سواليف:
2025-03-06@16:44:10 GMT

تحت الضواء

تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

لربما يندهش المرء من هذه الهبة الغضنفرية للغرب جميعه، انتصارا لكيانهم اللقيط بعد معركة الطوفان، فلم تتخلف دولة أوروبية واحدة، من أشدها عنجهية وعدوانية، الى أكثرها مسالمة وبعدا عن الانخراط في الصراعات، لم تتخلف واحدة عن ترديد الموال الموحد: شجب عملية المقاومة ووصفها بأبشع النعوت، مقابل تبرير أفعال الإبادة الجماعية الانتقامية ضد المدنيين في القطاع.


ألا يدل ذلك على شعورهم بخطر زوال هذا الكيان المكروه، والقائم على أسنة الحراب وليس على منطق الشرعية!؟.
إن أكثر من يحسون بهذه الحقيقة هم قاطنو هذا الكيان، الذين ما هاجروا اليه من أوطانهم الأوروبية إلا طمعا بفعل الاغراءات التي تقدم للمستوطنين، مثلما فعل الأوروبيون الذين هاجروا الى الأمريكتين واستراليا.
الفارق أن تلك الأراضي كانت واسعة مفتوحة، مقابل قلة حيلة أصحاب الأرض الأصليين، وانعدام مناصرين لهم،
لكن الهجرة الى فلسطين مختلفة، فأصحاب الأرض الأصليون الذين جرى تهجيرهم الى الأقطار المجاورة، هم جزء من هذه الأمة العريقة المحيطة بها من جميع الجهات، لذلك فهي تشكل عمقا استراتيجيا ودعما لوجستيا لهم، مما ينفي امكانية افنائهم كما الهنود الحمر، أو اذابتهم في الواقع الجديد المفروض عليهم كسكان استراليا الأصليين.
والعامل الثاني هو أن هذه الأمة التي أكرمها الله بهديه، تتبع عقيدته التي تعز من ينتهجها، وتلغي أية إمكانية للإستسلام والرضوخ للعدو الغازي، مهما كانت قوته وامكانياته.
هذا ما يعلمه الغرب المغتر بقوته وتفوقه العسكري، لذلك يَحذَره، ويستخدم كل امكانياته في محاولة كسر هذا السد المنيع أمام تحقيق أهدافه، وذلك على صعيدين:
الأول السيطرة على الأنظمة السياسية الحاكمة لتركيعها ومنعها من تقديم أي دعم ولا حتى معنوي لرافضي التخلي عن أرضهم لصالح المحتلين، لتيئيسهم وفضهم عن المقاومين.
والثاني منع وحدة الأمة، التي يعلمون أنها ستتحقق عندما يصل من يؤمنون بالله ويتبعون دينه الى الحكم، لذلك تنصب جهودهم على حظر انتهاج الإسلام سياسيا.
ورغم أنهم نجحوا في الأمرين الى الآن، إلا أنهم في قناعاتهم يدركون صعوبة ادامة هذه الحالة، وقلقون من دنو اللحظة التي ستسقط فيها كل تحصيناتهم لهذا الكيان، وهذا يفسر قلقهم وخوفهم عليه.
وأكثرهم قلقا هم قيادات الكيان، لذلك يظهرون دائما لمواطنيهم رباطة الجاش والثقة العالية بقوتهم، مع أنهم في داخلهم يرتعدون فرقا.
يروي “ناحوم غولدمان” في كتابه “المفارقة اليـ.هودية”، قول “بن غوريون” له في عام 1956: “لقد أصبحت على مشارف السبعين من عمري، فلو سألتني عما إذا كان سيتمّ دفني في دولتنا لقلت نعم، فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستبقى هذه الدولة، ولكن إذا سألتني عما إذا كان ابني عاموس سيكون محظوظا بأن يُدفن بعد موته في دولة ي.ـهـ.ودية فسوف أجيبك ربما بنسبة 50٪”. قاطعه غولدمان قائلا: “كيف لك أن تنام مع هذا التوقّع؟”، فأجابه: “من قال لك إنني أذوق النوم يا ناحوم”؟.
عملية الطوفان بددت آمال المستوطنين بقدرة جيشهم على إبقاء النيران خارج ديارهم، فهم يعلمون نقطة ضعفهم الاستراتيجية هي البطن الرخو، وهي أن عاصمة كيانهم لا يفصلها عن الحدود ألا بضعة كيلومترات، لذلك فلا ضمانة لبقاء الأنظمة المحيطة بهم حامية لهم من الاختراق البري، والذي سيحيّد تفوقهم الجوي، الذي يعتبرونه اليد الطولى الرادعة للمحيط المتربص بهم.
ففي استطلاع أجرته قناة “كان” بالتعاون مع معهد “كنتر” بمناسبة مرور سنة على الطوفان، أظهر أن 86% من سكان مستوطنات غلاف غزة يرفضون العودة اليها حتى لو أوقفت الحرب.
وحتى قبل ست سنوات من تلك العملية، قال النتن: ” سأجتهد كي تبلغ دولتنا عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب الي.ـهودي أكثر من 80 سنة”.
ويشاطره “باراك” رأيه ويتخوف مما يسميه (لعنة العقد الثامن)، ويقول في مقالة صحافية في عام 2022 : “التاريخ اليهودي يفيد بأنه لم تُعمَّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة”.
لذلك سيتحول القلق الى رعب مقيم بانتظار النهاية المحتومة، بفعل ثلاثة عوامل حققتها عملية الطوفان: فشل عسكري فاضح في تحقيق الهدفين المعلنين للعملية البرية، وتغيرات هامة في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، ودقة وفاعلية الضربة الإيرانية مع فشل صدها.

