عندما نقول للجيش السوداني "اذهب للتفاوض من أجل السلام أو الانتصار لأهل السودان" لأن الجيش، باعتباره قوة مؤثرة في الساحة السياسية والعسكرية، يحمل مسؤولية كبرى في حماية سيادة البلاد وضمان استقرارها. ومع اشتداد الأزمات، يصبح من الضروري أن يسعى الجيش إلى حل سلمي، لأن استمرار الصراع ليس فقط يؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية والمادية، بل يعمق الانقسامات داخل المجتمع السوداني ويعطل مسار التنمية.


أسباب دعوة الجيش السوداني للتفاوض من أجل السلام:
إنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة: استمرار الصراع يؤدي إلى سقوط الضحايا وتفاقم المعاناة الإنسانية. دخول الجيش في مفاوضات سلام يعني تجنب المزيد من إراقة الدماء والتخفيف من معاناة المواطنين السودانيين الذين يتحملون تبعات الحرب.
و تحقيق الاستقرار الوطني: السودان يعيش حالة من الاضطرابات السياسية والأمنية التي تؤثر على استقراره. الجيش، كجهة قوية ومؤثرة، يمكنه أن يلعب دورًا حاسمًا في تهدئة الأوضاع من خلال الدخول في مفاوضات سلام والبحث عن حلول سياسية شاملة.
و الحفاظ على وحدة السودان: الانقسام السياسي والعسكري يهدد وحدة السودان كدولة. التفاوض من أجل السلام يعزز فرص الحفاظ على تماسك البلاد، والانتصار لأهل السودان: الدخول في مفاوضات جادة يمثل انتصارًا للشعب السوداني الذي يطمح إلى السلام والتنمية، وليس إلى استمرار النزاع. التفاوض يعني أن الجيش يعمل لصالح الشعب، وليس لصالح فئة معينة أو لمصالح ضيقة.
أهم ركائز السلام في السودان:
الحوار الشامل: يجب أن يكون الحوار مفتوحًا لكل الأطراف السودانية، سواء كانت سياسية، عسكرية، أو مجتمعية. هذا يتطلب إشراك الجميع في عملية صنع القرار لضمان قبول الحلول وتطبيقها على أرض الواقع.
العدالة الانتقالية: من أجل تحقيق سلام دائم، يجب معالجة الانتهاكات التي وقعت خلال الصراع، وضمان العدالة والمساءلة لمنع تكرار الفظائع. العدالة الانتقالية تساهم في بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وبين الدولة والمجتمع.
ضمانات دولية ومحلية: السلام يحتاج إلى دعم دولي لضمان تطبيقه واستدامته. الوساطة الدولية، والضمانات التي تقدمها المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تساعد في تقوية التزامات الأطراف تجاه عملية السلام.
التنمية الاقتصادية: يجب أن ترافق المفاوضات خطط تنموية واضحة تعيد بناء الاقتصاد السوداني المتضرر من الحرب، وتعزز من قدرات الدولة على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، مما يقلل من احتمالات العودة إلى الصراع.
إصلاح مؤسسات الدولة: إعادة بناء المؤسسات الأمنية والسياسية على أسس ديمقراطية وشاملة تسهم في خلق نظام سياسي مستدام يعتمد على الحوار والتوافق.
التوافق على نظام الحكم: اتفاق جميع الأطراف على نوعية الحكم التي تحقق العدالة والمساواة للجميع. سواء كان فيدراليًا، أو ديمقراطيًا مركزيًا، أو أي شكل آخر يضمن توزيع السلطة والموارد بشكل عادل.
التفاوض من أجل السلام هو خيار استراتيجي لتحقيق مصلحة الشعب السوداني، وتقليل المعاناة، وإرساء الاستقرار. بينما يمثل الجيش جزءًا هامًا من هذا الحل، فإن الركائز الأساسية لسلام دائم تشمل الحوار الشامل، العدالة الانتقالية، الضمانات الدولية، التنمية الاقتصادية، وإصلاح المؤسسات. إن تحقق هذه الركائز يعني انتصارًا حقيقيًا لأهل السودان ومصلحتهم العليا.
من الممكن أن تكون هناك رؤية ضد وقف الحرب، خاصة لدى بعض الأطراف التي ترى أن الانتصار العسكري على قوات الدعم السريع هو السبيل الوحيد لحل الأزمة وتأمين سيادة الدولة. هذه الرؤية تنبع من القناعة بأن الحل العسكري هو الأنسب للقضاء على التمرد وإعادة الاستقرار، وأن التفاوض قد يُعتبر تهاونًا مع "أعداء الدولة" أو تعطيلاً لمسار استعادة الأمن.
معالجة الوضع بين الدعوات للحل العسكري والتفاوض:
