في حربنا مع العدوّ ومستقبل المنطقة.. الحاكم هو الميدان!
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تبيّن، في التّصعيد الواضح والمدروس من المقاومة، أنّ شهيد الأُمّة الكبير السيّد نصرالله – أعلى الله مقامه- كان بصدد وضع ضابطة جديدة لقراءة واقع الحرب، وإعطاء معيار حقيقيّ لتقدير قدرات الحزب لا تؤطّره أو تخفيه مساعي الحرب الإعلاميّة والنّفسيّة التي يشنّها العدوّ وأدواته؛ عندما قال منذ بداية الحرب إنّ: “الحاكم هو الميدان”، وعندما ذكر في خطابه الأخير أنّ: “الخبر هو ما ترون، لا ما تسمعون”.
لقد أراد أن يقول لنا: إنّ المناط على الاستقرار العمليّاتيّ، من كثافة العمليّات ونوعيّتها وعمقها ومختلف تفاصيلها، يُعرف تمكُّن الحزب من القيام بما يتناسب مع وجوب الالتزام بما يحقّق الأهداف الاستراتيجيّة للمعركة، ولا سبيل إلى تقييم أداء الحزب ومعرفة مسار الحرب إلّا في ضوء الميدان..
طبعًا، هذا يعني أنّ الحزب هو من يتحكّم بإيقاع الحرب ومسارها، الأمر الذي قد لا يتعقّله مَن عجز عن قراءة المشهد، في الأسابيع الماضية، عندما قام العدوّ الإرهابيّ بعمليّات تفجير الأجهزة وسعى إلى اقتلاع طبقة القيادة من محلّها. قبل التَّوهُّم أنّ هذه الأساليب تُخرج العدوّ من مأزقه، كان ينبغي على البعض أن يعود إلى أُسُس القضيّة. فالكيان الغاصب قائم على صورته كونه تجربةً كولونياليّة أمام الدّاعمين والمستثمرين الأجانب، بل والمستوطنين أنفسهم. وإذا فقد هؤلاء الثّقة بالتّجربة تلاشت “إسرائيل”، ولذلك تجد العدوّ يلجأ إلى التّعتيم الإعلاميّ والعمل على إخفاء خسائره. من هنا كان لا بُدّ من نقل الأولويّة العسكريّة إلى الجبهة اللّبنانيّة ومحاولة استعادة الشّمال..
إذ إنّ خيارات العدوّ لم تتغيّر، وكلّما تجاهل ضرورة الوصول إلى تسوية سياسيّة زاد الطّين بِلّة. هذا؛ قد ذكرت ورقة بحثيّة نشرها مركز CSIS، منذ حوالي سبعة أشهر، أربعة خيارات لـــــ”إسرائيل” في ما يرتبط بالحزب:
1. فرض الواقع الذي كان قائمًا قبل عمليّة “طوفان الأقصى” عن طريق الرّدع.
2. الدّخول إلى حرب شاملة مع الحزب من أجل تدمير قدراته وإجباره على القبول بمطالب “إسرائيل”.
3. الدّخول إلى مواجهة محدودة مع الحزب من أجل الضّغط عليه وإبعاده عن الحدود.
4. استخدام الدّبلوماسيّة الإكراهيّة (coercive diplomacy) من أجل تطبيق القرار ١٧٠١..¹
أمّا اليوم؛ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تبقّى من هذه الخيارات؟
من الواضح أنّ العدوّ الاسرائيليّ قد فشل في ردع الحزب عن الاستمرار في جبهة الإسناد، ولم يستطع مع سلسلة الاغتيالات والمجازر الوحشيّة التي ارتكبها أن يحدث أيّ خلل تنظيميّ داخل المقاومة أو بيئتها يدفعها إلى إعادة النّظر في موقفها الدّاعم لفلسطي. إذ من الواضح من أداء الحزب والعمليّات اليوميّة أنّ الحزب لم يزدد إلّا ثباتًا، ولم ينحرف عن برنامجه العسكريّ قيد أُنملة. كما أنّ العدوّ الصّهيونيّ غير قادر على خوض حرب شاملة ضدّ الحزب، لذلك تجنّب ذلك منذ أن دخلت المقاومة إلى المعركة. هذا بالنّسبة إلى الخيارين الأوّل والثّاني..
