واشنطن"د. ب. أ": بات واضحا أن المرشح الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة سيواجه معضلة بالغة التعقيد، وخيارات شديدة الصعوبة للتعامل مع الأوضاع المتفجرة في الشرق الأوسط التي تهدد الممارسات الإسرائيلية بالتسبب في نشوب صراع أوسع في المنطقة، مع خطر تجاهل الأولويات الأمريكية الأخرى في أوروبا وآسيا.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال ماثيو بوروز المستشار في المكتب التنفيذي لمركز ستيمسون للدراسات وجوزيل برامل المدير الأوروبي لمجموعة الأبحاث "اللجنة الثلاثية" إن إسرائيل التي تخوض حربين مدمرتين ضد الفلسطينيين في قطاع غزة و حزب الله في لبنان، تهدد بفتح جبهة حرب ثالثة ضد إيران التي شنت هجوما صاروخيا غير مسبوق على إسرائيل في الأول من أكتوبر الحالي. وفي حين تهدد إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني، تهدد طهران بأنها سترد بصورة أقوى على أي هجوم إسرائيلي وهو ما يفتح الباب أمام نشوب حرب إقليمية ستكون أشد خطورة على المصالح الأمريكية في المنطقة وربما في العالم.

في المقابل تتعامل الولايات المتحدة مع المخاطر بجدية وتزيد دعمها العسكري لإسرائيل لمساعدتها في التصدي لأي هجمات إيرانية. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية اعتزامها زيادة عدد الطائرات المقاتلة في المنطقة وإبقاء حاملة الطائرات أبراهام لنكولن في الشرق الأوسط. وقال ماثيو ميللر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن "دعم أمن إسرائيل وطيد"، مضيفا أن واشنطن ستنسق مع إسرائيل في أي رد مستقبلي على الهجوم الإيراني. ورغم ادعاء الحكومة الأمريكية التنسيق الوثيق مع إسرائيل، فإنها فوجئت ف مرات عديدة بمبادرات من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ورغم ذلك تشعر إسرائيل بأنها لم تعد ملزمة باتباع توصيات واشنطن وممارسة ضبط النفس في المستقبل. كما أن ثقة إسرائيل في قيام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحرك ملموس ضد المنشآت النووية الإيرانية منخفضة.

وتخشى إسرائيل من أن تحول إيران امتلاكها للقنبلة النووية إلى سلاح ردع. فهذا السلاح سيصبح "درعا نوويا" يسمح لطهران بزيادة عدوانيتها ضد إسرائيل دون أن تخشى مهاجمتها بفضل امتلاكها للرادع النووي.

في الوقت نفسه فإن مكاسب إسرائيل العسكرية على الأرض ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، يمكن أن يعمق أزمتها الاستراتيجية، لآنها تحرم إيران من الاعتماد على حماس وحزب الله في مواجهة إسرائيل، مما قد يدفعها لتكثيف جهود امتلاك القنبلة النووية وهو ما عبر عنه مسؤولون إيرانيون صراحة في الأيام الماضية.

وفي الربيع الماضي قال رافائيل جروسي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران خصبت اليروانيوم بنسبة تصل إلى 60% وهو ما يقترب من النسبة المطلوبة لإنتاج القنبلة النووية، مضيفا "إنهم (الإيرانيون) يمتلكون كمية تكفي لإنتاج عدة رؤوس نووية، ولكن هل يمتلكون سلاحا نوويا؟ لا... الأمر يحتاج إلى العديد من الأشياء الأخرى لكن الموقف خطير".

وتؤكد واشنطن وتل أبيب باستمرار أنهما لن تسمحا لإيران بامتلاك قنبلة نووية. ويبدو أن إسرائيل تمتلك معلومات استخباراتية دقيقة عن البرنامج النووي الإيراني. وإذا تجاوزت إيران الخط الحرج نحو امتلاك القنبلبة النووية فإن إسرائيل يمكن أن تهاجم المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت تقريبا في عام 2011.ورغم ذلك من غير الواضح ما إذا كانت تل أبيب ستستطيع مهاجمة كل المواقع النووية الإيرانية، وما إذا كان هذا التهديد يمكن أن يدفع طهران إلى التحرك بسرعة نحو إنتاج القنبلة النووية.

والمفارقة هي أن إيران في المقابل تواجه معضلة في التعامل مع الموقف الراهن. فهي لا تريد تصعيد الصراع مع إسرائيل حتى لا يصب ذلك في صالح المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية الرئيس السابق دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران في فترة حكمه السابقة، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران وهدد الشركات الأوروبية بعقوبات ثانوية إذا استمرت تعاملاتها التجارية مع إيران.

ولكن هذه العقوبات أفادت خصوم الولايات المتحدة، وبخاصة روسيا والصين، حيث كثفت موسكو وطهران تعاونهما العسكري، في حين استفادت بكين من النفط الإيراني الرخيص الذي لم يعد متاحا لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا. ورغم ذلك فالقيادة الإيرانية لا تستطيع ضمان تدخل روسيا أو الصين لحماية نظام الحكم الإيراني إذا حاولت إدارة ترامب المقبلة تغييره.

