"هي خسائر لا تقدر بثمن".. هكذا عبرت ليلى عن فقدان منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذي دُمّر من جراء غارة إسرائيلية، موضحة أن الألم لم يكن فقط لفقدان الجدران، بل للذكريات التي كانت محفورة في كل زاوية من المنزل، بالإضافة إلى الأغراض الشخصية، التي لم تتمكن من أخذها معها حين رحلت على وقع القصف العنيف.

أصرت ليلى على مدى أسبوعين، منذ بدء توسع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، على عدم مغادرة منزلها، حتى لو كلفها ذلك حياتها، إلا أن إلحاح ابنتها المقيمة في الخارج دفعها في النهاية إلى الانتقال إلى منزل صديقتها في بيروت، وذلك قبل يومين من تدميره.

حولته غارة إسرائيلية إلى ركام.. لبنانيون يبكون سوق مدينتهم النابض صبيحة الأحد، بدا سوق النبطية التجاري، في جنوب لبنان، أشبه بمنطقة منكوبة غداة غارة اسرائيلية استهدفته: محال استحالت أكواما من الركام تتصاعد من أنحائها أعمدة دخان، وسكان يعاينون الدمار ويبكون قلب مدينتهم النابض وذكرياتهم.

وتصف ليلى اللحظة التي علمت فيها بأن منزلها قد تحوّل إلى ركام بأنها "صدمة كبيرة"، وتشرح قائلة "فقدت ذكرياتي، فكل قطعة أثاث، كل صورة على الجدار، كانت تحمل قصة، كانت تذكرني بلحظات سعيدة وحزينة، بلحظات شكلت من أنا"، وتضيف "كما فقدت أغراضي الشخصية التي كانت تحمل قيمة عاطفية كبيرة، وأغراض حفل الزفاف التي اشتريتها لابنتي الذي كان مقرراً بعد شهرين، لكن للأسف كل شيء دفن في لحظات تحت الأنقاض".

واليوم، تعيش ليلى في منزل صديقتها، محاصرة بالخوف من الحاضر والمستقبل، متسائلة بصوت يملؤه الألم "لا أعلم أين سأذهب بعد انتهاء الحرب، لماذا علينا أن نخسر كل شيء؟ ومن أجل ماذا، فكل ما نريده في هذه الحياة أن نعيش بسلام، فهل هذه أمنية صعبة المنال؟".

حال ليلى كحال آلاف العائلات اللبنانية التي فقدت منازلها نتيجة القصف الإسرائيلي في خضم المعارك الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، التي توسعت وتكثفت في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى دمار كبير في العديد من المناطق اللبنانية، من الجنوب إلى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت.

مأساة متكررة

حسن أحد اللبنانيين الذين عاشوا تجربة النزوح مرات عدة، ومع استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، وجد نفسه وأسرته أمام نفس المصير الذي مروا به في عام 2006، حينها اضطروا للهرب من بلدتهم في الجنوب نحو الضاحية الجنوبية، ثم إلى سوريا.

يقول حسن "النزوح هذه المرة كان أصعب بكثير، كوننا نعيش الذكرى السنوية الأولى لنزوحنا من بلدتنا مرجعيون قبل يوم من تدمير منزلنا بالكامل بسبب القصف الذي بدأ في 8 أكتوبر، حينها اضطررنا للانتقال إلى الضاحية الجنوبية، ولكن مع تكثيف الغارات هناك، لم يكن أمامنا سوى النزوح مجدداً".

ويضيف: "حتى جدي وجدتي اضطرا لمغادرة منزلهما في الغبيري تحت وطأة القصف العنيف. هربا بداية إلى شاطئ البحر كما فعل العديد من اللبنانيين، قبل أن يأخذهما خالي ليعيشا معنا في منزله في جبل لبنان."

يذكر أنه في ظل موجة النزوح الجماعي التي اجتاحت جنوب لبنان، واجهت العديد من العائلات صعوبة في العثور على مأوى، مما اضطر بعضها لافتراش الأرصفة، فيما أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي نداءات عاجلة لتأمين أماكن إيواء.

وتجاوز عدد النازحين في لبنان مليون ونصف مليون شخص، كما أعلن رئيس لجنة الطوارئ الحكومية الوزير ناصر ياسين، ووفقاً لتقرير صادر عن اللجنة، السبت، تواجه مراكز إيواء النازحين في البلاد ضغوطاً كبيرة، حيث تم افتتاح 1032 مركزاً حتى الآن، منها 863 مركزاً وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى.

وأوضح التقرير أن 187,900 نازح، يمثلون 41,000 عائلة، تم تسجيلهم في مراكز الإيواء المدرجة في قوائم غرفة العمليات الوطنية. كما أشار إلى أن حوالي 60% من المدارس الحكومية تُستخدم حالياً كمراكز لإيواء النازحين.

وأعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان، أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث "نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم".

