لجريدة عمان:
2024-10-15@19:29:51 GMT

مدن اللامكان

تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT

في مقال سابق، طرحتُ تساؤلًا عن تشابه الأنماط الحضرية في تخطيط المدن، ولماذا باتت كل المدن متشابهة في تصميمها وتخطيطها، فلا تختلف المدينة الأمريكية عن الآسيوية وعن العربية، فكل أنماط المعمار باتت متشابهة، وهي كما أطلق عليها عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي مارك أوجيه اسم «لا مكان» أو مدن اللامكان، حين انتُزعت الروح من الأمكنة فباتت المدن باهتةً تحمل طابعًا معماريًا واحدًا تم استنساخه من مدينة واحدة.

المتأمّل لحال المدن في كثير من دول العالم يجدها نسخًا متكررة من نسخة أصلية واحدة، تتشابه كلها في نمطها المعماري الحديث، وتمتاز ببناياتها الشاهقة المتطاولة للسماء وتصميمها الزجاجي العاكس، وتكدّس محلاتها التجارية ذات الطابع الغربي على جنبات الشوارع المحيطة بالمدينة، مع محاولة إضفاء لمسات بسيطة على طابع المدينة العام.

كثير من المدن التي أتحدّث عنها فقدت هويتها التي كانت في يومٍ ما تميُّزها عن غيرها من مدن العالم المختلفة، والتحقت بقطار مدن اللامكان التي لا تنتمي إلى ثقافة معينة أو إلى إرث قديم أو إلى هوية استطاعت المحافظة عليها خلال فترة تاريخها الطويل. وربما يُبرر ذلك بعوامل عدة، أبرزها التوسّع العمراني الأفقي وزيادة أعداد السكان، وتحوُّل المدن من مدن صديقة للإنسان والبيئة إلى مدن صناعية وتجارية واقتصادية، فبات لزامًا عليها تغيير نمطها وهويتها ليتواكب مع الهوية الجديدة للمدينة التي لم تعد العمارة والإسكان خيارًا إستراتيجيًا بقدر ما هو التخطيط لاستيعاب أكبر قدر ممكن من السكان في مساحات ضيقة من الأرض. ولا يوجد خيار أنسب لتطبيق معادلة العمارة والإسكان من انتهاج المدن الرأسية كنموذج للعمران والبناء واستقطاب النماذج الجاهزة في البناء والتعمير التي أثبتت جدواها في بعض الدول، وإن كانت خصوصيتها تختلف عن خصوصيات بعض المدن الأخرى.

في مدننا العربية تحديدًا، لم يعد هناك ما كان يسمى بالعمارة الإسلامية أو العمارة العربية، بل إن كثيرًا من الدول، خصوصًا التي بُنيت حديثًا أو توسعت بفعل الطفرات الاقتصادية والتجارية والإسكانية، باتت تحاكي أنماطًا عمرانية غربية صرفة في البناء والتشييد والعمارة، وكأن ذلك النهج الغربي بات هو المفضل والسائد في أنظمة التشييد والعمارة، متفوقًا على أنماط العمارة الإسلامية التي لا تزال شاهدة على إرثها الخالد في القاهرة ودمشق والكوفة والقيروان وبغداد، حتى في إسبانيا التي لا يزال كثير من مدنها شاهدة على عمارة إسلامية تقف شامخة في وجه العمارة القوطية المنتشرة في أنحاء دول أوروبا. إن تغافُل أو تجاهل المعماريين والمصممين الحداثيين أثّر بشكل كبير في تغييب هذا النمط من العمارة الإسلامية، فنادرًا ما تجد مدنًا عربية اليوم تصطبغ بصبغة إسلامية، بل إن معظمها بات يحاكي الأنماط الأوروبية في التصميم والبناء، وقد يكون عزوف المصممين العرب عن الانخراط في تصميم خرائط مدنهم الكبرى وترك ذلك إلى الآخر غير العربي هو ما قاد إلى تلك النتيجة الحتمية من تغييب لتراث المدينة العربية وإرثها وثقافتها، وبالتالي تغييب لنمط العمارة الإسلامية.

لا ترتبط العمارة بالتشييد والبناء، بل تتعداها إلى آفاق أوسع في الثقافة والإرث الحضاري، وقبل ذلك كله هي تعكس الإنسان الساكن في المكان ومدى ملامسة العمارة لاحتياجاته اليومية والتعبير عنه في كل زاوية وركن من أركان المدينة؛ فالمكان لا يعبّر عن السكنى فقط، بل يتعداه إلى ملاءمته لحياة الإنسان. لذلك ظهرت اليوم مصطلحات مثل أنسنة المدن واستدامة العمران، اللتين تدعوان إلى العودة إلى تحجيم عشوائيات العمارة والعودة بالمدن لتكون صديقة وملائمة للإنسان والبيئة.

