تتفجر أزمة جديدة بين دول حوض نهر النيل الأحد عشر، مع تفعيل 6 دول منها تتزعمهم إثيوبيا اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل "عنتيبي" والتي ترفضها دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ويعتبرها خبراء مصريون بأنها "مؤامرة".

موقع "مبادرة حوض النيل" أعلن أنه بحلول منتصف ليل القاهرة 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تم تفعيل اتفاقية "عنتيبي"، والتي وقعتها إثيوبيا، وتنزانيا، ورواندا، وأوغندا، وبوروندي، وجنوب السودان (آخر الدول الموقعة 14 آب/ أغسطس الماضي)، وترفض مصر، والسودان، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وأريتريا، التوقيع عليها.



وعنتيبي اتفاقية تهدف إلى إعادة تعيين حصص دول الحوض من مياه النيل (الأطول في العالم بنحو 6650 كم)، خصما من حصتي مصر والسودان، ولذا تعتبرانها تهديدا لحقوقهما التاريخية في مياه النيل، ومخالفة لاتفاقيات تاريخية، وتضر بحياة أكثر من 150 مليون مصري وسوداني، وبشكل خاص في مصر التي تعاني ندر الأمطار والمياه وتعتمد على النيل كمورد أساسي للزراعة والشرب والصناعة.


"ردود فعل إثيوبيا ومصر"
وعلى الفور، وصف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، دخول "عنتيبي" حيز التنفيذ بأنه يوم تاريخي، فيما أعلن وزير المياه الإثيوبي هبتامو إتافا، أن الأمر يتبعه إنشاء "مفوضية حوض نهر النيل" التي ستتولى إدارة موارد النهر.

وخلال 60 يوما من دخول "عنتيبي" حيز التنفيذ من المقرر تدشين "مفوضية دول حوض النيل"، بهدف تنظيم وإدارة السياسات الخاصة بإدارة المياه بين الدول الأعضاء، والتي من المقرر أن تلقى اعترافا من جهات دولية، ما يمنح أعمالها وقراراتها أبعادا سياسية وقانونية، بحسب الرؤية الإثيوبية.

وهو الأمر الذي يقلق مصر على موردها الدائم من مياه النيل الأبيض، إلى جانب مخاوفها من تأثر حصتها من النيل الأزرق، مع بناء إثيوبيا سدا على الرافد الهام، منذ العام 2011، وأكملت أعمال البناء وتواصل خطط الملء دون توافق مع مصر والسودان اللتين تطالبان بتوقع اتفاق ثلاثي قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي، في ظل رفض أديس أبابا.


وعلى الجانب الآخر، دعت مصر الأحد الماضي، على لسان وزير الموارد المائية والري هاني سويلم، دول حوض النيل الموقعة على "عنتيبي" بمراجعة موقفها والعودة للنقاش حول التعاون بما لا يحقق ضررا لأى من دول النهر، مشيرا إلى أن "موقف مصر عادل ويتسق مع اتفاقيات الأنهار الدولية المعمول بها دوليا".

وأكد أن "مصر ترفض الإجراءات الأحادية ولا تعترف بالاتفاقيات الموقعة بشكل أحادي"، مبينا أن "الواقع الآن في حوض النيل غير جيد وتم تقسيمه 3 مجموعات غير متفقين، وهم دول أعالى النيل، وشرق النيل، ودولتي المصب".

وأعلنت "الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل" بين مصر والسودان 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رفضها اتفاق عنتيبي، مؤكدة أن المسودة غير مستوفية للتوافق لوثيقة "الاتفاق الإطاري" (CFA) ولا تتسق مع قواعد القانون الدولي.

وأشارت لضرورة إرساء "مبادئ التشاور والإخطار المسبق بشأن المشروعات المستندة إلى دراسات علمية وافية للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروعات التي تنفذ من خلالها"، معلنة أن اتفاقية "عنتيبي" غير ملزمة لدولتي المصب، مطالبة الدول الموقعة للعودة إلى "مبادرة حوض النيل".



