حرب الجغرافيا والسياسة: كيف قلبت إيران الطاولة على كيان الاحتلال
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
يختلف وجه الحرب هذه المرة على الرغم من ثبات المسببات والأهداف ورسوخ ملامح الصراع. إذ أن كيان الاحتلال الذي حلم دائماً بتوسيع حدوده لتشمل عدداً من الدول المجاورة، استفاق يوم 7 أكتوبر على حقيقة تفيد بأن القوة التكنولوجية التي يتمتع بها لم تكن باستطاعتها معالجة المعضلة الجيوسياسية التي يواجهها.
بعد أكثر من 15 يوماً على الاستهداف الإيراني لقواعد عسكرية في كيان الاحتلال، لا تزال خيارات الرد “الإسرائيلية” غير محسومة، وسط ضغوطات أميركية وأوروبية على ألا تشمل منشآت نووية أو نفطية. يدل هذا الأمر على عدد من المؤشرات، تبدأ بالمدة الزمنية التي اتخذتها “إسرائيل” لدراسة نوع الضربة وماهيتها، ولا تنتهي بأن الاستهداف العشوائي وغير المحسوب لمنشآت في إيران سيسبب ضرراً على مختلف دول الإقليم، ولا يقتصر على الجمهورية الإسلامية. وهنا تكون “إسرائيل” قد وقعت في لعنة الجغرافيا مجدداً.
تشير مجلة *فورين بوليسي* الأميركية في تقرير لها يتحدث عن تخلي إيران عن “الصبر الاستراتيجي”، إلى أن الصراع الحالي بين طهران والكيان يسلط الضوء على الصدام بين القوة التكنولوجية والقوة الجيوسياسية.
وفي حين تستفيد إيران من مزايا جيوسياسية كبيرة، فإن كعب أخيل “إسرائيل” يكمن في ضعفها الجيوسياسي، المحصور في منطقة صغيرة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
من ناحية أخرى، فإن قدرة إيران الصاروخية قادرة على تغطية حوالي 21 ألف كيلومتر مربع (مساحة الكيان المفترضة) في وقت واحد، وهذا ما حدث بالفعل في “عملية الوعد الصادق 2″، في حين ستواجه التكنولوجيا “الإسرائيلية” معضلة في تغطية مساحة إيران التي تزيد على مليون و648 ألف كيلومتر مربع. ولهذا الأمر دلالاته العسكرية أيضاً، من جهة العمق الاستراتيجي الذي يفتقده الكيان، واختلاف نوعية التضاريس والجغرافيا التي تستفيد منها طهران في هذه المساحات الشاسعة لتطبيق ما يعرف بالدفاع السلبي.
وفق الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية يمكن تلخيص أهداف الدفاع السلبي الإيراني عبر:
– الحد من قدرة أنظمة الرادار والرصد للعدو وإضعاف دقة الأسلحة لديه.
– مواصلة أنشطة البنية التحتية على كامل الأراضي الإيرانية وتوفير الاحتياجات اللازمة للمواطنين حتى وقت الحرب.
– الحد من الأضرار التي قد تلحق بالمعدات والمرافق الحيوية.
– عدم تقديم أي هدف ثقيل للعدو وبالتالي سحب قائمة بنك الأهداف من يده.
– تجريد العدو من إمكانية المبادرة وبالتالي تقليل حجم المفاجآت المحتملة.
وفي الوقت الذي تتموضع فيه إيران إلى جانب حلفاء في المنطقة، ورسمت إلى جانبهم مختلف السيناريوهات وعملت بمساندتهم على مشروع واحد محدد طيلة عقود، تعتمد “إسرائيل” على استراتيجية الضربة الوقائية المتأثرة بالصدمة الأولى والمتجذرة في التفوق التكنولوجي. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تلعب دورًا متزايد الأهمية في الثورات العسكرية، -تقول المجلة- إلا أن العوامل الجيوسياسية لا تزال ضرورية في تشكيل مسار المسابقات الإقليمية.
وبهذا المعنى، فإن الحرب بشكلها الحالي الذي دخلت فيه إيران على خط المواجهة المباشرة، والتي ستشهد في الأيام المقبلة أشواطاً من الرد والرد المضاد، ستكون فيها الجغرافيا السياسية هي من يضع ثقلها لإعادة التوازن.
