سألت صحيفة "The Guardian" البريطانية "كيف يمكن للبنان أن يعالج علاقته المتشابكة والمختلة مع حزب الله من دون العودة إلى الصراع الطائفي الداخلي؟ يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اتهمه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، أنه يملك الإجابة: يجب على اللبنانيين "تحرير" لبنان من حزب الله.

وقال في خطاب مصور: "لديكم فرصة لإنقاذ لبنان، قبل أن يسقط في هاوية حرب طويلة ستؤدي إلى الدمار والمعاناة كما نرى في غزة". إن نتنياهو، الذي يرفض الاتهامات التي وجهتها إليه المحكمة الجنائية الدولية، يهدد علناً بفرض نفس التكتيكات العسكرية المدمرة التي استخدمت في غزة على الشعب اللبناني. وإذا كان راغباً حقاً في مساعدة اللبنانيين على التعامل مع حزب الله، فإنه لن يأمر جيشه بغزو جنوب لبنان وبالتالي إعادة إحياء الحزب".
وبحسب الصحيفة، " إن نتنياهو يعرف تاريخه جيداً، ولكنه يختار تجاهله: فقد وُلد حزب الله جزئياً لمقاومة احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، والذي بدأ في عام 1982 ولم ينته إلا في عام 2000. وإذا منح نتنياهو الحزب هذا العذر مرة أخرى، فسوف يجد وسيلة لإعادة تجميع صفوفه من خلال تجنيد أفراد من الطائفة الشيعية التي لن تقبل احتلالاً إسرائيلياً آخر. وحتى لو لم تحتل إسرائيل الأراضي اللبنانية هذه المرة، فمن غير الممكن أن يتمكن اللبنانيون من نزع سلاح حزب شبه عسكري أقوى كثيراً من الجيش. وإذا حملت الطوائف اللبنانية السلاح ضد حزب الله، فإن العودة إلى الحرب الأهلية، التي شهدها لبنان من عام 1975 إلى عام 1990، سوف تكون مؤكدة تقريباً".
وتابعت الصحيفة، "لكن على الرغم من أن اقتراح نتنياهو أجوف وساخر، فإنه لا يغير من حقيقة أن حزب الله بات يشكل عبئا كبيرا على لبنان منذ عام 2000. لعقود من الزمن، أصر الحزب على أنه وحده القادر على حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي، وقد عزز طرد الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان قبل 24 عاما من هذا الادعاء. ولكن منذ مغادرة إسرائيل، لم يكن الدور العسكري لحزب الله فعالا ولا شرعيا. فقد فشل في ردع الهجمات الإسرائيلية، بل إن أفعاله أدت حتى إلى أعمال عدائية إسرائيلية، كما يتضح من حرب عام 2006 والمواجهة المميتة الحالية".
ورأت الصحيفة أن "دور حزب الله وأسلحته ونفوذه ليس كلها من صنعه. فلسنوات عديدة، تمتع الحزب بدعم سياسي وعسكري من إيران وسوريا. وتنظر طهران إلى الحزب باعتباره الغراء الذي يربط شبكة إقليمية من الوكلاء المتورطين في صراع دائم مع إسرائيل.وفي الواقع، لم يعتبر حزب الله حدود لبنان أو سيادته قيوداً في صراعه مع إسرائيل. فبنظره، النضال الناجح ضد إسرائيل يتطلب توحيد كل الجبهات الإقليمية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة.وكان أول تطبيق حقيقي لهذه العقيدة في صيف عام 2006، عندما عبر حزب الله إلى شمال إسرائيل وأسر جنديين إسرائيليين. وعلى المستوى التكتيكي، أراد حزب الله فرض تبادل أسرى لبنانيين وفلسطينيين مع إسرائيل ومساعدة حماس في مواجهتها مع إسرائيل في غزة. ولكن الهدف الأكثر استراتيجية لسادته في طهران كان فرض واقع جديد على إسرائيل حيث تصبح ساحات القتال الفلسطينية واللبنانية ساحة واحدة".