من جانبه، انتقد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال "أسبوع القاهرة للمياه السابع" الأحد الماضي: "المشروعات العملاقة التي تستغل الأنهار الدولية بشكل غير مدروس، دون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية تبعا لمبادئ القانون الدولي"، في إشارة إلى السد الإثيوبي.

ووجه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، رسالة تحذير لدول العالم من موجة نزوح لأكثر من 100 مليون مصري بعد فقدان مورد المياه الرئيسي وخسارة 15 بالمئة من الرقعة الزراعية، حال استمرت إثيوبيا في التشغيل الأحادي غير التعاوني للسد الإثيوبي.

لماذا ترفضها مصر والسودان؟
تلك الاتفاقية تثير مخاوف القاهرة، والخرطوم، على المصدر الدائم لمياه النيل من حوض "النيل الأبيض" القادمة من هضاب "البحيرات الاستوائية العظمى" من وسط إفريقيا الاستوائية (نحو 3700 كيلو متر)، وعلى حصتيهما التاريخية من إجمالي مياه النيل والبالغة (55.5) و(18.5) مليار متر مكعب مياه على التوالي، وفقا لاتفاقيات أعوام 1892، 1929، 1959.

وتتزايد مخاوف المصريين، مع تصدر إثيوبيا مشهد "عنتيبي"، خاصة مع استمرار تأزم ملف سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا منذ العام 2011، على النيل الأزرق المورد الموسمي والأكبر لمياه النيل الواصلة دولتي المصب.

الاتفاقية التي جرى الإعلان عنها عام 1999، بموافقة مصر تحت مسمى "مبادرة حوض النيل"، انسحبت منها القاهرة لاحقا، لدور إثيوبيا في حشد دول الحوض للتوقيع منفردة في عنتيبي، تحت مسمى "مشروع الاتفاق الإطاري".

وكانت إثيوبيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وكينيا أولى الدول الموقعة عام 2010، ثم بوروندي، لتواصل إثيوبيا خطواتها عام 2013، بمصادقة حكومة أديس أبابا على الاتفاقية فيما تلتها رواندا، ثم تنزانيا عام 2015، وأوغندا في 2019، وبوروندي عام 2023.



"هنا أصل المشكلة"
وفي رؤيته، للموقف المصري من اتفاقية عنتيبي، وما بيد القاهرة من أوراق لوقف تنفيذ الاتفاقية وتقليل حدة التوتر مع دول حوض النيل، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل: "للأسف مصر فقدت قيمتها التاريخية والدولية وتأثيرها على دول حوض النيل".

وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع أستاذ القانون الدولي، أنه "حتى لو دعت القاهرة دول حوض النيل لمؤتمر إقليمي لححلة المواقف المتعسرة في ملف المياه فإنها لن تتفاعل مع مصر، وقد لا تحضر، وبالتالي فإن أصل المشكلة هو انهيار مكانة ودور الدولة المصرية وتراجع صورتها الدولية وفي الإقليم".

ويرى أنه "ربما الحكومة أحسنت الظن بإثيوبيا؛ ولكن الموضوع ليس في يد الخبراء، وفي وقت تنهار سمعة وصورة الدولة كل يوم مع كل تصرف حكومي، ومهما كانت النوايا طيبة لكن مصر تحتاج إلى بعث على المستوى الدولي، والدفع في قضاياها بجدية".


ولفت إلى "ضرورة عمل مذكرة يقال فيها إن إثيوبيا تنتهك القانون الدولي للمياه"، مؤكدا أن "الحكومة المصرية تبدو رقيقة جدا وهينة في التعامل مع هذا الملف وتعتقد أن هذه سياسة، لكنها أبدا ليست كذلك بل حسرة وخسارة".

وألمح إلى أن "من يتولوا الملف ربما يكونوا لا يفهمونه كما يجب"، منتقدا "تولي عسكريين سابقين أغلب الملفات"، ومؤكدا أن "هذا الموقف انعكس على العلاقات الخارجية المصرية بالضعف، وللأسف لم يعد لمصر وزن على مستوى الإقليم والعلاقات الدولية".

