خسائر القطاعات الاقتصادية تقدر ب 18 مليار دولار.. فهل مالية الدولة قادرة على تحمل هذه الاعباء؟
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
من مستحيلات الواقع تقدير الخسائر المترتبة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان. فكل الأخبار التي ترد إلى مسامع اللبنانيين من بلدات الجنوب الحدودية مفادها بأن نهاية الحرب ستكون مفاجئة وأن الخسائر ستكون كبيرة وأن تدميراً ممنهجاً للبلدات الجنوبية سارٍ على قدم وساق وان النتيجة ستكون أرض مسطحة غير قابلة للعيش فيها أو عليها.
وأمام هذا الواقع يعيش اللبنانيون هاجس توسع رقعة الأعمال القتالية الحربية بين لبنان من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة اخرى، ومدى تأثير ذلك سلباً على اقتصاد لبنان، في وقت تُنذر المؤشرات السلبية المتتالية بمستقبل اقتصادي أكثر اضطراباً لبلد يواجه أزمة اقتصادية وصفت بالأصعب في تاريخ البلاد منذ نهاية عام 2019 ولا زالت تلقي بظلالها على مختلف القطاعات حتى اللحظة. وبين هاجس الحرب وحالة القلق اليومية التي يعيشها اللبناني، فإن الاهتمام سوف ينصب في مرحلة لاحقة على مستوى الخسائر الاقتصادية والبشرية الكبيرة التي أصابت البلاد بشكل كارثي.
ولا يمكن لأي خبير اقتصادي تقدير الخسائر التي ستخلّفها الحرب القائمة ما لم تتوقف الحرب وما لم يأخذ بالإعتبار الوضع الاقتصادي السيء الذي يعانيه البلد منذ عام 2019 .فالخسائر طالت القطاعات الاقتصادية المنتجة والخدماتية وتقدر حتى اليوم بحوالي 18 مليار دولار، مع نمو سلبي جدًا في الناتج المحلي. في حين أن لبنان يفتقر إلى الدعم المالي العربي منذ ما قبل الحرب. وكانت الإسكوا دعت في تقرير أصدرته الشهر الماضي إلى اتباع نهج منسّق للتعافي وإعادة الإعمار مخصص للمنطقة بدعم من المجتمع الدولي، وذلك لضمان مسار مستدام للمضي قدمًا في المناطق التي مزّقتها الحرب في لبنان. في حين أعلن برنامج الأغذية العالمي قبل أيام إنه يعمل على توسيع نطاق المساعدات للوصول إلى مليون شخص متضرر من الأزمة الحالية، داعيا المجتمع الدولي إلى تعبئة الموارد اللازمة لهذه الاستجابة الإنسانية الحاسمة، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن ضمان الحصول على الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة يشكل أولوية قصوى في لبنان.
وبحسب أستاذ الإقتصاد بلال علامة فإن الضغوط التي فرضتها حرب المساندة نتج عنها الكثير من الخسائر وأبرزها نزوح مئات آلاف العائلات وتوقف النشاط الزراعي كلياً على الحدود الممتدة من بلدة الناقورة في القطاع الغربي إلى شبعا في القطاع الشرقي بالإضافة الى إقفال المصانع الصغيرة وإنهيار قطاع الدواجن والمزارع .
وبين هاجس الحرب وحالة القلق اليومية التي يعيشها اللبناني، يبقى الترقب الوحيد في نتائج الحرب، بحسب علامة، هو للخسائر الكبيرة جداً، منها المباشر ومنها غير المباشر والتي تتراوح حتى اليوم ما بين سبعة مليارات دولار و18 مليار دولار. ومن المؤكد أنه حالياً من الصعب إعطاء تقديرات نهائية للخسائر لأن الأعمال الحربية مستمرة. ففي الخسائر المتعلقة بالأبنية هناك ما بين 15 و20 ألف وحدة سكنية متضررة كلياً داخل البلدات الحدودية، وهناك أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي.
بالنسبة للقطاع الزراعي، يقول علامة: هناك عشرات آلاف الهكتارات الزراعية في الجنوب تضررت نتيجة القصف بالقنابل الفوسفورية والمشهد يشبه الأرض المحروقة، وبالاضافة إلى الأرض الزراعية فإن التربة سوف تحتاج الى سنوات طويلة لكي تعود كما كانت، وتجدر الإشارة إلى أن الحرب منعت المزارعين من زراعة 20 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية، وأيضاً من القطاعات التي لحقها الدمار آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في محافظة الجنوب عموماً.
أما على خط عدد النازحين الذي وصل لحدود مليون وأربعماية ألف نازح، فإن هذا الواقع سيترتب على مستوى الإيواء والإغاثة، وفق علامة، كلفة كبيرة جداً على الدولة وماليتها وسيكون من الصعب على لبنان تحملها. ولذلك يمكن القول، وفق علامة، إن الحرب الدائرة منذ عام ساهمت في القضاء على كل منافذ الإقتصاد اللبناني كالسياحة والصناعة والزراعة بالإضافة الى تحميل مالية الدولة أعباء وخسائر قد يكون من سابع المستحيلات تغطيتها.