وتابعت الصحيفة، "أدى هجوم حزب الله حينها إلى اندلاع 34 يوماً من القتال العنيف مع إسرائيل، والذي ترك لبنان في حالة من الدمار، مع استشهاد أكثر من 1100 شخص، وتدمير أجزاء كبيرة من جنوب لبنان، وإلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية في كل أنحاء البلاد. وبعد سبعة عشر عاما، كرر حزب الله التجربة عينها مرة أخرى، إلا أن هذه المرة أثبتت مقامرته أنها أكثر ضررا للحزب، وللبنان ككل. لقد عاقبت إسرائيل حزب الله لإطلاقه جبهة ضدها في 8 تشرين الأول 2023 باغتيال معظم قادته السياسيين والعسكريين، بما في ذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.كما وسوت إسرائيل مقر الحزب بالأرض، وتسللت إلى الحزب كما لم يحدث من قبل، وأفرغت جنوب لبنان والضواحي الجنوبية لبيروت، حيث توجد قاعدة دعم حزب الله، من السكان. في الحقيقة، لم يحدث في تاريخ حزب الله قط أن كان هناك هذا القدر من الذعر بين دوائره الانتخابية وهذا القدر من عدم اليقين بشأن مستقبله".
وأضافت الصحيفة، "ما إذا كانت إسرائيل ستترجم مكاسبها التكتيكية إلى مكاسب استراتيجية ليس واضحاً، ولكن المؤكد هو أن لبنان لا يستطيع الصمود في ظل الظروف الحالية. فحزب الله ببساطة لا يستطيع أن يستمر في العمل خارج حدود الدولة اللبنانية، دون إشراف أو مساءلة، ويخضع لقوة أجنبية، ويتخذ قرارات الحرب والسلام من جانب واحد نيابة عن جميع اللبنانيين.وكل هذا ليس طبيعياً أو دستورياً في أي مجتمع فاعل. بطبيعة الحال، من السهل أن نقول إن تغيير هذا الوضع أسهل من فعله. فلا يوجد في تجربة حزب الله وفلسفته ما يشير إلى أنه سوف ينهار أو يغير أساليبه بشكل جذري، فحزب الله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرشد الأعلى لإيران، والانفصال عن الجمهورية الإسلامية يعني الانتحار".
ورأت الصحيفة أن "من عجيب المفارقات أن المسار الذي اختاره حزب الله جعله أقرب إلى تدمير نفسه. فمثله كمثل نتنياهو، اختار حزب الله تجاهل الحقائق الأساسية. ومن غير الصادق أو الساذج أن نقول إن تحول حزب الله إلى كيان سياسي بحت، بالتوازي مع الاندماج الكامل لقواته في الجيش، من شأنه أن يبقي التهديدات الإسرائيلية تحت السيطرة. ولكن لبنان سوف يظل دائما في موقف أقوى للدفاع عن نفسه وحماية سيادته إذا تحدث بصوت واحد، وهذا أمر لم يكلف حزب الله نفسه عناء تقديره أو الترويج له. والواقع أن صمام الأمان الأقوى للحزب وأنصاره ليس صواريخ إيران بل احتضان الشعب اللبناني الجماعي. ولكن لكي يكسب الشعب، يتعين عليه أولا أن يلقي سلاحه ويصبح شريكا متساويا في إعادة إعمار لبنان". المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: جنوب لبنان مع إسرائیل حزب الله لبنان من فی غزة

