ماذا تعني إسرائيل بتغيير الترتيب في لبنان؟!
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
يجب أخذ التصريحات الإسرائيلية عن إعادة ترتيب الشرق الأوسط من بوابة الحرب على لبنان بقدر من الجدّية. الخطط لذلك موضوعة على الطاولة، وما يجري الآن يُذكّر بمشروع المحافظين الجدد، فترة ولاية بوش الابن، باستكمال إعادة تشكيل الشرق الأوسط بمحاولة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 2006، وهو المشروع الذي بدأ مع غزو العراق في العام 2003.
الظرف اليوم بالنسبة للأمريكان يبدو مواتيا بنحو أحسن، صحيح أنّ الرعب قد لفّ المنطقة بعد ضربات 11 أيلول/ سبتمبر، وقد غزت الولايات المتحدة العراق خارج إطار الأمم المتحدة، وأظهرت غضبها الكاسح، وانعكس ذلك خوفا وهلعا، لتبدأ التحولات الأكثر عمقا وخطورة في النظام الإقليمي العربي، بالمزيد من التبعية المخزية للولايات المتحدة. في هذه الأجواء طرحت المبادرة العربية للتطبيع مع "إسرائيل"، وتُرِك ياسر عرفات ليموت بالسمّ والحصار في المقاطعة في رام الله، ولم يجد حزب الله من الرسميين العرب في مواجهته لآلة الحرب العدوانية الإسرائيلية سوى وصف مواجهته للاحتلال بالمغامرة غير المحسوبة، إلا أنّ ذلك كلّه كان البدايات.
تأتي هذه الحرب لتكون حربا أمريكية، ليس فقط لأنّ الخطط الأمريكية لهذه المنطقة قديمة ومعلنة وجرت محاولات دامية لإنفاذها، ولكن أيضا لأنّ موقع "إسرائيل" في المنطقة باتت أهميته تتجاوز كونها ذراعا للإمبراطورية الأمريكية في المنطقة، إذ إنّ تسوية أمور هذا الذراع باتت ضرورية لخدمة أهداف الهيمنة الأمريكية في العالم
تبدو هذه البدايات قد وصلت نهاياتها من قبل عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فالعلاقة مع "إسرائيل" انتقلت من عرض مشروط للتطبيع بإنهاء الاحتلال في إطار امتصاص الغضب الأمريكي بعد أحداث أيلول/ سبتمبر، إلى تحالف تطبيعيّ معلن، وما ليس معلنا مندرج في إطار الخطة التصفوية للقضية الفلسطينية، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتبنّاها بايدن وأعلن عن خطته لاستكمالها من خلال التطبيع السعودي/ الإسرائيلي ومدّ الخطّ التجاري من الهند مرورا بالإمارات والسعودية والأردن، وصولا لـ"إسرائيل" المحطة الأخيرة قبل الوصول إلى أوروبا. تأتي الخطّة الأمريكية مع بايدن، والحالة هذه، في سياق خطة كونية لإطباق الهيمنة على العالم، بمحاصرة المنافسين الكبار وعلى رأسهم الصين. لا تعود "إسرائيل" القضية الأساس الوحيدة، أي تغيير الشرق الأوسط لصالحها فحسب، ولكنّها باتت قضية أساس مندرجة في قضيّة أساس أكبر وهي إطباق الهيمنة الأمريكية على العالم، وضمان المستقبل لصالح هذه الهيمنة.