واستقبل المنزل الصغير، الذي يتكون من 3 غرف، في الأيام الأولى من النزوح  20 شخصاً من عائلة حسن وأقاربه، ويقول "قدمت خالتي وأولادها من النبطية، بعدما تعرض محيط منزلها للقصف المباشر، لكن بسبب الضغط الكبير الناتج عن الاكتظاظ والظروف القاسية، قررت مغادرة لبنان والهروب إلى سوريا كحل مؤقت."

"الضغط النفسي هائل على الجميع"، كما يصفه حسن "خاصة على كبار السن الذين عاشوا حياتهم في الحروب والتهجير. والأصعب على الأطفال الذين لا يفهمون شيئاً عن هذه الحرب. كما أن الضغط كبير على من هم في عمري، فنحن نتحمل مسؤولية توفير احتياجاتنا واحتياجات من حولنا في ظل هذه الظروف الصعبة، ونحاول طمأنة الكبار والصغار، بينما نحن في أمس الحاجة إلى من يطمئننا".

المشاعر متشابكة، وفق ما يقوله حسن "خاصة عندما يكون منزلنا في الضاحية مهدداً بالفقدان ولا نعرف مصيره حتى الآن" ويشير إلى أنه زار منزل جده بعد الغارات على الغبيري واكتشف أنه تعرض لأضرار متوسطة، حيث "تحطمت النوافذ وخلعت الأبواب، لكن الأضرار كانت بسيطة مقارنة بحجم الدمار الذي يحيط به. ومع ذلك، ليس سهلاً على جدتي الكبيرة في السن أن تعلم ما حل بمنزلها ومنازل جيرانها."

هل يستطيع القرار الأممي "1701" إنقاذ لبنان؟ مع زيادة حدة التصعيد في لبنان، لا يتوقف الحديث عن القرار الأممي الصادر قبل 18 عاما (1701)، والذي تدعو إلى تنفيذه الحكومة اللبنانية وطالما دعت إسرائيل إلى تنفيذه، لكن الاتهامات انطلقت من كل جانب بعدم الالتزام.

وحتى لو انتهت الحرب، يرى حسن أن "الآلام ستستمر"، قائلاً "سنبقى نعيش بين صعوبة الحياة بين الأنقاض والأمل المفقود في العودة. ستظل الذاكرة مثقلة بالمعارك والنزوح، ويبقى السؤال الآن، متى تنتهي هذه المأساة التي لا ذنب لنا فيها؟ لقد اكتفينا من الحروب والأزمات".

مصير ضبابي

كذلك فقدت سناء منزلها بعدما اضطرت إلى الفرار مع طفليها من مدينة صور إلى منزل أقاربها في منطقة أكثر أماناً ضمن المدينة ذاتها. تستعيد سناء تلك اللحظات القاسية بمرارة قائلة "كانت شبكة الإنترنت ضعيفة للغاية، ما أجبرني على السير يومياً لمسافات طويلة بحثاً عن إشارة أفضل. وفي الليلة التي قصف فيها منزلي، كنت متعبة جداً، فتأخرت في مغادرة منزل أقاربي للبحث عن إشارة".

وتتابع سناء قائلة "كان الوقت حوالي العاشرة والنصف مساءً عندما تمكنت أخيراً من الاتصال بشبكة الإنترنت. فوجئت بالكم الهائل من الرسائل من أصدقائي وأقاربي، من بينها صور للمبنى الذي أسكن فيه وقد دّمر، شعرت حينها بألم لا يوصف، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي أفقد فيها منزلي. ففي عام 2006، خسرت كل ما أملك: منزلي، دكاني، وسيارتي".

وتصف سناء تلك الليلة القاسية بأنها لم تستطع النوم على الإطلاق، فتوجهت إلى شاطئ البحر وبقيت هناك حتى الصباح، وتقول "سرت بعدها مسافة طويلة حتى وصلت إلى منزلي المدمر، والآن أزور المكان بين الحين والآخر، لألقي نظرة على ما تبقى من المبنى".

وتعبّر سناء عن حالة الضياع التي تشعر بها منذ تدمير منزلها، قائلة "منذ تلك اللحظة أشعر كأنني فقدت جزءاً من عقلي وروحي. لا أستطيع التركيز أو تذكر شيء".

وتضيف "أكثر ما يؤلمني أنني فقدت كل ما أملك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والأمر الأكثر إيلاماً هو التفكير في المستقبل، إذ كيف سأؤمن سقفاً جديداً لي ولطفليّ إذا خرجنا من هذه الحرب على قيد الحياة، خاصة أنني امرأة مطلقة". 

ويمر لبنان منذ عام 2019، بأزمة اقتصادية حادة، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الضاحیة الجنوبیة إلى من

إقرأ أيضاً:

ما هو الدور الذي سيلعبه صهر ترامب في الشرق الأوسط؟

سرايا - ذكرت شبكة "سي ان ان" نقلا عن مصادر، أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سيلعب دورا رئيسيا في جهود الإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.