إقرأ أيضاً:

تحدّيات المرحلة المقبلة أمام الحكومة

كتب زياد عبد الصمد في "النهار":     تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة مجموعة معقدة من التحديات التي تتطلب استجابات سريعة وحلولاً جذرية. فعقب النزاع الأخير والتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة إلى تثبيت الاستقرار الأمني من خلال توحيد السلاح تحت سلطة الدولة وضمان سيادتها على كامل أراضيها.   وفي الوقت ذاته، تستمر الأزمة الاقتصادية في التفاقم، ما يستدعي إطلاق مسار إصلاحي شامل يشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة ثقة المجتمع الدولي والجهات المانحة، وإرساء أسس الحوكمة الرشيدة.   إلى جانب ذلك، تُلقي التحديات الاجتماعية بثقلها على المشهد العام، حيث بلغت معدلات الفقر والبطالة مستويات غير مسبوقة، ما يتطلب تبنّي سياسات تنموية شاملة تضمن العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.     وفي سياق الإصلاحات الضرورية، يبقى تحديث قانون الانتخابات أمراً محورياً لضمان نزاهة العملية الديموقراطية وتعزيز ثقة اللبنانيين بمؤسسات الدولة.    لبنان اليوم عند مفترق طرق، ومسار الحكومة الجديدة سيحدد ملامح المرحلة المقبلة، بين ترسيخ الاستقرار والانطلاق نحو التعافي، أو الاستمرار في دوامة الأزمات المتلاحقة.    يُشكّل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بمندرجاته كافة، خاصة توحيد السلاح تحت سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، أولوية قصوى. ويشمل ذلك السيطرة على جميع المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية، لمنع أي انتهاكات أمنية أو استخدام هذه المعابر في عمليات غير شرعية.   وفي هذا السياق، برز موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال جلسة الثقة، حيث بدا متملصاً من الاتفاق عندما أشار النائب فراس حمدان إلى دوره في المفاوضات، إذ قال بري إنه لم يوقع على الاتفاق، غير أن الجميع يدرك دوره المحوري في التوصّل إليه عبر المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة أميركية قادها المبعوث عاموس هوكشتين.   وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف، لا سيما قيادات "حزب الله"، تفسير الاتفاقية وفق مصالحهم الخاصة، فإن نصوصها واضحة وتُلزم الدولة اللبنانية بتنفيذها التزاماً بالقرارات الدولية. كما أن تطبيق الاتفاقية يُسقط الذرائع التي تستغلها إسرائيل للبقاء في لبنان ومواصلة انتهاكاتها، بما في ذلك عمليات الاغتيال والغارات الجوية والتحليق المستمر للطائرات المسيّرة في الأجواء اللبنانية.  
وترتبط مسألة إعادة الإعمار بمدى التزام لبنان بالاتفاقية، وبالتالي ضمان استقرارها والتأكد من أن الحرب لن تتكرر، ما يجعل الحدود اللبنانية آمنة. فمن المعروف أن حجم الدمار هائل، ولا يقتصر على تدمير البيوت، بل يشمل البنية التحتية والخدمات العامة التي استهدفها العدو بطريقة إجرامية تفوق الوصف.   وفي مواجهة التحديات الكبرى التي سيبدأ هذا العهد بمواجهتها عندما يبدأ العمل الفعلي لتحقيق أجندته الإنقاذية في مجالي السيادة والإصلاح، من الهام ألا يبتعد عن الحاضنة الشعبية الداعمة التي من المرجح أن تشكل الدعامة والحصانة في مواجهة المنظومة التي طالب ناس 17 تشرين بمحاسبتها. لذا، فإن نجاح الحكومة في تحقيق الإصلاحات المطلوبة مرهون بقدرتها على مواجهة هذه العوائق، وبإرادة شعبية تدعم التغيير، وتطالب بالشفافية والمساءلة، وتسهم في استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، بما يمهّد الطريق نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار وبناء دولة القانون والمؤسسات.

مقالات مشابهة

  • قاسم لا يستبعد مواجهة مع إسرائيل ويكشف وضع حزب الله بعد الانكشاف الأمني
  • حزب الله: لا اتفاق سري مع إسرائيل وعلى الاحتلال الانسحاب من جنوب لبنان
  • سلاح حزب الله وصل إلى طريق مسدود.. والضغوط الدولية ستزداد
  • وسط اتهامات لحزب الله| انعدام الأمن في سوريا يصب في مصلحة إسرائيل.. ماذا يحدث؟
  • الحزب لن يتدخل
  • تحدّيات المرحلة المقبلة أمام الحكومة
  • إسرائيل تغتال عنصرا لحزب الله في جنوب لبنان
  • إسرائيل تعلن استهداف عنصر من حزب الله جنوب لبنان
  • إسرائيل تعلن استهداف مواقع عسكرية لحزب الله في جنوب لبنان
  • أخطر أزمة أمام حزب الله.. تقريرٌ إسرائيلي يتحدّث عنها