وفي سياق أوسع، يتركز مصير منافسات واشنطن الكبرى في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ والأوروبو-الأطلسي بشكل متزايد على محور الخليج وبلاد الشام، حيث تعزز طهران علاقاتها مع موسكو وبكين. هذه الديناميكية تعيد تركيز الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
*المادة نُقلت حرفياً من موقع الخنادق الإخباري.*
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
زكريا الزبيدي حرا.. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
لم يكن في مخيلة وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، الذي تباهى بإعادة اعتقال أسرى "نفق الحرية" عام 2021، أن يأتي اليوم الذي يُفتح فيه باب الزنزانة لزكريا الزبيدي، ليعود حراً إلى مدينة جنين، بقرار فرضته المقاومة الفلسطينية.
وتحرر اليوم الخميس زكريا الزبيدي أحد أبرز قادة "كتائب شهداء الأقصى" بالضفة الغربية، ضمن الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى لصفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وخرج ابن جنين من السجن، في وقت تتعرض فيه المدينة ومخيمها لعدوان إسرائيلي متواصل منذ 10 أيام، مخلفة شهداء وجرحى ودمارا هائلا بالمنازل، شمالي الضفة الغربية.
وأطلق سراح الزبيدي إضافة إلى 109 أسرى فلسطينيين آخرين مقابل أسيرتين إسرائيليتين هما أربيل يهود وآجام بيرغر إضافة إلى أسير ثالث وهو غادي موزيس، وفق ما أعلن متحدث كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أبو عبيدة مساء الأربعاء.
والزبيدي (49 عاما) عضو سابق في المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وهو من أبرز الأسماء الفلسطينية بالسجون الإسرائيلية، ومن خلال أطروحته للماجستير، يفضل تسمية نفسه بـ"التنين الذي يهزم الصياد".
نجح الزبيدي بتنفيذ فرار "أسطوري"من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد التحصين عام 2021 (رويترز) هروب أسطوريوفي 6 سبتمبر/ أيلول 2021 نجح الزبيدي في الهروب من زنزانته برفقة 5 من رفاقه في الأسر، من سجن جلبوع شديد التحصين عبر نفق حفروه، وأعيد اعتقالهم بعد أيام. في عملية وصفت حينها بـ"الأسطورية".
إعلانواعتقل جيش الاحتلال الزبيدي عام 2019، ووصفه مسؤول كبير بالمخابرات الإسرائيلية، بـ"قط الشوارع الذي وقع أخيرا في المصيدة".
لم يصدر حكم بحقه حين اعتقل، ولكن صدر ضده حكم بالسجن 5 سنوات على هروبه عبر النفق، أما بقية التهم ومنها إطلاق نار على مواقع إسرائيلية لم يصدر أحكام ضده بشأنها.
وللقيادي الفلسطيني تاريخ طويل في مقاومة الاحتلال، حيث قضى سنوات من عمره داخل السجون الإسرائيلية.
وفي عام 2007 سلّم الزبيدي إضافة إلى مجموعة فلسطينيين سلاحه للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق مع الاحتلال وحصل على "عفو إسرائيلي".
وعقب ذلك عمل الزبيدي في "المسرح"، وانشغل في إعداد دراسة ماجستير في العلوم السياسية، حملت عنوان "التنين والصياد"، تصف علاقته مع إسرائيل.
وبحسب تقارير فلسطينية فإن إسرائيل هدمت منزل الزبيدي 3 مرات.
اعتقل جيش الاحتلال الزبيدي منذ طفولته عدة مرات وظل مطاردا لسنوات (رويترز) من هو الزبيدي؟ولد زكريا بمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، وله 7 إخوة، تربى يتيم الأب، وفي 2002 قتلت القوات الإسرائيلية والدته سميرة وشقيقه طه.
وفي 15 مايو/ أيار الماضي، استشهد نجل زكريا، داوود في مستشفى "رمبام" في حيفا شمال إسرائيل، متأثرا بجراح أصيب بها في اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2024 قتلت إسرائيل نجله محمد مع عدد من المقاومين في غارة جوية بمدينة طوباس شمال الضفة الغربية.
كما أصيب زكريا بعمر 13 عاما بالرصاص خلال مشاركته في رجم القوات الإسرائيلية بالحجارة، واعتقل للمرة الأولى بعمر 15 عاما، وسجن 6 أشهر.
بعدها اعتقل بتهمة إلقاء عبوات حارقة على القوات الإسرائيلية، وحكم بالسجن 4 سنوات ونصف سنة.
في 2001، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى (2000 ـ 2005)، بات الزبيدي قائدا عسكريا لـ"كتائب شهداء الأقصى" في حينه.
إعلانوقاد الزبيدي المجموعات المسلحة، وقيل عنه في وسائل الإعلام الإسرائيلية إنه "الحاكم الفعلي لجنين".