في المقابل، وبعد مرور عام على الحرب في غزة، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمة خانقة تتمثل في خسائر اقتصادية جسيمة تجاوزت كل التوقعات، ما يعكس بحسب علامة، الأثر العميق الذي تركته هذه الحرب على البنية الاقتصادية للكيان الإسرائيلي. فقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي تراجعًا ملحوظًا في أداء معظم القطاعات الحيوية، بما في ذلك التكنولوجيا والسياحة والزراعة، بالإضافة إلى زيادة التكاليف العسكرية التي أثقلت كاهل الميزانية العامة.
فتحت ضغط هذه الحرب المستمرة، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم الدعم المالي للسكان في المناطق المتضررة، ما أدى إلى توفير إقامات مؤقتة ورعاية للنازحين، وزيادة العبء المالي على كاهل الكيان في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية والاقتصادية. كما شهد الشيكل الإسرائيلي تراجعًا ملحوظًا أمام العملات الرئيسية، وتشير التقديرات إلى أن قيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 10% على الرغم من ضخ البنك المركزي الإسرائيلي قرابة 30 مليار دولار للحفاظ على قيمة الشيكل، وقد أثر ذلك على رصيد إسرائيل من احتياطيات النقد الأجنبي ما أثر سلبًا على ثقة المستثمرين في السوق الإسرائيلية.
هذا التراجع في الثقة على مستوى الاستثمار أدى بدوره، وفق قراءة علامة، إلى خفض التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي من قبل وكالات التصنيف الدولية، حيث خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من "إيه+" (A+) إلى "إيه" (A) جرّاء المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى خطر اندلاع حرب أكثر مباشرة مع إيران. وكانت وكالة موديز من ناحيتها قد خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني درجتين إلى "بي إيه إيه1" (Baa1) الأسبوع الماضي، وحذرت من خفضه إلى درجة "عالي المخاطر" إذا تحوّل التوتر الحالي المتصاعد مع حزب الله إلى صراع واسع النطاق.
وسط ما تقدم يعتبر علامة، أن الحروب بكل أشكالها ينتج عنها خسائر بعضها يظهر مباشرةً وبعضها يظهر بعد انتهاء الحروب. والأكيد أن الخسائر المتراكمة لكيان العدو الإسرائيلي كبيرة، ولكن حسب ما هو معمول به في هيكلية الإقتصاد الإسرائيلي فإن هذا الكيان قادر على تغطية هذه الخسائر بمساعدة الولايات المتحدة والدول الغربية .أما بالنسبة لخسائر لبنان فالواضح أن الإقتصاد اللبناني المترنح لن يتحملها وقد يكون لبنان بحاجة لعشر سنوات لتغطية الخسائر في حال مدت الدول الصديقة والشقيقة يد العون والمساعدة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي يقدم مليار دولار لإعادة إعمار لبنان.. قرض ومساعدات دولية
أعلن مكتب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام الأربعاء عن تقديم البنك الدولي برنامجًا بقيمة مليار دولار لدعم عملية إعادة إعمار لبنان، حيث سيشمل البرنامج قرضًا قدره 250 مليون دولار، بينما سيتم توفير باقي التمويل من خلال مساعدات دولية إضافية.
وفي تصريحات لوزير المالية اللبناني، ياسين جابر، أوضح أن اللقاء الذي جمعه مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، أرنستو ريجو، وفريق العمل كان مثمرًا وتخلله نقاش صريح حول الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
وأكد جابر أن الحكومة اللبنانية مصممة على المضي قدمًا في تنفيذ هذه الإصلاحات، ليس تحت ضغط من أي جهة، ولكن لأن البلاد بحاجة ماسة إليها للانتعاش وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
كما لفت الوزير إلى أن خطة الإصلاحات بدأت تأخذ شكلًا واضحًا، وأنه سيتم عقد اجتماع آخر خلال الأيام القادمة بحضور مسؤولين من مختلف الوزارات اللبنانية، بما في ذلك وزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان، لتحديد الأولويات والإجراءات التي يجب اتخاذها.
وأشار إلى أن الاجتماعات الفنية قد بدأت بالفعل مع فرق العمل في وزارة المالية وغيرها من الجهات المعنية.
وفيما يخص تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، شدد جابر على أنه يعد من الأولويات في الفترة المقبلة، حيث سيكون له دور محوري في التعاطي مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف أنه في حال تم تعيين الحاكم قبل بداية شهر نيسان/ إبرايل، سيقوم فريق صندوق النقد الدولي بزيارة لبنان مجددًا، وإن لم يحدث ذلك، فسيتم عقد لقاءات مع المسؤولين في اجتماعات الربيع التي يعقدها الصندوق في واشنطن.
ويأمل لبنان أن يسهم هذا البرنامج في مواجهة الأزمة الاقتصادية المستمرة، وأن يكون خطوة نحو الاستقرار والنمو على المدى الطويل.