حراك سياسي في لبنان| مطالب بحل أزمة الشغور الرئاسي.. فهل يُولد الأمل من رحم المعاناة؟
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
يمر لبنان بأزمة شغور رئاسي منذ عامين، زادتها تعقيدًا التطورات الأخيرة في المنطقة، خاصة بعد اندلاع حرب غزة، والحرب الإسرائيلية على لبنان أيضًا، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تشهد الساحة السياسية اللبنانية تحركات مكثفة للخروج من هذا الجمود، حيث يتقاطع الحراك الداخلي مع تدخلات دولية تدفع نحو إيجاد حل لأزمة الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد يعيد التوازن لمؤسسات الدولة.
وفي ظل التوترات الإقليمية والسياسية التي تحيط بلبنان، يبقى التساؤل حول ما إذا كان بإمكان البلاد استغلال هذه الأزمة لإعادة بناء مؤسساتها وتحقيق استقرار دائم، فالأزمة الحالية قد تكون فرصة لإعادة توحيد الصفوف وبناء مستقبل جديد للبنان يقوم على التوافق الوطني.
حراك سياسي في لبنانحراك سياسي في لبنانفي خطوة غير متوقعة، أبدى نبيه بري، الذي كان يربط سابقًا بين الحوار الرئاسي والحرب، مرونة في مواقفه، مؤكدًا ضرورة التوافق على رئيس يتمتع بمواصفات قادرة على الحفاظ على التوازنات السياسية في لبنان.
وأكد بري في اجتماعاته مع النواب والمسؤولين أن الأولوية القصوى هي انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن.
وتتزايد التوقعات بحدوث "انفراجة" في أزمة الشغور الرئاسي، مع تصاعد الحديث عن توافق بين الأطراف السياسية، بحسب ما أشار إليه نواب حضروا اجتماعات مع بري، كما يعزز هذا التوجه الاجتماعات المستمرة مع القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك كتلة الاعتدال الوطني ولقاءاته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط.
وبدأت التحركات الجادة تجاه انتخاب رئيس تكسر حالة الجمود التي سادت المشهد السياسي في لبنان، تصريحات بري الأخيرة بعد اجتماعه مع ميقاتي، والتي أشار فيها إلى ضرورة التوافق على رئيس توافقي، تُعد خطوة هامة في ظل الأوضاع الحالية، خاصة مع تصاعد التوترات العسكرية في جنوب لبنان.
هل تكون حرب لبنان نقطة تحول نحو الوحدة وسد الفراغ السياسي؟| خبير يعلق لبنان.. ارتفاع ضحايا مجـ ـزرة بلدة أيطو إلي 23 شهيدًاوتتقدم جهود اللجنة الخماسية، التي تضم مصر، السعودية، قطر، الولايات المتحدة وفرنسا، كأحد أبرز المساعي الدولية لدفع عجلة الحل السياسي في لبنان، وفي اجتماع عُقد مؤخرًا، السبت، بمشاركة مصر، تم بحث سبل الخروج من مرحلة الجمود الرئاسي، اللجنة شددت على ضرورة عدم ربط الاستحقاق الرئاسي بتطورات الجنوب أو المنطقة ككل، رغم أن بعض المراقبين يرون صعوبة فصل الملف اللبناني عن تلك التطورات.
وشهد التنسيق بين السعودية وفرنسا حراكًا متجددًا يحمل احتمالات إطلاق جولة دبلوماسية جديدة في بيروت، وكان المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، قد زار السعودية والتقى بعدد من المسؤولين، من بينهم نزار العلولا، مستشار الديوان الملكي السعودي والمكلف بملف لبنان، لبحث سبل حل الأزمة الرئاسية، خاصة في ظل التوترات القائمة في جنوب لبنان وتداعياتها على الوضع السياسي.