بخلاف ما توقّع كثيرون، تأتي هذه الحرب لتكون حربا أمريكية، ليس فقط لأنّ الخطط الأمريكية لهذه المنطقة قديمة ومعلنة وجرت محاولات دامية لإنفاذها، ولكن أيضا لأنّ موقع "إسرائيل" في المنطقة باتت أهميته تتجاوز كونها ذراعا للإمبراطورية الأمريكية في المنطقة، إذ إنّ تسوية أمور هذا الذراع باتت ضرورية لخدمة أهداف الهيمنة الأمريكية في العالم، سواء في المواجهة الدائرة في أوروبا الآن (الحروب الروسية الأوكرانية) أو محاولة تطويق الصعود الصيني. فالاعتقاد بأنّ الانشغال الأمريكي بالملفات الأخرى سيجعلها غير معنية بحرب في الشرق الأوسط هو اعتقاد خاطئ، وما يقال عن كون نتنياهو لا ينصاع للولايات المتحدة، غير صحيح، فخلافات نتنياهو مع إدارة بايدن تبقى في الإطار العام المحتمل، وفي ضوء السياسات العريضة المتفق عليها، وما سوى ذلك يمكن تسويته كأيّ خلاف على طاولة شركاء متحدين! الدور الأمريكي على هذه الطاولة الآن هو الترشيد وإنضاج الظروف وتحسين الشروط لصالح الإسرائيلي.
يعني ذلك أنّ هذه الحرب هي حرب المؤسسة الأمريكية، أي حرب ما يسمّيه البعض بالدولة العميقة، وهذه الإدارة -إدارة بايدن- الوجه المثالي لهذه المؤسّسة، ومن جهة "إسرائيل" فالأمر ليس مجرد محاولة لتطبيق خطط موضوعة، وإنّما محاولة في خطوط متوازية لتحقيق إنجاز ما.
ثمّة خطّ لتعويض العمق الاستراتيجي الضيق لـ"إسرائيل" باحتلال مساحات داخل لبنان. إنّ مفهوم "العمق الإستراتيجي" من أهمّ المفاهيم المتحكمة بالنظريات الأمنية الإسرائيلية، وكانت الحلول الإسرائيلية تتراوح بين احتلال أراض في بلاد عربية أخرى، ويبقى لبنان في طليعة هذا الهدف، أو تغيير النظام في تلك البلاد. والمقصود بتغيير النظام، تغيير الموقف السياسي للنخبة الحاكمة، وقد يكون احتلال الأراضي مدخلا لتغيير موقف النخبة الحاكمة، أو في أقل الأحوال النصر الحاسم مدخلا لتغيير موقف النخبة الحاكمة. (احتلال سيناء فكامب ديفيد فتحويل سيناء إلى عمق للاحتلال بالسلام مثالا).
بالتأكيد للحرب الإسرائيلية أهداف دنيا معروفة، كفرض الاستسلام على حزب الله بدفعه لفكّ جبهته عن قطاع غزّة، أو إعادة مستوطني الشمال، أو شرط وقف إطلاق النار على لبنان بأن يضغط الحزب على حماس للقبول بصفقة تبادل أسرى بالشروط الإسرائيلية. هذه الأهداف الدنيا معلومة ومعروفة ويجري تداولها إسرائيليّا، ولكنها تبقى أهدافا دنيا، وليست مطروحة للأفق القريب، ولا أدلّ على ذلك من اغتيال "إسرائيل" للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بعد موافقته على وقف مؤقت لإطلاق النار مدة 21 يوما لا يبدو أنّه في حدوده المؤقتة يشمل قطاع غزّة، ولم تمنع هذه الموافقة من اغتيال الأمين العام للحزب، بما أنّ الحرب ما تزال محتملة من "إسرائيل"، فهي حرب تدور على الأطراف، والخسائر يمكن احتواؤها، والولايات المتحدة جاهزة للتعويض، والنظام الإقليمي العربي قد وصل النهايات المطلوبة التي بدأت مع احتلال العراق عام 2003، بما في ذلك سوريا، التي تبدو وكأنّها خارج الزمن تماما الآن.. فلماذا لا يستمرّ فيها الإسرائيلي وصولا لتغيير النظام، أي تغيير الوضع السياسي في لبنان بما يخرج الحزب من المعادلة ويخرج لبنان نفسه من الصراع تماماإذ لم يكن لـ"إسرائيل" المغرمة بالاستعراض أن تفوّت هذه الفرصة، إلا أنّ الهدف يتجاوز الاستعراض، وهو العمل على تحييد التحدّي الاستراتيجي الذي يمثّله الحزب، لتأتي عملية الاغتيال في سلسلة الضربات المكثفة التي أرادت شلّ الحزب وإفقاده توازنه.
