كيف قد يبدو النصر في أوكرانيا
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
في بعض الأحيان، قد يكون تعريف النصر في الحرب أمرا سهلا. فقد انتهت الحرب العالمية الثانية بسيطرة قوات الحلفاء على برلين وطوكيو، وعزل القيادات الألمانية واليابانية. من ناحية أخرى، انتهت حرب فيتنام بهزيمة واضحة للولايات المتحدة: فقد أخضَـعَـت فيتنام الشمالية فيتنام الجنوبية على الرغم من إهدار حياة 58 ألف أميركي عبثا.
لكن مثل هذه التعريفات قد تكون خادعة. ففي العراق، أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين لكنها لم تعثر على أسلحة الدمار الشامل (المبرر لتجييش قواتها) ولم تحول ذلك البلد إلى ديمقراطية عاملة. الأسوأ من ذلك أن بعض المتهكمين قد يزعمون أن المنتصر الحقيقي كان إيران، التي أصبحت القوة السياسية الأكثر نفوذا في العراق.
من ناحية أخرى، ورغم أن المنطقة المنزوعة السلاح لا تزال قائمة في كوريا، فقد تطور النصف الجنوبي من شبه الجزيرة إلى ديمقراطية مزدهرة نابضة بالحياة حيث يبلغ نصيب الفرد في الدخل السنوي 35 ألف دولار، في حين أصبحت كوريا الشمالية دكتاتورية خطيرة حيث يُـقَـدَّر نصيب الفرد في الدخل السنوي بنحو 1200 دولار فضلا عن أزمات الغذاء المتكررة. من فاز في حرب الوضع المتجمد؟
يقودنا هذا إلى أوكرانيا، حيث يعتمد تعريف النصر على أهداف المشاركين في الحرب وآفاقهم الزمنية. في عام 2014، غزت روسيا أوكرانيا بحجة حماية الناطقين باللغة الروسية في شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس الشرقية. وبعد ثماني سنوات، حاولت روسيا إكمال العملية بتدمير أوكرانيا كدولة مستقلة. وكما كتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في عام 2021، فإنه لا يعتبر أوكرانيا دولة مستقلة بل جزءا من العالم الروسي الأكبر. لقد حشد قواته على الحدود بهدف الاستيلاء على كييف في غضون بضعة أيام واستبدال الحكومة الأوكرانية، تماما كما فعل الاتحاد السوفييتي في بودابست عام 1956 وبراج عام 1968.
لكنه فشل. فقد رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النصيحة بالفرار من البلاد وإنشاء حكومة في المنفى، وبدلا من ذلك حشد قواته، وأنقذ العاصمة، وعرقل خطة بوتن. في وقت لاحق، استخدم زيلينسكي قوة الجذب الناعمة لكسب الدعم الأجنبي وزيادة قوة أوكرانيا العسكرية الصارمة. كانت نتيجة غزو بوتن تعزيز هوية أوكرانيا الوطنية وقوة حلف شمال الأطلسي، الذي أضاف عضوين جديدين، فنلندا والسويد، واللذين كانا ملتزمين لفترة طويلة في السابق بسياسة الحياد. وبالحكم من خلال أهداف بوتن الأصلية من الحرب، فقد فازت أوكرانيا بالفعل.
المشكلة بطبيعة الحال هي أن القوات الروسية لا تزال تسيطر على نحو خُـمس أراضي أوكرانيا، وقد عدل بوتن أهدافه الحربية للمطالبة باعتراف أوكرانيا بضمه لأربع مقاطعات شرقية (بما في ذلك بعض المقاطعات التي لا تسيطر عليها القوات الروسية بالكامل). ويبدو أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، لكن بوتن حولها إلى حرب استنزاف. ورغم أن الخسائر الروسية هائلة، فإنه ربما يراهن على أن الوقت في صالحه، نظرا لحجم روسيا السكاني واقتصادها الأكبر. في نهاية المطاف، ربما تتآكل إرادة أوكرانيا في القتال، وكذا الدعم الغربي.
