طريق التكامل والتعاون والسيادة
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
سالم بن محمد العبري
تأتي زيارات وزير الخارجية الإيراني للمنطقة العربية كدليل امتداد وثبات لسياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودليل قاطع وبرهان ساطع على أن إيران الإسلامية تنحو بتوجهاتها منذ قيام ثورتها المباركة، واستلامها الحكم في فبراير عام 1979، بقيادة تلك الشخصية الإسلامية العظيمة الإمام آية الله الخُميني، تنحو إلى بناء منطقة عربية إسلامية في هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي وإلى المحيط الهندي، ومن حدود روسيا الممتدة في قارتين شمالًا، وحتى الصحراء الكبرى، وأدغال أفريقيا جنوبًا -إن لم نَقُلْ- كُلّ أفريقيا؛ لأن أفريقيا تَنْضَمُّ -إن لم نَقُلْ- تَنْتَسِب للإسلام والعروبة؛ مما يجعلها جزءًا أصيلًا من المنطقة التي أعني.
حين تقود المنطقةَ سياساتٌ صحيحةٌ عادلةٌ، وتتولى قيادة المنطقة قيادات مُؤَلِّفة صالحة مصلحة عادلة، هذه المنطقة الكبيرة بمساحتها (حيث تربو على 20 مليون كم)، ومناسبة بعدد سكانها (حيث يربو على نصف مليار نسمة)، والمختزنة والمنتجة لكل الثروات؛ زراعية، وتعدينية، وبترولية -غازية ومائية- ولموقعها الوسطي في الكرة الأرضية؛ لذا فهي مطمع لكل الامبرطوريات التي وُجِدَتْ في الكون عَبْرَ مسيرة التاريخ البشري المُسَجَّل في الرسومات، أو بالكلمات، هذا وقد سال لعابها على منطقتنا تعاملًا بالحسنى، أو استعمارًا.
ومما أذكر للأستاذ أمين بسيوني- رحمه الله- مدير إذاعة صوت العرب، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بمصر، لما جمعتني به جلسة خاصَّة؛ حيث حَدَّثَنِي باستفاضة عن تاريخ هذه المنطقة والامبرطوريات التي سعت للسيطرة عليها، وكيف أنها مَطْمَعُ ومَقْصَدٌ لكل القوى الإمبريالية التي تسعى لبناء قوة عالمية لكي تُسَيْطِرَ على هذه الجوهرة من العالم، ولعل الأستاذ أمين كان يُمَثِّلَ أمين الأمة، وهو يُحَدِّثُنِي حديث القلب للقلب، وفي فترةٍ بَدَت أنها حُبْلَى بالأحداث.
نعم هذه هي المنطقة، وهذا حالها، نِعْمَةٌ ونِقْمَة؛ نعمةٌ حين يُدْرِكُ القادةُ أن كُلَّ واحد منهم مأكول حين يؤكل الثور الأبيض، وإن كان ثورًا أسود لا شية فيه، فَيَبْنُوا أوطانًا، ومنطقةً تُمَثِّلُ الجسد الواحد إذا اشتكي فيه عضو تَدَاعَتْ له سائر الأعضاء بالسَّهَرِ والحُمَى، كما في الحديث النبوي الشريف.
هكذا أَدْرَكَتْ كُلُّ دول الحضارات السابقة والدولة الإسلامية؛ بل ودولها الجزئية، وهكذا هُزِم الاستعمار الصليبي، وكذا نظر محمد علي وهو يحاول إقامة دولة مصرية عربية، وقبلها كانت الدولة العُمَانية بقيادة «اليعاربة»، ومن أعقبهم، وهكذا كانت هادفية الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، وشكري القُوَّتْلِي؛ لمواجهة إسرائيل بصورة جماعية.
ومن هنا تأتي النظرة الإيرانية الإسلامية منذ نجاح الثورة، وقيام الدولة، لولا أن العرب تَصَمُّ آذانها، حين يأتيها منادٍ منها، وتفتح آذانها وعقولها للغو العدو الظاهر والباطن الذي «يُعْطِيكَ من طرفِ اللسان حَلَاوةًن ويَرُوغُ مِنْكَ كما يَرُوغُ الثَّعْلَبُ»، وزُيِّنَ ذلك الكلام غير المنطقي حين ساد أنَّ كُلَّ الأوراق (99%) بيد أمريكا، وأن السلم، والأمن، والنمو، والرفاهية، مُتَحَصَّلَة بالسلام مع الكيان الاستعماري (إسرائيل)؛ لذلك قُوبِلَت الثورة الإسلامية بالرفض، والحروب العسكرية، والكلامية المذهبية، ولم يُسْتَمَع لرأي العُقَلَاء من السَّاسَة العرب من عُمان، وسوريا، والجزائر، وشُنَّتْ حروب الكلام، وانتفع الكُتَّابُ المرتزقةُ الذين يكتبون بمستوى ما يُعْطَوْنَ، ولعل من أولويات ما كُتِبَ مطلع الثمانينات من القرن الماضي لشيخٍ نحترم علمه وعقله ومكانته، ورُبَّمَا لا تزال زوايانا تخنزن كُتَيِّبَهُ ذلك، وأظن أنه لو كان يملك الأمر قُبيل وفاته لأحرق تلك الوريقات، كما فعل الشاعرُ الفلسطينيٌّ عَلِيُّ هاشم رشيد، حين تَخَلَّصَ من أشعاره التي بها مَدْحٌ للبعض، والمدح المذموم هو مثل الكتابة المأجورة.
