فلسطين.. تاريخ من المقاومة والثورات
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
تلقيت من صديق عزيز من الحفَّارين في تاريخ الثقافة نسخة إلكترونية من كتاب نادر بدون تاريخ ولا مؤلِّف ولا جهة للنشر، وإن كان من الأرجح أنه صدر في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي (وهو ما يمكن أن نستنتجه من إشارة محرر الكتاب إلى حدث وقع في سنة 1938، بقوله: «في يومنا هذا». والواقع أن هذا ليس بكتاب مؤلَّف، وإنما هو سجل مصوّر مصحوب بمقدمة قصيرة للصور والتعليق الشارح لمضمونها ومناسبتها ومكانها.
هذا مضمون الكتاب أو السجل المصور، ونحن نجد تكرارًا لمضمون الصور التي يُرَاد بها التأكيد على أن الكيان الصهيوني منذ البدايات الأولى لنشأته قد ارتكب مع الإنجليز ممارسات وحشية ضد شعب فلسطين. الآن يمارس هذا الاحتلال نفس الممارسات بعد أن توحش؛ ولهذا فإنها يمارسها بشكل أكبر من حيث الكم، أعني من خلال وسائل تدميرية أوسع مدى وقدرة وامتدادًا. ولكن من حيث الكيف، أعني: من حيث المضمون، فإن الممارسات تظل واحدة في جوهرها: كيان احتلالي يسعى إلى إحلال نفسه محل شعب آخر بالقتل والتدمير أو الإبادة، في مقابل الكيان أو الشعب الأصلي المقيم على الأرض، والوجود الحقيقي- كما تعلمنا من هيدجر- هو «الإقامة على الأرض»، فذلك هو الوجود الذي يصنع تاريخًا.
ما أشبه الليلة بالبارحة؟! هذا ما أود قوله مما تقدم. ذلك أن المقاومة التي تجري في فلسطين الآن من خلال فصائلها، وفي لبنان (أو حزب الله) أو اليمن (الحوثيين)- هي روح المقاومة نفسها التي طالما كانت تجري ضد المحتل للأرض. ولكننا في زماننا هذا أصبحنا نجد فريقًا من الإعلاميين والمشتغلين بشؤون الثقافة يروجون القول بعدم جدوى المقاومة، خاصةً المقاومة بالسلاح! والحجة الأساسية التي يستند إليها هؤلاء هو التساؤل الاستنكاري: وماذا جنى المقاومون سوى الخراب والدمار؟!
ربما يكون من المدهش أن نتحدث عن جدوى المقاومة؛ فالمقاومة بحكم ماهيتها هي عمل بديهي ضد أي اعتداء من كيان أو دولة على أية دولة أو كيان آخر. ومع ذلك، فإننا نجد في عالمنا العربي أصواتًا تنكر هذه الحقيقة، وترى أن المقاومة لا حاجة لها إذا كان سيترتب عليها خسائر كبيرة كان يمكن تجنبها. هذا هو الحال بالضبط حينما نطبقه على المواقف المتباينة من حال الصراع العربي مع الكيان الصهيوني في الوقت الراهن، وهو الصراع القائم الذي تجدد منذ سنة ولا يزال قائمًا ومخلفًا لكثير من الضحايا من المدنيين من نساء الفلسطينيين وأطفالهم وغيرهم في مشاهد مروعة يندى لها جبين الإنسانية، إن كان لا يزال لها جبين. فلقد بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع كتَّابًا وإعلاميين ينتقدون ويدينون هذه المقاومة في فلسطين ولبنان، ومن ورائها إيران، ويرون أنها السبب فيما لحق بالدول التي تنتمي إليها هذه المقاومة من دمار إلى حد الإبادة!
يزعم الرافضون للمقاومة أنه من دون هذه المقاومة كان يمكن تجنب الكثير من الدمار والويلات التي لحقت بأهل شعوبهم، وهم يستشهدون على ذلك بما جرى في غزة بوجه خاص التي أصبحت خرائب لا تصلح للسكن، والتي فقد كل واحد منها العزيز من أهله، بل فقد بعضهم كل أهلهم! نعم الفاجعة كبيرة، والمآسي المصورة لا تحتملها نفس بشرية سوية، ولكن هل يبرر كل هذا رفض فكرة المقاومة في حد ذاتها؟! المقاومة في حقيقتها هي رفض لكل اعتداء على الحق، ومن دونها تفقد الإنسانية كرامتها واعتبارها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إن کان
إقرأ أيضاً:
لودفيج فان بيتهوفن.. كيف تحدى الصمم وغيّر تاريخ الموسيقى؟
يصادف اليوم ذكرى وفاة لودفيج فان بيتهوفن، أحد أعظم الموسيقيين في التاريخ، لم يكن مجرد مؤلف بارع، بل كان رمزًا للإصرار والتحدي. فقد عاش تجربة فريدة تمثلت في فقدان سمعه تدريجيًا حتى أصبح أصم تمامًا، ورغم ذلك، أبدع موسيقى خالدة ما زالت تؤثر في العالم حتى اليوم.
بداية الصدمة: بيتهوفن واكتشاف فقدان السمعفي أواخر العشرينيات من عمره، بدأ بيتهوفن يلاحظ أعراض فقدان السمع، إذ أصبح يجد صعوبة في سماع الأصوات الضعيفة، ورافق ذلك طنين مزعج في أذنيه.
مع مرور الوقت، تفاقمت حالته، مما أصابه بحالة من اليأس والإحباط.
وفي عام 1802، كتب رسالة شهيرة عرفت بـ”وصية هيليغنشتات”، عبر فيها عن معاناته النفسية بسبب فقدانه للسمع، وصرح بأنه فكر في إنهاء حياته، لكنه قرر الاستمرار من أجل فنه.
كيف تغلب بيتهوفن على إعاقته؟بدلًا من الاستسلام لمرضه، طور بيتهوفن أساليب غير تقليدية لمواصلة تأليف الموسيقى.
كان يضع عصا خشبية بين أسنانه ويلمس بها البيانو ليشعر باهتزازات الصوت، كما استخدم دفاتر المحادثات التي كان يكتب فيها الآخرون ليتواصل معهم بعد أن فقد القدرة على سماعهم.
ورغم صممه الكامل بحلول عام 1814، واصل التأليف الموسيقي، وكانت أعماله خلال هذه الفترة أكثر جرأة وتعقيدًا.
بلغت عبقريته ذروتها في السيمفونية التاسعة، التي أصبحت رمزًا للأمل والانتصار على المصاعب.
المفارقة أن بيتهوفن لم يستطع سماع التصفيق الحار الذي استقبله الجمهور عند عرضها الأول عام 1824، واضطر أحد الموسيقيين إلى إخباره بذلك.
إرث بيتهوفن وتأثيره في الموسيقىلم يكن فقدان السمع نهاية لمسيرة بيتهوفن، بل بداية لمرحلة جديدة أكثر إبداعًا. فقد أحدث ثورة في الموسيقى، حيث أدخل مشاعر أعمق وألحانًا أكثر قوة، ممهدًا الطريق للعصر الرومانسي في التأليف الموسيقي.