خلال الأسبوع الفائت، زرتُ قرية عمانية صغيرة كانت في الماضي تشتهر بأفلاجها المتدفقة وحصونها الدفاعية وواحاتها الغنّاء، ولقد خُيّل لي من إرثها السابق أنني سوف أمشي بين جنبات التاريخ وقلاعه، وأغترف من نبع أفلاجها وأقطف من ثمار مزروعاتها وكرومها، غير أن ما أحبطني وقتل اللهفة في قلبي هو أنني رأيت تلك القرية عبارة عن علب صندوقية متناثرة لا يعكس تخطيطها الحضري أي نسق معماري حديث أو قديم، بل هي بيوت مبعثرة وشوارع أسفلتية مقطعة، تمنيت أنني لم أزرها لأحتفظ بذكراها الجميلة في مخيلتي.

ما قصدته في مثالي السابق هو أن عبثية التخطيط والعمران تنتج عنها مشاكل طويلة وكبيرة تبدأ من الأرض وتنتهي بالإنسان ويمتد أثرها لسنين طوال بحيث يصعب علاج أي منها. لذا، فإن علاج أسقام العمارة يبدأ من اجتماع المختصين من علماء الاجتماع والسلوك والمخططين وعلماء البيئة والمناخ والأطباء، وممن يعنيهم أمر الإنسان والبيئة على طاولة واحدة لمناقشة التصوّرات الأولى لبناء نماذج معمارية لمدن إسلامية عربية عمانية تراعي الإنسان قبل مراعاتها لأي شيء آخر، بحيث لا تكون مدننا وقرانا العمانية مثالًا على مدن اللامكان المبعثرة حول العالم أجمع.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العمارة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

الأزمة القلبية المفاجئة.. المتهم الأول في وفاة كثير من الرياضيين في شبابهم.. واستشاري قلب وأوعية دموية: بعض الاضطرابات القلبية لا تظهر في الفحص العادي ولا يتم الشكوى منها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في الساعات الأخيرة شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، العديد من منشورات النعي والمواساة، بسبب وفاه  شاب يُدعى عبد الرحمن، يبلغ من العمر 22 عامًا، بسبب اصابته بأزمة قلبية مفاجئة اثناء ممارسته لكرة القدم مع أصدقائه بعد انتهاء عمله، وأثارت وفاته المفاجئة حالة من الحزن والصدمة ليس فقط بين معارفه ولكن حتى للكثير من رواد التواصل الاجتماعي، بسبب عمره الصغير وعدم شكوته من اي عرض أو مرض، حيث إنه كان يستعد للالتحاق بالتجنيد في الجيش خلال أيام قليلة، إلا أنه قدر له الوفاه بعد ثلاثة اشهر فقط من تخرجة من كلية التكنولوجيا الحيوية.

أعادت  طريقة وفاه عبد الرحمن حالة الحزن و الصدمة التي انتابت الكثير بعد وفاه لاعب كرة القدم المصري احمد رفعت منذ شهور قليلة أثناء مباراة في الدوري المصري الممتاز، حيث تعرض لأزمة قلبية مفاجئة على اثناء المباراه، وعلى الرغم من محاولات الطاقم الطبي لإنعاشه، إلا أن هذه الجهود لم تنجح، وتوفي رفعت بعد نقله إلى المستشفى.

السكتة القلبية.. وقائع متكررة

لم تكن واقعة اللاعب أحمد رفعت هي الحادثة الوحيدة، حيث شهدت مصر والدول العربية عددًا من الحوادث المؤسفة التي أودت بحياة رياضيين وهواة أثناء ممارستهم للرياضة، سواء بشكل رسمي أو أثناء اللعب مع الأصدقاء، كان من بينها:

في 22 ديسمبر 2021، توفي مخلد الرقادي، لاعب كرة القدم العماني الذي كان يلعب في مركز الدفاع لنادي مسقط العماني، بعد انهياره المفاجئ خلال عملية الإحماء قبل مباراة فريقه في الدوري العماني، ورغم الجهود المبذولة لإنقاذه، إلا أنه فارق الحياة نتيجة أزمة قلبية مفاجئة.

 وفي ديسمبر 2022، توفي سامي سعيد، مهاجم فريق مطروح بدوري الدرجة الثالثة المصري، أثناء مباراة فريقه أمام السلوم حيث سقط على الأرض فجأة دون أي تدخل من أحد وتم نقله إلى المستشفى، لكن محاولات إنقاذه باءت بالفشل، وجاءت الوفاة نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية.