"انشغالات 2011 وثغرة 2015"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري، محمد عوض: "لا شك أنه حديث الساعة لدى المصريين الذين تتعلق أنظارهم باتفاقية (عنتيبي)، وهو ما يفرض على القادة الرسميين للدولة المصرية الخروج للشعب برسائل واضحة حول حقيقة الخطر الذي تواجهه البلاد، وخطة الدولة لمواجهة هذا الخطر".

رئيس حزب "الخضر" المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "دعني أقول إن رجل الشارع ربما لا يعلم ما نصوص هذه الاتفاقية، ولكن طريقة فرضها على مصر في ذاته، أعطى انطباعا عاما بأنها تحمل الشر لمصر".

وأوضح أن "هذه الاتفاقية بخلفية الإعلان عنها عام 2010، وما صاحب ذلك من توتر علاقات مصر مع دول حوض النيل، أيضا، لا يمكن إغفال أحداث مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011".

وألمح إلى "انشغال مؤسسات الدولة المعنية بقضية النيل، في ذلك الوقت بمحاولة دفع الأمور إلى الاستقرار الداخلي"، مؤكدا أن "ذاك الوضع الداخلي كان محل ابتزاز إثيوبي، وكان فرصة أولى لفرض الأمر الواقع".

عوض، استدرك قائلا: "ولكن حتى مع انتهاء هذه المرحلة، وحتى عام 2015، لا يجادل أحد في أنه كان يمكن للإدارة المصرية السيطرة على هذه القضية، إلا أننا فوجئنا جميعا بتوقيع ما يسمى بـ(الاتفاقية الإطارية) للسد الإثيوبي في الخرطوم 15 آذار/ مارس من ذلك العام".


ومضى يوضح أن "تلك هي الثغرة التي لا يمكن لأحد الجدل بشأن ما أحدثته من إضعاف لموقف الجانب المصري بشدة؛ وربما هذا الوضع هو ما جعل المصريين يتناسون أو نسوا ما حدث في شرم الشيخ 2010، من إعلان إفريقي صريح بما يسمى باتفاقية عنتيبي".

وأضاف: "وإيجاز للأمر، فإن جميع أطراف الاتفاقية يدركون جميعا أن الأسس التي تمت عليها صياغة هذه الاتفاقية، تمثل حالة عدوان على دولتي المصب السودان ومصر، ومن ثم فالمتوقع لهم جميعا ارتفاع حدة التوترات في هذا الحوض".

ولفت إلى أن "ذلك التصعيد يأتي في وقت تتزايد فيه احتمالات خطر الحرب في شرق إفريقيا (القرن الإفريقي)، نتيجة لكثير من التغيرات في السياسة الدولية"، متسائلا: "هل تغامر بلدان حوض النيل بالعمل بإتفاق لم يحظ برضاء كافة بلدان الحوض، وعلى الأخص دول المصب؟"، مجيبا بقوله: "أشك كثيرا".

السياسي المصري، أكد أن "مثل هذه الاتفاقية إن جرى العمل بها، فعاجلا أو آجلا، وسواء في وجود النظام الحالي أو وجود نظام آخر، فإنها سوف يتم إلغاؤها كليا".

ومضى يوضح: "نعلم أن الشمال الإفريقي مستهدف من باقي دول القارة لأسباب عديدة، رغم أن الشمال هو الحدود التي تؤمن إفريقيا، وتلك هي الرسالة المصرية التي يجب على الجميع استيعابها".

وختم بالقول: "كلمة العلم الأخيرة تقول إن السدود على مجرى النهر باتت تشكل خطرا بيئيا كبيرا على البحار، وأتوقع لبلدان المصب أن تلجأ لقواعد القانون الدولي في شأن التلوث العابر للحدود".

"الحرب قادمة.. وهذا مسرحها"
وفي اعتقاده، قال الباحث السوداني وائل نصر الدين، إن "اتفاقية عنتيبي يمكن النظر إليها بشكل ما كاتفاقية لتقاسم مياه النيل، وتضم الدول الواقعة على النيل الأبيض والذي يمثل أقل من 14 بالمئة من مياه نهر النيل".