مقالات ذات صلة الانقسامات داخل الأردن وبين العرب 2024/10/15

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تحت الضوء هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا

في أحضان ولاية سمائل العريقة، حيث يمتزج عبق التاريخ بسحر الطبيعة، يحتضن وادي محرم أسراره بين ثنايا الجبال الشامخة والنخيل الوارفة. هذا الوادي، الذي كأنه قصيدة نسجتها الرياح بين الصخور، يروي حكايات من الماضي العريق، حيث تتدفق مياهه رقراقة بين البساتين، ناشرةً الحياة في كل زاوية من زواياه.

هنا، في وادي محرم، يعانق الضباب قمم الجبال في الصباح الباكر، وتُطرّز الشمس الأفق بخيوطها الذهبية عند المغيب، فتتحول السماء إلى لوحة من الألوان الزاهية، تعكس سحر هذا المكان الأخّاذ. أما في الليالي القمرية، فتهمس النخيل بأسرارها للنسيم العليل، وتتحول الأزقة الضيقة إلى مسارات للحكايات التي تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.

أما البيوت الطينية العتيقة، فتبقى شاهدة على أصالة الحياة وجمال التقاليد التي لا تزال تنبض في قلب وادي محرم، حيث الألفة تجمع القلوب، والكرم العماني الأصيل يفيض من كل بيت ودار. إنه المكان الذي تنحني له الكلمات احترامًا، وتستسلم له الأرواح عشقًا، ليبقى وادي محرم درةً تتلألأ في سماء سمائل، وملاذًا للروح الباحثة عن الصفاء والجمال.

في قلب وادي محرم، حيث تنساب الحياة بهدوء بين الجبال والسهول والمسطحات الخضراء، يتربع منزل الشاعر أبو مسلم البهلاني كقطعةٍ من الجنة تحتضنها الطبيعة. هذا المنزل، الذي يمتد كحكايةٍ قديمةٍ بين ضفتي الزمن، يقف شامخًا على حافة جبل يُطل مباشرةً على تدفق الوادي، وتحيط به، وبالمنازل التي تُجاوره في حجرة الحصن، نخيلٌ باسقة من ثلاث جهات، مُشكِّلةً بدورها سورًا، كأنها تظلله بأوراقها وتحرس إرثه الشعري من غبار السنين.

