أعاصير الفساد تدحرج الدولة إلى الهاوية !
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
إنها لمأساة حقيقية أن يكون مصير السودانيين بعد 15/ابريل، التهجير، التشريد، وسلطة فاسدة ، موظفون خونة،
يجعلون ذلك المستقبل يبدو سخيفاً وعبثياً بشكل أساسي.
رغم أن البلاد في العد التنازلي للحرب المدمرة التي دفعت الجميع لإعادة حساباتهم من جديد ، سواء كان السوداني نازحاً أم لا يزال يحتفظ بسقف فوق رأسه وجدران بيته، فإن مستقبله اليوم غامض، مع حجم الفساد المتجذر في أعماق الدولة .
يجب أن تكون إحدى شعارات المرحلة الراهنة، إنهاء الفساد ، وتفعيل الرقابة على الأداء العام ، وان تتوقف القيادة فوراً عن حماية الفاسدين ،حتى وان كانوا في الصفوف الأمامية لمعركة الكرامة .
قضيتنا اليوم تقول: احتجزت الاستخبارات العسكرية بمنطقة البحر الاحمر شحنة سيارات مصممة لمكافحة الشغب ،غادرت ميناء بورتسودان في طريقها إلى دولة “تشاد” المعادية .
اصل الحكاية يعود إلى يونيو/٢٠٢٣، عندما صادرت الجهات المختصة عدد ثلاثة سيارات مصممة لمكافحة الشغب ،تبلغ قيمتها (٩٠٠.٠٠٠) دولار ،استوردتها شركة (ميكوربريشن) لصالح دولة “تشاد” عبر ميناء بورتسودان ، وصنفت كمهملات حسب نص المادة (٥٧) من قانون الموانئ ، وبعد فترة طويلة منحت لشرطة ولاية البحر الاحمر .
للأسف، نجحت جهة ما في مخالفة كل الإجراءات السابقة دون أن يعترضها أحد ، وقامت بتخليص السيارات ، ومن ثم غادرت الشحنة ميناء بورتسودان متجهة إلى دولة “تشاد” المعادية، التي توفر المأوى للمتمردين ، وتفتح حدودها لتدفق المرتزقة لقتال الشعب السوداني في عقر داره.
في دولة تعيش حالة حرب، مع غياب الجهات الرقابية، حيث لا برلمان ، ولا اعلام مهني يكافح الفساد ، ولا حياة سياسية ، يقضم الفاسدون من كعكعة المال العام ما يتعسر عليهم هضمه، كل ذلك يدفعك للنظر إلى مستقبل البلاد من خلال زجاج معتم.
جذر المشكلة تعود إلى أحوالنا، وإلى الهوّة الفاصلة بين الشعب والدولة المؤسساتية ، وبين القول والسلوك. فتقليدياً، قدم الفساد السلطوي الدول العظمى إلى حتفها ، فما بالك بدولة تعاني كلّها افتقاراً إلى المناعة، فهي ضعيفة المؤسسات بل وغير مكتملة ، عميقة الانشطار ، تتقاذفها عواطف وولاءات، إثنية وجماعاتية.
كل ذلك يؤسس للتناقض الرهيب بين شعارات الدولة ومعركة الكرامة، والراهن أنّنا كلّما نتقدم خطوة إلى الأمام ، تجذبنا الأزمات إلى الخلف عدة خطوات ، وكلما رفعنا شعارات ، الممارسة العامة تجعلنا نكتشف خواء المضمون الفعلي للتعبير.
سنعرض في مقالنا القادم ، قضية فساد داخل أروقة المجلس الأعلى للبيئة ، و كيف دمر الفاسدون مؤسسات الدولة ، وتسببوا في حرمان الشعب من أموال ،منح ومشروعات و كيف عرقل الفساد السلطوي عبور السودان إلى الضفة الأخرى.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ماذا يريد العرب والغرب من سوريا الجديدة؟
تقاطرت الوفود العربية والغربية إلى سوريا، من كل حدب وصوب في الآونة الأخيرة، وكأن دمشق أصبحت مزارا سياسيا يؤمّه كل ساعٍ ليس للاطمئنان على أمن واستقرار سوريا، بل للاطمئنان على ما يتناسب وسياساتهم وأهدافهم، فماذا يريد هؤلاء من الإدارة الجديدة؟
الكل يبدي اهتمامه وحرصه، وعقب الزيارة تخرج تصاريح عديدة، منها ما يتحدث عن ارتياح مشوب بالحذر، ومنها ما يعبر عن قلقه، والبعض الآخر يعبر عن خشيتهم من ضياع حقوق الأقليات والمكونات المختلفة للشعب السوري، وبعضهم الآخر يشجع الإدارة الجديدة على ما أنجزته حتى الآن، ولكن يريدون ربط الأقوال بالأفعال. وبدا أولئك القلقون كأنهم حافظون لحقوق الأقليات في بلدانهم وكأن شعوبهم تعيش في أجواء من الحرية والأمن والاستقرار في بلدانهم، ولا يعانون من الاستبداد والقمع، وكمّ الأفواه والتمييز العنصري، وكأن فيض العدالة والمساواة وتمكين المرأة وحقوق الإنسان تعمُّ هذه الفئات هناك في تلك البلدان.