بالفعل، يلجأ العدوّ الآن إلى الخيار الثّالث، أي المواجهة المحدودة. لكن إلى الآن، لم يتمكّن من القضاء على القدرات الصّاروخيّة والجوِّيَّة للحزب، مع أنّ الهدف من المواجهة المحدودة هو هذا، ومن دونه لن يتمكّن من رفع المانع من إعادة المستوطنين إلى الشّمال. هو يريد خوض عمليّة برِّيَّة “محدودة” في جغرافيا مختلفة تمامًا عن غزّة، ضدّ وحدات قتاليّة ذات كفاءة عالية، تعرف الجبال والوُديان ولديها القدرة على الإفادة من أساليب الحرب التّقليديّة وغير التّقليديّة، والأهمّ من كلّ ذلك: إنّها تقاتل من أجل الدّفاع عن دينها وأرضها وعرضها، ومن أجل التّفريج عن المستضعفين والمظلومين في فلسطين، والثّأر للشّهداء والجرحى لا سيّما سيّد مجاهدي العصر ورفاقه القادة، ومن أجل الحفاظ على مستقبل المنطقة من المشروع الصّهيونيّ والمدّ الاستكباريّ..
بعد عمليّة اللّيلة الماضية، والتي أُصيب فيها أكثر من مئة جنديّ من جيش الكيان، وكشفت عن قدرات استخباراتيّة ونوعيّة كبيرة لدى الحزب بإمكانه أن يوظّفها في قادم الأيّام، وأن يحوّلها إلى نمط يغيّر المعادلة بالكامل إن أراد ذلك. من هنا؛ من المتوقّع ألّا يكتفي العدوّ بمحاولات التَّسلُّل، وأن يسارع إلى خوض عمليّة برِّيَّة واسعة، حتى إذا تيقّن من عجزه عن مواجهة الحزب وفكّ “الشّيفرة” والتّعامل مع السلطة غير المركزيّة المذهلة التي يتمتّع بها الحزب، فحينئذٍ لن يبقى أمامه إلّا الخيار الرّابع، أي الدّبلوماسيّة الإكراهيّة. غير أنّ الإكراه سيكون من جانب المقاومة، لا من جانبه، إذ ستكون المقاومة هي من يفرض الخيار الرّابع، فستكون المقاومة تاليًا هي من يضع شروط التّسوية وأوضحها: أن لا وقف لإطلاق النّار في لبنان قبل وقف إطلاق النّار في غزّة..
نعم، بإمكان العدوّ أن يستمرّ في عدوانه على غزّة، وأن يختبر حظوظه في العمليّة البرِّيَّة ضدّ الحزب، وأن يحاول استدراج الجمهوريّة الإسلاميّة إلى حرب إقليميّة مع الولايات المتّحدة بهدف تحويلها إلى حرب محاور تعيد التّوازنات، وتنقذه من حتميّة الهزيمة في المواجهة المحصورة. ما من شيء يندرج تحت عنوان الجنون والفوضى يكون مستبعدًا في حقّ العقل الصّهيونيّ..
لكنّ نتنياهو كان قد صرّح بأنّه يريد تغيير الشّرق الأوسط، أي أنّ هدف الكيان من الاستمرار في هذه الحرب هو القضاء على المقاومة في المنطقة، المشروع الذي باتت مصالح الولايات المتّحدة متوقّفة على إتمامه.. فمن دون القضاء على المقاومة، لا أقلّ في الوجدان العربيّ والمسلم، وتصوير فكرة مجابهة الغرب و”إسرائيل” بأنّها رجعيّة وانتحاريّة، لن يكون لمشروع التّطبيع القابليّة اللّازمة عند من يُراد إقناعه بأن يطوي صفحة القضيّة الفلسطينيّة..
إزاء ذلك؛ تُعرف قيمة عمليّة “طوفان الأقصى” التي أيقظت الأُمّة من سباتها، وأعادت قضيّة فلسطين إلى الواجهة، لا سيّما مع ما رأى العالم من مجازر وجرائم حرب ما برح الكيان الغاصب يرتكبها في حقّ الفلسطينيّين. هذا الأُفق لعمليّة “طوفان الأقصى” كان واضحًا للرّئيس الأميركيّ جو بايدن الذي صرّح بأنّه قد يكون هدف حماس من العمليّة منع التّطبيع السّعوديّ-الإسرائيليّ.². وأعاد تأكيده الخبير في شؤون الشّرق الأوسط كريستوفر بلانشارد عندما احتمل في ختام ورقة، نُشرت منذ حوالي شهرين، أن تكون عمليّة السّابع من أكتوبر/تشرين الأول والمعركة المستمرّة منذ ذلك الحين قد أوجبت على الولايات المتّحدة والسّعوديّة و”إسرائيل” إعادة النّظر في أولويّاتهم تجاه التّطبيع وما قد يلي نهاية الحرب..³
* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري ـ الكاتب: محمد علي
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
نتنياهو والعودة إلى الحرب
لا شك في أن نتنياهو يخطط، علناً، بأن يوقف مسار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ليعود إلى الحرب. فقد وقع على الاتفاق، مكرهاً، استجابة لرغبة ترامب الذي كان يريد تسلّم الرئاسة الأمريكية، وغزة في حالة وقف إطلاق النار.
