نساء السودان.. بحث عن القيادة والتمكين الاقتصادي
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
رغم دور نساء السودان الرائد ومبادراتهن البارزة خاصة في العمل الطوعي والحقوقي والسعي لإيقاف الحرب، إلا أنها لم تعط الأولوية والاهتمام الكافي.
كمبالا: التغيير
تحت عنوان: “تأثير النساء في مسار السلام.. القيادة والتمكين الاقتصادي” اختتمت بقاعة الراحل محجوب محمد صالح بالعاصمة الأوغندية كمبالا الورشة التي نظمها مركز الألق ليومين بمشاركة صحفيات وصحفيين مهتمين بقضايا النساء.
وأوصى المشاركون في الورشة بضرورة العمل لوضع استراتيجية وطنية لقضايا النساء وتعزيز المشاركة الفاعلة وإنشاء إدارة خاصة بالجندر في المؤسسات الإعلامية.
تعزيز دور النساءوقدمت د. عائشة الكارب في اليوم الأول للورشة “جلسة عن الجندرة النسوية وأمن وسلامة النساء بين النظرية والواقع”، تطرقت من خلالها إلى القرار (1325) الذي أصدرته الأمم المتحدة في العام 2000م بشأن المرأة والسلام والأمن.
واعترف القرار بدور المرأة القيادي في تحقيق السلام والأمن الدوليين وإسهاماتها في منع النزاعات وحفظ السلام وحل النزاعات وبناء السلام.
وأقر بأن تنفيذ أولويات المرأة والسلام والأمن هو التزام سياسي غير قابل للتفاوض لدى الأمين العام للأمم المتحدة ضمن عمله من أجل حفظ السلام (A4P).
وأكد القرار على أن مشاركة المرأة الكاملة والهادفة والمتساوية مع الرجل في عمليات السلام والحلول السياسية ضرورية للعمل الفعال في مجال حفظ السلام والوصول إلى نتائج سلام مستدامة.
كما تحدثت د. عائشة، عن إعلان كمبالا الصادر في أكتوبر 2023، الذي شاركت فيه حوالي 400 من النساء اللاتي طالبن بدور مهم في قرارات السلام وحماية النساء وعدم الإفلات من العقاب.
ونادى إعلان كمبالا بضرورة توسيع مشاركة النساء بنسبة 50% في كل عمليات السلام بمشاركة الناجيات والنازحات والمنسيات مع أهمية الإصلاح الأمني ووجود مناهج حساسة للنوع الاجتماعي. علاوة على أدوات التحليل الجندري، والمدارس الجندرية.
وأجمع المشاركون في الورشة على أن بعض المجتمعات ما تزال تتبنى الذكورية خاصةً فيما يتعلق بالوصاية على النساء في جل المعاملات وينظرون إلى المرأة باعتبارها شرفهم الذين يحق لهم المحافظة عليه.
من فعاليات الورشة نقص التمثيلوفي اليوم الثاني للورشة قدمت الأمين العام لمركز الألق مديحة عبد الله، ورقة بعنوان: “اتجاهات الإعلام حول قضايا النساء، والمبادرات النسوية”.
وقالت إن مركز الألق أجرى دراسة حديثة أُرسل فيها الاستبيان إلى 17 مؤسسة صحفية وموقعًا إخباريًا، واستجابت 13 مؤسسة، ما أتاح رؤية شاملة حول توجهات الإعلام تجاه قضايا النساء خلال تلك الفترة.
وأشارت إلى أن أكثر من 90% من المؤسسات الإعلامية السودانية تعاني من نقص كبير في التمثيل الجندري داخل إداراتها، حيث لا تتجاوز نسبة النساء في الهيئات الإدارية لهذه المؤسسات 1%.
وذكرت الدراسة أن امرأتين فقط يشغلن منصب رئاسة التحرير من بين 17 مؤسسة إعلامية شملها المسح.
وتطرقت الدراسة إلى تحليل القضايا التي يركز عليها إعلاميًا، ومدى ارتباط تلك التغطيات بالأحداث الجارية، أو ما إذا كانت هناك متابعة مستمرة لقضايا المرأة بمختلف فئاتها الاجتماعية.
وتناول المسح الأسئلة المتعلقة بالهيكلة الإدارية للمؤسسات الإعلامية وعدد الصحفيين والصحفيات العاملين فيها، بهدف تقييم مستوى المساواة الجندرية داخل هذه المؤسسات وتأثير ذلك على اتخاذ القرار.
