خلال الأسبوعين الماضيين، سادت في إسرائيل تقديرات بأن تل أبيب ستشن خلال أيام هجوما على مواقع إستراتيجية إيرانية، ردا على عشرات الصواريخ التي أطلقتها طهران على أهداف إسرائيلية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مما تسبب في إصابات وأضرار مادية وإغلاق المجال الجوي الإسرائيلي.

وفي ذلك الوقت، أعلن المسؤولون في إيران أن هذا الهجوم يعد ردا على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ومجازرها في غزة ولبنان.

وتذهب تحليلات كثيرة وتقارير إعلامية إلى أن الرد الإسرائيلي على إيران سيكون "حازما وقويا"، بناء على الاجتماعات والمناقشات التي عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، غير أن تقارير تشير إلى مساع أميركية للتخفيف من قوة الرد الإسرائيلي ومنع التصعيد في المنطقة.

10 أسباب

ولبيان طبيعة هذا الرد، والسيناريوهات التي يمكن أن يكون عليها، يوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم الفلاحي -في مقابلة مع الجزيرة نت- 10 حقائق مهمة يمكن أن تشكل أساسا للوقوف على طبيعة الرد الإسرائيلي، وهي:

أولا- البرنامج النووي الإيراني يتوزع على جغرافية واسعة داخل الأراضي الإيرانية، بين ما يقارب 17 موقعا نوويا.

وهذه المواقع تتألف من 4 مفاعلات نووية، و4 مصانع لتصنيع المياه الثقيلة، و4 مراكز أبحاث نووية، و3 مواقع لتخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى موقعين لتصنيع هيكل القنبلة ومفجره.

وهذا يعني أن هذا البرنامج النووي يتوزع على مساحة شاسعة من الأراضي الإيرانية، وهذا الأمر سيخلق تحديا كبيرا جدا أمام القوة الجوية الإسرائيلية، لأنه عندما تم تدمير البرنامج النووي العراقي كان يتواجد في منطقة واحدة، وكذلك في سوريا، ولكن في الحالة الإيرانية فيمكن أن يم تدمير أجزاء من برنامجها في مناطق معينة، أما بقية المناطق الأخرى فستبقى تعمل بفاعلية كبيرة.

ثانيا- إذا أرادت إسرائيل توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني فيجب أن يتزامن معها ضرب منظومات الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ ومراكز الاتصالات ومنظومة القيادة والسيطرة من أجل شل إيران بشكل كامل بحيث تكون غير قادرة على التصدي للطائرات المغيرة.

وهذا يعني أنه يجب على سلاح الجو الإسرائيلي أن ينقسم باتجاهين:

قسم لضرب أهداف عسكرية. قسم لضرب أهداف نووية تصل إلى أعماق أكثر من 70 إلى 100 متر داخل الأرض. الفلاحي: إسرائيل لن تذهب إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني إلا بمشاركة أميركية (غيتي) طبيعة المجال الجوي ثالثا- التحدي الكبير أمام الكميات اللازمة من القنابل القادرة على تدمير هذه المفاعلات.

فهل تستطيع إسرائيل تأمين الكميات اللازمة من هذه القنابل التي يمكنها اختراق هذه المفاعلات وهذه المواقع، بحيث تصل إلى هذا العمق وإحداث التدمير عبر ضربة واحدة؟ أم أنها تحتاج إلى القيام إعادة ضرب هذه المواقع مرتين أو 3 مرات؟

رابعا- إذا أرادت إسرائيل أن توجه هذه الضربة يجب عليها أن تؤمن مراحل عبور الطائرات من إسرائيل إلى الأهداف في الداخل الإيراني، وهذا يعني أنه يجب أن تكون هناك موافقات من الدول التي ستمر هذه الطائرات من خلالها لتنفيذ هذه الضربات.

وهذه النقطة تحديدا ستخلق تحديا كبيرا جدا أمام هذه الدول، إذ إن إيران ستقوم باكتشاف هذه الدول، وقد هددت سابقا بأن الأراضي التي ستستخدم لتسهيل عبور الطائرات الإسرائيلية أو القواعد التي تتواجد عليها ستعد هدفا بالنسبة لإيران، وهذا معناه أننا سنذهب إلى توسعة الصراع في المنطقة بشكل كبير.