حين ينبض الماضي بالحاضر، تنبض الصورة بالحياة. فالتقاء حجرة الحصن ببيوتها العتيقة وأزقتها الضيقة بحلة العوامر التي تزهو بمنازلها الحديثة قد شكّل لوحة بانوراميةً مذهلةً، كأن الزمن قد جمع بين صفحتيه قصتين متناقضتين في الشكل، متكاملتين في الروح. هناك، تتعانق الجدران الطينية التي تحكي تاريخ الأجداد مع الواجهات الحديثة التي تعكس تطلعات الأبناء. تجاور الأزقة الضيقة، التي خطتها الأقدام منذ عقود، الشوارع المتسعة التي تفتح أبوابها للمستقبل، في مشهد يروي حكاية التطور دون أن يطمس ملامح الأصالة. في هذا التلاحم الفريد، تتراءى روح وادي محرم، حيث لا يغيب القديم عن ملامح المكان، ولا ينفصل الحديث عن جذوره، بل يمضي كلاهما في نسيجٍ متناغم، كأن الأرض قد اختارت أن تجمع بين عبق الماضي وحداثة الحاضر في مشهد لا تمله العين، ولا يمله القلب.

لطالما تساءلت منذ طفولتي عن سر جريان الماء في الوادي أسفل منزل أبي مسلم، رغم أن منبعه في وادي العيينة وحلي ولتام قد جف منذ زمن، أهي معجزةٌ ما؟ أم أن هناك سرًا دفينًا يحمله هذا المكان؟! ربما هي دعوات الشيخ الجليل، ناصر بن سالم البهلاني، التي رفعها ذات ليلة عندما كان يخط أبياته تحت ضوء القمر، فاستجابت لها الأقدار، وظل أثرها ممتدًا حتى يومنا هذا. كأن صوته، الذي تردد في جنبات هذا الوادي، قد أرسل صداه لأبواب السماء، ليعودَ لنا على هيئة ماءٍ يتجدد، يسقي الأرض ويحيي القلوب، كما كان شعره يروي الأرواح العطشى للأدب والجمال، وما زال.

في هذا الوادي، لا يمكن للزائر أن يعبر دون أن يشعر بعبق الماضي، حيث لا تزال البيوت الطينية القديمة تنبض بروح الأجداد، وتستظلّ تلك البيوت تحت سماءٍ من الأسقف الخشبية، تُسمى «المربع»، حيث تزينها نقوشٌ من آياتٍ قرآنية تفيض بالبركة، مثل قوله تعالى: (أدخلوها بسلامٍ آمنين)، ليبدأ أهلها رحلتهم إلى هذه المنازل بدعوةٍ من كتاب الله. وفي أرجائها، تظلّ الأسماء والتواريخ محفورة كذكرى، كأنها شاهدٌ على كل لحظةٍ مرت في تلك الأمكنة المباركة، وتقف النوافذ الخشبية المزخرفة بالنقوش العمانية كشهود على تاريخ من الأصالة والعراقة.

في الأزقة الضيقة، تسير النسائم محملة برائحة القهوة العمانية واللبان، تليها رائحة الرخال بالعسلِ والسمن.. الرخال الذي لا تجيده سوى أمُّ العُمانيّ، كأنها تدعو العابرين للجلوس في أحد المجالس المفتوحة، حيث الدفء والأحاديث التي لا تنتهي مع كبار السن.