ورشة المرأة غياب التنوع والمساواةوأظهرت نتائج المسح أن غالبية المؤسسات الصحفية تفتقد إلى التنوع والمساواة الجندرية في إداراتها، حيث نجد أن أكثر من 90% من الهياكل اﻹدارية لتلك المؤسسات تمثل فيها النساء بنسبة ضئيلة جداً لا تتجاوز الواحد في المائة.
وأكدت النتائج أن بعض المؤسسات لديها سياسة خاصة بالنوع الاجتماعى وبعضها لديها صفحات أو برامج إذاعية أو تلفزيونية خاصة بالنساء، وأن عدداً من المؤسسات لديها خبرة سابقة بالمشاركة في حملات المبادرات النسوية المختلفة.
وخلص المسح إلى أن هناك مؤسسات تبتدر حملات خاصة بقضايا النساء، وأظهرت النتائج أن معظم التغطيات الإعلامية تركزت على أوضاع النازحين واللاجئين داخل وخارج السودان، حيث تم تناول أوضاع النساء والأطفال ضمن التقارير الصحفية.
إلا أن غالبية المصادر والإفادات التي استندت إليها التقارير جاءت من رجال، فيما لم تُجرَ سوى مقابلات محدودة مع النازحات واللاجئات.
وأشار المسح إلى أن العديد من المواقع الإخبارية، ورغم إعلان التزامها بحقوق الإنسان وحقوق النساء والأطفال في ديباجتها، إلا أن تغطيتها الصحفية لم تؤكد على هذه الالتزامات بشكل واضح.
وأكد المسح أن المؤسسات المستهدفة تقوم بتغطية قضايا العنف الجنسي والاغتصاب بشكل كبير، بالاعتماد على تقارير دولية ومحلية، وإلى جانب ذلك، نالت أخبار المجاعة اهتمامًا واسعًا، استنادًا إلى تقارير منظمات حقوقية ودولية.
الورشة تغطية المبادرات النسويةومن أهم نقاط الضعف التي كشف عنها المسح النقص في التغطية الإعلامية للمبادرات النسوية من أجل وقف الحرب، ولم تعط الأولوية والاهتمام الكافي خلال فترة الرصد، بالاضافة إلى أنه لم يسلط الضوء على مساهمات النساء في العمل الطوعي والحقوقي وغرف الطوارئ.
وأوضح المسح أن المؤسسات التي شملتها الدراسة تعكس دور النساء كضحايا للحرب، مع إغفال الدور الإيجابي لهن مما يساعد في استمرار الصورة النمطية للنساء في وسائل الإعلام.
كما بررت إحدى الصحف ضعف التعامل مع النساء كمصادر للمعلومات بأن وجودهن في مواقع اتخاذ القرار في الأحزاب ضعيف، رغم أنها تسعى لإبراز آراء النساء الخبيرات في المجتمع المدني.
تغطية محدودةومن بين الأحداث التي لم تحظ بالتغطية الكافية، اجتماع عدد من النساء السودانيات لدعم جهود السلام في القاهرة الذي أوردته فقط صحيفة سودانية واحدة، وموقع (يونتامس).
كما أن مؤتمر كمبالا، الذي عُقد في أكتوبر 2023 تحت عنوان “النساء السودانيات للتأثير على مسار السلام ودعم بناء التحالفات”، لم يُنشر عنه سوى خبر واحد في صحيفة سودانية، رغم أهمية المؤتمر الذي قدّم رؤية نسائية حول السلام في السودان.
مبادرات رائدةواشتمل المسح على المبادرات النسوية التي انطلقت منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023م للمساهمة في وقف الحرب، وإشراكهن في كل العمليات السياسية، من بينها منصة السودان للسلام التي تأسست في مايو 2023 وتضم أكثر من 40 تنظيمًا نسائيًا، وتعمل على إنهاء الحرب، ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، وتمكين النساء لتحقيق سلام مستدام، وقد ساهمت المنصة في التحضير لمؤتمر كمبالا وأطلقت عدة مبادرات لدعم جهود السلام.