خامسا- الطائرات التي ستقوم بهذه الضربة تحتاج إلى التزود بالوقود، وهذا يعني أنه يجب أن تكون هناك أرض صديقة تستخدم أجواؤها من قبل هذه الطائرات للوقوف فيها وتزويد الطائرات بما تحتاجه من وقود.

وهذا يعيدنا إلى مسألة موافقة هذه الدول على استخدام أجوائها لتأمين مظلة جوية للطائرات الإسرائيلية، وهذا سيفرض جهدا جويا كبيرا جدا على إسرائيل في توجيه هذه الضربة.

سادسا- أما تدمير أهداف اقتصادية تتعلق بمنشآت النفط، فإنه قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير في الأسواق العالمية، مما سيؤثر على الانتخابات الأميركية، وقد يؤثر هذا الخيار على استخدام منشآت النفط في دول الجوار بالنسبة لإيران. مناورات إسرائيلية تحاكي توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية (الجزيرة) مشاركة أميركية سابعا- قد يكون هناك إغلاق لمضيق هرمز أو عدم مرور السفن منه، مما سيخلق تحديا جديدا بتوسيع رقعة هذه الحرب إلى نافذة جديدة من التصعيد لتشمل دول المنطقة بشكل أو بآخر. ثامنا- هناك بعض المنشآت التي يمكن لإسرائيل أن تقوم باستهدافها إذا أرادت أن تقوم بعملية المواجهة، وهذا ما أرجحه في عملية الضربة الإسرائيلية لإيران.

فهناك عدد من القواعد الإيرانية والأهداف العسكرية التي يمكن أن تكون الخيار الأمثل لإسرائيل في عملية الاستهداف، لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون قادرة على توجيه ضربة مدمرة للبرنامج النووي الإيراني وهو موزع على مساحة جغرافية كبيرة.

تاسعا- لا توجد إمكانية وقدرة جوية كافية لدى إسرائيل لتنفيذ مثل هذه الضربة مع الأهداف العسكرية، وهذا يعني أنه إذا لم تشارك الولايات المتحدة في توجيه هذه الضربة، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير الملف النووي الإيراني. عاشرا- الانتخابات الأميركية على الأبواب، وأي تصعيد إسرائيلي في المنطقة سيؤثر على هذه الانتخابات بشكل كبير.

ورجح الخبير العسكري أن تلجأ إسرائيل إلى ضرب أهداف عسكرية كما أقدمت إيران على استهداف الداخل الإسرائيلي بضرب بعض القواعد العسكرية.

وختم الفلاحي تحليله للجزيرة نت بأن التحديات كبيرة جدا أمام إسرائيل وتشمل البعد الجغرافي وتوزيع البرنامج النووي الإيراني، والكثافة الجوية التي تحتاجها في تنفيذ هذه الضربة، خاصة أن الطائرات التي يمكن لها أن تحمل هذه القنابل لا تتواجد في إسرائيل بصورة كافية، ولذلك رجّح أن إسرائيل لن تذهب إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني إلا بمشاركة أميركية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات البرنامج النووی الإیرانی هذه الضربة التی یمکن أن تکون یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ضرب النووي الإيراني.. معضلة نتنياهو والحلم الذي يراوده

لطالما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواجهة المشروع النووي الإيراني مرتكزا لسياسته الخارجية والأمنية، فقبل وصوله إلى الحكم بسنوات نشر مقالا عام 1993 حذر فيه من خطر هذا المشروع على وجود إسرائيل.

وعبّر نتنياهو مرارا عن قناعته بأن "التهديد الأكثر خطورة على وجود إسرائيل ليس موجودا اليوم في الدول العربية وإنما في إيران التي ستكون لديها قنبلة نووية في سنة 1999″، مؤكدا أن على إسرائيل العمل بسرعة على وضع حد لهذا الخطر الذي يهدد وجودها.