الفهم العميق للدوافع: أولاً، يجب الاعتراف بأن الرؤية الداعمة لاستمرار القتال والانتصار العسكري ليست بالضرورة مبنية على رغبة في الحرب بحد ذاتها، بل تنبع من مخاوف مرتبطة بأمن الدولة وتماسكها. أنصار هذه الرؤية يرون في الدعم السريع قوة تهدد الوحدة الوطنية ويخشون أن يؤدي التفاوض إلى شرعنة هذه القوة أو تقديم تنازلات.
التوازن بين الحلول العسكرية والسياسية: بينما قد تكون هناك مبررات لضرورة الرد العسكري على الدعم السريع لضمان أمن الدولة، من الضروري إدراك أن الحل العسكري وحده قد لا يكون مستدامًا على المدى البعيد. الحروب في الغالب تترك ندوبًا عميقة في المجتمع، ومع الوقت قد تؤدي إلى مزيد من التفكك والاضطراب. لذلك، يجب أن يُنظر إلى العمل العسكري كجزء من استراتيجية شاملة تتضمن الحلول السياسية.
العمل على بناء الثقة: يجب أن تكون هناك جهود لبناء الثقة بين جميع الأطراف، بما في ذلك الجيش والدعم السريع، وكذلك القوى المدنية. يمكن تحقيق ذلك من خلال وسطاء محليين أو دوليين يعززون فرص الحوار ويطمئنون جميع الأطراف بأن التفاوض ليس تنازلاً، بل خطوة نحو استقرار شامل.
ضمانات لمحاسبة المذنبين: يجب أن تتضمن أي خطة سلام أو تسوية سياسية ضمانات واضحة لمحاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات خلال الحرب. العدالة الانتقالية تلعب دورًا رئيسيًا في تهدئة مخاوف الجيش والقوى التي تخشى من أن التفاوض يعني التنازل عن معاقبة "المتمردين". من خلال وجود محاكمات عادلة وآليات لمحاسبة المذنبين، يمكن التخفيف من التوترات.
إشراك المجتمع المدني: المجتمع المدني يلعب دورًا حيويًا في الضغط من أجل السلام ودفع الأطراف إلى الحوار. يجب تشجيع المجتمع المدني السوداني على القيام بدوره في الوساطة بين الجيش والدعم السريع والدفع نحو تسوية توازن بين الأمن والمصالح الوطنية والعدالة.
الدعم الدولي والإقليمي: يمكن أن يكون للمجتمع الدولي والإقليمي دور فعال في هذا السياق. الوساطة الدولية ليست فقط أداة لتحقيق التفاوض، بل يمكنها أيضًا أن تضمن تنفيذ الحلول وتقديم ضمانات للأطراف المتخوفة من نتائج التفاوض. الدعم الإقليمي من دول الجوار الأفريقي والعربي ضروري لتهدئة إعادة بناء مؤسسات الدولة: في حالة استمرار النزاع أو حتى بعد تحقيق الانتصار العسكري، فإن إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية والأمنية يجب أن تكون أولوية. هذا يساعد في تجنب العودة إلى الفوضى أو الاضطرابات. إن وجود مؤسسات قوية وشرعية يدعم أي تسوية سياسية مستقبلية.
• التفاوض بشروط صارمة:
• يمكن الوصول إلى حل وسط يتمثل في التفاوض بشروط صارمة تضمن عدم شرعنة المتمردين أو تقديم تنازلات كبيرة تمس سيادة الدولة. في الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك ضمانات لوقف الحرب تدريجيًا، مع الحفاظ على مصالح الجيش وأمن الدولة.
• خطوات مؤقتة نحو التفاوض: في حال كان من الصعب الوصول إلى تسوية مباشرة، يمكن بدء خطوات مؤقتة تشمل وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، تمهيدًا لحوار أوسع يشمل كل الأطراف. هذا يساعد على كسر جمود المواقف ويتيح الفرصة لتقييم الجوانب الإيجابية للتفاوض دون الشعور بتقديم تنازلات فورية.
• التركيز على مصلحة السودان العليا و في كل الأحوال، يجب أن يتم التركيز على مصلحة الشعب السوداني ككل، وليس على تحقيق الانتصارات العسكرية فقط. تحقيق السلام والاستقرار في نهاية المطاف هو الانتصار الأكبر لأهل السودان.
التفاوض ليس بالضرورة تهاونًا، بل يمكن أن يكون خطوة حكيمة نحو تحقيق سلام مستدام. يجب أن يتم التعامل مع الوضع من خلال رؤية متوازنة تجمع بين الحل العسكري إذا لزم الأمر للحفاظ على الأمن، وبين الحوار السياسي لتحقيق السلام. إن معالجة الوضع تحتاج إلى الحكمة والتروي لضمان استقرار السودان وعودة الحياة الطبيعية للشعب السوداني بعيدًا عن مزيد من الحروب.
إن السلام ليس مجرد طموح بعيد المنال، بل هو لغة العقل التي ينبغي لكل سوداني أن يتحلى بها من أجل وطنه، بعيدًا عن أي منطلق قبلي أو جهوي أو حزبي. فالوحدة والتضامن والتفاهم هي السبيل الوحيد لبناء مستقبل مشرق للسودان."

