يبدو أن منطقتنا العربية قد اعتادت على هذه الأجواء من الحروب والدمار والأشلاء والجوع والفقر، ويبدو أيضًا أن القادة والاصلاحيون لايسعون للخروج من هذا المنحدر، أو أنهم لايملكون خططا أو توجهات لتخفيف أزماتهم، فى نفس التوقيت الذى لا يتوقف أعدائهم عن استكمال ما بدأوه منذ عقدين من الزمان وبالتحديد عام ٢٠٠٦ عندما أطلقت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية مصطلح الفوضى الخلاقة أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان يوليو 2006 ،حيث أكدت وقتها أن آلام هذه الحرب هى: «الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد»، وهو نفس التصور الذى صاغته إسرائيل، على لسان شمعون بيريز فى كتابه الذى يحمل العنوان نفسه: «الشرق الأوسط الجديد» الذى صدر 1996.
والغريب فى الأمر أن مراكز ومعاهد الدراسات الاستراتيجية المنتشرة فى شعوب المنطقة قد تداولت هذه المسميات، وأثيرت تلك العناوين فى أغلب البرامج التليفزيونية والجرائد والمجلات والمواقع على سبيل مسايرة الحديث دون أن تتحرك الكيانات السياسية مثل الجامعة العربية أو البرلمانات العربية لوقف هذا الخطر أو حتى التقليل من خطورته، وبعد عقدين من الزمان أصبح مصطلح الفوضى الخلاقة ورسم خرائط للشرق الأوسط الجديد أمرًا واقعًا يطرق بشدة كل الأبواب العربية بلا استثناء، واندلاع هذه الحروب فى وقت واحد بمعظم الدول العربية ليست مصادفة، ولكنه مخطط شامل لم يترك شاردة ولا واردة إلا ووضع لها السيناريو الخاص بها حتى باتت قواعد اللعبة بأكملها فى أيديهم، ولكنهم لم يتخيلوا أن تنشأ داخل هذه الدول حركات تحررية تضرب العمق الاستراتيجى داخل مدن الاحتلال الحصينة بالدورع والقبب الحديدية، كما أنهم لم يتوقعوا أن تنجر إسرائيل راعية ملف الشرق الأوسط الجديد إلى حرب استنزاف داخل الأراضى الفلسطينية واللبنانية، لاتعلم أمدها ومتى ستتوقف.
والغريب فى الأمر أن دول أوروبا بأكملها التى طالما رفعت رايات التحرر والحريات داخل دولها وخارجها، هى نفسها التى ترعى هذا التوجه وتدفع المنطقة للانتحار وإشعال حرب إقليمية ستهدد مصالح الجميع.
والغريب أيضًا الذى لم تتوقعه أمريكا راعية الإرهاب فى العالم، أن جبال اليمن وأنفاق غزة ومزارع شبعا اللبنانية ومرتفعات الجولان، لن تدع حاملات طائرتها وبوارجها فى مأمن، ولن تتوقف المسيرات القادمة من العراق واليمن ولبنان وإيران وغزة عن إطلاقها، وكان لسان حالهم يقول اللعنة على هذه المسيرات التى لم يعمل لها حساب، والتى تم تطويرها لتخدع الرادارات، وتفلت من صواريخ القبة الحديدية، ويلجأ المستوطنين الصهاينة إلى الاحتماء بالمخابئ، وسط ازعاج صافرات الإنذار، التى لم تتوقف ليلا ونهارا وسط تدافع فى المطارات، للهروب من الأراضى المحتلة وأنياب الشرق الأوسط التى لم يحسب لها حساب إلى دول أوروبا وأمريكا، التى أيضًا لم تطيق شعوبهم رؤية هؤلاء القتلة المحملين بالدسائس والخيانات أينما حطت أقدامهم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هموم وطن طارق يوسف الحروب والدمار الحرب الإسرائيلية على لبنان الأوسط الجدید الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
العالم بعد نوفمبر 2024 «حمادة تانى خالص»
مخطئ من يظن أنه ليس هناك تغيير فى العالم بعد الفوز الكبير الذى حققه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فأحب أقولك إن «اللى فات حمادة واللى جاى حمادة تانى خالص» فالعالم ما قبل نوفمبر 2024 مختلف تماماً عن ما بعد هذا التاريخ ، فالرئيس العائد بقوة لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقيادة العالم لا يؤمن إلا بالصفقات، لا ثوابت فى ذهن ترامب سوى المصلحة.
تابعت مثل الكثيرين اختيارات ترامب لإدارته بعد أيام من انتخابية وكان الغالب فيها أن جميعها ممن يطلق عليهم الصقور الذين يتبنون مواقف متشددة سواء فى دعم الكيان الصهيونى دولة الاحتلال الإسرائيلى، أو ضد إيران والصين وغيرهما، أراد ترامب بهذه التوليفة إيصال رسالة بأن القادم أسوأ.
لست من المتفائلين بالفترة الثانية لحكم ترامب، وأرى أن تغيرات جيوسياسية كبيرة سيحاول ترامب وفريقه فرضها على العالم وعلى الشرق الأوسط بصفة خاصة، وأرى أن توحد القوى العربية هو الحل.
لا بد أن تتيقن عزيزى القارئ أن التكتل العربى وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن وخلفها الكثير، تكتل لا يستهان به إذا تم توحيد كلمتهم على رأى واحد.
وأرى أن القمة العربية الإسلامية غير العادية بالرياض، تقاربت فيها الآراء نحو رأى موحد وهو بأنه لا سلام ولا استقرار إلا بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وأنه لا تنازل عن هذة الحقوق ولا مقايضة عليها.
تساؤلات كبيرة ستجيب عنها الأيام القادمة بعد يناير 2025 بعد مراسم تسليم ترامب السلطة فى البيت الأبيض، العالم يترقب والجميع ينتظر إيران والصين وروسيا أوكرانيا، المعضلة الأزلية المشتعلة فى الشرق الأوسط، جميعها مواقف ستتحدد خلال أيام.
دعوة للأشقاء العرب ما أحوجنا الى التكاتف والتلاحم، وأعلم أنه موجود بشهامة وصدق وإخلاص، ولكن أتمنى أن يزيد هذا الترابط فى ظل متغيرات عالمية لا يعلم مداها إلا الله.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية .
المحامى بالنقض
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