قال الشيخ أبو اليزيد سلامة، من علماء الأزهر، إن هناك فعلاً يحدث يوميًا فى البيوت يعتبر كفران بالنعم ، مؤكدًا على أهمية اجتماع أفراد الأسرة على مائدة واحدة للطعام وما نحوه  يعتبر من السنن التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم.

50 دعاء بعد الصلاة يقضي الله حاجتك وديونك ويوسع رزقك هل قراءة آية "الله نور السموات والأرض" تجلب الخير والبركة وسعة الرزق؟ كفران النعم

وشدد “ سلامة ” في إجابته عن سؤال: ماهي آداب الطعام في الإسلام  ؟، على أهمية الاجتماع على مائدة واحدة، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر من السنن التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن تناول الطعام في أوقات مختلفة بين أفراد الأسرة يؤدي إلى هدر كبير في النعمة.

وأوضح أن ذلك يتعارض مع مفهوم الاعتدال الذي حث عليه الإسلام، منوهًا بأن فكرة أن يكون لديك طعام وتتعامل معه على أنه مجرد فائض فكرة سيئة جدًا، والمفترض إننا نتخلص من هذه العادة..

وأضاف أن قديمًا كنا نجتمع على نوع واحد أو نوعين من الطعام، لكن الآن الأسرة أصبحت تتنوع في الطلبات، الابن يقول لك: "لا أنا أريد بيتزا"، والبنت تقول: "أنا أريد ذلك المثلث"، والأب يقول: "أريد أكل من البيت."

وتابع: ليتنا نحاول التوفيق بين الآراء ونعود أولادنا من الصغر إننا نجلس على مائدة واحدة، فيها نوعين أو ثلاثة من الطعام، منعًا لحدوث ذلك الهدر الكبير الذي نراه ، والذي يدخل في إطار الكفران بنعم الله سبحانه وتعالى .

ونبه إلى أنه عندما يوضع نوع من  الطعام، والناس تتعامل معه باستخفاف، هذا يكون خطأ، لافتًا إلى أنه لدينا مشكلة في البيوت إننا نأتي بكل الطلبات بمنتهى اليسر، وكأننا جعلنا أبنائنا يعتادون على طلب أي شيء، وفي النهاية يتم رميه.

وأشار إلى أن ذلك رغم أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن الأكل والصدقة والماء والملبس ليكون باعتدال وليس بإسراف ، وأوصانا -صلى الله عليه وسلم - بالحرص والاقتصاد.

معنى كفران النعمة

ورد أن الكفر يعني في الأصل الإخفاء ، وبما أنّ الكافر يسعى في إخفاء وتغطية النعمة ، وقيمتها فسمّي عمله بالكفران، ومن البديهي أنّ الكفران مرّة يكون بالقلب وأخرى باللسان وأخرى بالعمل. مثلا ربما لا يستشعر الإنسان في قلبه أهمية تلك النعمة ، ويصرّح بلسانه بقلّة النعمة وعدم أهميتها ، وفي العمل لا يتحرك من موقع الاهتمام بمواهب الله عليه ، وبدلاً من أن يستعملها بالخير ، يستعملها بالشر.

 ولذلك قال كبار علماء الأخلاق :«الشُّكْرُ صَرفُ العَبدُ جَمِيعَ ما أَنْعَمَهُ اللهُ تَعالى فِي ما خُلِقَ لأجلِهِ». ولذلك فالكفران ربما هو استعمال النعم في غير محلها ، فالعين التي وهبها الله تعالى للإنسان ليرى بها طريق الحق والآيات الإلهية ويشخص بها الطريق السوي من البئر لئلا يقع فيه ، فإذا به يستعملها في موارد الحرام ، وكذلك اليد والأذن وغيرها من الجوارح أو المال والثروة،  وكأنّ هذا الكلام مقتبس من كلام الإمام الصادق عليه ‌السلام ، حيث يقول : «شُكرُ النِّعمَةِ اجتناب المَحارمِ» .

وورد أنه بناء عليه فإنّ «الكفران» هو عدم الاعتناء بالنعم وتحقيرها وتضييعها ، وهو من الرذائل الأخلاقية ذات العواقب الوخيمة ، سواء كانت على الصعيد الفردي أو الاجتماعي ، والكفران يقطع أواصر المحبّة والوئام ويجعل من المجتمع جهنّماً لا يطاق يعيش فيه الانسان حالات من العداوة والبغض والحقد!.