وفقا لاستطلاع حديث، فإن 26% من الأوكرانيين منفتحون على الحل الدبلوماسي، ولكنهم غير راغبين في الدخول في مفاوضات صورية مع بوتن الذي لا يشعر بأي ندم. ويعتقد نحو 86% من الأوكرانيين أن روسيا من المرجح أن تهاجم مرة أخرى حتى لو جرى توقيع معاهدة سلام. على الرغم من إعراب كل من روسيا وأوكرانيا عن الاستعداد للتفاوض، فإن مواقف البلدين لا تزال متباعدة. في الصيف الماضي، ذهب رئيس الوزراء المجري المقرب من الكرملين، فيكتور أوربان، إلى موسكو لمحاولة التوسط، لكنه فشل في تغيير موقف بوتن. من ناحية أخرى، يواصل دونالد ترمب الادعاء بأنه قادر على تسوية الحرب في يوم واحد؛ ولكن من الصعب أن نرى كيف قد يتحقق ذلك بأي شيء أقل من استسلام أوكرانيا.
مؤخرا، صرح الرئيس التشيكي بيتر بافيل، وهو جنرال سابق في حلف شمال الأطلسي وكان داعما قويا لأوكرانيا، قائلا: "أقول لمن يتحدث عن هزيمة أوكرانيا أو هزيمة روسيا إن هذا لن يحدث ببساطة. لذا فإن النهاية ستكون في مكان ما بين الحالين". وحذر بافيل من أن جزءا من الأراضي الأوكرانية سيظل تحت الاحتلال الروسي مؤقتا، وأن "مؤقتا" قد تعني سنوات. وإذا كانت أوكرانيا تُـعَـرِّف النصر على أنه عودة كل الأراضي التي احتلتها روسيا منذ عام 2014، فإن النصر ليس في الأفق. أما إذا كانت تسعى إلى الحفاظ على استقلالها كديمقراطية مرتبطة بأوروبا، مع الاحتفاظ بحقها في العودة النهائية لأراضيها، فإن النصر يظل في حكم الممكن.
لكن هذا النصر الممكن يعني أيضا أن بوتن لا ينبغي له أن يكون قادرا على إعلان انتصاره. يجب أن تُـعـطى أوكرانيا الدعم الذي تحتاج إليه لتعزيز موقفها التفاوضي. وحتى لو لم تتمكن أوكرانيا من تحقيق أهدافها القصوى في الأمد القريب، فإن شرعية موقفها ستظل محفوظة في الأمد البعيد ما دامت المكاسب الروسية غير مُعترَف بها.
يشار إلى هذا أحيانا بالحل الكوري. حيث تتولى قوات حفظ السلام الدولية مراقبة الهدنة ومنطقة منزوعة السلاح على طول خط السيطرة، بحيث تتسبب روسيا في إغراء بلدان أخرى كثيرة بالتدخل إذا استأنفت هجومها. في حين قد لا يكون من الممكن إقناع 32 دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي بالموافقة على عضوية أوكرانيا الرسمية في الحلف في هذا الوقت، فإن مجموعة من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي تطلق على نفسها مسمى "أصدقاء أوكرانيا" قد تراقب المنطقة وتتعهد بالرد على أي عمل جديد من أعمال العدوان الروسي.
أخيرا، سوف تحتاج أوكرانيا أيضا إلى المساعدة لإعادة بناء اقتصادها والوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن الحل الكوري لن يرضي أهداف أوكرانيا القصوى في الأمد القريب، فإنه يستحق بالتأكيد أن يُطلق عليه مسمى "النصر الأوكراني".
• جوزيف ناي أستاذ جامعة فخري متمرس بارز، وهو العميد السابق لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد. من بين كتبه الأحدث صدوراً "القوى القيادية"، و"مستقبل القوة"، و"القيادة الرئاسية وصناعة الحقبة الأمريكية".
** خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حلف شمال الأطلسی
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا تخسر 3.8 مليار دولار .. هل يلغي ترامب المساعدات الأمنية لأعداء روسيا ؟
أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا عن حزمة بقيمة 500 مليون دولار لأوكرانيا – وهي الشريحة الأخيرة من التمويل في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
وقال البنتاجون إنه تحت قيادة أوستن لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية المكونة من 50 دولة، تم الاتفاق على 126 مليار دولار كمساعدة أمنية لأوكرانيا.
والولايات المتحدة هي أكبر مساهم في جهود الحرب في أوكرانيا، وأحدث الأموال من خلال هيئة السحب الرئاسية (PDA)، التي تسحب الإمدادات العسكرية والأسلحة من المخزونات الأمريكية، تمثل نهاية 65.9 مليار دولار من المساعدة التي أرسلتها إدارة بايدن إلى كييف منذ الحرب العالمية الثانية. بداية الغزو الروسي واسع النطاق.
ومع ذلك، سيظل حوالي 3.8 مليار دولار من برنامج المساعد الرقمي الشخصي غير مستخدمة في هذه الفترة الرئاسية على الرغم من تعهد البيت الأبيض بإنفاق المبلغ بالكامل بحلول الوقت الذي يغادر فيه بايدن البيت الأبيض في 20 يناير.
إلا أن إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن لن تتمكن من تخصيص 3.8 مليار دولار من المساعدات الأمريكية المخصصة لأوكرانيا قبل مغادرة الرئيس البيت الأبيض، ما يثير تساؤلات حول مستقبل التمويل عندما يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.
ومن جانبه انتقد الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرارًا استمرار المساعدة العسكرية الأمريكية للحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات في أوكرانيا وسط ترقب لما ستعنيه رئاسته للغزو الذي شنته روسيا خاصة إذا تركت تمويلًا بمليارات الدولارات على الطاولة عندما يتولى منصبه.
وقال البنتاجون إن الأموال ستكون تحت تصرف ترامب بعد تنصيبه، حسبما ذكرت إذاعة صوت أمريكا.
وقال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع باتريك رايدر يوم الجمعة، إنه لن يتكهن بما إذا كانت إدارة ترامب ستخصص هذه الأموال لأوكرانيا ولكن هناك دعم من الحزبين في الكونجرس لمواصلة المساعدة.
وفي غضون ذلك، قال بايدن الجمعة، إنه بذل كل ما في وسعه لمساعدة أوكرانيا، وأعرب عن تفاؤله بأن الدعم الأمريكي سيستمر بعد تركه منصبه، كما أشار أيضًا إلى إجماع بين الأحزاب على أنه يأمل أن يدفع ترامب إذا قرر خفض التمويل.
ويتولى ترامب منصبه في 20 يناير، وقال إنه سينهي الحرب بسرعة، على الرغم من أن الكيفية التي يعتزم بها القيام بذلك غير واضحة.
وقال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع باتريك رايدر في 10 يناير: "من الواضح أنني لن أتكهن بما قد تفعله الإدارة القادمة ولكننا نعلم أن هناك دعمًا قويًا من الحزبين في الكونجرس لدعم أوكرانيا".
الرئيس جو بايدن في 10 يناير: "آمل وأتوقع أن يتحدثوا (الكونغرس) ولن يوافقوا على ما إذا كان ترامب قد قرر قطع التمويل عن أوكرانيا".
قال مايكل والتز، مستشار ترامب للأمن القومي، لشبكة سي بي إس في 15 ديسمبر: "الشيك على بياض (لأوكرانيا)... ليس مجرد استراتيجية".
وهناك علامة استفهام حول ما قد يحدث للمليارات غير المنفقة التي خصصتها إدارة بايدن لأوكرانيا، خاصة وأن المتحدث باسم البنتاغون رايدر قال إنه لن يتكهن بما قد يفعله الرئيس القادم.