ويمثل التعاون العسكري بين روسيا وإيران مشكلة كبيرة للولايات المتحدة في الوقت الراهن. فبحسب تقرير حديث لوزارة الدفاع الأمريكية تزود إيران روسيا بصواريخ فاتح 360 قصيرة المدى، وتوفر الخبراء لتدريب الروس على استخدامها، حيث أن هذه الصواريخ قصيرة المدى تسمح لروسيا بالاحتفاظ بمخزوناتها من الصواريخ الأطول مدى والأكثر تقدما لاستخدامها في تحقيق أهداف أخرى في الحرب الأوكرانية.

كما أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى تبادل الخبرات بين روسيا وإيران في مجال الاتصالات المستخدمة في توجيه الصواريخ. ولكن مع وصول ترامب للسلطة، يمكنه أن يحصل من روسيا على تنازلات في الملف الإيراني مقابل منحها تنازلات في ملف أوكرانيا وهو ما أشار إليه بالفعل في حملته الانتخابية.

ورغم أن التهديد الصيني للمصالح الأمريكية يرتبط بشكل أساسي بالمجال الآسيوي لهذه المصالح وبالملف الاقتصادي، فإن العلاقات الإيرانية الصينية تضيف المزيد من التعقيد إلى التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فمع تصاعد التوترات مع إسرائيل تعهدت بكين بدعم طهران، وإن لم يترجم هذا التعهد إلى أشياء ملموسة. ولكن استفادة بكين من إمدادات النفط الإيراني الرخيص يجعلها حليفا اقتصاديا مهما لطهران بما في ذلك إمكانية مساهمتها في إعادة بناء البنية التحتية لقطاع النفط الإيراني بسرعة في حال تعرضها لأي هجوم إسرائيلي.

أخيرا يمكن القول إن الإدارة الأمريكية القادمة ستواجه تحديات قاسية. كما أن المضي قدما في استراتيجية عزل إيران وحصارها لن يؤدي إلا إلى زيادة اعتماد طهران على موسكو وبكين، وتعزيز أدوارهما. وهو ما يعني صياغة توازن جديد للقوة في الشرق الأوسط ويهدد النفوذ الأمريكي فيه، وربما ينهي ما يسمى بعصر الهيمنة أو السلام الأمريكي في المنطقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط فی المنطقة مع إسرائیل المتحدة فی وهو ما

إقرأ أيضاً:

محسن أبو النور: إيران لن تسارع إلى دخول مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 

أكد الدكتور محمد محسن أبو النور، خبير السياسة الدولية، أن إيران لن تسارع إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في الوقت ذاته تسعى لإيصال رسالة تفيد بانفتاحها على الحوار، ولكن بوتيرتها الخاصة وليس وفق الإيقاع السريع الذي يريده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإبرام صفقة نووية كبرى.

وأوضح أبو النور، خلال مداخلة مع الإعلامي أحمد أبوزيد، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن إيران تواجه ضغوطًا متزايدة، خاصة بعد قرار العراق منع شراء الغاز الإيراني، مما يترتب عليه خسائر مالية كبيرة لطهران في ظل العقوبات التي تفرضها واشنطن، لافتًا إلى أن المناورة السياسية بين الطرفين لا تزال مفتوحة على جميع السيناريوهات، حيث أن الوضع الحالي لإيران يختلف تمامًا عن عامي 2015 و2016، إذ تراجع الدعم المتاح لها عبر محور المقاومة، وهو ما قد يدفعها إلى التفاوض بشكل تدريجي على ملفات جيوستراتيجية حساسة.

وأشار إلى أن أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، حتى الاتفاق النووي لعام 2015، كان يتضمن بنودًا سرية تتعلق بالوجود الجيوستراتيجي الإيراني في المنطقة، مضيفًا أن الأولويات الإيرانية في أي مفاوضات مقبلة ستبدأ بالبرنامج النووي، ثم البرنامج الصاروخي، وأخيرًا ملف الطائرات الإيرانية المسيّرة.

مقالات مشابهة

  • المرشد الإيراني يهدد الولايات المتحدة حال تهديدها أمن طهران
  • إيران تندد بالعقوبات الأمريكية على كيانات متهمة ببيع النفط الإيراني للصين
  • «ترامب» مغازلاً إيران: أريدها دولة عظيمة دون «سلاح نووي»!
  • ريابكوف: على الولايات المتحدة أن تتخذ الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع روسيا
  • على خطى ترامب.. إسرائيل تنسحب من مجلس حقوق الإنسان: يشيطن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
  • روسيا ردا على تصريحات ترامب بشأن غزة :حل الدولتين هو الافضل
  • محسن أبو النور: إيران لن تسارع إلى دخول مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة
  • المُعارضة الإيرانية في فرنسا تكشف أسرار طهران النووية
  • روسيا ترفض تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"
  • الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء الشراكة بين روسيا وإيران