وعلى الصعيد الداخلي، أثارت مبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، اهتمامًا واسعًا، حيث فتحت باب النقاش حول تغييرات دستورية قابلة للتنفيذ، هذه المبادرة تلقت اهتمامًا من الأوساط السياسية الداخلية والخارجية، في وقت أعرب فيه رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، عن أمله بأن تثمر جهود اللجنة الخماسية في تسريع انتخاب رئيس جديد.
وجاءت معطيات مشجعة من بعض السفراء المشاركين في اللجنة الخماسية، حيث أشاروا إلى عدم ضرورة ربط الانتخابات الرئاسية بالأحداث الجارية في غزة أو جنوب لبنان، وفي خطابه الأخير بمناسبة ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، شدد بري على أن الاستحقاق الرئاسي لا ينبغي أن يكون مرتبطًا بالوضع الأمني في المنطقة.
وتتزامن هذه الجهود مع زيارات منتظرة للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إلى بيروت، بهدف تحريك ملف الانتخابات الرئاسية وتهدئة الأوضاع في جنوب لبنان، رغم هذه الجهود، يبقى هناك تردد حول إمكانية انتخاب رئيس في 2024، مع استمرار التعقيدات الناجمة عن حرب غزة.
هل تتولد انفراجة من رحم الأزمة؟من جانبه، أوضح المحلل السياسي الدكتور خالد شنيكات، أن لبنان كدولة صغيرة في المنطقة، يتأثر بشدة بالقوى الإقليمية والدولية، ويتضاعف هذا التأثير بسبب الانقسامات الداخلية في المجتمع اللبناني، والتي تتفاقم بفعل النظام السياسي الطائفي السائد.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البد”، أن الدول الكبرى، مثل إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران، تمتلك أهدافًا متباينة في لبنان، بينما تحاول القوى المحلية إيجاد حلول للمشكلات المعقدة التي يواجهها البلد، ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في أن لبنان يُدار على أساس طائفي وليس كدولة موحدة، حيث تتصرف كل طائفة ككيان مستقل، مما يعوق تحقيق الشراكة الوطنية.
وتطرق شنيكات إلى أهداف إسرائيل في لبنان، موضحًا أنها تسعى إلى نزع سلاح حزب الله وإضعاف أي مقاومة قد تواجهها، سواء من الحزب أو من أي جهة أخرى، كما تهدف إلى تعزيز سيطرة الجيش اللبناني ليكون الجهة الوحيدة التي تتعامل معها إسرائيل، بدلاً من التعامل مع الفصائل المختلفة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتشارك هذا الهدف مع إسرائيل، حيث تعمل على فرض ما تسميه "هيبة الدولة" على جميع الأطراف اللبنانية، مع التركيز على إضعاف حزب الله كجزء من هذا المسعى.
وأوضح شنيكات أن هذا الملف يمثل تحديًا كبيرًا للبنان فاختيار رئيس الجمهورية يعتمد بشكل كبير على موقفه من المقاومة، فإذا كان مؤيدًا لها، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيرفضونه، بينما يسعى حزب الله إلى دعم رئيس يوفر له الغطاء اللازم لاستمرار مقاومته، هذا التعقيد يجعل من الصعب التوصل إلى توافق حول شخصية الرئيس الجديد، ما يعمق أزمة القيادة في لبنان.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: لبنان حرب غزة الشغور الرئاسي بري اللجنة الخماسية مصر السعودية قطر الولايات المتحدة فرنسا الحل السياسي الولایات المتحدة انتخاب رئیس جنوب لبنان فی لبنان
إقرأ أيضاً:
في عيدها التسعين.. فيروز صوت الأمل في زمن الحرب
في ظل الحرب والأزمات التي تعصف بلبنان، يحيي اللبنانيون، الخميس، الذكرى التسعين لميلاد فيروز، الصوت الذي تخطى حدود الزمان والمكان ليصبح رمزا فنيا خالدا يربط بين الأجيال.
