لبنانيون يروون مأساتهم بعد دمار منازلهم: فقدنا ذكرياتنا
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
“هي خسائر لا تقدر بثمن”.. هكذا عبرت ليلى عن فقدان منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذي دُمّر من جراء غارة إسرائيلية، موضحة أن الألم لم يكن فقط لفقدان الجدران، بل للذكريات التي كانت محفورة في كل زاوية من المنزل، بالإضافة إلى الأغراض الشخصية، التي لم تتمكن من أخذها معها حين رحلت على وقع القصف العنيف.
أصرت ليلى على مدى أسبوعين، منذ بدء توسع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، على عدم مغادرة منزلها، حتى لو كلفها ذلك حياتها، إلا أن إلحاح ابنتها المقيمة في الخارج دفعها في النهاية إلى الانتقال إلى منزل صديقتها في بيروت، وذلك قبل يومين من تدميره.
وتصف ليلى اللحظة التي علمت فيها بأن منزلها قد تحوّل إلى ركام بأنها “صدمة كبيرة”، وتشرح قائلة “فقدت ذكرياتي، فكل قطعة أثاث، كل صورة على الجدار، كانت تحمل قصة، كانت تذكرني بلحظات سعيدة وحزينة، بلحظات شكلت من أنا”، وتضيف “كما فقدت أغراضي الشخصية التي كانت تحمل قيمة عاطفية كبيرة، وأغراض حفل الزفاف التي اشتريتها لابنتي الذي كان مقرراً بعد شهرين، لكن للأسف كل شيء دفن في لحظات تحت الأنقاض”.
واليوم، تعيش ليلى في منزل صديقتها، محاصرة بالخوف من الحاضر والمستقبل، متسائلة بصوت يملؤه الألم “لا أعلم أين سأذهب بعد انتهاء الحرب، لماذا علينا أن نخسر كل شيء؟ ومن أجل ماذا، فكل ما نريده في هذه الحياة أن نعيش بسلام، فهل هذه أمنية صعبة المنال؟”.
حال ليلى كحال آلاف العائلات اللبنانية التي فقدت منازلها نتيجة القصف الإسرائيلي في خضم المعارك الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، التي توسعت وتكثفت في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى دمار كبير في العديد من المناطق اللبنانية، من الجنوب إلى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت.
مأساة متكررة
حسن أحد اللبنانيين الذين عاشوا تجربة النزوح مرات عدة، ومع استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، وجد نفسه وأسرته أمام نفس المصير الذي مروا به في عام 2006، حينها اضطروا للهرب من بلدتهم في الجنوب نحو الضاحية الجنوبية، ثم إلى سوريا.
يقول حسن “النزوح هذه المرة كان أصعب بكثير، كوننا نعيش الذكرى السنوية الأولى لنزوحنا من بلدتنا مرجعيون قبل يوم من تدمير منزلنا بالكامل بسبب القصف الذي بدأ في 8 أكتوبر، حينها اضطررنا للانتقال إلى الضاحية الجنوبية، ولكن مع تكثيف الغارات هناك، لم يكن أمامنا سوى النزوح مجدداً”.
ويضيف: “حتى جدي وجدتي اضطرا لمغادرة منزلهما في الغبيري تحت وطأة القصف العنيف. هربا بداية إلى شاطئ البحر كما فعل العديد من اللبنانيين، قبل أن يأخذهما خالي ليعيشا معنا في منزله في جبل لبنان.”
يذكر أنه في ظل موجة النزوح الجماعي التي اجتاحت جنوب لبنان، واجهت العديد من العائلات صعوبة في العثور على مأوى، مما اضطر بعضها لافتراش الأرصفة، فيما أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي نداءات عاجلة لتأمين أماكن إيواء.
وتجاوز عدد النازحين في لبنان مليون ونصف مليون شخص، كما أعلن رئيس لجنة الطوارئ الحكومية الوزير ناصر ياسين، ووفقاً لتقرير صادر عن اللجنة، السبت، تواجه مراكز إيواء النازحين في البلاد ضغوطاً كبيرة، حيث تم افتتاح 1032 مركزاً حتى الآن، منها 863 مركزاً وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى.
وأوضح التقرير أن 187,900 نازح، يمثلون 41,000 عائلة، تم تسجيلهم في مراكز الإيواء المدرجة في قوائم غرفة العمليات الوطنية. كما أشار إلى أن حوالي 60% من المدارس الحكومية تُستخدم حالياً كمراكز لإيواء النازحين.
وأعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان، أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث “نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم”.
واستقبل المنزل الصغير، الذي يتكون من 3 غرف، في الأيام الأولى من النزوح 20 شخصاً من عائلة حسن وأقاربه، ويقول “قدمت خالتي وأولادها من النبطية، بعدما تعرض محيط منزلها للقصف المباشر، لكن بسبب الضغط الكبير الناتج عن الاكتظاظ والظروف القاسية، قررت مغادرة لبنان والهروب إلى سوريا كحل مؤقت.”
“الضغط النفسي هائل على الجميع”، كما يصفه حسن “خاصة على كبار السن الذين عاشوا حياتهم في الحروب والتهجير. والأصعب على الأطفال الذين لا يفهمون شيئاً عن هذه الحرب. كما أن الضغط كبير على من هم في عمري، فنحن نتحمل مسؤولية توفير احتياجاتنا واحتياجات من حولنا في ظل هذه الظروف الصعبة، ونحاول طمأنة الكبار والصغار، بينما نحن في أمس الحاجة إلى من يطمئننا”.