وكذلك حملة “نساء ضد الظلم” التي نشأت في 2017م وتركز حاليًا على توثيق انتهاكات الحرب، والعمل على إيصالها للمحاكم الوطنية والدولية، بالإضافة إلى دعم السلام والمشاركة النسائية في بناء الدولة المدنية، فيما تعمل مبادرة “مناصرة دارفور” على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، وتقديم الدعم للناجين والناجيات، كما تسعى جمعية “تاء التانيث” النسوية لتمكين النساء في شمال كردفان والمناطق الأخرى، وتركز على تقديم الدعم النفسي وتوزيع المساعدات الإنسانية.
إلى جانب ذلك توجد مبادرة “انتي ما براك” التي تأسست في 2023، وتهدف إلى دعم النساء النازحات، وتعزيز جندرة العمل الإنساني بالتنسيق مع 13 منظمة نسوية، أما تجمع كنداكات أم درمان فقد ركز على التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية، وشارك في قيادة الحراك الثوري ودعوات وقف الحرب.
وتشكلت آلية “معًا نستطيع” بعد اندلاع الحرب، وتضم 28 منظمة نسوية تسعى لتمكين المرأة في عمليات السلام وفقًا للقرار الأممي 1325، كما قدم الاتحاد النسائي السوداني العديد من المبادرات لدعم النازحين وتحقيق السلام، بما في ذلك تقديم المساعدات وتنظيم فعاليات لدعم حقوق النساء اللاجئات.
وتأسست جمعية “نساء مفكرات” عقب الحرب وتضم 14 خبيرة سودانية، وتهدف لضمان مشاركة النساء في عمليات السلام والمفاوضات، وإيقاف العنف القائم على النوع الاجتماعي، أما الحارسات فهي منظمة نسوية تأسست خلال الثورة السودانية في 2018م وتركز على دعم النساء والفتيات المتضررات من الحرب عبر تقديم الدعم النفسي والقانوني.
الوسومالإعلام السودان حرب 15 ابريل عائشة الكارب كمبالا مديحة عبد الله منظمة الحارسات نساء السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإعلام السودان حرب 15 ابريل كمبالا نساء السودان عملیات السلام نساء السودان النساء فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
لم يكن 30 أبريل/نيسان 1975 يوما عاديا في التاريخ الفيتنامي، فقد انتصرت فيتنام الشمالية آنذاك، وأُعيد توحيد شطري البلاد بعد حربين مع إمبراطوريتين أودتا بحياة نحو مليوني فيتنامي، وفقدت فرنسا كامل نفوذها تقريبا بالمنطقة، بينما خسرت الولايات المتحدة -التي تورطت بعدها- نحو 58 ألف جندي و120 مليار دولار في الحرب التي باتت الأكثر "إذلالًا" في تاريخها.
وبدت حرب فيتنام -أو حروبها- بتشابكاتها الدولية والإقليمية تجسيدا لنظرية "الحرب التي تلد أخرى" في ظل صراع ساخن في بواكير الحرب الباردة. فقد أدت معركة ديان بيان فو (13مارس/آذار-7 مايو/أيار 1954) عمليا إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في منطقة الهند الصينية برمتها، وخسرت أيضا مستعمراتها الأخرى في أفريقيا بفعل صعود حركات التحرير التي تأثرت بالمقاومة الفيتنامية، وبمفاعيل "نظرية الدومينو" العسكرية والسياسية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كوارث بيئية لا تنسى.. "العامل البرتقالي" الأميركي بفيتنامlist 2 of 4الجزيرة نت في فيتنام.. احتفالات عارمة في "هو تشي منه" بخمسينية النصر والوحدةlist 3 of 4حرب فيتنام.. خمسينية النصر والوحدةlist 4 of 4هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركاend of listكانت حرب فيتنام نتاج سنوات من مقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد (منذ عام 1883) ثم الغزو الياباني الذي انتهى بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والمد الشيوعي في المنطقة وصراع الأيديولوجيات، ومحاولات تقسيم البلاد، وبلغت أوجها مع التدخل الأميركي العسكري المباشر لمحاولة صد التوغل الشيوعي السوفياتي الصيني.
إعلانوعمليا، لم تكن حرب الهند الصينية الأولى (بين عامي 1946 و1954) معركة الولايات المتحدة، لكنها كانت تمول فعليا نحو 78% من تكلفة تلك الحرب -وفق أوراق البنتاغون المنشورة عام 1971- وتقدم مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لفرنسا، خوفا من التمدد الشيوعي وسيطرة الصين على المنطقة وصعود الاتحاد السوفياتي إذا هزمت القوات الفرنسية.
