رغم تسليم أربيل نفطها إلى بغداد.. ماسبب تأخير مستحقات الاقليم؟
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
أكد مقرر اللجنة المالية السابق والعضو في الحزب الديمقراطي أحمد الصفار، أن السياسة المالية في العراق غائبة ولاتوجد شفافية في السياسة النقدية، فيما اشار الى ان هنالك اشكالية جديدة بين بغداد واربيل تتعلق بقضية الايرادات غير النفطية، حيث تريد اربيل تسليم 50% منها، فيما تريد بغداد الحصول على كامل الايرادات.
وقال الصفار في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” إن “الدستور العراقي والقوانين المالية فيها مطاطية وقابلة للاجتهادات والتفسيرات، ولايوجد عمل لحسن استخدام المال العام، وخير دليل هو لايوجد التزام بالتوقيتات الدستورية بخصوص الموازنة”.
وأضاف أن “الموازنة هي الأضخم بتاريخ العراق وانتهت السنة المالية ولايمكن صرف المبلغ الكبير خلال الأشهر المتبقية من السنة الحالية”.
وأشار إلى أنه “الوضع المالي في العراق ينعكس على العلاقة المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان ووجود مواد مطاطية في الدستور تتعلق بتفسير المواد الخاصة بتصدير النفط والغاز”.
وبين أن “الملف النفطي أصبح تحت سيطرة الحكومة الاتحادية، وهناك عدم التزام بنص الدستور والوثيقة الموقعة لتشكيل الحكومة”.
ولفت إلى أن “الخلاف الآن حول الإيرادات غير النفطية ما يتعلق بالضرائب والكمارك والأمور لأخرى، ووفقا للقانون فأن 50% تذهب للمحافظة التي يقع فيها المعبر الحدودي”.
واستدرك: “لكن الحكومة الاتحادية تريد أن تحصل على كل الإيرادات ثم تقوم بإرسال 50% للإقليم والمحافظات الأخرى”، مبينا ان “هذا الذي أدى لتأخير بإرسال حصة إقليم كردستان من الموازنة، ويجب إرسال الرواتب وعدم ربطها بهذه الأمور، كون حكومة الإقليم محرجة الآن أمام المواطنين”.
المصدر: وكالة تقدم الاخبارية
إقرأ أيضاً:
العراق: عندما تتحول سلطات الدولة إلى إقطاعيات!
أرسل القضاة التسعة الذين يتولون مجلس المفوضين في المفوضية العليا «المستقلة» للانتخابات في العراق، كتابا الى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير 2025، يتعلق بانتهاء وِلايتهم القانونية، ورغبتهم في الاستمرار بعملهم!
وقد رد مجلس القضاء الأعلى بكتاب يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2025 بأنه بما أن ولاية مجلس المفوضين هي 5 سنوات «قابلة للتمديد بناء على طلب «مجلسكم» (أي مجلس المفوضين) وتعذر حصول موافقة مجلس النواب على التمديد بسبب عدم انعقاد جلسة مجلس النواب ولتجنب الدخول في حالي فراغ دستوري أو قانوني، ولضمان اجراء الانتخابات في موعدها، قرر مجلس القضاء الأعلى، بالاتفاق، تمديد عمل مجلس المفوضين لمدة سنتين. «وفي حال وجود رؤية سياسية بغير ما تقدم بإمكان مجلس النواب وبما يمتلكه من صلاحية تشريعية تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»!
وقد اجتمع «قضاة» مجلس المفوضين في اليوم نفسه وقرروا «بالإجماع» استمرار «أداء مهامهم القانونية» لغاية انتهاء مدة التمديد «المشار اليها في كتاب مجلس القضاء الأعلى»!
وفي سياق هذه «السلاسة» في الطلب وفي القرار، لم يسأل أي من «القضاة» في مجلس المفوضين، وفي مجلس القضاء الأعلى، أنفسهم عن السند الدستوري أو القانوني لكل ما جرى! أو عن العلاقة بين هيئة مستقلة بموجب الدستور، وبين مجلس القضاء الأعلى لكي تكون هناك مخاطبات «إدارية» فيما بينهم! ولم يسألوا أنفسهم أيضا كيف يمكن لمجلس القضاء الأعلى أن يتحول إلى جهة تشريع! أو كيف يمكن للطرفين الضرب عرض الحائط بقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذي رسم آلية محددة للتمديد!
كانت فكرة الهيئات المستقلة جزءا من النموذج الذي أراد الأمريكيون تطبيقه في العراق فيما يتعلق بالفصل بين السلطات، وأن تكون هذه الهيئات بعيدة عن السلطة المباشرة للسلطتين التنفيذية والتشريعية معا. وقد أفرد الدستور العراقي، لاحقا، لهذه الهيئات مكانة خاصة، حين عدها واحدة من السلطات الاتحادية منفصلة عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. إلا أن هذه الاستقلالية تم إنكارها مبكرا، ولم تستطع البنى الذهنية للنخب السياسية العراقية أن تتسق مع هذه الفكرة؛ ففكرة السلطة في ذهن الطبقة السياسية في العراق تعني ضمنا الهيمنة، لذلك انتهى الأمر إلى محاولات إنكار استقلالية هذه الهيئات وتحويلها، بشكل منهجي، إلى ممثليات للأحزاب المهيمنة، ثم وُئدت هذه الاستقلالية «الدستورية» تماما بقرار مسيس من المحكمة الاتحادية رقم 88 لسنة 2011، الذي جردها من صفة الاستقلالية وجعلها تابعة للسلطة التنفيذية!