نصرالدين، أوضح في حديثه لـ"عربي2"، أنه "لذلك مصر بداية لم يساورها الشك من اتفاقية عنتيبي، ولكن الذي أقلقها كان انضمام إثيوبيا لها، خاصة وأنه ينبع منها النيل الأزرق الرافد الأهم لمياه النيل".

وأكد أن "إثيوبيا استغلت اتفاقية عنتيبي لحشد دول النيل الأبيض لتضع الاتفاقية كل دول منبع نهر النيل ضد دولتي المصب مصر والسودان".

ولفت إلى أن "آخر إنجازات اتفاقية عنتيبي كان توقيع دولة جنوب السودان منتصف العام الجاري، والتي أعتقد أنها خطوة كان من المفترض ألا تتم؛ لأن ملف مياه النيل من الملفات التي تحسم العلاقة ما بين السودان وجنوب السودان".

"كما أن هناك مجموعة من الملفات بين إثيوبيا وجنوب السودان لم يتم حسمها، وبينها ملف يتم حوار حولها كمسألة الحدود، ومياه النيل، وبالتالي جنوب السودان وقعت على عنتيبي إرضاء لبعض الأصوات داخل جنوب السودان".


وأكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني إن "إثيوبيا تحاول استغلال الأمر كل فترة من أجل حشد بعض الدول الإفريقية ضد مصر، وفي المقابل القاهرة تدعم الصومال وإريتريا والجيش السوداني، وإثيوبيا على الجانب الآخر تحاول حشد دول حوض النيل ضد مصر".

وأضاف: "وتحاول أديس أبابا أيضا، تصوير الصراع على أنه بين مصر التي تريد الاستمرار في الاتفاقيات الاستعمارية وبين إثيوبيا التي تطمح للتنمية، وأعتقد أن إثيوبيا هي من دفعت بالحدث الذي تم، وقد يكون رد فعل على الاجتماع المصري الإرتري الصومالي الذي تم 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في أسمرة، بحضور السيسي".

"مسرح الحرب"
ويعتقد نصر الدين أن "الحرب قادمة لا محالة بين مصر وإثيوبيا؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين سيكون مسرح الحرب؟"، موضحا أن "إثيوبيا لديها طموحات كثيرة؛ منها الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر، وهذا طموح مدعوم من أمريكا وفرنسا التي دربت القوات البحرية الإثيوبية".

وبين أنه "كذلك لدى إثيوبيا طموح الهيمنة على مياه نهر النيل والسيطرة على القرار السياسي المصري؛ وهذا أمر تدعمه إسرائيل وأمريكا التي أوصلت لإثيوبيا تمويل سد النهضة عبر البنك الدولي".

ويرى نصر الدين، أن "المسرح المحتمل للحرب بين مصر وإثيوبيا هو الصومال؛ لأن إثيوبيا تعمل على تشجيع تقسيم الصومال".

وختم بالقول: "هذه 3 مسارح عمليات محتملة للصراع الإثيوبي المصري؛ ولكن أعتقد أن إثيوبيا ليست وحدها؛ وهناك أطراف تدعمها منها واشنطن وتل أبيب، ومن جانب آخر بعض الأطراف العربية المرتبطة بالمشروع الإسرائيلي الأمريكي لدعم إثيوبيا".


"مؤامرة عنتيبي"
وفي مقال له بموقع "المصري اليوم" المحلي، أشار أستاذ المياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة الدكتور نادر نورالدين، إلى أن إثيوبيا تستغل اتفاقية عنتيبي للضغط على مصر في ملف السد الإثيوبي، منتقدا تصريح وزير إثيوبي يقول إنه "على مصر الانضمام إلى اتفاقية عنتيبى أولا إذا أرادت توقيع اتفاق قانوني ملزم معنا".