شكر النعمة

 و اما «شكر النعمة» هو قضية فطرية ، اودعت في الإنسان لتفتح له آفاق التوحيد ومعرفة الله تعالى ،.والواقع أنّ الشكر يقرّب القلوب ويحكّم المحبّة في المجتمع و« شكر النعمة» يمكن أن يكون باللسان أو بالعمل ، بهذه الإشارة نعود للقرآن الكريم لنستعرض فيه بعض الآيات التي تذم حالة الكفران ، وتمدح حالة الشكر للنعمة :

١ ـ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)( إبراهيم ، الآية ٧.).
٢ ـ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)( النمل ، الآية ٤٠).
3ـ (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً)( الاسراء ، الآية ٦٧.).
4 ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)( إبراهيم ، الآية ٢٨ و ٢٩).

عقوبة الكفران بالنعم 

وورد أن الكفران بالنعمة يفضي إلى نتائج سيئة كثيرة في دائرة الماديات والمعنويات في حياة الإنسان فمن ذلك أنّه يتسبب في زوال النعم ، لأنّ الباري تعالى حكيم ، لا يعطي شخصاً شيئاً بدون حساب ولا يسلب أحداً شيئاً بلا مبرر ، فالذين يكفرون بالمنعم فلسان حالهم يقول :بأننا لا نليق ولا نستحق هذه النعم ، فتوجب الحكمة الإلهية سلب تلك النعم منهم ، والذين يشكرون النعم فلسان حالهم يقول : إننا نستحق تلك النعم الإلهية وزد علينا يا ربّ ، مثلاً عند ما يرى الفلاح أنّ في بستانه أشجاراً مورقة أكثر من غيرهافسوف يعتني بها أكثر من غيرها حتى تنمو وتكبر بسرعة وتثمر ، وإذا شاهد أشجاراً لا تثمر ولا تورق ولا ظلّ لها مهما أهتم بها وبذل لها العناية في مجال السقي والتهذيب ، فكفران الأشجار للنعمة يدعو الفلاح لعدم الاعتناء بها وتركها لحالها.

وقد ورد في حديث عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنّه قال :«مَنْ شَكَرَ النِّعَمَ بِجِنانِهِ استَحَقَّ المَزيدَ قَبْلَ أَن يَظهَرَ عَلَى لِسانِهِ» (.مستدرك الوسائل ، ج ٢ ، ص ٣٩٩)وجاء في روايات أخرى نقلت عن الإمام الصادق عليه‌ السلام أنّه وبمجرّد الحمد والثناء يصدر الباري تعالى أمره بزيادة النعم على ذلك العبد ، فقال : «ما أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبدٍ مِنْ نِعمَةٍ فَعَرَفَها بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ ظاهِراً بِلِسانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ» (أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٩٥ ، ح ٩.).

وبديهي أنّ الكفران يفضي إلى نتائج معاكسة كذلك ، ويمكن أن يلطف به الله تعالى ويؤخر عنه سلب النعمة ولكن وعلى أية حال إذا لم يتنبه الإنسان وبقي على ما هو عليه في دائرة الغفلة والجحود للنعمة ، فستسلب منه بالتأكيد ، لأنّ ذلك من لوازم الحكمة الإلهية. ومن جهة أخرى فإنّ الكفران يسبب البعد من الله تعالى وهو الخسران الأكبر و لأنّ شكر المنعم أمر وجداني ، فعند ما يرى الإنسان نفسه غارقاً بالنعم الظاهرة والباطنة ، وأنّها ليست منه فسيسعى لشكر المنعم من خلال البحث عن مصدر النعمة ، وهذا هو الذي يُمهد الطريق لمعرفة الله تعالى ، ولكنّ الناكرين لأنعم الله والذين لا يقدّرون المنعم فسيحرمون من معرفة الله تعالى .

 بالإضافة إلى ذلك فإنّ عدم شكر الخالق يفضي بدوره إلى عدم شكر المخلوق ، فلا يقيم وزناً لجميل الآخرين ومعروفهم ، وكأنّه هو الذي له الحق عليهم ، ممّا يسبّب نفور الناس منه وكراهيتهم له ، وبالتالي سيؤدي إلى العزلة والانزواء في حركة الواقع الاجتماعي وقلّة الصديق والناصر في مقابل المشكلات وتحديات الواقع الصعبة. 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شكر النعمة صلى الله علیه وسلم الله تعالى على ما إلى أن الله ت

إقرأ أيضاً:

من كلّ بستان زهرة – 92-

من كلّ بستان زهرة – 92-

#ماجد_دودين

قال صلى الله عليه وسلّم:” ما من مسلِمٍ يَدعو، ليسَ بإثمٍ ولا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال: إذًا نُكثِرَ، قالَ: اللهُ أَكثَرُ”.

