حواء عُمان .. بصمات خالدة في الكتابة الإبداعية
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
يزدان شهر أكتوبر من كل عام بمناسبة وطنية غالية؛ ألا وهي الاحتفاء بيوم المرأة العُمانية، وهي وقفة لتذكر مساهمة المرأة العمانية في مسيرة التنمية، ودورها في جميع نواحي الحياة، وحواء عُمان قد أثبتت جدارتها في النهوض بهذا الدور المركزي، والشواهد ماثلة أمامنا في المجالات العلمية والتربوية والمعرفية، وخصوصًا على مستوى الجوانب الثقافية غير الملموسة مثل الأدب والكتابة والمخطوطات، والتي تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد الإبداعي، وكمورد للميزة التنافسية في الابتكارات ذات الصلة بالموارد الثقافية، والسؤال الأهم هنا هو كيف يمكن تحويل النتاج الإبداعي لحواء عُمان إلى سلسلة القيمة الابتكارية؟
في البدء دعونا نقترب من المشهد المعاصر للابتكارات الثقافية والموجودات الإبداعية، نجد أنه وفي خضم حياتنا المليئة بالتغييرات التكنولوجية والمستقبل الرقمي الذي تتطلع إليه، ومع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقدمها المتسارع في مجال اللغويات، فإن الذكاء البشري ونتاج العقل الإنساني قد اكتسب ميزة الندرة، ولذلك فإن نتاجات الكتابة الإبداعية منشأها في الأصل هو الابتكار، لأنها تجمع بين خيال الكاتب ولغته وتجاربه السابقة، وهذا ما لا يمكن أن تقوم به الآلة التي تعتمد على الخوارزميات والتعلم الآلي، ولذلك فإننا الآن في أمس الحاجة للعودة إلى نتاجات الذكاء الإنساني وتوثيقها والتعلم منها، وخصوصًا كتابات المرأة التي تكتسب أبعادًا عميقة في التعبير ومحاكاة الواقع عبر الصور الأدبية والفنية، وترجمة الأفكار والخبرات إلى قوالب معرفية وفنية، وإسهام المرأة العمانية في الكتابة الإبداعية حاضر وبشكل بارز على المستوى المحلي وكذلك الإقليمي والدولي، وقد نالت العديد من الكاتبات المبدعات التكريم والتقدير في هذه المحافل، وهذا يقودنا إلى أهمية التعلم من نتاجات حواء عُمان في سياق الابتكارات القائمة على الثقافة والإبداع.
فإذا أسقطنا هذه المحاور على مختلف الشخصيات النسائية الرائدة في الثقافة والكتابة الإبداعية في سلطنة عُمان سنجد أن المسيرة الأدبية لحواء عُمان حافلة بالدروس وتزخر بالكثير من المحطات التي تحمل الكثير من العناصر الابتكارية والدروس الملهمة، فهناك مجموعة من الأمثلة التي بدأت مسيرتها الثقافية في الكتابة الشعرية التي لامست موضوعات هادفة وداعمة للتنمية والبناء الوطني، وكذلك هناك تجارب في الكتابة القصصية والروائية والمسرحية، وكتابة المقالات التي ناقشت التحديات المجتمعية بفكر معاصر وموجه للتغيير الإيجابي، هذا بالإضافة إلى النجاح الذي أحرزته حواء عُمان في ترجمة الكتابات الأدبية إلى اللغات الأجنبية والوصول للقراء في جميع دول العالم، ونيل أرقى الجوائز العالمية، وهذا التنوع في مجالات الكتابة لحواء عُمان هو الذي أكسب تجربة الابتكار في النتاجات الثقافية ميزة تنافسية عززت من جدارة الكاتبات العمانيات لنيل التكريم والإشادة في المسابقات المحلية والخارجية.
وعلى المستوى الدولي، فإن التوجه الحالي يشير إلى التركيز على الاقتصاد الإبداعي الذي أثبت أنه المجال الواعد في تحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية من الموجودات الثقافية غير الملموسة، وفي الوقت ذاته هي موارد غير معرضة لمخاطر النضوب، فنتاجات الفكر الإنساني مستمرة وتساهم بشكل كبير في دعم الابتكارات النوعية في الصناعات الثقافية، وذلك بالتركيز على المواهب أو المهارات الفردية، والابتكار الذي يتجسّد في خلاصة الفكر والتجارب الإنسانية، وهي تختلف بشكل كبير عن الابتكارات التكنولوجية التي تخضع للقوانين العلمية، والقواعد الثابتة والنظريات، والتي تتشابه في معظمها، فالمختبرات ووحدات البحث والتطوير تعمل بالمنهجيات العلمية نفسها، وفرصة تحقيق الاختراعات الساحقة تعد قليلة جدًا، كما أن الابتكارات الناتجة عن الجهود العلمية التطويرية والابتكارية تتماثل إلى حدٍ كبيرٍ، وهذا بعكس الابتكارات في النتاجات الفكرية والابداعية التي قلّما تتماثل، وهذا الفارق الاستراتيجي هو أساس تفوق الاقتصاد الإبداعي، وترابطه الكبير مع الاستثمار المؤثر الذي يمثل واحدة من أحدث المسارات المعاصرة في استثمار الأصول غير الملموسة، والذي يهدف إلى تعزيز إحداث التأثير الاجتماعي والبيئي الإيجابي، مع العوائد المالية المنشودة، فالاستثمار في الصناعات الإبداعية لا يمثل أهم القطاعات الابتكارية في وقتنا المعاصر وحسب، ولكنه يتصدر الموجهات الأساسية لاكتساب الميزة التنافسية في عالم سريع التحول، وتقوده التكنولوجيا التي فرضت التشابه والتماثل.