اما في مارس 2021، توفي عبد الرحمن عاطف، لاعب مركز شباب قنايات، أثناء مشاركته في مباراة لفريقه في دوري القسم الرابع، حيث  سقط فجأة على أرض الملعب، وتبين أن سبب الوفاة هو سكتة قلبية. 

في 31 أغسطس 2006، توفي محمد عبد الوهاب، نجم النادي الأهلي المصري، عن عمر 23 عامًا خلال تدريبات الفريق على ملعب مختار التتش، حييث  تعرض لأزمة قلبية خلال التدريب الصباحي، بعدما سبق وأن عانى من أزمة مشابهة لم يتم تشخيصها بشكل دقيق في ذلك الوقت. 

أثارت كل هذة الحالات السابقة و غيرهم الذين توفوا بشكل مفاجئ اثناء ممارستهم للرياضة سواء كانوا رياضين منتمون لفرق و نوادي رياضية او مجرد هواه يمارسون الرياضة في اوقات فراغهم تساؤل من وقت لأخر عن السبب، لتجيب دراسة صدرت من مؤسسة القلب الألمانية في 29 اغسطس 2020 بأنه يحدث ما بين 0.7 إلى 3.0 حالة وفاة بين كل 100,000 رياضي سنويًا، وان الرجال أكثر عرضة للموت المفاجئ من النساء، حيث يُمثلون 96% من الحالات.

ووفقًا للدراسة الأسباب تختلف حسب العمر؛ فعند الرياضيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، تشمل الأسباب أمراض عضلة القلب والتشوهات الخلقية، بينما عند من تجاوزوا هذا العمر، يُعتبر مرض الشريان التاجي المسؤول عن حوالي 80% من الحالات، حيث تتسبب التكلسات والجلطات في انسداد الشرايين، مما يؤدي إلى نوبات قلبية مفاجئة. 

السكتة القلبية المفاجأة

وقال الدكتور (أحمد صلاح) استشاري القلب والأوعية الدموية، لـ “البوابة نيوز”، إن السكتة القلبية المفاجئة هي السبب الأكثر شيوعًا لحالات الوفاة أثناء ممارسة الرياضة، و أن بعض الرياضيين يعانون من مشاكل قلبية خفية مثل اعتلال عضلة القلب أو اضطرابات نظم القلب، التي قد لا تظهر في الفحوصات العادية، موضحا ان السكتة القلبية المفاجئة تحدث نتيجة خلل في نظم القلب الكهربائي، حيث يتوقف القلب عن العمل بشكل مفاجئ، أحيانًا تكون هذه الحالات ناتجة عن اضطرابات وراثية، أو عن عيوب خلقية في القلب لم يتم اكتشافها مسبقًا، مثل تضيق الصمام الأورطي أو متلازمة "كيو تي" الطويلة، وهي حالات تؤدي إلى اضطراب ضربات القلب.

الإجهاد البدني المفرط

وأضاف استشاري القلب والاوعية الدموية ان النشاط الرياضي المكثف يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الأدرينالين في الجسم، الذي يمكن أن يفاقم الحالات القلبية غير المكتشفة، وهذا الإجهاد المفاجئ يمكن أن يؤدي إلى توقف عضلة القلب، خاصة إذا كان الشخص يعاني من مشاكل قلبية مخفية كالتي ذكرناها.

مقالات مشابهة

  • الأزمة القلبية المفاجئة.. المتهم الأول في وفاة كثير من الرياضيين في شبابهم.. واستشاري قلب وأوعية دموية: بعض الاضطرابات القلبية لا تظهر في الفحص العادي ولا يتم الشكوى منها
  • اعتماد بكالوريوس العمارة بالكلية العلمية للتصميم
  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: بناء الإنسان يقوم على الدين والأخلاق والتمسك بالهوية
  • الأمين العام للبحوث الإسلامية: بناء الأوطان لا ينفك عن بناء الإنسان جسدًا
  • أمين «البحوث الإسلامية»: بناء الأوطان لا ينفك عن بناء الإنسان
  • أمين البحوث الإسلامية: بناء الأوطان لا ينفك عن بناء الإنسان
  • أبو الغيط: إسرائيل خسرت كثيرًا بما فعلته في غزة.. فيديو
  • تعاون مشترك بين جامعة أسيوط ومجمع البحوث الإسلامية لترسيخ أسس التسامح مع الآخر
  • تعاون مشترك بين جامعة أسيوط ومجمع البحوث الإسلامية لترسيخ منظومة القيم والأخلاق