دستور الولايات المتحدة.. أقدم وثيقة دستورية معمول بها في العالم
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
دستور الولايات المتحدة، وثيقة قانونية عرفت بأنها "أقدم دستور معمول به في العالم"، وُضع بعد مؤتمر دستوري عقد عام 1787 في أعقاب اندلاع "حرب الاستقلال" ضد المملكة المتحدة، بحضور 55 مندوبا يمثلون 12 ولاية أميركية.
ناقش المندوبون قضايا أساسية مثل توزيع السلطات بين الحكومة الفدرالية والولايات وتنظيم التجارة وفرض الضرائب.
ينقسم الدستور الأميركي إلى 7 مواد تُحدد هيكل الحكومة الفدرالية وصلاحياتها، وتعرضت بنوده للتعديل 27 مرة على مر التاريخ.
ما قبل المؤتمر الدستوريفي عام 1775 اندلعت "حرب الاستقلال" في الولايات المتحدة بقيادة جورج واشنطن ضد بريطانيا، واستمرت حتى عام 1783 بإعلان بريطانيا استقلال البلاد.
في خضم الحرب، صادق كونغرس الكونفدرالية الوليدة (اتحاد بين ولايات ذات سيادة مستقلة) على أول دستور للبلاد، ومنحت مواد الدستور الكونغرس سلطة إدارة الشؤون الخارجية والحرب وتنظيم العملة، لكنها كانت صلاحيات محدودة للغاية، إذ لم تكن له سلطة على الولايات.
وبعد فترة قصيرة من نيل الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا عام 1783، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الجمهورية الناشئة تحتاج إلى حكومة مركزية أقوى لضمان استقرارها.
وقد أسهم جيمس مادسن المعروف بـ"أبو الدستور"، بشكل كبير في تشكيل الدستور الأميركي، إذ كان يرى أن الحكومة لم تكن تتمتع بالسلطة الكافية لتنظيم التجارة، وأن الولايات كانت على وشك الدخول في كارثة اقتصادية. وتخوّف عديد من الأثرياء من أن الفوضى كانت على وشك الحدوث.
وبعد مراسلات بين واشنطن ومادسن، قدم الأخير وجون تايلر اقتراحا في "جمعية فرجينيا" بمنح الكونغرس سلطة تنظيم التجارة في جميع أنحاء الكونفدرالية.
عقب مؤتمر تجاري في سبتمبر/أيلول 1786 بولاية ميريلاند، أصدر مادسن والمحامي ألكسندر هاملتون تقريرا بشأن المؤتمر، ودعوا الكونغرس إلى استدعاء مندوبي جميع الولايات للاجتماع بغرض مراجعة بنود دستور الكونفدرالية.
في فبراير/شباط 1787، أصدر الكونغرس دعوة رسمية للولايات الـ13 لعقد مؤتمر في 14 مايو/أيار 1787 بولاية فيلادلفيا، وكان المؤتمر بالنسبة لمادسن بمثابة فرصة لعكس اتجاه البلاد.
صياغة الدستور وتبنيهعينت الولايات 74 مندوبا للمؤتمر عُرفوا باسم "واضعي الدستور"، وكانوا محامين وجنودا ومزارعين ومعلمين وأطباء وأصحاب أموال وتجارا.
ومع حلول موعد انعقاد المؤتمر، لم يكتمل النصاب القانوني مع رفض ولاية رود آيلاند إرسال مندوبها بسبب تخوفها من تدخل الحكومة المركزية في أعمالها الاقتصادية.
وبحضور 55 مندوبا عُقد المؤتمر في 25 مايو/أيار 1787، برئاسة جورج واشنطن، وبسرية تامة تجنب الضغوط الخارجية التي تؤثر على سير المؤتمر. ورغم تكليف الكونغرس للمندوبين بتعديل مواد الكونفدرالية، ناقشوا مقترحات لشكل جديد تماما للحكومة.
بعد نقاشات حول شكل الحكم وتمثيل الولايات في الهيئة التشريعية وتنظيم التجارة والضرائب والعبودية، استمرت طوال صيف عام 1787، وضع المؤتمرون في 6 أغسطس/آب المسودة الأولى للدستور.
وشبت خلافات بين المندوبين عقب وضع المسودة الأولى، أبرزها حول تنظيم التجارة والعبودية، وفي 8 سبتمبر/أيلول 1787 شُكلت لجنة الأسلوب والترتيب مكونة من 5 أشخاص بغرض صياغة النص النهائي للدستور.