كما ناقش المسؤولون الأميركيون -تبعا لهواجسهم تلك- دعما إضافيا لفرنسا ضمن ما عرف بـ"عملية النسر" (Operation Vulture) وهي مقترح خطة عسكرية كبيرة، من أجل إسناد الفرنسيين في معركة ديان بيان فو، وضعها الرئيس دوايت آيزنهاور (حكم بين 1953 و1961) ومستشاروه.
وتضمنت العملية -اعتمادا على وثائق رفعت عنها السرية- قصفا مركزا ومكثفا مع احتمال استخدام قنابل ذرية اقترح تقديمها لفرنسا، وتدخلا بريا. لكن العملية لم تنفذ في النهاية وانسحبت فرنسا بخسائر فادحة، بعد توقيع اتفاقية جنيف للسلام في يوليو/تموز 1954 التي نصت على تقسيم فيتنام إلى شطرين، ولم توقع الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها على الاتفاق رغم حضورهما. وبدأ التورط الأميركي العسكري تدريجيا لحماية النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية ومحاربة المد الشيوعي، إلى حد التدخل المباشر والمعلن عام 1963.
في منتصف عام 1968، وتحت ورطة الفشل في حرب فيتنام، اعتمد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) على مبدأ تحقيق "السلام بالقوة" عبر "المزيد من قاذفات بي 52" التي أوصاه بها وزير خارجيته هنري كيسنجر، مبتدعا ما سماها "نظرية الرجل المجنون".
ويكشف رئيس موظفي البيت الأبيض بوب هالدمان في مذكراته عام 1994 عن إستراتيجية الرئيس نيكسون لإنهاء حرب فيتنام التي أسرّ له بها قائلا "أنا أسميها نظرية الرجل المجنون، بوب.. سنرسل لهم رسالة مفادها يا إلهي، أنتم تعلمون أن نيكسون مهووس بالشيوعية لا يمكن كبح جماحه عندما يكون غاضبا ويده على الزر النووي.. سيصل هو شي منه (الزعيم الفيتنامي) بنفسه إلى باريس في غضون يومين ويطلب السلام".
إعلانوكتب هالدمان أن الرئيس نيكسون سعى إلى تنفيذ إستراتيجية التهديد باستخدام القوة المفرطة لتقويض خصومه، وإجبارهم على الاستسلام أو التسوية. وبهذه الطريقة، يصبح عدم يقين الفيتناميين بشأن الخطوات المستقبلية للزعيم "أداة إستراتيجية في حد ذاتها".
وفي 4 أبريل/نيسان 1972 قال نيكسون لهالدمان والمدعي العام جون ميتشل "لم يُقصف الأوغاد قط كما سيُقصفون هذه المرة" عند اتخاذه قرارا بشن ما أصبح يُعرف باسم عملية "لاينباكر التي مثلت تصعيدا هائلا في المجهود الحربي، الذي شمل قصف ميناء هايفونغ، وحصار ساحل فيتنام الشمالية، وحملة قصف جديدة ضخمة ضد هانوي.
ولا تثبت الوقائع التاريخية أن الزعيم الفيتنامي هو شي منه خضع لنظرية "الرجل المجنون" عندما تم توقيع اتفاق السلام في باريس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1973، لكن الولايات المتحدة استخدمت قوة هائلة ومفرطة لمحاولة إخضاع الفيتناميين، وفكرت في استعمال السلاح النووي.
كانت نظرية "الرجل المجنون" تجسيدا للإحباط الذي أصاب الإدارة الأميركية من صمود المقاومة الفيتنامية والخسائر الفادحة في صفوف الجيش الأميركي، ومن حركة الرفض الواسعة للحرب في المجتمع الأميركي، واهتزاز الضمير العالمي من المشاهد المؤلمة للمجازر البشعة، سواء في مذبحة "ماي لاي" في 16 مارس/آذار 1968 التي قتل فيها 504 من المدنيين العزل، وغيرها من المجازر.
وفي المقابل، كانت نظرية الجنرال فو نغوين جياب قائد قوات قوات "الفيت منه"(رابطة استقلال فيتنام) تراوح بين خطتي "هجوم سريع.. نصر سريع" و"هجوم ثابت.. تقدم ثابت" واعتماد الحرب الشعبية وحروب العصابات الخاطفة واستنزاف العدو، حيث يقول في مذكراته "إن كل واحد من السكان جندي، وكل قرية حصن" وكانت نظريته أن حرب العصابات هي "حرب الجماهير العريضة في بلد متخلف اقتصاديا ضد جيش عدواني جيد التدريب".