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة من أجل السلام الدعم السریع لأهل السودان تکون هناک أن تکون من خلال یجب أن بعید ا

إقرأ أيضاً:

مفكر سوداني: السودان مستعمرة مصرية يديرها الجيش بالإنابة

بحسب النور حمد، آن الأوان لكي يخرج السودان من الاستقلال الإسمي الزائف الذي استمر منذ 1956 إلى الاستقلال الحقيقي.

الخرطوم: التغيير

قال المفكر السوداني النور حمد، إن السودان منذ استقلاله ظل مستعمرة مصرية يديرها بالإنابة قادة الجيش السوداني والنخب السياسية الفاسدة.

وأشار المفكر السوداني إلى أنه آن الأوان لكي يخرج السودان من الاستقلال الإسمي الزائف الذي استمر منذ 1956 إلى الاستقلال الحقيقي.

ويأتي حديث حمد على خلفية اتهام قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) للجيش المصري بقصف قواته بالطيران ومساندة الجيش السوداني في المعارك التي تدور بينهما حالياً.

ويشهد السودان حرباً بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف ابريل 2023، راح ضحيتها مئات الآلاف وتسبب في أزمة إنسانية غير مسبوقة.

ومنذ استقلال السودان عن بريطانيا ومصر عام 1956، لعبت مصر دورًا كبيرًا في التأثير على سياسات البلاد.

ودعمت القاهرة مرارًا الأنظمة العسكرية التي سيطرت على الحكم في السودان، بدءًا من حكم الفريق إبراهيم عبود في الستينيات، مرورًا بجعفر النميري، وحتى دعمها للنظام العسكري بقيادة عمر البشير.

كما أن القاهرة وقفت ضد أي تحولات ديمقراطية تُضعف سيطرة الجيش السوداني على السلطة، حفاظًا على مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك ملف مياه النيل وتأمين حدودها الجنوبية.

وفي ظل الأزمات السياسية والأمنية المستمرة، يبقى الدور المصري في السودان ملفًا معقدًا يؤثر بشكل كبير على مساعي السودانيين لتحقيق ديمقراطية حقيقية وتحقيق استقلال سياسي واقتصادي فعلي.

الوسومالجيش السوداني العلاقات السودانية المصرية النور حمد قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • انتصرنا ولا يزال السلام سكة طريقنا!
  • نساء السودان.. بحث عن القيادة والتمكين الاقتصادي
  • الحكومة السودانية تعلن استعدادها للجلوس في أي منبر لتحقيق السلام
  • شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تفاجئ المتابعين وتظهر بالزي العسكري للجيش وتقدم به فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة ميادة قمر الدين الجديدة
  • مجازر وحصار وتهجير.. الجيش الإسرائيلي يكثف الضغط العسكري على شمال غزة
  • أكذوبة التمكين و حتمية الانهيار من الداخل
  • مجددًا دعمه.. الاتحاد الاوروبي حثّ الأطراف على ضمان سلامة العاملين في اليونيفيل
  • الجيش اللبناني: لا صحة لما تداول حول تقديم أجهزة إنارة بها مواد متفجرة وأجهزة تنصت لمراكز الإيواء
  • مفكر سوداني: السودان مستعمرة مصرية يديرها الجيش بالإنابة