وقدمت لجنة الأسلوب الصياغة النهائية للدستور للمندوبين للتصويت عليها، وجرت مشاورات حتى وقع ما مجموعه 39 مندوبا من أصل 55 على الدستور في 17 سبتمبر/أيلول 1787، وكان لابد أن توقع 9 ولايات من أصل 13 لكي يصبح ساريا.
وفي 21 يونيو/حزيران 1788 وقعت ولاية نيو هامبشير على وثيقة الدستور لتصبح الولاية التاسعة التي تصادق عليه. وتلقى الكونغرس في 2 يوليو/تموز 1788 إشعارا بهذا التصديق، وفي 3 مارس/آذار 1789 انتهى رسميا دستور الكونفدرالية وفقا لقرار المحكمة العليا للولايات المتحدة.
وبدأت الحكومة الجديدة العمل بموجب الدستور الجديد، الذي يعتبر أقدم دستور مكتوب ومعمول به في العالم، في 4 مارس/آذار 1789، ونُصّب جورج واشنطن في 30 أبريل/نيسان 1789 أول رئيس للولايات المتحدة.
الهيكل الأساسي للدستورينقسم الدستور الأميركي إلى 7 مواد، تضم أبوابا متعددة تتناول مواضيع مختلفة، ومواده هي:
المادة الأولى تتناول الفرع التشريعي للحكومة. المادة الثانية تتعلق بالفرع التنفيذي للحكومة. المادة الثالثة تؤسس المحكمة العليا باعتبارها أعلى سلطة قضائية في البلاد. المادة الرابعة تحدد شكل العلاقة بين الولايات. المادة الخامسة تصف الإجراءات اللازمة لتعديل الدستور. المادة السادسة تعلن الدستور "القانون الأعلى للبلاد". المادة السابعة تصادق على الدستور.واشتهر الدستور الأميركي بديباجته التي تلخص نية واضعيه في إنشاء حكومة فدرالية مكرسة لضمان عيش الشعب في بيئة آمنة وسلمية ومحمية وحرة.
وتقول الديباجة "نحن شعب الولايات المتحدة، من أجل تشكيل اتحاد أكثر كمالا، وإقامة العدل، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير الدفاع المشترك، وتعزيز الرفاه العام، وتأمين بركات الحرية لأنفسنا ولأبنائنا، نقر ونؤسس هذا الدستور للولايات المتحدة الأميركية".
وثيقة الحقوق والتعديلات الدستوريةخضع الدستور الأميركي لـ27 تعديلا على مر التاريخ، أولها 10 تعديلات عُرفت بـ"وثيقة الحقوق"، التي اعتمدت في 15 ديسمبر/كانون الأول 1791.
وتحدد الوثيقة حقوق الأميركيين فيما يتعلق بحكومتهم، وتضمن الحقوق المدنية والحريات للأفراد، مثل حرية التعبير والصحافة والدين، وحق الاحتفاظ بالسلاح وحمله.
كما تضع الوثيقة قواعد للإجراءات القانونية الواجبة، وتحتفظ بكل السلطات غير الموكلة إلى الحكومة الفدرالية للشعب أو الولايات.
وتوضح الوثيقة أن "تعداد بعض الحقوق في الدستور لا ينبغي أن يُفسر على أنه ينكر أو ينتقص من حقوق أخرى يحتفظ بها الشعب".
وعُدل الدستور 17 مرة أخرى، منذ 7 فبراير/شباط 1795 في قضايا مختلفة من بينها آلية التصويت للرئيس، وإلغاء العبودية، والحماية المتساوية للمولودين والمجنسين، والسماح بتصنيع وبيع الكحول، وحق المواطنين الأميركيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما في التصويت.
وقد كان آخر تعديل ينص على أن أي تغييرات في رواتب أعضاء الكونغرس لا ينبغي أن تدخل حيز التنفيذ حتى الانتخابات التالية للنواب، واقترح التعديل في عام 1789 وتم التصديق عليه في 7 مايو/أيار 1992.
وتتم عملية التعديل بشكل معقد، إذ يجب أن يمر التعديل المقترح عبر الكونغرس الأميركي، ويحتاج إلى موافقة ثلاثة أرباع الولايات، كما يجب ألا يؤثر أي تعديل يُجرى قبل عام 1808 على الفقرتين الأولى والرابعة في القسم التاسع من المادة الأولى، المتعلقة بالعبودية وتأثيرها على الضرائب والتمثيل في الكونغرس.
