حددت وزارة الأوقاف ، موضوع خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024م بعنوان : "لا يسخر قوم من قوم".
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة هو التنبيه  إلى تعظيم حرمة الإنسان وعدم التنمر به، أو التسلط عليه، أو إلحاق الأذى به، أو معايرته بعيب فيه، أو الاستهزاء به بالقول أو الفعل أو الإشارة، سواء في الواقع بين الناس أو في العالم الافتراضي (السوشيال ميديا).


وأضافت وزارة الأوقاف أن عناصر الخطبة تهدف إلى بيان تعظيم حرمة الإنسان، والتحذير من التنمر والسخرية، وخطورة التنمر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.


وفيما يلي نص خطبة الجمعة 


*لا يسخر قوم من قوم*
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما تقول، ولك الحمد خيرا مما نقول، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدا فردا صمدا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الإنسان بنيان الله وصنعته، خلقه سبحانه بيده، وكرمه وقدره، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل لهدايته الكتب، ولأجله جعل الدنيا والآخرة، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه. 
أيها السادة، إن هذا المخلوق المكرم بتكريم الحق سبحانه له، مصون عرضه من أن يخدش أو يجرح أو ينتقص من قدره؛ لذلك حرم الله تعالى كل صور السخرية من الإنسان والتنمر والاستهزاء به، وجرم كل ألوان الهمز واللمز والاحتقار، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.
أرأيتم أيها الكرام هذه المناهي المتصلة المتتابعة، المسطورة في الوحي الشريف عن كل ما من شأنه أن ينال من شموخ الإنسان وعظمته ويحقر من شأنه؟! «لا يسخر، ولا تلمزوا، ولا تنابزوا بالألقاب»، ثم انظر إلى هذا الختام الذي يخلع القلوب! {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.
يا سادة! إنها حرمة الإنسان التي تعدل حرمة يوم عرفة وحرمة شهر ذي الحجة وحرمة مكة المكرمة! اسمع إلى هذا البيان النبوي الشديد: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا».
فكيف يجسر إنسان على تحقير من وقره الله؟ وكيف يجرؤ على الاستهانة بمن عظمه الله؟! فيقع في عرض إنسان متنمرا ساخرا من شكله أو لونه أو طوله أو وزنه أو جنسه أو لغته أو حالته الاجتماعية، سواء أكان ذلك بكلمة نابية أو فعل جارح أو إشارة مسيئة، أو صورة ساخرة أو محتوى مشين مؤذ على مواقع التواصل الاجتماعي التي يكون ذنب التنمر فيها أشد؛ فهو ذنب مركب من التنمر والسخرية والغيبة واحتقار الناس والاستهزاء بهم، وهي طوام بعضها فوق بعض!
إن السخرية تفرق القلوب، وتوغر الصدور، وتدل على انتكاس الفطرة وقلة الحياء، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}: «إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك»!
أخي الكريم! ألا تعلم أن هذا الذي سخر منه وتنمر به قد يكون عند الله أغلى وعند الناس أرقى؟! فهو أنقى ضميرا، وأطيب قلبا، وأزكى عملا، فقد مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده: «ما رأيك في هذا؟» فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس! لا يسخر قوم من قوم، فإن الإنسان السوي الذي يحترم نفسه ويعرف قدرها لا يرضى أن يحتقره أحد، أو يسخر منه، أو يتنمر به، فكيف يرضى لغيره ذلك؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه». 
إن المؤمن الحيي الخلوق لا يسخر من أحد، ولا يتنمر بأحد، ولا يحتقر أحدا؛ لأنه يعلم أن الناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، يوقن أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وأن الإنسان التقي متواضع مخبت حيي حافظ للسانه وقلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت .. واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة وزير الاوقاف خطبة الجمعة المقبلة رسول الله صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف

نشر موقع صدى البلد، بث مباشر لشعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف بمحافظة القاهرة.

نائبًا عن الإمام الأكبر.. رئيس جامعة الأزهر يشارك في مؤتمر مكافحة كراهية الإسلام بجامعة الدول العربيةبإجمالي 1239محفظًا.. اعتماد نتيجة اختبارات معلمي القرآن الكريم بالجامع الأزهر

وحددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم، لتكون تحت عنوان "لله درٌّك يا ابن عباس" معلنة أن الهدف من خطبة الجمعة اليوم هو تسليط الضوء على خطورة الانجراف خلف التيارات الفكرية المنحرفة.

موضوع خطبة الجمعة اليوم

وأوضحت وزارة الأوقاف، أنه سيتم خلال خطبة الجمعة اليوم، استحضار الموقف التاريخي البارز للصحابي الجليل عبد الله بن عباس، المُلقب بحبر الأمة وترجمان القرآن، في تصديه للفكر الخارجي بالحكمة والعلم والبصيرة.

كما تهدف خطبة الجمعة اليوم، إلى إبراز قيمة الفهم العميق للنصوص الشرعية، وأهمية الحوار الهادئ المدعوم بالحجج والبراهين، كوسيلة فعالة لمواجهة الغلو والتطرف، دون اللجوء إلى الشدة أو التعصب.

ومن المقرر أن تناول خطبة الجمعة اليوم، التأكيد على ضرورة فهم النصوص في سياقها الصحيح، ومعرفة أسباب نزولها، والرجوع إلى الكليات والمقاصد الشرعية الكبرى، بما يسهم في تحصين المسلم من الوقوع فريسة لأصحاب الفكر المنحرف.