وخلال سنوات حكمه الطويلة انتهج نتنياهو سياسة تقوم على عنصرين أساسيين في مواجهة المشروع النووي الإيراني، أولهما يقوم على حشد دولي وإقليمي لفرض عقوبات قاسية على إيران تجبرها على التخلي عن مشروعها النووي، وفي حال فشل هذا المسار العمل بصرامة على استخدام القوة العسكرية لتنفيذ المهمة.

تفرد إسرائيل بالقوة

تقوم النظرية الأمنية الإسرائيلية التقليدية على ضمان التفوق العسكري الإقليمي والتفرد بقوة الردع الإستراتيجي النووي، وهي النظرية التي أرسى قواعدها أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، وطبقها من بعده مناحيم بيغن، وينتمي نتنياهو إلى هذه النظرية.

وقد دمرت إسرائيل في عام 1981 إبان حكم بيغن المفاعل النووي العراقي، ثم دمرت في عام 2007 المنشأة النووية السورية خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

وقد غامر نتنياهو مرارا بعلاقاته مع الإدارات الأميركية الديمقراطية بسبب معارضته الدائمة أي اتفاق دولي مع إيران بشأن برنامجها النووي لا يضمن تخلي طهران عن مشروعها، ودخل في مواجهة علنية مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بلغت ذروتها بعد اتفاق دول "5+1" عام 2015 مع إيران حين وجه خطابا شهيرا في الكونغرس الأميركي هاجم فيه إدارة أوباما.

واعتبرت تلك اللحظة مفصلية في تحالف نتنياهو مع الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، وظهر ذلك من خلال النجاح الاستثنائي الذي حققه حين اقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018.

لكن سياسة نتنياهو في دفع إدارة ترامب إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران أدت إلى اتجاه مغاير من طهران التي جعلت من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي فرصة لدفع برنامجها إلى الأمام وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل مطرد أصبحت به "دولةَ عتبةٍ نووية"، وامتلكت المتطلبات الأولية للانضمام إلى النادي النووي الدولي.

ووفقا للوكالة الدولية للطاقة النووية، زادت إيران إجمالي احتياطيها من اليورانيوم المخصب حتى منتصف مايو/أيار 2022 بأكثر من 18 مرة حتى وصل إلى 3809 كيلوغرامات بدلا من 202 كيلوغرام وفق الاتفاق النووي.

حرب الظلال

انتهج نتنياهو مدعوما من المؤسستين الأمنية والعسكرية خيارا وسطا بين الحرب المباشرة على إيران وضرب مشروعها النووي، وبين الاكتفاء بالرهان على العقوبات الاقتصادية، وتمثل ذلك الخيار الوسط بتوجيه ضربات إلى أهداف ومصالح إيرانية في سوريا والعراق وحتى داخل إيران، بحيث لا تتبناها إسرائيل.

وشملت تلك الضربات سلسلة اغتيالات لمستشارين وقادة في الحرس الثوري الإيراني وعلماء ومهندسين مرتبطين بالمشروع النووي الإيراني، أبرزهم محسن فخري زاده في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الذي يعد "الأب للمشروع النووي الإيراني".

وسريعا ما انتقلت حرب الظلال لتصل إلى مبتغاها الأساسي، وهو المشروع النووي الإيراني، وكان من بين هذه العمليات العسكرية اعتداءات كبيرة على منشأة نطنز، وقع الأول في يوليو/تموز 2020، إذ أتى حريق كبير على جزء من منشأة لإنتاج أجهزة التخصيب، وجرى الثاني في أبريل/نيسان 2021، وقد دمر انفجار كبير نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في باطن الأرض.

من جانبها، وجدت إيران أن جبهة البحر إحدى نقاط الضعف الإسرائيلية التي يمكن لطهران من خلالها الرد على استهدافات واغتيالات إسرائيل غير المعلنة، وشنت طهران ما بين 2021-2023 سلسلة هجمات على سفن مرتبطة بإسرائيل كرد على حرب الظلال الإسرائيلية.