إضافة لذلك، لا يمكن حرمان أي ولاية من حقها المتساوي في التصويت في مجلس الشيوخ دون موافقتها. وقد رُفضت آلاف المقترحات لتعديل الدستور ولم يتم التصديق عليها قط.
الدستور في العصر الحديثيرى الأميركيون أن واضعي الدستور كانوا مدركين أنه ليس الوثيقة المثالية، غير أنهم وافقوا عليه بكل عيوبه. ومع امتداد الولايات المتحدة عبر قارة بأكملها وتوسع سكانها واقتصادها، أثبت الدستور الأميركي صموده وتكيفه مع المتغيرات.
وبين الفينة والأخرى يشب جدال حول ضرورة إجراء تعديلات على الدستور الأميركي، بما في ذلك نطاق السلطة الرئاسية، وتمويل الحملات الانتخابية، وحق المرأة في الإجهاض، وحق الفرد في امتلاك سلاح ناري للدفاع عن النفس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة الفدرالیة الولایات المتحدة الدستور الأمیرکی سبتمبر أیلول
إقرأ أيضاً:
رائدة بالجيش الأميركي: إغلاق قواعدنا في النيجر انتكاسة إستراتيجية
قالت عضوة القوات الأميركية السابقة في النيجر الرائدة جاكي لي إن رحيل القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة من منطقة أغاديز في شمال البلاد يشكل "انتكاسة إستراتيجية كبيرة"، ويشبه الخروج من أفغانستان في عام 2021.
وقالت الرائدة لي -وفق ما أوردت صحيفة واشنطن بوست- إن انسحاب الولايات المتحدة يأتي في سياق تراجع نفوذها في المنطقة المصنفة "بؤرة للإرهاب"، والتي تم إنشاء قاعدة أغاديز فيها عام 2012 بهدف محاربته.
وتم بناء القواعد العسكرية الأميركية في النيجر كجزء من مواصلة "الحرب على الإرهاب" التي بدأه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث اختار الكثير من المسلحين المتشددين إعادة التموقع في منطقة الصحراء الأفريقية.
إخفاق أميركيواعتبرت الرائدة لي أن الولايات المتحدة أخفقت كثيرا في دولة النيجر التي كانت تمتلك بها قواعد عسكرية مهمتها الأساسية التخابر والاستطلاع والمراقبة، إذ لم تكن تعلم بأن قادة الجيش يخططون للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم الذي كان آخر حليف لأميركا في منطقة الساحل الأفريقي.
وأضافت أنه قبل وقوع الانقلاب بيوم واحد حضرت اجتماعا مع طاقم السفارة الأميركية في العاصمة نيامي، وتحدث فيه أحد الدبلوماسيين عن الوضع في النيجر، معتبرا أنها "واحة استقرار" وليست سيئة مثل مالي وبوركينا فاسو.
إعلانوبعد وقوع الانقلاب، تم وضع القواعد الأميركية في حالة تأهب قصوى وتبين أن الولايات المتحدة لم تكن على علم به، وكان الجنود يتابعون وسائل الإعلام الفرنسية للحصول على الأخبار.
وقبل الانقلاب عاشت النيجر تجربة ديمقراطية ناجحة وسجل اقتصادها نموا مرتفعا، ولم تعرف الكثير من هجمات العنف مثل الدول المجاورة لها.
نفوذ روسيوعملت القوات الأميركية في النيجر على هدفين، أحدهما رسمي ومعلن وهو محاربة الجماعات المتطرفة، وآخر غير معلن وهو التصدي للتمدد الروسي في المنطقة، بحسب الرائدة لي.
وبلغ عدد القوات الأميركية العاملة في النيجر 1100 جندي ينتشرون في عدد من القواعد، ويعملون على جمع المعلومات الاستخباراتية وتقديم الدعم اللوجيستي لجيش النيجر ومساعدته في القتال، لكن بعد الكمين الذي أودى بحياة 4 جنود أميركيين عام 2017 تراجع أداؤها وأصبحت تركز على الجهود المدنية.
وبعد الانقلاب تظاهر المواطنون النيجيريون أمام السفارة الفرنسية في العاصمة نيامي ورفعوا علم روسيا وشعارات مؤيدة لوجودها في المنطقة، فيما لم يتعرض أحد للسفارة الأميركية.
وفي مارس/آذار 2024 أمر المجلس العسكري بخروج القواعد الأميركية من النيجر بعد عقد من ملاحقة "الجماعات الإرهابية" في صحراء البلاد الواسعة.