اقرأ أيضاًتقاريرالمملكة تغيث المتضررين في أنحاء العالم
المشاعر متشابكة، وفق ما يقوله حسن “خاصة عندما يكون منزلنا في الضاحية مهدداً بالفقدان ولا نعرف مصيره حتى الآن” ويشير إلى أنه زار منزل جده بعد الغارات على الغبيري واكتشف أنه تعرض لأضرار متوسطة، حيث “تحطمت النوافذ وخلعت الأبواب، لكن الأضرار كانت بسيطة مقارنة بحجم الدمار الذي يحيط به. ومع ذلك، ليس سهلاً على جدتي الكبيرة في السن أن تعلم ما حل بمنزلها ومنازل جيرانها.”
وحتى لو انتهت الحرب، يرى حسن أن “الآلام ستستمر”، قائلاً “سنبقى نعيش بين صعوبة الحياة بين الأنقاض والأمل المفقود في العودة. ستظل الذاكرة مثقلة بالمعارك والنزوح، ويبقى السؤال الآن، متى تنتهي هذه المأساة التي لا ذنب لنا فيها؟ لقد اكتفينا من الحروب والأزمات”.
مصير ضبابي
كذلك فقدت سناء منزلها بعدما اضطرت إلى الفرار مع طفليها من مدينة صور إلى منزل أقاربها في منطقة أكثر أماناً ضمن المدينة ذاتها. تستعيد سناء تلك اللحظات القاسية بمرارة قائلة “كانت شبكة الإنترنت ضعيفة للغاية، ما أجبرني على السير يومياً لمسافات طويلة بحثاً عن إشارة أفضل. وفي الليلة التي قصف فيها منزلي، كنت متعبة جداً، فتأخرت في مغادرة منزل أقاربي للبحث عن إشارة”.
وتتابع سناء قائلة “كان الوقت حوالي العاشرة والنصف مساءً عندما تمكنت أخيراً من الاتصال بشبكة الإنترنت. فوجئت بالكم الهائل من الرسائل من أصدقائي وأقاربي، من بينها صور للمبنى الذي أسكن فيه وقد دّمر، شعرت حينها بألم لا يوصف، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي أفقد فيها منزلي. ففي عام 2006، خسرت كل ما أملك: منزلي، دكاني، وسيارتي”.
وتصف سناء تلك الليلة القاسية بأنها لم تستطع النوم على الإطلاق، فتوجهت إلى شاطئ البحر وبقيت هناك حتى الصباح، وتقول “سرت بعدها مسافة طويلة حتى وصلت إلى منزلي المدمر، والآن أزور المكان بين الحين والآخر، لألقي نظرة على ما تبقى من المبنى”.
وتعبّر سناء عن حالة الضياع التي تشعر بها منذ تدمير منزلها، قائلة “منذ تلك اللحظة أشعر كأنني فقدت جزءاً من عقلي وروحي. لا أستطيع التركيز أو تذكر شيء”.
وتضيف “أكثر ما يؤلمني أنني فقدت كل ما أملك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والأمر الأكثر إيلاماً هو التفكير في المستقبل، إذ كيف سأؤمن سقفاً جديداً لي ولطفليّ إذا خرجنا من هذه الحرب على قيد الحياة، خاصة أنني امرأة مطلقة”.
ويمر لبنان منذ عام 2019، بأزمة اقتصادية حادة، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الضاحیة الجنوبیة إلى من
إقرأ أيضاً:
سيدة تايلاندية تبني «زنزانة» في منزلها لحماية نفسها والجيران.. ما السر؟
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، لجأت أم تايلاندية مسنة إلى بناء «زنزانة» داخل منزلها لحبس ابنها المدمن على المخدرات والقمار، وهي ما كانت بمثابة خطوة يائسة جاءت بعد سنوات من المعاناة والصراع بسبب إدمان الابن، الذي تسبب في اضطرابات عميقة للأسرة بالكامل.
سبب لجوء الأم إلى بناء زنزانة في منزلهاروت السيدة «أ»، وهي أم مسنة من مقاطعة بوريرام بتايلاند، معاناتها مع ابنها مُدمن المخدرات والقمار في تصريحات صحفية، موضحة أنها لجأت إلى بناء هذه الزنزانة في منزلها بعد أن فشلت كل المحاولات لعلاجه، لا سيما بعد أن أصبح عنيفًا بشكل ملحوظ: «عشت في خوف دائم على مدى عشرين عامًا، ولم أجد أي حل سوى حماية نفسي وجيراني».
زنزانة منزلية ومراقبة 24 ساعةوحسب ما ورد على موقع «odditycentral»، فقد تم تجهيز الزنزانة بأسرَة وحمام وخدمة الإنترنت، كما أنها مُحاطة بقضبان حديدية لمنع ابنها من الهروب، كما قامت الأم بتركيب كاميرات لمراقبة سلوك ابنها على مدار الساعة: «أراقبه باستمرار خوفًا من أن يؤذي نفسه أو مَن حوله، وكي لا يتمكن من الخروج».
وعلى الرغم من نية الأم السليمة وحرصها على سلامة ابنها وجيرانها، فقد أثار هذا الأمر استياء الشرطة؛ معتبرة أنه انتهاك لـ حقوق الإنسان، كما حذر رئيس الشرطة من أن هذا الفعل قد يعرض الأم للمساءلة القانونية.
تعاطف رواد الـ«سوشيال ميديا» مع الأمومن جهة أخرى، أثار الحادث تعاطفًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ عبر العديد عن تفهمهم لموقف الأم المسنة اليائسة، كما طالبوا بتوفير المزيد من الدعم لعائلات المدمنين، لافتين إلى أن هذه القصة تسلط الضوء على المشكلة المتفاقمة لإدمان المخدرات في تايلاند، والتي تؤثر على آلاف الأسر.