ولفت إلى أنه من نصوص "عنتيبي غير العادلة النص على أن يكون التصويت لإنشاء السدود وحصص المياه ونقل المياه بالأغلبية بدلا من التوافق فى السابق، وطبعا دول المنابع تشكل الأغلبية كست دول لمنابع النيل الأبيض ومعها إثيوبيا وجنوب السودان مقابل مصر والسودان فقط كدولتي مصب".
وختم مقاله بالقول: "هذه مؤامرة عنتيبي ضد مصر".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مصر حوض النيل السودان مصر السودان أثيوبيا حوض النيل سد النهضة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاقیة عنتیبی القانون الدولی وجنوب السودان هذه الاتفاقیة دول حوض النیل مصر والسودان النیل الأبیض لمیاه النیل أدیس أبابا أن إثیوبیا میاه النیل نهر النیل ولفت إلى بین مصر إلى أن

إقرأ أيضاً:

العلاقات السودانية الإماراتية.. هل تنجح وساطة أردوغان في إصلاحها؟

تدخّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوة على خط العلاقات السودانية الإماراتية المتوترة، طارحاً وساطة لطي الصفحة بين البلدين، وذلك خلال اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة في السودان، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الجمعة.

وأكد أردوغان غب المحادثة، استعداد بلاده للتوسط بين الخرطوم ودولة الإمارات العربية المتحدة، لإحلال الأمن والسلام في السودان. من جهته رحب البرهان بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي سبّبتها "مليشيا الدعم السريع المتمردة"، مشيداً بمواقف تركيا الداعمة للسودان، ومثمناً جهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ومعالجتها للكثير من القضايا على المستويين الإقليمي والدولي. واستشهد البرهان بنجاح أنقرة في معالجة الملف السوري، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

كيف وصلت العلاقات السودانية الإماراتية إلى هنا؟
وبعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في إبريل/ نيسان من العام الماضي، وجهت الخرطوم اتهامات مباشرة إلى أبو ظبي بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع، وهي اتهامات عززها تقرير لخبراء الأمم المتحدة، كما دفعت في مارس/ آذار الماضي بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، قالت فيها البعثة الدائمة للسودان بالأمم المتحدة، إن الحرب اندلعت بتخطيط آثم وإعداد خبيث من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك عبر "مليشيا" قوات الدعم السريع وغيرها من المليشيات المارقة المتحالفة معها، وفرق المرتزقة من تسع دول مختلفة.

وأشارت الخرطوم إلى أن استهداف مليشيا الدعم السريع بهجماتها المتعددة، والمتكررة، وبالغة الفظاعة ضد المدنيين، والعسكريين، والمنشآت المدنية، والمكونات الاثنية، لم يكن ليتطاول في أمده وفظاعاته بدون الدعم الصريح والواضح من الإمارات. وأوضحت الشكوى، أن الإمارات ترعى مليشيا الدعم السريع بالتمويل، والإسناد الدبلوماسي والإعلامي والدعائي واللوجستي، وبالتدخل العلني، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، ونزوح وتهجير الملايين من السكان، وتعريض الملايين إلى التأثر غير المسبوق بالفجوة الغذائية، وانعدام الرعاية الصحية، ونقصان الأدوية، وتصاعد الشقاء، والمعاناة المهولة، ووقف عجلة الإنتاج، وانهيار الاقتصاد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم ترقى إلى الإبادة لعرب دارفور، وتدمير البنى التحتية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، عززت الخرطوم شكواها بأدلة ووثائق جديدة، تقول إنها تثبت التورط الإماراتي في حرب السودان، بتزويد ما صنفتها بمليشيا الدعم السريع، بالسلاح عبر مطارات تشاد، لكن الحكومة الإماراتية رفضت تلك الاتهامات، ونفت قيامها بتزويد أطراف الصراع في السودان بالأسلحة والذخيرة، منذ اندلاع النزاع في إبريل 2023، وأكدت عدم انحيازها إلىأي طرف، وأنها دعت إلى وقف التصعيد وإطلاق النار، وبدء الحوار السياسي، وأنها دعمت باكراً مسار العملية السياسية في السودان.