بدأ التورط الأميركي عمليا في حرب فيتنام بعد خروج القوات الفرنسية، ومنذ عام 1961 أرسلت واشنطن 400 من الجنود والمستشارين لمساعدة حكومة سايغون الموالية في مواجهته قوة هو شي منه الشيوعية، ومع التوصيات بزيادة المساعدات استجاب الرئيس جون كينيدي. وبحلول عام 1962 زاد الوجود العسكري الأميركي في جنوب فيتنام إلى نحو 9 آلاف جندي.
إعلانومع بداية عهد الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) -الذي منحه الكونغرس صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية- بدأت القاذفات الأميركية تنفيذ عمليات قصف منتظمة على فيتنام الشمالية وقوات "الفيت- كونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). وفي مارس/آذار 1965، بدأ تدفق القوات الأميركية إلى فيتنام الشمالية، حتى وصل إلى 200 ألف عام 1966، ثم نحو 500 ألف في نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
وكانت قوات الزعيم هو شي منه، وقائد العمليات الجنرال جياب، تعتمد على التكتيكات الحربية النوعية والهجمات الخاطفة والكمائن والأنفاق والحرب الطويلة الأمد كما كانت تعتمد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس المجاورتين، وعلى الدعم النوعي الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفياتي، خصوصا منظومات الدفاع الجوي التي أسقطت عشرات قاذفات "بي-52". ومع بداية عام 1968 بلغت الخسائر الأميركية 15 ألف قتيل و109 آلاف جريح.
وفي المقابل، زادت الولايات المتحدة من وتيرة القصف الجوي العنيف واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل "النابالم" وما سمي "العامل البرتقالي" -الذي يحتوي على "الديوكسين" وهو أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا- على فيتنام ولاوس وكمبوديا، ومازالت آثاره البيئية الخطيرة قائمة.
لم تكن الخسائر البشرية لوحدها ذات التأثير الأكبر فيما اعتبر هزيمة أميركية عسكرية وأخلاقية في فيتنام، فقد مثلت تلك الحرب أول "حرب تلفزيونية" مع بروز سطوة التلفزيون والصورة، وكانت للتقارير الإعلامية عن المجازر في فيتنام ذات تأثير واسع في الرأي العالم الأميركي والعالمي وفي قرارات الإدارة الأميركية لاحقا، خصوصا صورة "طفلة النابالم" التي كانت تجري عارية بعد أن أسقطت طائرة أميركية مادة النابالم الحارقة على قريتها في 8 يونيو/حزيران 1972.
إعلانوفي 29 أبريل/نيسان 1975، ألقى الرئيس الأميركي جيرالد فورد (1974-1977) بيانا أعلن فيه إجلاء الموظفين الأميركيين من فيتنام قائلا "تعرض مطار سايغون لقصف صاروخي ومدفعي متواصل، وأُغلق بالكامل. تدهور الوضع العسكري في المنطقة بسرعة. لذلك، أمرتُ بإجلاء جميع الموظفين الأميركيين المتبقين في جنوب فيتنام" وكانت تلك نهاية الوجود الأميركي في هذه البلاد، ودخول قوات الجنرال جياب إلى المدينة اليوم التالي.
ولا تزال مجريات حرب فيتنام، بمآسيها وصمود مقاومتها وتوحيد شطريها، من بين أحداث العالم الفارقة خلال القرن العشرين، وواحدة من الحروب التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم بأبعادها العسكرية والسياسية وآثارها الإنسانية، كما باتت تكتيكاتها وأساليبها تدرس في الكليات العسكرية، وتتبعها حركات مقاومة أخرى حول العالم.
وبينما تحتفل بالذكرى الخمسين ليوم تحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، لم تعد مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا) -التي باتت تسمى هو شي منه نسبة إلى الزعيم الأسطوري لفيتنام- رهينة جراحات الماضي الأليم وأهواله، فقد تحولت على مدى الـ50 عاما الماضية إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وأعمال مزدهرة ومركز صناعي حيوي ونقطة جذب سياحية عالمية.