صوت فيروز، الذي شكل جزءا لا يتجزأ من الذاكرة اللبنانية، ما زال حاضرا بقوة في وجدان الشعب، وعلى الرغم من الظروف الصعبة، لم يتوان اللبنانيون عن التعبير عن محبتهم وتقديرهم لهذه القامة الفنية الاستثنائية، عبر الاحتفاء بميلادها من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
جمعت فيروز بأغنياتها اللبنانيين، رغم الانقسامات السياسية والطائفية التي مزقتهم. واليوم، في ظل دوي المدافع وصخب الصواريخ، يكتسب صوتها بعدا معنويا أقوى من أي وقت مضى، مستحضرا ذكريات لبنان الحلم الذي يتوق إليه أبناؤه.
وتسببت الغارات وعمليات القصف الإسرائيلية على مختلف أنحاء لبنان والمواجهات بمقتل أكثر من 3540 شخصا منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم منذ بدأت حملة القصف الإسرائيلية العنيفة في 23 سبتمبر.
سردية وطنية تتحدى الزمنيصف نقيب الفنانين المحترفين السابق، جهاد الأطرش، فيروز، واسمها الحقيقي "نهاد وديع حداد" بأنها "الأرزة الأكبر في هذا الوطن، والصوت الأعظم فيه"، مؤكدا أنها زرعت في نفوس اللبنانيين حب الوطن والانتماء إليه، ويقول "لم نسمع أغنية بصوتها إلا وخشعت قلوبنا لهذا الصوت الذي وهبها الله إياه".
ويضيف الأطرش في حديث لموقع "الحرة" أن "صوت فيروز يحمل معاني الحياة والسلام، ويجمع في محبته جميع أبناء الوطن. عندما نستمع إلى أغانيها، نستحضر القمر، والليل، والسهر، والشرفات المزينة بالفل والياسمين، وكل تفاصيل لبنان الجميل".
وفي ظل الظروف الراهنة، حيث تشتد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، يشدد الأطرش "كم نحن بحاجة إلى أن يعيدنا صوت فيروز إلى بعلبك وصور والنبطية وكل المدن والمناطق اللبنانية".
من جانبه يؤكد الناقد الفني محمد حجازي أن عيد ميلاد فيروز يتجاوز كونه احتفالا شخصيا ليصبح عيدا للبنان بأكمله، ويوضح قائلا في حديث لموقع "الحرة" أنه "على مدى 49 عاما، منذ عام 1975 وحتى اليوم، كانت فيروز بصوتها رمزا لوحدة اللبنانيين. لقد استطاعت أن تؤكد للجميع أنها تنتمي إلى كل لبنان، دون الانحياز لأي طرف، كما أثبتت وطنيتها الحقيقية عندما رفضت الهجرة وبقيت في بيروت رغم الظروف الصعبة."
ومنذ انطلاقتها في خمسينيات القرن الماضي، حجزت فيروز أو كما يلقبها محبوها "جارة القمر"، مكانة استثنائية كأيقونة فنية في العالم العربي، وأصبحت صوت الصباح الذي يحمل الأمل لبدايات الجديدة.
فن خالديحمل صوت فيروز "الأمل الذي يشجع الإنسان على السير في طريق تحقيق الهدف رغم كل الصعوبات والمطبات"، كما يقول الأطرش، موضحا أن "الهدف الأسمى هو حب لبنان، والانتماء إليه، ودعم جيشه ومؤسساته"، مشيرا إلى أنه "كان قديما يقال، إن مصر تكتب، ولبنان يطبع، والعراق يقرأ. كنا في هذا العالم العربي مثلثا ثقافيا لا مثيل له في أي مكان في العالم، وهو ما نطوق إليه الآن".
