إبراهيم محمد الهمداني
ارتبط السلوك الإجرامي – عبر التاريخ – بالوجود اليهودي/ الإسرائيلي، ارتباطا تلازميا جدليا، فلا يكاد يحضر اليهودي في مكان، إلا وعصفت به نيران الحروب والصراعات، ولا تكاد تخلو حرب شاملة، أو عملية إبادة جماعية، من بصمات عقيدة الإجرام اليهودي، سواء من خلال الفعل المباشر، أو التدخل غير المباشر، الأمر الذي جعلهم موضع كراهية المجتمعات، كونهم أعداء الإنسانية، ومصدر الشر المطلق، بإجماع الشعوب البشرية قاطبة.
يمكن القول إن عقيدة الإبادة وأيديولوجيا الإرهاب الإجرامي، التي يمثلها الكيان الإسرائيلي الغاصب اليوم، قد تشكلت من اجتماع مرجعيتين متناقضتين تمام التناقض؛ تتمثل أولاهما في المرجعية الدينية التوراتية (المحرفة)، المتضمنة نصوص (العنف المقدس)، التي تبيح لليهودي الآخرين الأغيار مطلقا، كونهم حيوانات بشرية، لا أكثر، وهو ما أكدته أحداث وشخصيات السردية التاريخية، التي اجتهد في تنميقها ونمذجتها المخيال اليهودي، ودمجها في بنية النص التوراتي (المقدس)، بوصفها التمثيل الفعلي لشخصية البطل اليهودي الجبار، الذي اختاره إله إسرائيل (رب الجنود)، قائدا لشعبه ومعاركه ضد أعدائه.
وبإضافة ذلك التاريخ القومي الأسطوري، إلى أسفار التوراة، امتزج الديني المحرف بالتاريخي الأسطوري، وتم دمجهما في سياق أيديولوجي واحد، اكتسب طابع القداسة الدينية، والهوية التاريخية القومية معا.
بينما تمثلت ثاني المرجعيتين، في فكر الصهيونية العلمانية، ومرتكزات أيديولوجيا العنف والإجرام، التي استندت عليها رؤيتها الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية، إذ لم تتوقف عند مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، بل ذهبت إلى ضرورة إبادة ومحو هذا الشعب، وتنظيف الأرض من تلك المخلوقات الطفيلية، تمهيدا لإقامة وطن قومي لليهود، أسوة بغيرهم من القوميات والشعوب، وقد نفذت عصابات “الهاجناه” الصهيونية الإجرامية، أبشع المجازر الجماعية، وعمليات القتل والإبادة والتهجير، بحق الفلسطينيين العزل، وهكذا قامت دويلة الكيان الإسرائيلي المحتل، على رصيد تراكمي هائل، من المجازر الوحشية والإبادة الجماعية، التي غطت كل جغرافيا الأراضي الفلسطينية، على مدى ما يقارب قرن من الزمان، أسفر عن أقبح وأبشع مؤامرة عبر التاريخ، حملها قادة القوى الاستعمارية (الأباء المؤسسون) فكرة ومشروعا، وتلقفتها الأجيال من بعدهم عملا وتنفيذا، حيث تكاتفت جهودهم وتكاملت إسهاماتهم، في تمكين اليهود من وطنهم القومي، وكأنه دين في أعناقهم جميعا، تسابقوا في الوفاء به لليهود، رغم تباين أيديولوجياتهم، واختلاف توجهاتهم، وتعارض مواقفهم، فقد ذابت كل الخلافات والعداوات بينهم، والعجيب في الأمر أن الكيان اليهودي الوظيفي، قد بلغ من الإفساد الفكري والقيمي، أنه عمم ثقافته وعقيدته وفكره الإجرامي، وتصوراته العدائية الانتقامية، على جميع الشعوب المسيحية، التي كانت تؤمن بثقافة المحبة وسلام المسيح، وحملوا جميعا سيف يهوذا، وعقيدة انتقام رب الجنود.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
مطرح عبر التاريخ وهجران ..
تقيم وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة في المنتدى الأدبي الندوة العلمية «مطرح عبر التاريخ» خلال اليوم وغدًا الأربعاء.
بدأ المنتدى الأدبي سلسلة ندوات الولايات العُمانية عبر التاريخ منذ زمن ليس بالقصير، وأقيم عدد كبير من الندوات خلال السنوات الماضية لعدد من ولايات سلطنة عُمان، ويبدو أن ندوة مطرح عبر التاريخ قد تأخرت، لكن كما يقول المثل أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي.
ولاية مطرح إحدى الولايات العُمانية المهمة جدًا، فهي ولاية تجارية جمعت بين التجارة كعصب حياة لسكان مسقط وسلطنة عُمان ككل وبين السياحة، فلا تكاد تخلو كتب السياح عن ذكر مطرح كمدينة توأم لمدينة مسقط السياسية التاريخية، مدينة تسكن على ضفاف بحر عُمان كتوأمها مسقط، تجاورها وتتقاسم معها خبز الحياة اليومي، فالسياسة العُمانية كانت تصنع في مسقط، أما التجارة العُمانية فعلى الأغلب كانت تديرها مطرح بسوقها المنفتح على الداخل العُماني، ومينائها المنفتح على العالم الخارجي.
كانت الركبان من الداخل تأتي إلى سوق مطرح التاريخي حاملة البضاعة العمانية من تمور وبسور وغيره مما يراد تصديره، كما كانت السفن تأتي إلى ميناء مطرح حاملة الأرز والأقمشة والكماليات وكل ما يحتاجه العمانيون من بضاعة خارجية.
شهدت مطرح فصولًا تاريخيةً مهمةً جدًا، بدورها التجاري النشط، ولا تزال تحتفظ بألقها التجاري عبر سوقها ومحلاتها، ونشاطها التجاري، وتحتفظ بألقها السياحي بآثارها المتنوعة التي يسعى إليها السائح عندما ينزل في مينائها، ميناء السلطان قابوس.
يؤمل الكثير من ندوة مطرح عبر التاريخ، عبر أوراق العمل التي ستطرح، وعبر التوصيات، ويؤمل أن تكون الندوة محط انطلاقة جديدة للاهتمام بمطرح الولاية ومطرح المدينة التاريخية، وخاصة قد سبقت الندوة توجيهات جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عن إعادة إحياء مطرح.
فالخوف أن تتحول مطرح إلى ولاية غريبة عن نفسها وعن سمتها ولباسها العُماني المعتاد، بعد أن هجرها الكثير من سكانها العُمانيين بسبب توزيع أراضٍ لهم بعيدة عن ولايتهم الأم، فاضطروا للبناء بعيدًا ونقل أسرهم معهم هناك، مما اضطر الكثير من مؤسسات الدولة أن تهجر مطرح، واضطر عدد من المدارس أن تقفل أبوابها لتناقص عدد الطلبة في الولاية كل عام.
لا ندري لِمَ لا تزال وزارة الإسكان لا تفتح هذا الملف المهم جدًا، لتوزع الأراضي السكنية فوق مرتفعات مطرح المنبسطة لسكانها، على الأقل ليعود الجيل الجديد من أبناء مطرح إلى أعشاشه الأصلية، فمطرح لا تستحق الهجران وتركها للغربة والنسيان، بل تستحق إعادة الأحياء كما وجّه جلالة السلطان المعظم، حفظه الله ورعاه.