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واحدة من هذه الهيئات؛ فباستثناء الدورة الأولى التي شكلها الأمريكيون أنفسهم بموجب الأمر رقم 92 الذي أصدرته سلطة الائتلاف المؤقتة في 31 أيار/ مايو 2004، أي قبيل نهاية ولايتها وتسليم مهامها للحكومة المؤقتة، أما بقية الدورات الثلاث التي تشكلت في الأعوام 2007 و 2012 و2017، فقد كانت مجرد ممثليات للأحزاب المهيمنة على مجلس النواب لحظة تشكيلها!
وقد شُرع قانون جديد للمفوضية عام 2019، في سياق علاقات قوة جديدة، وتقرر أن يتكون مجلس المفوضين هذه المرة من 9 قضاة، يتولى مجلس القضاء الأعلى «اختيار» 7 منهم وفقا للمحاصصة الطائفية (خمسة شيعة واثنان سنة) فيما يرشح مجلس القضاء في إقليم كردستان العضوين الكرديين الباقيين، وأن تكون ولاية المجلس 4 سنوات غير قابلة للتمديد (المادة 7 أولا). لكن مجلس النواب شرع تعديلا على القانون (القانون رقم 34 لسنة 2023) مدد بموجبه هذه الولاية لتكون 54 شهرا تبدأ من تاريخ 7 كانون الثاني 2020 (المادة 1). ثم شرع قانونا لتعديل هذه الولاية مرة أخرى (القانون رقم 13 لسنة 2024) لتصبح 60 شهرا تنتهي في 6 كانون الثاني/ يناير 2025 «قابلة للتمديد بناء على طلب مجلس المفوضين وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب».
وبذلك يكون «قضاة» المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قد وجهوا كتابا إلى «غير ذي صفة» (وهو هنا مجلس القضاء الأعلى) بموجب التوصيف القانوني، يطلبون فيه التمديد لولايتهم. كما أن
«قضاة» مجلس القضاء الأعلى قد خالفوا نصا قانونيا صريحا يعطي صلاحية تمديد ولاية مجلس المفوضين لمجلس النواب حصرا، فالتشريع لا يلغى إلى بتشريع. وأصدروا كتابا غير قانوني بالتمديد دون أن يكون لهم صلاحية اصداره في الأساس، فقد انتحلوا بهذا صفة المشرع!
وحين يعمد «قضاة» محكمة التمييز، وقضاة «الصنف الأول» إلى التلاعب بالنظام السياسي، ويخالفون نصوصا قانونية صريحة، ويحولون أنفسهم إلى سلطة تشريع، فثمة مشكلة حقيقية هنا تتعلق بالقضاء العراقي عموما، وبمدى مهنية قضاته، ومدى التزامهم بالدستور والقانون، وهو ما يلقي ظلالا سوداء قاتمة على قرارات هذا القضاء، بما فيه المحكمة الاتحادية العليا التي تحدثنا مرارا عن عدم مهنيتها، وقراراتها التابعة لمزاج الفاعل السياسي الشيعي الأقوى!
والمشكلة، حقيقة، تتجاوز القضاء هذه المرة، لتطال مجلس النواب الذي يفترض أنه السلطة الأولى في الدولة بموجب الدستور، وبالتالي لا يمكن له أن يسمح لمجلس القضاء الأعلى أن ينازعه صلاحياته الدستورية! وتطال أيضا رئيس الجمهورية الذي يُفترض أن «يسهر على ضمان الالتزام بالدستور»!
لكن الجميع يعرف أن الحاكم في العراق هو علاقات القوة وليس الدستور أو القانون، وعلاقات القوة وحدها هي من تفسر كيف أصبح مجلس القضاء الأعلى إقطاعية خاصة، وتجاوز صلاحياته وتحول إلى سلطة تشريع؛ فهذه ليست المرة الأولى التي يقوم بانتهاك الدستور والقوانين، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد. والجميع يعرف أن لا أحد في جمهورية الخوف، سيمتلك الجرأة للاعتراض على هذا القرار، بل سيتواطأ الجميع على الصمت!
سبق أن كتبت متهكما أن على الدولة العراقية أن تقوم بتعديل المادة الأولى من الدستور العراقي لتقرأ كالآتي: «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري (قضائي) ديمقراطي. ومجلس القضاء الأعلى ضامن لوحدة العراق» بدلا من « جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق» ولكني اقترحه اليوم جادا تماما، وأجزم أن هذا التعديل سيحظى بالأغلبية المطلقة، إن لم يكن بالإجماع، في مجلس النواب العراقي!
القدس العربي