وجاء الاتفاق بأغلبية بنوده استجابة لشروط المفاوض الفلسطيني. فكان أول يوم في تنفيذ الاتفاق، إعلاناً بانتصار المقاومة، بعد حربين، بريّة وإباديّة تدميرية، امتدّت لخمسة عشر شهراً، تقريباً. ويا للحالة النفسية والوضع السياسي، اللذين كان نتنياهو عليهما، ذليلاً مهزوماً يتفجّر حقداً وغضباً.
مع كل خطوة في تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق كان انتصار المقاومة والشعب، يتأكد. وكان نتنياهو، يحاول التعطيل والتأجيل. ويحاول أن يظهر، بصاحب السطوة أمام حملات داخلية ضدّه، ولا سيما تذكيره، بوعيده، أن يُحقق من خلال الحرب، نصراً مطلقاً.
التفسير الوحيد لفشل نتنياهو، في عرقلة تنفيذ المرحلة الأولى، بالرغم مما فعل من توتير وتعطيل، خصوصاً في تطبيق البروتوكولات الإنسانية في الاتفاقية، كان انقياده لترامب، وخوفه منه. لكن مع سعي مستمر، لاستمالته في السماح له بالعمل في المرحلة الثانية، باتجاه تعطيلها. بل العودة إلى الحرب ثانية.
إن موقف المقاومة (المفاوض الفلسطيني) هو الأقوى من الناحية السياسية، ومن ناحية صدقية الموقف، والحرص على تلبية الاتفاق، واحترام بنوده، والتزام الوسيطين المصري والقطري، فيما الموقف الأمريكي، في حرج من عدم احترام توقيعه، فضلاً من حرج نتنياهو، داخلياً، بسبب موضوع عدم إطلاق كل الأسرى، وما يواجه من ضغوط مختلفة.هذا ولعل طرح ترامب، لمشروع تهجير فلسطينيي قطاع غزة، وما لاقاه من معارضة فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية، دفعا ترامب، لدعم نتنياهو، ليلعب دوره في المرحلة الثانية. ولكن من دون أن يوقف، مساعي مندوبه الخاص ويتكوف، المكلف بمواصلة تطبيق الاتفاق، من أجل تحرير كل الأسرى المحتجزين. الأمر الذي جعل الموقف الأمريكي، أمام مفترق طرق، أحدهما راح يشجع نتنياهو، كما يدعي نتنياهو، والآخر لم يأخذ من ويتكوف، صلاحية عدم المضيّ في المرحلة الثانية، من الاتفاق.
ولهذا دخل الوضع الآن، في مواجهة احتمالين: الأول، تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده (شروط المقاومة)، بإتمام تبادل الأسرى كاملاً، وانسحاب الجيش الصهيوني، من كل قطاع غزة، وإعلان وقف الحرب، بضمانات دولية وعربية. والثاني، تعطيل المضيّ في تطبيق الاتفاق، والعودة إلى التأزيم، وصولاً إلى الحرب، كما يريد نتنياهو.
إن موقف المقاومة (المفاوض الفلسطيني) هو الأقوى من الناحية السياسية، ومن ناحية صدقية الموقف، والحرص على تلبية الاتفاق، واحترام بنوده، والتزام الوسيطين المصري والقطري، فيما الموقف الأمريكي، في حرج من عدم احترام توقيعه، فضلاً من حرج نتنياهو، داخلياً، بسبب موضوع عدم إطلاق كل الأسرى، وما يواجه من ضغوط مختلفة.
من هنا، فإن موقف نتنياهو ضعيف جداً، سياسياً في العودة إلى الحرب، مما يُضعف موقف ترامب، إذا ما أعطاه الضوء الأخضر، ليخرّب الاتفاق، ويعود إلى الحرب الخاسرة من جديد.
ومن هنا، فإن إصرار المقاومة، من خلال المفاوض الفلسطيني، على تنفيذ الاتفاق، بكل بنوده، كما وقع عليه، والرفض الحازم، لأيّ طرح يخرج على هذه البنود، لا سيما إقحام موضوع سلاح المقاومة، أو بقاء قوات احتلال. فالسلاح، موضوع يتعلق بحماية أمن الشعب، وحقه بالمقاومة، وعدم عودة نتنياهو، للحرب والعدوان متى شاء. وهو موضوع، لم يتطرق له اتفاق وقف إطلاق النار، والمُوَّقَع عليه.
ولهذا فالمتوقع تراجع ترامب، وإجبار نتنياهو على قبول التفاوض كما يريد ويتكوف، بعيدا من شن الحرب التي يسعى لها. وإن كان استبعاد الحرب من قِبَل نتنياهو يشكل ضرباً من المخاطرة في تقدير الموقف، حيث يتوجب أن يبقى الأصبع على الزناد.