ما زلتُ أستطيع أن أرى تلك المشاهد، حيّةً كأنها وميضُ حلمٍ لم يبهت بعد. ونحنُ صغارٌ، نركضُ حفاةً على ترابِ وحصوات الوادي، عائدين من حلقة القرآن التي كان يُقيمها جدي تحت ظلالِ الصبارة، هناك عند مدخلِ المحضر، حيث ترسو الحكمةُ في صوته، ويعانقنا دفءُ الكلماتِ السماوية. كانت الريحُ تداعبُ ثيابَنا، ونحن نتسابق، من يصل أولًا إلى بيتنا العتيق، ذلك البيت الذي تتجمعُ فيه نساء الحارة كل عصر، تُملأ جنباته برائحةِ القهوة المُرّة، وصوتِ الملاعقِ وهي تُشكّل اللقيمات والقروص بحبٍ لا مثيل له.

في ذلك المطبخ الضيق جدًا، الذي بالكاد يتسع لخطوات قليلة، كانت قلوبهنّ الواسعة تملأه رحابة. يتراصصن كتفًا بكتف، يضحكن ويتهامسن، كأن المساحة تضيق بجدرانها، لكنها تتسع بألفتهنّ، حيث الحب ينعجن مع الطحين، والدفء يتسرب مع نكهة الزعفران في القهوة.

وفي الزاويةِ، حيث الموقدُ الصغير، كنا ننتظرُ لحظةَ الظفر، نتبادل النظراتِ بترقب، من مِنّا سيحظى بأجملِ الغنائم؟ لعق ما تبقى من قدر الكاسترد، ذلك الذهبِ الحلو الذي يشعلُ صخبَ الفرح في قلوبنا الصغيرة، كأنّه جائزةٌ لمن يفوزُ بسباقِ الذكريات. يا لها من أيامٍ، بقيت عالقةً في زوايا الذاكرة، كأنّها نقشٌ على جدارِ الزمن، لا تمحوه السنين.

في طفولتي، كنتُ كلما غادرنا قريتنا متجهين إلى مسقط، نحو المتنزهات الفسيحة والأسواق الصاخبة والشواطئ الممتدة بلا نهاية، أعود ممتعضة، يملؤني التساؤل: لماذا لا ننتقل إلى المدينة؟ لمَ يُغادر الجميع بينما نبقى عالقين بين أزقة هذه القرية، البعيدة كل البعد عن الخدمات والأماكن الرائعة؟

كنتُ أراقب بيوت الطين العتيقة، التي ظل آباؤنا وأجدادنا متمسكين بها، كأنها كنزٌ ثمين، متجاهلين بريق الحداثة في المدينة، غير عابئين بصخب الحياة التي تملؤها. لكنني، وعندما غادرتُ البلاد لأول مرة، متجهة نحو سكن الجامعة، أدركتُ السر. أدركتُ أن ما كنتُ أظنه قيدًا كان جذورًا، وأن تلك البيوت العتيقة لم تكن مجرد حجارة، بل ذاكرةٌ وحنين. حينها فقط، فهمتُ لماذا بقي آباؤنا هناك، ولماذا يرفضون الانسلاخ عن أرضهم، عن طرقاتها الضيقة التي تحفظ خطواتهم، عن النخيل التي كانت شاهدةً على أعمارهم، عن جدران البيوت التي خبأت أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم الطويلة. عرفت أنها وادي محرم، ببساطة، هي البلاد التي نغادرها ولا تغادرنا.

مقالات مشابهة

  • التهديدات التي تقلق “الكيان الصهيوني”
  • شاهد| أهم الأشياء التي تقي من التأثر بالضلال
  • نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • رعب الجبهة اليمنية يتواصل .. “الكيان” ينهار بين مخرجات “الهدنة” والتزاماتها وفاتورة تفجيرها
  • حماس: نرحب بخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية
  • المحيبس.. لعبة رمضان التي يجتمع عليها العراقيون (صور)
  • وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا
  • نيابة عن رئيس الدولة .. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • ألمانيا تطالب “الكيان” برفع القيود الفورية على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • ألمانيا تطالب الكيان الصهيوني برفع القيود على دخول المساعدات لغزة