حين نَتَتَبَّعُ مسيرة كل الرئاسيات الإيرانية، نجد أن كلها سَعَت لإرساء توجهات صالحة مصلحة، جامعة مُوَحِّدَة، تعمل على التآلف لا التخالف، والاجتماع لا التفرق، وتَبَيَّنَ أن الفُرقة يريدها الأعداء، ويعملون على إشاعة روايات منافقة ضالّة مُضَلِّلَة، غاياتها بعثرة الأمة؛ لتبقي مُفَكَّكَة مرعوبة ممنوعة من البصيرة، وعَمَّقَ تلك الأجواء بعضُ المسئولين العرب الذين لا ينظرون إلا بعين الأعشى، فهم في الحقيقة غير مُؤَهَّلين لتولي مسؤلية، فكيف إذا كانوا يرسمون توجهات لعلاقات وأحداث المنطقة المتجاورة منذ بَدْء الخليقة وإلى يوم الدين، وبينها من الأواصر والتاريخ المشترك مكانيًّا، وزمانيًّا، وعقائديًّا، واجتماعيًّا أسبق، وأوثق، وأعمق، وأنقى، وأطهر من علاقات أمريكا بكل العالم؛ لذلك كنت أقول للبعض: إن تحصين الأمة من أن تُعَاد تلك الحقبة السوداء التي بدأت من بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عام (1991)، وتَوَلِّي عديمو الضمائر أمور الشئون الخارجية، وعصبة المال، وتبادل الهدايا والمنافع، كنت أقول على الحقوقين العرب والمسلمين أن يقيموا محاكمة معنوية لتلك الفترة السوداء التي أَتَتْ باتفاقية أوسلو ووادي عربة، وإلغاء قرار اعتبار الصهيونية، وإلغاء المقاطعة العربية الفاعلة لإسرائيل، وترويج إقامة العلاقات العربية مع هذا الكيان الدخيل على الوطن، والأمة، والعقيدة.
نعم يأتي الحِراك الإيراني –اليوم- في ظِلِّ مقاومةٍ عربيةٍ في غزة، والضفة، ولبنان؛ مقاومةٌ تُثْبِتُ بتضحياتها، وثباتها، واقتدارها أحقية وحتمية الوقوف معها إسنادًا بالسلام، والحرب إن أَبَتْ القوى الاستكبارية أن تنصاع لمنطق العدل والشرعية الدولية فيوقفوا العربدة الإسرائلية، وينصاعوا معًا للقرارات الدولية منذ القرار (194)، وحتى القرارات الجديدة المصاحبة للحرب الحالية.
إنَّ التكامل والتعاون وبناء منظومة أمنٍ، وسيادةٍ، وتنميةٍ مُشتركةٍ مَرْعِيةً ومَبْنِيَّةُ من الجميع لمصلحة الجميع، وتنمية متوازنة شاملة مُحَدَّدَة بنُظُمٍ ومَواثيقَ صحيحة هي المدخل لما تدعو له إيران، و قبلها مصر، وسوريا، وكل المفكرين، والكُتَّابِ العَرَب.. فإلى مُحَدِّدَات ذلك في القادم بعون الله تعالى.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الغرف العربية: 200 مليار دولار قيمة الاقتصاد الرقمي في المنطقة بحلول 2025
أكد الدكتور خالد حنفي، أمين عام اتحاد الغرف العربية، أن هناك علاقة تاريخية متميزة تستند إلى قرون من الاحترام المتبادل والتبادل التجاري والثقافي جمعت فرنسا والعالم العربي واليوم، تتجاوز هذه العلاقة حدود التجارة التقليدية لتشمل تطلعات مشتركة نحو بناء مستقبل مستدام وشامل لشعوبنا.