الدُّعاءُ هو العِبادةُ، واللهُ سُبحانَه وتَعالى يُحِبُّ أنْ يَدعُوَه عِبادُه، ومَن وُفِّقَ إلى الدُّعاءِ فلا يَستعجِلِ الإجابةَ، بل عليه أنْ يَثِقَ باللهِ سُبحانَه، ويَعلَمَ أنَّه يُريدُ له الخَيرَ، سواءٌ بتَعْجيلِ الإجابةِ أو بتَأخيرِها.

مقالات ذات صلة عودة الحياة تدريجيا لغزّة 2025/01/21

وفي الحَديثِ أنَّ الاستِجابةَ لِلدُّعاءِ غَيرُ مُقيَّدةٍ بنُزولِ المَطلوبِ؛ فقد يُكفَّرُ عنه بدَعوتِه، أو يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ.

زَخرف الرشيد يومًا منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها، ثم استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم، فقال أبو العتاهية:

عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً … في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ

يسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْتَ … لدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ

فقال: حسن ثم ماذا؟

فقال:

فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ … في ظلّ حَشرجَةِ الصّدورِ

فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناً … مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُـــــــــرُورِ

فبكى الرشيد بكاء كثيراً شديداً

لابن القيم رحمه الله كلام جامع في آداب الدعاء حيث يقول: ” وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب وانكساراً بين يدي الرب، وذلّاً له وتضرعًا ورقِّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة، وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبداً، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم” (.

قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتُك وسعت كل شيء وأنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنك خلقتَ قومًا فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الذي خلقتهم له فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين.

اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الطلب إلا منك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، وأسألك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي، والشكر على نعمتك شعاري ودثاري، والنظر في ملكوتك دأبي وديدني، والانقياد لك شأني وشغلي، والخوف منك أمني وإيماني، واللياذ بذكرك بهجتي وسروري.

قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يدعو ويقول: اللهمّ إنّ ذنوبي تخّوفني منك، وجودك يبشرني عنك، فأخرجني بالخوف من الخطايا، وأوصلني بجودك إلى العطايا، حتى أكون غداّ في القيامة عتيق كرمك، كما أنا في الدّنيا ربيب نعمك.

يا أبت، إن في الله تعالى عوضاً عن فقدك، وفي رسول الله أسوة في مصيبتك،

اللهم نزل بك عبدُك خالياً مقفراً من الزاد، مخشوشن المهاد، غنياً عما في أيدي العباد، فقيراً إلى ما في يدك يا جواد، وأنت -أي ربّ-خير من نزل به المرمِلون (الفقراء)، واستغنى بفضله المقلِّون، وولج في سعة رحمته المذنبون، اللهم فليكن قِرى عبدك منك رحمتَك، ومهاده جنتك.

قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: ٤]. أي: ” في تعب ومشقة، فإنه لا يزال يُقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى حين نزعها، يُكابد مشاق التعلُّم، ثم مشاق القيام بأمور الدين، وأمور معاشه، وهموم دنياه وآخرته، ثم يكابد نزع روحه، ثم سؤاله في قبره، ثم تعب حشره، ومقاساة شدائد حسابه، ثم مروره على الصراط، فلا راحة له إلاّ بعد دخول الجنة”.

فعلى الإنسان أن يوطِّن نفسه على أنْ لا يجد زمانَ الدنيا كلَّه سروراً لا كدر فيه، فالحياة يومان: يوم سرور، ويوم شرور، ويوم أفراح، ويوم أتراح. فمن روّض نفسه على هذه الحقيقة هانت عليه مصائب الدنيا.

فيومٌ علينا ويومٌ لنا … ويومٌ نُساءُ ويوم نُسَرْ

قال ابن القيم-مخاطبًا ضعيف العزم على طريق الحق-: ” أين أنت، والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبِيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقرَ وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم وتريده أنت باللهو واللعب؟!.

فيا دارَها بالحَزْنِ إن مزارها … قريبٌ، ولكنْ دون ذلك أهوالُ. (الفوائد لابن القيّم).

صَبَرْتُ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى تَوَلَّتِ … وَأَلْزَمْتُ نَفْسِي صَبْرَهَا فَاسْتَمَرَّتِ

وَمَا النَّفْسُ إلَّا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى … فَإِنْ طَمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلَّا تَسَلَّتِ

