فى يوم ما سيستيقظ أى منا، سينظر للمرأة، سيحملق فيها أكثر من مرة، ليتأكد أن ما يراه أمامه هو نفسه ابن الأمس، سيغمض عينيه ويفتحها لأن الرؤيا غائمة بسبب بصره الذى ضعف، وعندما يتحقق من صورته، سيجد الشعر الأبيض يغطى رأسه، تجاعيد حفرت فى وجهه، سيحرك يده ليتحسس تلك الخطوط ويمسح دموعا انهمرت رغما عنه، سيجد ذراعه واهنة وقد يجد أصابعه ترتعش حتى تصل لوجهه، سيهز رأسه فى أسف، وهو يرى انحناءة ظهره، لقد فقد جسده رشاقته ولم يعد مهندما كما كان، سينظر لساعته، سيجدها تمر ببطء وثقل، فلا موعد عمل وراءه يهرول اليه ويزاحم الأجساد والبشر المكدس فى الشوارع والمواصلات كما كان بفعل ليصل لعمله فى الموعد بلا خصم له، ولا أحد يتصل به، سيجلس بين جدران منزله وعيناه معلقتان بين هاتفه وهاتف البيت، فلا رنين ولا ضجيج محادثات، لقد نسيه الزملاء وانشغل عنه الصحاب وكل الدنيا لأنه خرج عن محور الحياة ودائرة اهتمامها، لقد أحيل إلى المعاش.
المعاش نقطة فارقة ساخنة لدرجة الجحيم فى حياة الإنسان، منا من لا يحتمل نبأ الإستغناء اللا إنسانى عنه والمغلف بالقانون من المكان الذى خدم به أهم سنوات عمره، المكان الذى فضله غالبا على حياته الخاصة أسرته وأولاده، فندرة منا تنجح فى عمل موازنة بين الاهتمام بالعمل والاهتمام بالأسرة، وكثيرون من خسروا أسرهم وحياتهم الخاصة بسبب اهتمامهم بالعمل، وها هم الآن كل واحد منهم يجد نفسه وحيدا بلا أسرة وبلا عمل، مع كم لا بأس به من أمراض الشيخوخة، السكر، ضغط الدم، القلب، إلتهابات المفاصل الجلطات، وقبلها بالطبع القولون العصبي، بجانب الاكتئاب.
غالبا لا يستقبل الإنسان قرار الإستغناء عن خدماته بنفس راضية وروح رياضية، فلا يتقبل أنه لن يدخل المصلحة أو المؤسسة إلا ضيفا غير مرغوب به، لا يتقبل أنه سيجد زميله الذى كان ينافسه ويكرهه غالبا يجلس على مكتبه ولا يعيره أدنى اهتمام، لن يتقبل أن يجد زملائه الذين كانوا يلتفون حوله للثرثرة أو الإستفادة منه ومن خدماته وعلاقاته يتجاهلون زيارته للمؤسسة ويتظاهرون بالانشغال بأعمالهم التى صارت فجأة مهمة، كثيرون يصابون بنوع من الصدمة النفسية مع بلوغ سن المعاش، ويقرأون قرار الإحالة وكأنها شهادة وفاتهم، يشعرون أنهم كالأشجار التى تم انتزاعها من جذورها لأنها صارت فى نظر الأخرين شجرة عجوز لا تثمر ولا تمنح حتى الظل، أو كما يقال أصبح كخيل الحكومة العجوز يجب التخلص منه بإطلاق الرصاص عليه لعدم فائدته وتوفير طعامه لغيره من صغار السن. كثيرون يرفضون حتى أن يقام لهم حفل وداع، ويعتبرونها حفل تأبين لهم، وبالفعل هؤلاء يصابون بأمراض تعجل بموتهم، حقا الأعمار بيد الله، لكن للموت أسباب تعجل به، وقد انتشرت فى السنوات الأخيرة حالات الوفاة السريعة لمن بلغوا سن المعاش، فمن اعتاد العمل لا يقبل أن يصبح كما مهملا فى ركن قصى من الحياة لا يبالى به أحد، خاصة من لا يزال يتمتع بطاقة وحيوية، ولديه قدرة حقيقية على الإستمرار فى العمل لكن القانون يمنعه.
قصر القول، بلوغ سن المعاش كارثة لأغلب المصريين، وراحة لقلة نادرة جهزت نفسها لهذا اليوم جيدا اجتماعيا وماديا، تزداد أزمة «المعاشجى» بالطبع مع تلك النقلة الخطيرة للأسفل فى الدخل المادي، فمعاش أى شخص بالطبع لا يعادل أبدا راتبه الذى اعتاد عليه ونظم حياته السابقة الطويلة على أساسه، ومع محدودية المعاش وتزايد حجم النفقات على الصحة لزوم أمراض الشيخوخة، تزداد أزمة «المعاشجى» النفسية والجسدية ويجد نفسه محاصرا بالسلبيات من كل جانب.
وإدراكا منها لما يصيب أرباب المعاشات، اهتمت الأمم المتحدة بالمسنين وأطلقت لهم يوما عالميا فى ١ أكتوبر ١٩٩٠ أسمه يوم المسنين، بهدف إلى رفع الوعى والاهتمام بالمسنين، والتحفيز على رعايتهم وحسن معاملتهم، ثم عادت الأمم المتحدة وأطلقت يوم أخر للمسنين فى يونيو تحت شعار مكافحة العنف والإساءة والإهمال للمسنين، وهو يوم يعبر فيه العالم عن إحترام كرامة المسنين وحقهم فى العيش بحرية وكرامة بعيدا عن العنف، ويتوجه هذا اليوم لحماية المسنين خاصة فى أوقات الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية، وكانت الإحصائيات هى المحرك الأول لإطلاق هذا اليوم أو ذاك، حيث أشارت الأرقام أنه بحلول عام ٢٠٣٠ سيبلغ عدد المسنين فى العالم من سن ٦٠ سنه إلى ما فوق أكثر من ٣٨%، أى ما يعادل ٤,١ مليار نسمة، وسيتفوق عددهم عن تعداد الشباب.. وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد
إقرأ أيضاً:
هل يسمح قانون التأمينات بعودة المؤمن عليه للعمل بعد خروجه معاش مبكر؟
يحتاج العديد من الأشخاص بعد الخروج على المعاش المبكر إذا انطبقت عليهم الشروط التي وضعتها الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية إلى العودة مرة أخرى للعمل فهل يجوز ذلك طبقًا للقانون؟
ووضع قانون التأمينات الاجتماعية، رقم 148 لسنة 2019، شروط للمؤمن عليه للتمكن من الخروج على المعاش المبكر، ولكن هناك بعض الحالات يتقدمون بطلب للخروج مبكرًا وسرعان ما يرغبون في العودة بقرارهم مرة أخرى.
ووفقا لقانون التأمينات الاجتماعية، فإنه لا يسمح للشخص المؤمن عليه الذي خرج معاش مبكر وانطبقت عليه شروط الخروج أن يعود إلى العمل مرة أخرى.
شروط المعاش المبكروبالنسبة للشروط التي تسمح للمؤمن عليه أن يخرج على المعاش المبكر هو أن تكون مدة الاشتراك التأميني لكل شخص 300 شهر حتى تعطي الحق في معاش لا يقل عن 50% وذلك من أجر التسوية.
كما يجب أن تكون علاقة العمل للموظف التي تربط المؤمن عليه بصاحب العمل منتظمة وغير منقطعة.