وجاء في تقرير الشبكة أن "جاريد كوشنر، وفقا لدبلوماسيي ترامب وحلفائه، سيصبح حلقة وصل مهمة في استراتيجية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط"، ومن المرجح ألا يكون كوشنر جزءا من الهيكل الرسمي للإدارة، لكن المصادر تقول إنه سيعمل كمستشار خارجي.

وبحسب "سي ان ان"، يتمتع كوشنر بعلاقات فريدة مع زعماء المنطقة، كان قد بناها خلال ولاية ترامب الأولى واستمر في الحفاظ عليها بعد خروجه من البيت الأبيض.

ونقلت الشبكة عن أحد الدبلوماسيين الذين عملوا مع صهر ترامب قوله: "لا أحد في الفريق الجديد يتمتع بنفس مستوى الثقة التي اكتسبها جاريد، ولم تأت إليه على الفور، لقد استغرق الأمر وقتا حتى كسبها".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1260  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 15-11-2024 07:13 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
أمريكيون يحتالون على السلطات للحصول على مبلغ مادي .. ماعلاقة الدببة؟ اقتران للكواكب مع اكتمال القمر .. راصد الزلازل الهولندي يحذر بيع حجر أخضر كريم بمبلغ فلكي امرأة تضبط وقتها على ساعة رجل ميت لمدة 8 أيام! "البريد الأردني" يحذر من رسائل احتيالية... شاب يعيد 8 الاف دينار ونصف لـ مسنة فقدتهم داخل... المنتخب الأردني عن منتخب العراق: "سنرد لهم... بالفيديو .. الأمن يفض مشاجرة جماعية في دير أبي... حسان لـ النشامى: نتمنى لكم حظاً طيباً لتحقيق حلم... لبنان .. تحذير إسرائيلي جديد إلى سكان الغبيري - صورة"حزب الله" يستهدف قاعدتين ومستوطنة و17...مئات الوفيات في مدينة سودانية محاصرة .. ما المرض...هل سينسحب الاحتلال من قطاع غزة؟ صحيفة تكشفالحريري يدعو لوقف عدوان إسرائيل الهمجي على لبنان"سانا": عدوان إسرائيلي يستهدف منطقة المزة...على طول خط "ألفا" .. هذا ما يفعله...الاحتلال يتحدث عن اغتيال مسؤول بـ"الجهاد...43 ألفا و764 شهيداً في غزة منذ بداية الحرب مايا دياب تتلقّى هدية ثمينة في عيد ميلادها شاهدوا... ياسمين صبري تكثّف من تصوير مسلسلها الجديد .. لهذا... شاهدوا أحدث إطلالة لملكة جمال لبنان من المكسيك لمن قالت نجلاء بدر "علّمتني درساً لن أنساه"؟ من "هافانا" إلى "السعودية" ..... منتخبا البرازيل والأرجنتين يتعثران في تصفيات مونديال 2026 صلاح يثير قلق ليفربول مجدداً: الكل سيغادر يوماً ما مبابي يصدم لاعبي فرنسا: ريال مدريد أهم من المنتخب مدرب العراق يحمّل لاعبيه مسؤولية نتيجة التعادل طريق منتخب الأردن إلى نهائيات كأس العالم 2026 بعد التعادل مع العراق لإصابتها برهاب الموز .. وزيرة سويدية تدفع مسؤولين لإخلاء الغرف من الفاكهة عاصفة غبار شديدة تضرب وسط كاليفورنيا وتخلق مشهدًا دراميًا شاب يلاحق المشردين من فرنسا إلى هولندا .. وما يفعله بهم مروع سرقة منظمة بقيمة 1.48 مليون يورو .. هذا ما فعلته موظفة في "لوبوتان" نوع جديد من الأدوية المناعية لعلاج السرطان ليحصلوا على تعويض .. تنكروا بهيئة دب وحطموا سيارتهم الفاخرة امرأة تضبط وقتها على ساعة رجل ميت لمدة 8 أيام المريخ يحتفل بالسنة الجديدة الذكاء الاصطناعي يساعد في ترميم كنيسة الفاتيكان رأس بشري مقطوع يرعب رواد شاطئ شهير بأمريكا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • برز في «فيرمونت وسفاح التجمع».. ماهو عقار GHP الذي كانت تتعاطاه الإعلامية الشهيرة؟
  • ما هو الدور الذي سيلعبه صهر ترامب في الشرق الأوسط؟
  • مصادر مصرف لبنان: الأمور عادت الى ما كانت عليه
  • فيديو.. لبنانيون يعترضون شاحنة أسلحة لحزب الله
  • في عصر "السوشيال ميديا".. ذكريات الماضي تلاحق المشاهير
  • «مجازر العائلات» في غزة.. ناجون من جحيم إسرائيل يروون التفاصيل لـ«الأسبوع»
  • مصرع وإصابة 8 أشخاص بينهم لبنانيون ورجل أمن عراقي بحادث سير في ديالى
  • قصف إسرائيليّ يطال القصير عند الحدود بين لبنان وسوريا.. ما الذي تمّ استهدافه؟
  • ‏الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض 4 مسيرات صباح اليوم كانت قادمة من لبنان
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