لم تشكل نتيجة حرب الظلال إنجازا إستراتيجيا لإسرائيل، فلم توقف المشروع النووي الإيراني ولم تلحق به أضرارا تذكر، كما لم تحقق أهدافها فيما يخص النفوذ الإيراني في المنطقة ومسارات دعم حلفائها بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

تصاعدت الضربات البينية بين إيران وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (غيتي) الخيار العسكري

وقد ولّد ذلك شعورا خاصا عند نتنياهو -الذي عاد للحكم- إلى أن خيارات العقوبات الاقتصادية وحرب الظلال واستهداف حلفاء إيران في المنطقة لن تؤدي في نهاية المطاف إلى دفع إيران للتراجع عن مشروعها النووي، وعلى إثر ذلك بدأت القيادات السياسة والعسكرية الإسرائيلية في الحديث عن الخيار العسكري الإسرائيلي.

وتواجه إسرائيل تحديات فنية عدة أمام الخيار العسكري ضد المشروع النووي الإيراني، ويحتاج الأمر إلى مشاركة أميركية مباشرة في الهجوم، مما يعيد النقاش بشأن الدور الأميركي إلى محوريته الأساسية، فالمسافة الفاصلة بين إسرائيل والمواقع النووية الإيرانية تتراوح بين 1200و1500 كلم، وهي مسافة تحتاج استعدادا عسكريا خاصا على صعيد الطائرات المستخدمة، والراجح أن إسرائيل لا تمتلك القدرات اللازمة لتوجيه هذه الضربة.

وهناك حاجة إلى قنابل هائلة القوة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة المسلحة، والسلاح الوحيد الذي قد يحقق هذا الهدف بشكل معقول هو القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي"، وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة.

الأمر الآخر أن هذه القنبلة لا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بما في ذلك طائرات الجيل الخامس "إف-35" التي تمتلكها إسرائيل، وفي الواقع، فإن هذه القنابل تُحمَل فقط عبر قاذفة الشبح الأميركية "بي-2 سبيريت" التي لا توجد منها سوى 21 نسخة فقط عالميا تُشغَّل جميعا بواسطة القوات الجوية الأميركية.

وتتخطى تعقيدات العملية مسألة القنبلة والتقنيات إلى الحاجة لغطاء سياسي وعسكري أميركي، وقبل ذلك الاتفاق على تقدير الموقف حيال توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية وما سينتج عن ذلك من ردة فعل إيرانية.

مناورات عسكرية إيرانية في منطقة أصفهان خلال أكتوبر الماضي (رويترز) ضربات متبادلة

ومع تصاعد الضربات البينية بين إيران وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أظهرت طهران أن خياراتها في الرد على استهداف مصالحها وسيادتها تجاوزت خطوطا حمرا نشأت عبر سنوات من معادلات الردع المتبادل بين الجانبين.

كما أن أبرز نتائج التصعيد المتبادل بين الجانبين احتياج إسرائيل إلى المنظومة الأميركية والغربية المنتشرة في المنطقة للدفاع عنها أمام الضربات الإيرانية.

وقد أحدثت الضربة الإيرانية الأخيرة -التي جاءت ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والتصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصر الله– صدمة داخل إسرائيل وحلفائها بعد نجاح إيران في توجيه ضربات محددة إلى قواعد عسكرية إسرائيلية، واقتربت بذلك المخاوف الأميركية من الواقع باندلاع صراع إقليمي واسع.

ومما يصعّب الأمر على الولايات المتحدة أن التصعيد الحاصل هذه الأيام يأتي في ظلال عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس قبل عام، إذ يأتي التصعيد كنتيجة لعملية الطوفان واستجابة لها وتطورا في نظريتها ونجاحا لمن أطلقها بتعاظم التحديات أمام إسرائيل في المنطقة ومنعها من كسب الحرب التي تشنها في غزة ولبنان وعموم المنطقة.

نشوة إسرائيلية

وبعد توجيهه ضربة قوية إلى حليف إيران الأبرز في المنطقة (حزب الله) وبدء عملية عسكرية برية في الجنوب اللبناني، وعقب الرد الإيراني الأخير، ومع حالة النشوة التي يشعر بها نتنياهو تصاعدت في الأيام الأخيرة التكهنات بشأن طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على الرد الإيراني غير المسبوق، ومن بين تلك الخيارات المطروحة توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، وهي اللحظة التي انتظرها نتنياهو طويلا.