وتتميز تجربة حواء عُمان في الكتابة الإبداعية بالترابط والتكامل بين نماذج الكتابة الوظيفية، والكتابة الإبداعية البحتة التي تمثل رؤى وتجارب فردية، فنجد أن النتاجات الفكرية ذات الطابع الأدبي الكلاسيكي مثل الدواوين الشعرية، والقصص والروايات قد تناولت موضوعات اجتماعية من منظور وظيفي داعم للتوجهات العامة في التنمية والبناء، فهي وإن كانت في قالبها الأدبي إلا أنها قد اكتسبت السمة الوظيفية في مضامينها الهادفة، وأما النتاجات الفكرية الوظيفية مثل المقالات الهادفة فهي كذلك قد استخدمت أساليب ابتكارية ومعاصرة في تقديم المعرفة، وإيصال التجارب المفيدة للقارئ، وبناء الوعي المجتمعي، وتعزيز الأهداف الاستراتيجية، ما يستوجب أهمية بناء جيل من الكاتبات الناشئات بالتعلم من النماذج الرائدة لتجربة الكتابة لحواء عُمان، واكتشاف المواهب الشابة وصقلها وتشجيعها، وكذلك تعزيز ثقافة وممارسة التدوين في المراحل الدراسية المبكرة، فإن مهارات الكتابة هي من أثمن المواهب والمهارات التي تستغرق وقتًا لتطويرها وتمكينها.
إن التحول الكبير الذي تشهده اقتصاديات العالم نحو الاقتصاد المعرفي يفرض أولويات عاجلة على مستوى القطاعات الفرعية الداعمة، وفي مقدمتها الاقتصاد الإبداعي بوصفه محركًا تنمويًا من أجل تحويل الموجودات الثقافية المحلية لمورد اقتصادي وقيمة مضافة، وتعد النتاجات الأدبية والفكرية للمرأة من أهم مدخلات الاقتصاد الإبداعي لامتلاكها الميزة التنافسية المعززة للصناعات الثقافية من جهة، ومن جهة أخرى لدورها الكبير في تعزيز الأصول الفكرية والثقافية والملكية الفكرية المولدة للابتكارات الثقافية والفكرية غير الملموسة، والتي من شأنها تأصيل ركائز الاقتصاد الإبداعي ومسارات اكتساب القيمة من الاستثمار المؤثر، ويستدعي ذلك كله التوقف عند التجارب الرائدة للكاتبات العمانيات، وتعريف الجوانب المميزة فيها، ونقلها للأجيال الناشئة للتعلم من الدروس النوعية التي ساهمت في نجاحها، واستخلاص الميزة التنافسية من حيث المدخلات والنتاجات لتعزيز الكتابة الإبداعية، وضمان استمرار سلسلة القيمة الابتكارية في الثقافة والإبداع.
د. جميلة الهنائية باحثة فـي سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الإبداعی الکتابة الإبداعیة غیر الملموسة فی الکتابة
إقرأ أيضاً:
“معركة بدر” نقطة تحوّل في التاريخ الإسلامي ودروس خالدة في القيادة والتخطيط
المناطق_واس
تعدّ “معركة بدر الكبرى” التي وقعت في اليوم الـ 17 من شهر رمضان من السنة الثانية بعد الهجرة (الموافق 13 مارس 624 م) أول انتصار عسكري كبير للمسلمين، أظهرت قوة الإيمان والوحدة بين المسلمين في مواجهة الصعاب، وشكّلت نقطة تحوّل في التاريخ الإسلامي، ومسار الدعوة إلى دين الله تعالى.