وبما أنّ الحرب ما تزال محتملة من "إسرائيل"، فهي حرب تدور على الأطراف، والخسائر يمكن احتواؤها، والولايات المتحدة جاهزة للتعويض، والنظام الإقليمي العربي قد وصل النهايات المطلوبة التي بدأت مع احتلال العراق عام 2003، بما في ذلك سوريا، التي تبدو وكأنّها خارج الزمن تماما الآن.. فلماذا لا يستمرّ فيها الإسرائيلي وصولا لتغيير النظام، أي تغيير الوضع السياسي في لبنان بما يخرج الحزب من المعادلة ويخرج لبنان نفسه من الصراع تماما، ويعوض بذلك الإسرائيلي جانبا من مشكلة ضيق العمق الإستراتيجي بنظام سياسي موال له في لبنان، وينطلق من ذلك إلى جانب الولايات المتحدة، والنظام العربي المندرج في الخطة، لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وصولا إلى إيران؟!
هنا تأتي أهمّية الداخل اللبناني، والتعويل على خلخلة الحالة اللبنانية لصالح الخطّة الإسرائيلية، وحصار الحزب بين فكّي كمّاشة، واحدة إسرائيلية وأخرى لبنانية داخلية مع ضمور التأثير السوري كما هو واضح. ولا ينبغي الغفلة عن كون الاجتياحات الإسرائيلية للبنان، في الأعوام 1978، و1982، كانت مع وجود الحرب الأهلية اللبنانية ووجود قوى مستعدّة بالكامل للتعاون مع "إسرائيل"، وهو ما حاولت "إسرائيل" استثماره في اتفاق 17 أيار/ مايو 1983 الذي أبرمته مع الحكومة اللبنانية في حينه؛ والذي ينصّ على السلام بين لبنان و"إسرائيل" بما يضمن أمن هذه الأخيرة. إنّ هذا يدعو للكثير من الاهتمام بالخطابات والفعاليات السياسية الجارية، وكذلك لبعض أشكال العدوان الإسرائيلي على لبنان، كالمجزرة التي اقترفها الإسرائيلي في بلدة أيطو قضاء زغرتا أخيرا.
هنا علينا أن نستدرك بنقطتين، الأولى: أن الطموحات الإسرائيلية ليست حتمية النفاذ، والثانية: أنّ الخطط الإسرائيلية تدور في رحم التكتيك، وهذا جوهر معنى الخطوط المتوازية، فما يجري حتّى الآن عمليات تجريب وجسّ نبض وبحث عن الفرصة الممكنة للانطلاق منها، فالأمر دون أن تكون تلك الرؤى والخطط والطموحات نظرية استراتيجية تمثّل أساسا صلبا لكلّ ما يجري.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الحرب لبنان حزب الله لبنان إسرائيل غزة حزب الله الحرب مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمریکیة فی الشرق الأوسط تغییر النظام ة الأمریکیة فی المنطقة فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط على المقاس الإسرائيلي!
الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على سوريا ولبنان، تؤكد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقوم بتغيير شامل للمنطقة بأكملها، وأن لديها مشروعا للتوسع يتضح بشكل أكبر يومياً، حيث تريد إسرائيل خلق مناطق نفوذ واسعة لها في المنطقة برمتها، وهو ما يعني بالضرورة انتهاك سيادة الدول المجاورة والاعتداء على وجودها.