لكن الأيام الأخيرة التي تلت العملية البرية في جنوب لبنان وأداء حزب الله التصاعدي والذي بدا عليه التماسك قد أعادت نتنياهو إلى مرحلة الحسابات التي حكمت سلوكه حيال هذه القضية لسنوات، فتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية ما زال يحمل التداعيات نفسها في ظل حفاظ حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة على قدرتهم على توجيه ضربات مباشرة إلى العمق الإسرائيلي.

وقد ظهرت هذه الحسابات بالتحفظات التي أبدتها إدارة بايدن بضرورة أن يكون رد إسرائيل منسجما مع مبدئها بعدم اندلاع حرب شاملة وإقليمية في المنطقة، وهي كلمة السر لعدم استهداف مصالح حيوية لإيران، خاصة مشروعها النووي.

وحذر بايدن إسرائيل من استهداف مواقع نووية أو منشآت الطاقة، وقال إن أي رد يجب أن يكون "متناسبا" مع الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل الأسبوع الماضي، مما يعني أنه يعترف بأن هناك ضرورة لرد مضاد.

ورغم تعهدات الولايات المتحدة المتكررة بضمان أمن إسرائيل فإن إصرار إدارة بايدن على عقد مشاورات مع نتنياهو يُظهر أن الطريق ليست معبدا لضربة للمشروع النووي الإيراني كما يحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وبدا ذلك من خلال حديث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي كان "واضحا" مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل تجنب اتخاذ خطوات انتقامية قد تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز، فالتصعيد الذي أحدثه نتنياهو في المنطقة عبر إصراره على استمرار الحرب على غزة وتوسيعها نحو لبنان لم يحسم الحرب مع محور المقاومة ولم يضعفه بالمستوى الذي يجعل من ضرب إيران ومنشآتها النووية أمرا عابرا أو تحصيل حاصل.

حلم يراوح مكانه

تمنح أجواء التصعيد الحالية إيران وحلفاءها الشرعية اللازمة لاستمرار توجيه ضربات إلى العمق الإسرائيلي، مما سيعود بتبعات ثقيلة على إسرائيل خلافا لما يحرص نتنياهو على إظهاره من تفوق عسكري حاسم، وسيدفع ذلك الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية في إطار اضطرارها للدفاع عن إسرائيل.

وفي ظل التعقيد الذي تفرضه الانتخابات الأميركية المقبلة على الإدارة الديمقراطية فإن الذهاب إلى خيار حرب إقليمية يتورط فيها الجيش الأميركي لا يخدم مساعي الديمقراطيين ومرشحتهم للرئاسة كامالا هاريس بالفوز في الانتخابات.

وعليه، فإن الظرف العسكري والتصعيد الحاصل في المنطقة والتعهد الإيراني بتجاوز الصبر الإستراتيجي أمام الاعتداءات الإسرائيلية والتقييم الأميركي بأن ضرب المنشآت النووية الإيرانية سيعني بالضرورة حربا إقليمية لا تريدها الإدارة الديمقراطية، ولذلك فإن أحلام نتنياهو بضرب المشروع النووي الإيراني تراوح مكانها ويعتريها شك كبير.

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: هذا سبب تصاعد ضربات حزب الله وهكذا سترد إسرائيل
  • خبير عسكري: اشتباكات جنوب لبنان التي نشرها جيش الاحتلال “تمثيلية”
  • خبير عسكري: إسرائيل ضربت القيادة والسيطرة الاستراتيجية لحزب الله في مقتل
  • السلطات المصرية تمنع إقامة فعاليات يمنية بعد الفوضى التي احدثتها الجالية باحتفالية سبتمبر
  • خبير عسكري: اشتباكات جنوب لبنان التي نشرها جيش الاحتلال تمثيلية
  • خبير عسكري: حزب الله يستعيد قدرته الردعية في مواجهة إسرائيل
  • كشف آثار الهجوم الإيراني على قواعدها..إسرائيل تمنع صحافياً أمريكياً من العودة إلى بلاده
  • ضرب النووي الإيراني.. معضلة نتنياهو والحلم الذي يراوده
  • خبير عسكري: إسرائيل تحاول عزل شمال غزة وتهجير الأهالي