ورصدت عدسة وكالة الأنباء السعودية مشاهد من موقع المعركة التي خلّدها التاريخ الإسلامي، وجرت أحدثها بين المسلمين بقيادة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وجيش المشركين في منطقة بدر 150 كلم – جنوب غرب المدينة المنورة – وما تحويه من معالم طبيعية من كثبان رملية، وساحة وميدان المعركة، ومقبرة شهداء بدر، ومسجد العريش الذي بُني في مقر قيادة النبي – صلى الله عليه وسلم – لجيش المسلمين، خلال المعركة التي عزّزت موقف المسلمين، ودعمت وحدتهم وقوتهم في مواجهة الأعداء المتربصين، وساهمت في توطيد أمنهم، وثبات إيمانهم رغم قلة عددهم وعتادهم، وإيمانهم الراسخ بأن الله ينصر عباده الموحدين.
وتعود خلفية نشوب المعركة التاريخية حين علم المسلمون في المدينة المنورة أن قافلة تجارية كبيرة لقريش بقيادة أبو سفيان، كانت عائدة من الشام محملة بالبضائع، فقرر المسلمون اعتراض القافلة، لاستعادة بعض ما فقدوه من أموال بعد هجرتهم من مكة، لكن أبو سفيان تمكّن من تغيير مسار القافلة، وطلب النجدة من قريش، فخرج جيش من مكة يزيد عن 950 مقاتلاً، مزودين بعتاد، ويضم 100 خيل، فيما كان عدد جيش المسلمين 313 رجلاً بينهم فرسان قليلون، ويتضمن 70 جملاً و2 من الخيل.
وبدأت المعركة بمبارزات فردية، انتصر فيها المسلمون، ثم تطورت إلى قتال عام، حقق خلاله المسلمون نصرا حاسما على الرغم من التفوق العددي لقريش، وذلك بفضل الله تعالى ثم التخطيط الجيد، والروح المعنوية العالية، كما شهدت المعركة نزول الملائكة بأمر الله سبحانه لنصرة المسلمين، كما جاء في القرآن الكريم “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ.
وتجسّد معركة بدر التاريخية أهمية التفاصيل الاستراتيجية، وحنكة المسلمين في ثبات وتعزيز موقفهم قبل وأثناء المعركة، حيث سارع المسلمون إلى السيطرة على آبار الماء في منطقة بدر قبل وصول جيش قريش، وهي نقطة حيوية في منطقة تحيط بها الكثبان الرملية، فبادروا إلى تأمين الآبار الرئيسية، وردم بعض الآبار الأخرى، لمنع عدوهم من الوصول إلى الماء بسهولة، ما أضعف معنويات العدو وجعلهم في وضع غير مريح.
وتضمنت التفاصيل المهمة لمعركة بدر اختيار الموقع الاستراتيجي، إذ اختار النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – موقعا مرتفعا نسبيا قرب الآبار مع وجود الكثبان الرملية خلف المسلمين لتوفر لهم حماية طبيعية، بينما كان أمامهم أرض منبسطة تناسب القتال، وتعيق تقدم العدو المتفوق عدداً، إضافة إلى الاستفادة من اتجاه الشمس التي كانت في ظهر المسلمين وأمام أعين قريش، ما أعطى المسلمين ميزة بصرية، إلى جانب الاستفادة من الظروف الطبيعية مثل هطول المطر في الليلة التي سبقت المعركة ما جعل الأرض أمامهم صلبة وسهلة الحركة، بينما كان المطر في جانب قريش أثقل، ما جعل الأرض طينية، أعاقت تحركاتهم، كما قال تعالى ” إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ”.
وساهم اختيار الموقع المناسب، واستغلال الظروف الطبيعية، والتنظيم الجيد، والتركيز على الروح المعنوية في انتصار المسلمين يوم بدر، رغم تفوق قريش في العدد والعتاد، فلم تكن استراتيجية القيادة التي فرضها النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – مجرد خطة عسكرية، بل كان يدعمها إيمان قوي، وحسابات دقيقة، ما جعلها نموذجا يدرّس في العلوم العسكرية حتى اليوم.
وكانت المعركة الخالدة، شاهدا على حسن التخطيط والقيادة، حيث ركّز النبي – صلى الله عليه وسلم – على الانضباط وتوزيع الأدوار، وتقسيم الجيش الصغير إلى وحدات منظمة، وتعيين قادة لكل مجموعة، كما وضع الرماة في الخلف لتوفير الدعم، بينما كان المشاة في المقدمة لمواجهة الهجوم المباشر، كما شجّع النبي – صلى الله عليه وسلم – الجيش على الوحدة والتضامن، فكان هذا العامل حاسما في تعزيز عزيمة المسلمين وتكاتفهم، وداعماً رئيسيا لنشر الدين والدعوة الإسلامية في مهدها.
وبلغت خسائر المسلمين في معركة بدر الكبرى 14 شهيدا، (ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار) فيما قُتل من قريش 70 رجلا، بينهم قادة بارزون، مثل أبو جهل، كما أُسر المسلمون 70 آخرين، فيما عزّزت المعركة مكانة المسلمين في المدينة المنورة، وساهمت في نشر الإسلام، وتوطيد دولتهم الناشئة آنذاك.