وفي يوليو/ تموز الماضي، نجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وبوساطة منه، في جمع البرهان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في مكالمة هاتفية، عبّر فيها البرهان عن امتعاضه من الدعم الإماراتي لدعم "الدعم السريع"، وأبلغ بن زايد بأن بلاده متهمة من قبل السودانيين وبأدلة وشواهد كثيرة، بدعمها للمتمردين، ودعمها لمن يقتل السودانيين ويدمر بلدهم ويشردهم، وعلى الإمارات التوقف عن ذلك، فيما أكد بن زايد حرص بلاده على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد، وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق، بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه، ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء، وكان متوقعاً إجراء لقاء مباشر بين البرهان ومحمد بن زايد، إلا أن العلاقات توترت أكثر بعد ذلك، لتكون وساطة أردوغان التي أعلنها أمس الجمعة، خطوة مهمة ليس في طريق إصلاح العلاقات الثنائية، لكن أيضاً لجهة إنهاء الحرب في السودان.

تلقف حذر لوساطة أردوغان
غير أن أكثر من جهة رحبت بحذر شديد بالوساطة التركية، ويقول رئيس منبر السلام العادل محمد أبوزيد كروم، إن المبادرة التركية لا تقف على ساقين، وكل الأطراف لن تكون متحمسة لها، خصوصاً الإمارات، التي ستتجاهلها، لأنها وبحسب تقديره، ليست أصيلة في الصراع مع السودان، بل هي وكيلة للمشروع الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة، وهي مكلفة بهذه المهمة، وذكر أن أبو ظبي نقلت، أمس الجمعة، سلاحاً إلى دارفور عبر أوغندا، وهي مستمرة في تزويد المليشيا بالسلاح والعتاد، كما أنها داعمة ومساندة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية التي عدّها حليفة سياسية للمليشيا، كما أنها تتبنى تحركات سياسية لتكوين حكومة موازية تحت اسم حكومة المنفى، لمزيد من الضغط السياسي على الحكومة السودانية.

وأضاف كروم لـ"العربي الجديد"، أن تركيا نفسها لم تعد تضع السودان ضمن أجندتها الخارجية المهمة خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن ذلك الأمر عبّر عنه وزير الخارجية هاكان فيدان بطريقة غير مباشرة بعد اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن العلاقات التركية الإماراتية حالياً تُعتبر جيدة وبين الدولتين تعاون، وللإمارات أموال ضخمة في المصارف التركية، لكن الآن أصبحت بينهما سورية، حيث تخشى تركيا من التدخلات الإماراتية في سورية، وتقويض السلطة الجديدة، في وقت تخشى الإمارات "من الإسلاميين الجدد في سورية"، وربما تريد تركيا بواسطتها في السودان، شغل الإمارات بملف المصالحة مع الخرطوم، وتحقيق اختراق خارجي يضاف إلى إنجاز المصالحة الإثيوبية - الصومالية، وعلى الأقل تكون تركيا محافظة على مساحتها التي تناقصت في السودان، وفق كروم.

من جهته، يطالب العميد المتقاعد إبراهيم عقيل مادبو، بالحذر من مثل تلك الوساطات التي تسعى لها دول بناءً على مصالحها، أو بحسب رؤية استراتيجية مستقبلية تضمن لها الاستفادة من مصالح قد لا تكون منظورة، كما أنه من الواجب ألا تُسقط أي مصالحة مع الإمارات مبدأ المساءلة والعقاب، بسبب جرائمها في السودان، مشيراً إلى أن حجم خسائر الحرب التي أججتها وزادتها اشتعالاً، كبير وخطير وضخم، مرجحاً رغبة الإمارات في الموافقة على مصالحة السودان لتحقيق أهداف عجزت عن تحقيقها من باب دعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، وتنسيقية تقدم، فليس من المنطق أن تكون الإمارات راغبة في المصالحة، وفي الوقت نفسه تهبط طائرات إمدادها للتمرد ثلاث أو أربع مرات في مدينة نيالا، أو تبعث بالإمداد عبر تشاد وأفريقيا الوسطى، فليست هذه أفعال من يرغب في التصالح، وفق مادبو.