ويبالغ البعض برؤيته للأوضاع؛ فيبدأون بإملاء الشروط وكأن البلاد أصبحت تحت وصايتهم فيرون وجوب إقامة دولة مدنية لا إسلامية، وكأن الإسلام والإسلام السياسي أضحى خطرا على المنطقة والبشرية جمعاء، وأصبحت الداعشية التي ابتدعوها وخلقوها وجلبوها إلى منطقتنا وكأنها الممثل الوحيد والشرعي للإسلام، وهي كمن أوجد "بعبعا" وصار يخافه وأخاف الآخرين منه ومن خطر امتداده، ونسوا أن الإسلام هو دين التسامح وإخاء وعدل ومساواة، ونسوا أو تناسوا أنه لم يُسجّل عبر التاريخ على الإسلام وقادته عارا أو إجراما مثلما سُجّل على طغاةٍ وغزاةٍ تنتمي إلى أعراق وأمم وإثنيات أخرى.
لم تكن الأقليات -في دولة الإسلام وعبر التاريخ- إلا عزيزة كريمة محمية؛ لها من الحقوق كما هي الواجبات. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، لم يُسجّل في تاريخ الإسلام أن أبادوا شعبا بأكمله كما حدث للهنود الحمر السكان الأصليين في أمريكا، ولم يقتلوا الأطفال والنساء حرقا أو بدمٍ باردٍ مثلما فعل الإسرائيليون في غزة، ولم يبد المسلمون الآلاف من المدنيين البريئين بالسلاح الكيماوي أو البراميل المتفجرة أو في المعتقلات مثلما قام به جلادوا نظام بشار الأسد البائد وحلفائه. في واقع الأمر، إن من يشكلون حكوماتهم بأحزابٍ يمينيةٍ ذات مسمّياتٍ دينيةٍ متطرفة، والسكوت عن إبادة مسلمي الروهينغا، وكذلك ذاك الذي يرى "إسرائيل" دولة دينية لليهود فقط لا يحق له الحديث عن دولة مدنية لا دينية.
إن قراءة موضوعية لما يحدث، أو لما يصدر عن هذه الوفود لا نراه قلقا على سوريا وشعب سوريا ومستقبلها، بل نراه سعيا لتكريس الانقسام المناطقي والطائفي في المجتمع السوري؛ لأننا لا نعتبر أن هناك أقليات، بل هناك فسيفساء مجتمعي يشكل شعبا واحدا، ولطالما هتف له السوريون "الشعب السوري واحد".
من جانب آخر، إن الالتفاف الشعبي الواسع الذي عبرت عنه مختلف فئات ومكونات الشعب السوري عقب إسقاط نظام الإجرام الأسدي من خلال المظاهرات والاحتفالات يؤكد هذه اللحمة والتضافر والتماسك للدفاع عن الثورة، والابتهاج بنيل الحرية. لقد مضى نحو الشهر وبضعة أيام على ولادة سوريا الجديدة بقيادتها الجديدة، وسقوط نظام الإبادة والقتل ولم نر إلا وعودا، بل شروطا يجب تنفيذها قبل تقديم الدعم لهذه الدولة، وكأننا أمام سياسة "العصا والجزرة" من جديد، ولعبة إملاء الشروط لاستغلال سعي الإدارة الجديدة لرفع العقوبات عن الشعب السوري ورفع صفة الإرهاب عن مكونات ثورته، كما تفتقت وزيرة خارجية ألمانيا بيربوك المستفزة لباسا وتصاريحا برفقة وزير خارجية فرنسا المستفز أيضا في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقاء أحمد الشرع عندما قالت: "لن تقدم أوروبا أموالا للهياكل الإسلامية الجديدة".
لقد ذكَّرت هذه التصريحات بالوصاية التي تحاول الدول الاستعمارية عادة فرضها على الشعوب من خلال فرض شكل الحكم والنظام ونمط الحياة عليها، فهذه الدول وغيرها تضغط بنبرة فوقية دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، وترهن الاعتراف بالوضع الجديد بمدى استجابة الإدارة الجديدة لشروط هيمنتها وضمان مصالحها.