وفي الخطبة الثانية، سيتم التركيز على قضية "يقظة الضمير" كعنصر أساسي في إصلاح الأفراد والمجتمعات، والتنبيه إلى أن ضمير الإنسان هو بوصلته الأخلاقية التي توجهه نحو الصواب وتجنبه الانحراف.

نص خطبة الجمعة اليوم

الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وتاج رؤوسنا وقرة أعيننا وبهجة قلوبنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإننا نقف اليوم وقفة تأمل عند حادثة عظيمة، ومناظرة فريدة، سطرها التاريخ الإسلامي بمداد من نور؛ إنها مناظرة الصحابي الجليل حبر الأمة، وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس  للخوارج، تلك الحادثة التي لم تكن مجرد سجال عقلي، بل كانت رحمة من الله، ونموذجا يحتذى به في التعامل مع الفكر الضال، وسبيلا لانتشال الأمة من هوة الشقاق والخلاف، لقد خرج الخوارج عن جماعة المسلمين، شقوا عصا الطاعة، وكفروا بالمآل، واستحلوا الدماء؛ ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا، وأنهم على الحق المبين، عميت أبصارهم عن فهم مقاصد الشرع، وتحجرت قلوبهم عن سماع صوت الحكمة، يفهمون الظواهر ويغفلون عن الجواهر، يركزون على الحرف ويتركون الروح، وقد نتج عن ذلك أن قامت التيارات الفكرية في زمان سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بتكفير المجتمع وحمل السلاح في وجهه.  

أيها الكرام، يشاء الله أن يقيم سيدنا عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، في زمانه نموذجا ملهما في الجرأة والوضوح في مواجهة هذا الفكر المنحرف، فقام رضي الله عنه يناقشهم ويفند باطلهم، ويرد عليهم في كل النقاط التي يتطرفون فيها، من مسائل الحاكمية، والولاء والبراء، والتكفير، واستحلال الدماء، والغلظة في الفهم، وقد ضرب رضي الله عنه مثلا للعالم الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، والذي لا يترك الساحة للفكر المتشدد حتى يعيث فيها فسادا، لقد بين لهم، قولا وفعلا، أن فكر التطرف في حقيقته قبح شديد، قبح يعتدي على كل ما في الشريعة من نور ورحمة وسعة وجمال، وأن ما يحمله هذا الفكر من عنف في المظهر، وغلظة في الفهم، وضيق في الأفق، لا يمت إلى هدي الإسلام بصلة، وإنما هو غلو مردود، تحصن المجتمعات من شره بالعلم والحوار والبيان.

أيها الناس، هذه رسالة إلى أصحاب الفكر المنحرف، هل أنتم حقا تفهمون حكم الله؟ سؤال إلى خوارج العصر، هل سألتم أنفسكم حقا: هل الرحمة تتجسد في قتل الأبرياء، وتدمير الأوطان، وإشاعة الخوف والرعب بين الناس؟ ألم يقل رب العزة في كتابه الكريم: }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

أيتها الأمة المرحومة، لقد امتد هذا الإشكال إلى واقعنا المعاصر، فقامت سائر التيارات المتطرفة في زماننا نتيجة هذا الفهم بتكفير المسلمين؛ مما يوصلنا إلى أن نصبح أمام منهجين؛ منهج فكري مستقيم ومستنير يقابله منهج فكري سقيم ومضطرب، مفعم بالتشنج، غاضب ومندفع وعدواني، عنده حماس الفهم للإسلام دون فقه ولا بصيرة ولا أدوات للفهم إلى غير ذلك من سماته وخصائصه الثابتة، وهو يظهر عبر الزمان على هيئة موجات متتالية، وكلما مضت عدة أجيال برزت منه موجة جديدة، بهيئة مغايرة، وتحت شعار واسم جديدين، لكنها تستصحب طريقة التفكير بعينها، وتعيد نفس المقولات والنظريات بعينها، وترتكب الأخطاء الفادحة في فهم الوحي بعينها.  

أيها الكرام، قد أثمرت هذه المناظرة المباركة ثمارا عظيمة؛ حيث رجع منهم ما يقارب ألفين أو ألفين وخمسمائة رجل، وهو عدد هائل في ذلك الوقت، وهذا يدل على قوة الحجة، وصفاء المنهج، وتوفيق الله لمن قام بواجب البيان، فكيف واجه ابن عباس التطرف في زمانه؟ واجهه بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدا عن الغلظة والشدة في بداية الأمر، وإنما بالحجة التي تقيم الدليل وتوضح السبيل، ليعلمنا ابن عباس رضي الله عنهما دروسا بليغة في مواجهة التطرف في أي زمان ومكان، وأنه لا يواجه بالشدة والعنف إلا بعد استنفاد كل وسائل الحوار والبيان، فلله درك يا ابن عباس. 

طباعة شارك صلاة الجمعة الجامع الأزهر الأزهر الشريف القاهرة الأوقاف وزارة الأوقاف

مقالات مشابهة

  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف
  • هل يجوز إنهاء المصلي عن الكلام أثناء خطبة الجمعة؟..الأزهر يجيب
  • موضوع خطبة الجمعة اليوم بالمساجد والهدف منها
  • فعل يقع فيه البعض نهى النبي عن فعله يوم الجمعة.. احذر الوقوع فيه
  • حكم ترك خطبة الجمعة وأداء الركعتين فقط.. الإفتاء تجيب
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • موضوع خطبة الجمعة لـ وزارة الأوقاف.. «لله درُّكَ يا ابن عباس»
  • الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة غدًا... تعرف عليها