ويضيف مادبو في حديثه مع "العربي الجديد"، أن ما تقوم به الإمارات لا ينفصل عن محاولات تشكيل خريطة جديدة للمنطقة بعد سقوط بشار الأسد في سورية، وسعي أميركا لتوسيع دائرة الأمان الإسرائيلي، مؤكداً أن الوضع العسكري الجيد للجيش السوداني لا يحتاج إلى مصالحات آنية وهُدن مؤقتة، بل إلى موقف جديد يقود لإنهاء التمرد، ويؤدي إلى سلام دائم. واقترح مادبو، وقبل الموافقة على الانخراط في الوساطة التركية، أن يتم إخضاع فحوى موضوع الوساطة ومسألة قبول الإمارات بها للدراسة والتحليل، فالأمر هنا يتعلق بأمن الوطن واستقراره

وفي السياق عينه، يشترط القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي أسامة حسون، لنجاح المبادرة التركية، التنسيق التام والتوافق مع التحركات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الجهود السعودية الأميركية التي قطعت أشواطاً في منبر جدة منذ العام الماضي، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن الوساطة بين السودان والإمارات بمبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان، ليست بمعزل عن الجهود الكلية لإنهاء حرب السودان، وعودة ملايين النازحين إلى ديارهم، مشيراً إلى أن التداخلات الخارجية، وثروات وموقع السودان الاستراتيجي، واتباع سياسة الإقصاء وعدم التركيز على الوفاق السوداني، كل ذلك يجعل للمبادرات الخارجية دوراً مهماً في حل الأزمة السودانية، مؤكداً أنهم في الحزب الاتحادي يرحبون بمثل تلك الوساطات.

تشاؤم إزاء إمكانية إصلاح العلاقات السودانية الإماراتية
أما المحلل السياسي الجميل الفاضل، فيستبعد تماماً نجاح أي وساطة لإصلاح العلاقات السودانية الإماراتية، وأي نجاح لأي مبادرة أخرى، ما لم يمتلك البرهان قراره بالانعتاق من رقبة الحركة الإسلامية والتحرر من أجندتها، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يبدو مستحيلاً، نتيجة للخلل في موازين القوة الداخلية التي ما زالت تميل إلى صالح الإسلاميين، لا إلى صالح البرهان والجيش.

واستطرد بقوله: "من المعلوم بالضرورة أنه في العلاقات الدولية ليس ثمة شيء بالمجان، فما الذي يملك البرهان أن يقدمه للإمارات حتى تفك الخناق عنه، وهل يستطيع البرهان التضحية بشركائه الإسلاميين في صفقة مع الإمارات، لكي تتنازل هي عن الضغط على حكومة بورتسودان عبر الدعم السريع؟"، مشدداً على أن أي مفاوضات تحكمها المعادلات على الأرض، وليس الأمنيات أو من هم الوسطاء.

العربي الجديد/عبد الحميد عوض  

مقالات مشابهة

  • خبير إسرائيلي: يجب أن ننسحب بشكل تام من غزة بعد وضع هذه المعادلة
  • أحمد مبارك: إثيوبيا رضخت للإرادة المصرية ولن تستفيد شيئا من اتفاقها مع الصومال
  • ثروة الأسد الضخمة في بريطانيا.. هل تنجح سوريا في استردادها؟
  • وزير خارجية الصومال يطلع نظيره المصري على اتفاق نبذ الخلافات مع إثيوبيا في أنقرة
  • العلاقات السودانية الإماراتية.. هل تنجح وساطة أردوغان في إصلاحها؟
  • بنك التنمية الصناعية يوقع اتفاقية تعاون مع المعهد المصرفي المصري
  • عالم مصري يشغل الإنترنت.. اقترح حلاً فعالاً لسد النهضة
  • ستراتفور: إثيوبيا والصومال تفتحان الباب لتسوية النزاع بينهما
  • بعد بدء استخدام Apple Pay في مصر.. ما خطوات تفعيل الخدمة على هاتفك؟
  • أردوغان يعرض الوساطة لحل الخلاف بين الإمارات والسودان