وأضاف حنفي، خلال "الجلسة العامة الكبرى" التي عقدت ضمن أعمال القمة الاقتصادية الفرنسية العربية الخامسة "تعزيز مكانة فرنسا في العالم العربي"، في العاصمة الفرنسية باريس خلال الفترة، 11-12 ديسمبر 2024 تحت رعاية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وحضور رؤساء وأعضاء مجالس ادارات الغرف واتحادات الغرف العربية وممثلي المؤسسات الاقتصادية والمالية العربية والفرنسية ورجال أعمال من الجانبين، وشخصيات رسمية عربية وفرنسية، أن البلدان العربية عمدت في الفترة الأخيرة إلى تنويع شركائها ضمن أسواقٍ عالمية غير تقليدية.
وشدد حنفي، على سرعة وتيرة التغيرات في الدول العربية، داعيا الجانب الفرنسي إلى متابعة هذه التغيرات وفهمها قبل فوات الأوان .
وأوضح أن فرنسا تعد شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به للعالم العربي ففي عام 2022، بلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الدول العربية حوالي 30 مليار يورو، بينما وصلت قيمة الصادرات العربية إلى فرنسا إلى نحو 21 مليار يورو وهذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي دليل على الفرص الاقتصادية والوظائف التي تسهم في تعزيز الاقتصادات المحلية والإقليمية".
وتابع: شهدنا تعاونًا قويًا بين فرنسا والعالم العربي في قطاعات متعددة مثل الطاقة والبنية التحتية والتحول الرقمي والزراعة. حيث تعد المنطقة العربية موطنًا لبعض أكبر مشروعات الطاقة المتجددة في العالم، مثل مشروع الهيدروجين الأخضر في السعودية بقيمة 5 مليارات دولار. وتمثل الخبرة الفرنسية في هذا المجال حجر الزاوية في تحقيق هذه الطموحات. ومع تنويع الاقتصادات العربية، ننظر إلى فرنسا كداعم استراتيجي يقدم خبرة ورؤية في مجالات الطاقة المتجددة، العمل المناخي، والتكنولوجيا. هذه القطاعات لا تعزز النمو فحسب، بل تشكل ركائز أساسية لبناء اقتصادات مرنة ومستعدة للتحديات المستقبلية.
واعتبر أن العالم يشهد تغيرات جذرية تفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين فرنسا والعالم العربي. أحد هذه المجالات الواعدة هو التحول الرقمي. إذ مع وجود أكثر من 60% من سكان العالم العربي دون سن الثلاثين، فان هناك حاجة ملحة لحلول رقمية متطورة. ومن المتوقع أن تصل قيمة الاقتصاد الرقمي في المنطقة إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2025. وهذا النمو يخلق فرصًا للتعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والتكنولوجيا المالية".
وشدد على أن الاستدامة تعد هدفًا مشتركًا، إذ تتخذ العديد من الدول العربية خطوات ملموسة نحو التنمية المستدامة. وعلى سبيل المثال، التزمت كل من الإمارات والسعودية بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عامي 2050 و2060 على التوالي. وهنا تلعب فرنسا دورًا محوريًا من خلال تقديم استثمارات في التكنولوجيا الخضراء ونقل المعرفة. ومع أننا مازلنا نواجه بعض التحديات مثل تغير المناخ واضطرابات سلاسل التوريد وحالة عدم اليقين الاقتصادي. ولكن بالتعاون الوثيق، يمكننا التغلب علىيها وخلق حلول مبتكرة تخدم مصالحنا المشتركة.
وأوضح الدكتور خالد حنفي أن العلاقات الفرنسية - العربية لا تقتصر على التعاون الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الروابط الثقافية والتعليمية. وهذه الروابط التي تعززت عبر قرون من التبادل الثقافي والتعليم، أسهمت في إثراء مجتمعاتنا. وفي هذا الإطار يولي اتحاد الغرف العربية أهمية خاصة لهذا الجانب من خلال تعزيز الشراكات مع الجامعات والمؤسسات البحثية الفرنسية. وبهذه الطريقة، نستثمر في تنشئة جيل جديد من القادة القادرين على تشكيل مستقبل مشرق.
وقال : الشراكة بين فرنسا والعالم العربي تمثل نموذجًا للتعاون المبني على القيم المشتركة والاحترام المتبادل. وفي ظل التحولات العالمية، بات من الضروري أن نغتنم الفرص المتاحة لتعزيز هذا التعاون وبناء أسس أكثر قوة لمستقبل مشترك لذلك دعونا نعمل معًا كحكومات، وشركات، ومجتمعات مدنية من أجل خلق مستقبل يُحقق فيه النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة توازنًا مثاليًا ومستقبل تصبح فيه شراكتنا رمزًا للقوة والتقدم بما يعود بالنفع على شعوبنا.