لا تجزَعَّنَ مِنَ المَنايا إِنْ أَتَتْ … واصبِر لِما تأَتي بِهِ الأَقدارُ

وغَدا الصَبور يَجُرُّ ذيلَ سُرورِه … في جَنَّةٍ مِنْ تحتِها الأنهَار

فكأَنْ قَدْ انكشَفَت غياياتُ البلا … وانجابت الآفات والأَكدار

وجَنى الجَزوعُ لِما جَنَى ثَمَرَ الأَسَى … فجَرى بِلَا أَجر لَهُ المِقدار

إِنِّي رأَيتُ معاشِراً لَم يفهموا … مَعنى الوجود فأَصبَحوا قَدْ حاروا

دُنياكَ دارٌ للبَلايا مُهِّدَت … ووراء ذَلك إِنْ عقلتَ نهـــــــــــــــــار

كان أبو ذر رضي الله عنه يقول للناس: “أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفراً أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلى. قال: فسفرُ طريقِ القيامة أبعد، فخذوا له ما يصلحكم؛ حجوا حجة لعظائم الأمور، صوموا يومًا شديداً حرُّه لحر يوم النشور، صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير”

يقول ابن الجوزي رحمه الله واصفًا الفائزين في الدنيا: ” لله در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلِّبها، وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها، وسلموها إذ باعوها إلى صاحبها، وأحضروا الآخرة فنظروا إلى غائبها، وسهروا الليالي كأنهم وُكِّلوا بِرَعي كواكبها، ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها، ومقتوا الدنيا فما مالوا إلى ملاعبها، واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها”.

هذه جملة من مواعظ ابن القيم القصيرة، وحِكمه البليغة الغزيرة، يقول رحمه الله: ” من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بإذنه. للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس. للعبد رب هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه. إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف بغم العمر؟. محبوبُ اليوم يعقب المكروه غداً، ومكروه اليوم يعقب المحبوب غداً. أعظمُ الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها. كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟!. يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربه. المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به، وقربت إليه. لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين. دافعِ الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهِمَّة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها”

قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: ” لذات الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات، ولذات الآخرة صافية غير مكدرة”

قال ابن الجوزي: ” وأجهل الجهال من آثر عاجلاً على آجل لا يأمن سوء مغبته، فكم قد سمعنا عن سلطان وأمير وصاحب مال أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلال وحرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ، ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة. ولو كان هذا فحسب لكفى حزناً كيف والجزاء الدائم بين يديه، فالدنيا محبوبة للطبع لا ريب في ذلك ولا أنكر على طالبها ومؤثر شهواتها، ولكن ينبغي له أن ينظر في كسبها ويعلم وجه أخذها؛ ليسلم له عاقبة لذته، وإلا فلا خير في لذة من بعدها النار”. فـ”لا تؤثر لذة تفوِّت خيراً كثيراً، وصابِرْ المشقةَ تحصِّل ربحاً وافراً”.

جاء في صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتُنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل).

قال ابن القيم: ” فبين عليه الصلاة والسلام أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين، ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥]. فجمع عليهم نوعي العذاب: عذاب النار، وعذاب الحجاب عنه سبحانه، كما جمع لأوليائه نوعي النعيم: نعيم التمتع بما في الجنة، ونعيم التمتع برؤيته.” (إغاثة اللهفان).

يأمرنا الله تعالى أن ننظر إلى الحياة الدنيا بالبصيرة لا بالبصر، وبعاقبة أمرها، لا بإقبال أوائلها، يقول تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} [القصص: ٦٠]، ” أي: تتمتعون بها أيام حياتكم، ثم هي إلى فناء وانقضاء، {وما عند الله خير وأبقى}؛ لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائماً غير منقطعة، ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم {أفلا تعقلون} أي: أن الباقي خير من الفاني، وقيل: من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل؛ ولهذا قال الشافعي: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صُرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله؛ لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير، وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى. (تفسير الخازن ٥/ ١٧٩).

تَمَتَّعْ مِنْ الْأَيَّامِ إنْ كُنْت حَازِمًا … فَإِنَّك مِنْهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ

إذَا أَبْقَتْ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ … فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ

فَلَنْ تَعْدِلَ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ … وَلَا وَزْنَ ذَرٍّ مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ

فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنٍ … وَلَا رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاءً لِكَافِرِ

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول 3 بيضات يوميا؟
  • أكبر ذنب في شهر رجب.. علي جمعة يحذر من فعل شائع يقع فيه كثيرون
  • حكم الصلاة في البيوت حال المطر .. دار الإفتاء تجيب
  • خالد الجندي: صرف البلاء من نعم الله الخفية التى تحمينا
  • خالد الجندي: الصرف من نعم الله الخفية التى تحمينا.. فيديو
  • خالد الجندي: نعم الله الباطنة تحيط بنا ولا نراها
  • مبروك عطية يكشف عن حطأ شائع حول اليمين الغموس وكفارته
  • من كلّ بستان زهرة – 92-
  • هل توجد ذنوب لا يغفرها الله؟.. احذر من 10 معاصي تغلق باب الرحمة
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول الثوم المقلي بالسمن يوميا؟