أبرز ملامح التوسع الإسرائيلي في المنطقة تجلى في المعلومات التي كشفتها جريدة «معاريف» الإسرائيلية، التي قالت إن الطيران الإسرائيلي رفض منح الإذن لطائرة أردنية كانت تقل الرئيس الفلسطيني محمود عباس نحو العاصمة السورية دمشق، واضطر الرئيس عباس للسفر براً من الأردن إلى سوريا، للقاء الرئيس أحمد الشرع، كما أن الصحيفة كشفت بذلك أيضا، أن القوات الإسرائيلية هي التي تسيطر على المجال الجوي لسوريا وتتحكم به. وفي التقرير العبري ذاته تكشف الصحيفة، أن وزارة الدفاع الأمريكية بدأت تقليص وجودها العسكري على الأراضي السورية، وهو ما يعني على الأغلب والأرجح أنه انسحاب أمريكي لصالح الوجود الإسرائيلي الذي بات واضحاً في جملة من المناطق السورية.
إسرائيل استغلت سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي وتوغلت فوراً داخل الأراضي السورية، كما قامت بتدمير ترسانة الأسلحة السورية، وسبق تلك الضربات الكبيرة التي تعرض لها حزب الله اللبناني، وما يزال، والتي تبين أن لا علاقة لها بمعركة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث اعترفت أجهزة الأمن الإسرائيلية، بأن عمليتي «البيجر» و»الوكي توكي» كان يجري الإعداد لهما منذ سنوات، وإن التنفيذ تم عندما اكتملت الإعدادات، وهو ما يعني أن الضربة التي تلقاها حزب الله كانت ستحصل لا محالة، سواء شارك في الحرب، أم لم يُشارك، حيث كان يتم التخطيط لها إسرائيلياً منذ سنوات. هذه المعلومات تؤكد أنَّ إسرائيل لديها مشروع للتوسع والهيمنة في المنطقة، وأنَّ هذا المشروع يجري العمل عليه منذ سنوات، ولا علاقة له بالحرب الحالية على قطاع غزة، بل إن أغلب الظن أن هذه الحرب كانت ستحصل لا محالة في إطار مشروع التوسع الاسرائيلي في المنطقة.
إسرائيل تقوم باستهداف المنطقة بأكملها، وتقوم بتغييرها، وبتدوير المنطقة لصالحها، وهذا يُشكل تهديداً مباشراً واستراتيجياً لدول المنطقة كافة، بما في ذلك الدول التي ترتبط باتفاقات سلام معها
الهيمنة الإسرائيلية على أجواء سوريا، والاعتداءات اليومية على لبنان واليمن ومواقع أخرى، يُضاف إلى ذلك القرار الإسرائيلي بضم الضفة الغربية، وعمليات التهويد المستمرة في القدس المحتلة، إلى جانب تجميد أي اتصالات سياسية مع السلطة، من أجل استئناف المفاوضات للحل النهائي.. كل هذا يؤكد أن المنطقة برمتها تتشكل من جديد، وأن إسرائيل تحاول أن تُشكل هذه المنطقة لصالحها، وتريد أن تقفز على الشعب الفلسطيني ولا تعتبر بوجوده.
خلاصة هذا المشهد، أن إسرائيل تقوم باستهداف المنطقة بأكملها، وتقوم بتغييرها، وتقوم بتدوير المنطقة لصالحها، وهذا يُشكل تهديداً مباشراً واستراتيجياً لدول المنطقة كافة، بما في ذلك الدول التي ترتبط باتفاقات سلام مع إسرائيل، خاصة الأردن ومصر اللذين يواجهان التهديد الأكبر من هذا المشروع الإسرائيلي الذي يريد تهجير ملايين الفلسطينيين على حساب دول الجوار، كما أن دول التطبيع ليست بمنأى هي الأخرى عن التهديد الإسرائيلي الذي تواجهه المنطقة.
اللافت في ظل هذا التهديد أن العربَ صامتون يتفرجون، من دون أن يحركوا ساكناً، إذ حتى جامعة الدول العربية التي يُفترض أنها مؤسسة العمل العربي المشترك لا تزال خارج التغطية، ولا أثر لها أو وجود، كما أن المجموعة العربية في الأمم المتحدة لم تتحرك، ولا يبدو أن لها أي جهود في المنظمة الأممية من أجل مواجهة هذا التهديد الإسرائيلي.