نظرت "آية" لوالديها وقالت: "خلي بالكم من بعض.. أنا بحبكم" ثم أغمضت عينيها إلى الأبد.

داخل المنزل، ساد الصمت المطبق. لعبت الدموع دورها، حيث جلس الوالد "عبد الله" في ركن الغرفة، يحدق في صورة ابنته التي كانت تحمل أحلامها، أما "نفيسة"، فكانت ترتب سرير "آية"، وكأنها تنتظر عودتها من الخارج.

في تقرير مفتش الصحة، كُتب أن الوفاة كانت نتيجة "هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية" بسبب تناول طعام فاسد، لكن ذلك التقرير لم يستطع أن يصف حجم الألم الذي حلّ بالعائلة.

وفي جنازتها، اجتمع أهل القرية في مشهد مهيب، يحملون النعش وسط دموع الأصدقاء والجيران، حكت إحدى صديقاتها: "آية كانت بتحب الحياة، عمرها ما زعلت حد.. إزاي تسيبنا فجأة كده؟"

ترك رحيل "آية" أثرًا لا يُمحى في قلوب والديها وجميع من عرفوها. وباتت قصتها تحذيرًا لكل من يترك طعامًا دون حفظ، ولتذكير الجميع بأن الحياة قد تنقلب رأسًا على عقب في لحظة.

مقالات مشابهة

  • 19 شهيدًا في غارات إسرائيلية على غزة: تصعيد جديد ومأساة مستمرة
  • "روح الروح".. وداع "أبو ضياء" أيقونة الحزن والصبر في غزة
  • كيف يسهم الفلفل الحار في تخفيف آلام الأعصاب المزمنة؟
  • صاحب المُصاب نجم الصورة.. “فوتوسيشن” في عزاء والدة الحضري
  • هرب من صاحبه وسط الفرح.. أسد يخرج عن السيطرة في ليبيا.. إيه الحكاية
  • تحذير صحي من آثار خطيرة لاستخدام الباراسيتامول المتكرر
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • التواء الأصبع.. الأعراض والعلاج
  • هرب من صاحبه وهاجم الحضور| أسد يثير الذعر في ليبيا.. ما القصة؟
  • وداعًا آية .. تسمم طالبة يخلق حالة من الحزن تخيم على العسيرات