وعام 2002، وإبان إعادة الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الغربية، شن معركة ضارية في مخيم جنين، أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينيا، ومقتل 23 جنديا، وخلفت المعركة دمارا كبيرا في منازل الفلسطينيين.
تعرض الزبيدي لعدة محاولات اغتيال من قبل الاحتلال الإسرائيلي (رويترز) محاولات اغتيالاستطاع الزبيدي أن ينجو 4 مرات من محاولات اغتيال، أبرزها في 2004، حيث قتلت القوات الإسرائيلية 5 فلسطينيين، بينهم طفل (14 عاما)، بعد استهداف مركبة كان يُعتقد أن الزبيدي فيها.
وفي العام ذاته، اقتحمت قوة إسرائيلية خاصة مخيم جنين لتصفية الزبيدي، لكنها اشتبكت مع مقاومين، ما أدى إلى استشهاد 9 فلسطينيين، وتمكّن زكريا من الفرار.
عام 2005، كُشف كمين لقوات إسرائيلية خاصة قرب منزل تحصن فيه الزبيدي، وفي 2006، حاول الاحتلال اعتقاله غير أنه فشل وتمكن زكريا من الفرار.
عفو وإعادة اعتقالشكلت وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، نقطة تحول في عمل المقاومة المسلحة، حيث أعلن الرئيس الجديد في حينه محمود عباس، حل كتائب "شهداء الأقصى"، والبدء بفتح مسار سياسي مع إسرائيل.
وفي 15 يوليو/ تموز 2007، أعلنت إسرائيل عفوا عن مسلحي "كتائب شهداء الأقصى"، بينهم الزبيدي بناء على اتفاق مع السلطة الفلسطينية سلم مسلحون سلاحهم للسلطة.
وعن ذلك يقول الزبيدي في مقابلة تلفزيونية حينها "هم (الإسرائيليون) يعلمون أنني أوقفت العمل المسلح بناء على قرار لإعطاء فرصة للعمل السياسي لذلك حصلت على العفو".
وبعد 4 سنوات، أعلنت إسرائيل في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2011، إلغاء العفو عن الزبيدي، رغم تأكيده أنه لم ينتهك أيا من شروطه.
بقي زكريا بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، مقر القيادة الفلسطينية، حتى اعتقاله من قبل قوات إسرائيلية بتاريخ 27 يناير/ كانون الثاني 2019.
إعلانواتهمت إسرائيل الزبيدي والمحامي الفلسطيني طارق برغوث في حينه بالتورط في "أنشطة تحريضية جديدة".
وآنذاك، وصف الضابط السابق في "الشاباك" الإسرائيلي يتسحاق إيلان الزبيدي، بأنه "قط شواع، لطالما حاولنا الإمساك به لكنه أفلت من أيدينا، والآن أعيد اعتقاله لانخراطه مرة أخرى في أنشطة إرهابية".
تسلم الزبيدي قيادة كتائب "شهداء الأقصى" في جنين خلال الانتفاضة الثانية (الفرنسية) التنينحصل الزبيدي على الثانوية العامة، ودرجة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، رغم حياة المطاردة والمقاومة والاعتقال، وحضّر لرسالة ماجستير في جامعة بيرزيت الفلسطينية، تحت عنوان "الصياد والتنين.. المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968-2018".
وتقمّص الزبيدي شخصية "التنين" المستمد من أسطورة قديمة، تكون فيها الغلبة للتنين على الصياد، بعد مطاردة طويلة وصعبة، في إشارة إلى تجربته الشخصية مع الاحتلال.
وفي أطروحة الماجستير، تطرق زكريا إلى رحلة هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وربطها بالواقع الفلسطيني.
وفي هذا الشأن، يقول صديقه جمال حويل، "زكريا كأنه خطط للهرب من السجن قبل دخوله، عبر وصف رحلة الهجرة النبوية بواقع الحال الفلسطيني للخروج من مأزقه".
وعن عدم قدرة زكريا على إتمام رسالة الماجستير، يقول حويل "اليوم استطاع زكريا أن ينهي رسالته، بتجربة عملية (من خلال فراره من السجن)، حتى تكون رسالة للأجيال القادمة".
ويسترجع حويل ذكرياته مع الزبيدي، وخاصة في معركة جنين 2002، حيث يقول "نفدت الذخيرة معنا، قلت وقتها لزكريا انتهت اللعبة، قال لي لم تنتهِ، نحن من يكتب لها النهاية، رفض الاستسلام، واختبأ بين الركام حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي، ونجا".
وبعد سنوات من الأسر والمطاردة، يعود الزبيدي إلى جنين حراً ، ليجد المخيم كما عهده: يقاوم ولا ينحني.