ومن جهة ثانية، تضغط دولة الكيان المحتل عسكريا من خلال احتلال المزيد من الأراضي السورية واستمرار توسيع ضرباتها العسكرية على ما تبقى من قدرات الجيش السوري تحت ذرائع واهية؛ تدفع الحكام الجدد إلى التسليم بالأمر الواقع، وبدء عجلة التطبيع، وبالتالي إحراج هذه الإدارة أمام شعبها وأمام المكونات السياسية الأخرى، وأمام الشعب الفلسطيني وقواه التي تعول آمالا كثيرة طموحة في مؤازرة ومشاركة سوريا بنظامها الجديد لإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين ونيل الحرية، وهذا يعني خروج سوريا كدولة مواجهة كما خرجت من قبل مصر والأردن ولبنان من حلقات الصراع "العربي/ الإسرائيلي".
وعلى الضفة الأخرى، إن ما لا يراه الغرب والأنظمة العربية الساعية إلى تطويع الإدارة السورية الجديدة تماهيا مع سياساتها؛ نراه يسير بخطى بطيئة، لكنه يتم بالاتجاه الصحيح ويربط الأقوال بالأفعال. فها هي عوامل الأمن والاستقرار تأخذ حيزا هاما من جهد هذه الإدارة لبسط الأمن والسلامة على كافة الأراضي السورية، وملاحقة فلول النظام الساقط درءا للفتنة. وها هو مؤتمر الحوار الوطني على الأبواب بعد قرار تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد الجيد له، وها هي أيضا مراحل تسوية أوضاع من كانوا منضوين تحت عباءة النظام البائد تسير على ما يرام، وها هي القرارات الإدارية والتنظيمية تخط طريقها نحو اقتصاد السوق الحر وباتجاه تأمين الخدمات والحاجات اليومية للمواطن السوري الذي عانى مطولا من فقدها لأكثر من 13 عاما، وكذلك عمليات إصلاح البنى التحتية التي تجري على قدمٍ وساق، أيضا هناك إجراءات فتح المطارات أمام الرحلات الدولية والمعابر مع الدول الشقيقة المجاورة.
وفي منحى هام آخر، تجري عمليات دمج الفصائل المسلحة الثورية تحت مسمى وزارة الدفاع. أما على الصعيد الخارجي فهناك تحرك واسع تقوم به الإدارة الجديدة نحو الدول العربية الشقيقة والصديقة لطمأنة الجميع بأنها ستفي بالتزاماتها الداخلية والخارجية.
بناء على ما سبق، المطلوب إذا أن نعطي فرصة كافية من الوقت لنهوض هذه الدولة من جديد بعد هذا الدمار والانهيار التام لكل المناحي الاقتصادية والخدمية والتعليمية والاجتماعية حتى العسكرية والأمنية منها. والمطلوب من هذه الدول أن لا تغفل إنسانيتها عما يعانيه الشعب السوري من عوز وحاجة، وأن تبادر إلى رفع العقوبات والحصار. إن هذا الانهيار الكبير الذي تسبب به النظام السابق يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والإمكانات، فإذا كانت الولايات المتحدة تحتاج إلى أكثر من سنة لانتخابات الرئاسة فيها وهي دولة عظمى ومستقرة على جميع الصعد، فكم تحتاج هذه الدولة السورية الجديدة الناهضة من بين الركام والدمار من وقت؟
نعم، إن الشعب السوري يحتاج إلى دولة مدنية ديمقراطية؛ يعيش فيها كل أفرادها ومكوناتها المجتمعية ونخبها السياسية بعيدا عن الطائفية والمذهبية، دولة يسودها حكم القانون وينعم شعبها بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، دولة تضمن حرية التعبير والتفكير، دولة ذات مجتمع يحترم المرأة ويمكنها من لعب دورها في بنائه وقيادته، دولة تضمن العيش الكريم لأبنائها بما يحقق طموحاتهم وآمالهم.
إن كل ما سبق يتطلب جهودا جبارة ووقتا كافٍ وثقة بالإدارة الجديدة، ناهيك عن الإمكانات والخبرات غير المتاحة، ويتطلب بالمقام الأول وعيا مجتمعيا للأخطار والدسائس الخارجية التي تتربص بالثورة الفتية والبلد.
إن أية مخاوف شعبية داخلية هي مشروعة ومحقه؛ لأنها ناتجة عن حقبة مظلمة لنظامٍ مجرمٍ لم يترك للحياة من بصيص أمل.
[email protected]