غنت فيروز للحب والحياة، وللوطن لبنان، تغنت بسهوله ووديانه وجباله وتلاله وكرومه، مقدمة في أغانيها حكايات تسرد فصولا من تاريخه. في أغنيتها "بحبك يا لبنان"، خاطبت وطنها الجريح معبرة عن مشاعر كل لبناني ينتمي لهذه الأرض، فيما أصبحت "لبيروت" نشيدا يحمل أوجاع الشعب اللبناني وأحلامه.
ومن بين أغانيها الوطنية التي تركت أثرا عميقا في الذاكرة، "وطني يا جبل الغيم الأزرق"، و"خطت قدمكن"، "ع اسمك غنيت"، و"لبنان يا أخضر لونك حلو".
أحيت فيروز العديد من الحفلات والمهرجانات في لبنان ومدن عربية وعالمية، وقد ارتبط اسمها ارتباطا عميقا بقلعة بعلبك، إحدى أبرز المعالم الأثرية في لبنان. فقد كانت هذه القلعة التاريخية شاهدة على العديد من حفلاتها التي تركت أثرا لا ينسى في ذاكرة جمهورها، حيث أضافت الأبنية الرومانية الضخمة وجمال الموقع العريق بعدا خاصا لصوتها.
كما تميزت مسيرتها بتقديم المسرحيات الغنائية، التي أصبحت جزءا أساسيا من تاريخ الفن اللبناني، وقد جمعت هذه المسرحيات بين جمال الكلمة، وسحر اللحن، وقوة الأداء التمثيلي، ومن أبرزها "ميس الريم"، "هالة والملك" و"المحطة".
كما تألقت فيروز في عالم السينما، فقدمت مجموعة من الأفلام التي حققت نجاحا باهرا، أبرزها " فيلم بياع الخواتم"، و" سفر برلك" و"بنت الحرس".
استطاعت فيروز وفق ما يقوله حجازي أن تكسب جمهورا واسعا في العالم العربي واحترام العالم بأسره، ويشدد "يكفيها فخرا أنها رفضت الذهاب للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين زار لبنان، فزارها هو شخصيا في منزلها، هذا حدث استثنائي يعكس مكانتها العظيمة، ويؤكد أن الفنان عندما يكون كبيرا في بلده، يصبح كبيرا في العالم".
كما استطاعت أن تبقى حاضرة في قلوب الناس طوال هذه العقود، لأنها كما يقول حجازي "تعاونت مع اثنين من أعظم العباقرة في تاريخ الموسيقى العربية، الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، فأعمالها تتحدث عن قضايا نعيشها الآن، وكأن الرحابنة تنبآ بالمستقبل. على سبيل المثال، أغنيتها "هون رح نبقى"، وكأنها كتبت لتواكب الأزمات الحالية، رغم أنها صدرت قبل أكثر من خمسين سنة".
كذلك يستحضر الأطرش، الأخوين الرحباني، اللذين صاغا موهبتهما الفنية في صوت فيروز، ويقول "قدما لهذا الوطن أجمل الأعمال، وأعادا لنا صورة لبنان الذي لا نزال نحلم به، خاصة في هذه الأيام الصعبة"، ويؤكد "أنا وكل اللبنانيين، نقول إن لبنان الحلم هو لبنان الرحابنة ولبنان فيروز. نرجو أن ينهض الوطن من هذا الدمار، كما نهضنا دائما مع كلمات الرحابنة وألحانهما التي عمقت حبنا وانتماءنا للبنان".
اليوم، في زمن الحرب والنزوح، يجد اللبنانيون عزاءهم في صوت فيروز وأغانيها التي تحاكي بيوتا غادرها أصحابها قسرا، وأطفالا حرموا من طفولتهم، وأشجارا تفتقد من كانوا يحيطون بها.
فيروز، التي يرافق صوتها اللبنانيين في كل لحظاتهم، سواء في الفرح أو الحزن، هي أكثر من مجرد فنانة، فكما وصفها الشاعر محمود درويش "هي الأُغنية التي تنسى دائما أن تكبر، هي التي تجعل الصحراء أصغر، وتجعل القمر أكبر".