رغم المذابح وتفوّق القوة لماذا يشعر الإسرائيلي دائما بالهزيمة؟
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
يروي ناحوم غولدمان، أحد الرؤساء السابقين للمنظمة الصهيونية العالمية، في كتابه "المفارقة اليهودية"، تفاصيل لقاء جمعه مع ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل في صيف عام 1956، حدثه فيه الأخير قائلا: "لقد أصبحت على مشارف السبعين من عمري، فلو سألتني عما إذا كان سيتمّ دفني في دولة إسرائيل لقلت نعم، فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستبقى هنالك دولة يهودية.
تسلط هذه الحكاية الضوء على أزمة عميقة الجذور لدى الإسرائيليين، وهي فقدان الإحساس بالثقة في أمن دولتهم، بل وفي بقائها أصلًا على المدى الطويل، وهي أزمة تضرب المجتمع الإسرائيلي طوليا من أرفع قياداته إلى أدنى قواعده.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الطريق إلى الطوفان.. ما الذي أراده محمد الضيف؟list 2 of 2لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لرأى الطوفان!end of listويتفاقم هذا الشعور بانعدام الأمن في الأوقات التي تتعرض فيها إسرائيل لضربات من خصومها حتى لو ألحقت بهم عمليا من الأذى أضعاف ما أصابوها به، وهو ما ينطبق تماما على الأوضاع بعد طوفان الأقصى.
فخلال عام كامل من الحرب على غزة، ارتكبت إسرائيل زهاء 5000 مجزرة بحق المدنيين، خلفت أكثر من 42 ألف شهيد، وأكثر من 98 ألف مصاب، فضلا عن 10 آلاف مفقود حتى اللحظة. كما شنت حملة تهجير أرغمت فيها مليوني فلسطيني، بنسبة قاربت 90% من المجموع الكلي لسكان قطاع غزة، على ترك منازلهم.
ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي المتواترة أن السواد الأكبر من الإسرائيليين يشعرون بأنهم خسروا الحرب، أو فشلوا في تحقيق النصر خلالها على أقل تقدير.
يظهر ذلك مثلا في الاستطلاع الذي أجرته قناة كان العبرية بالتعاون مع معهد "كنتر" ونُشر عشية الذكرى الأولى لطوفان الأقصى في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وأكد خلاله 38٪ من المواطنين الإسرائيليين المشاركين أنهم يعتقدون أن بلادهم خسرت الحرب، في حين قال 27٪ فقط إنهم يثقون في أن إسرائيل انتصرت، وقالت النسبة الباقية إنها لا تعرف على وجه التحديد من المنتصر.
خلال نفس الاستطلاع؛ قال 41٪ من المشاركين إن ثقتهم في جيشهم تراجعت، كما أجمعت أغلبية ساحقة، بنسبة 86%، على رفض فكرة العودة للسكن في مستوطنات "غلاف غزة" مرة أخرى.
بيد أن نتائج أكثر بؤسا أظهرها استطلاع رأى آخر أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في سبتمبر/أيلول 2024 ونشر في غرة أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث عبر ثلثا المشاركين عن تدهور إحساسهم بالأمن الشخصي منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى وقت إجراء الاستطلاع.
وليست استطلاعات الرأي وحدها في ذلك، بل إن محللين وباحثين بارزين في إسرائيل تبنوا نفس الاستنتاجات، ومنهم المحلل العسكري عاموس هرئيل، في مقال له في صحيفة هآرتس، جاء فيه: "الفشل الذريع الذي حدث في 7 أكتوبر سوف يستمر في مصاحبة إسرائيل، وكذلك الحرب التي قد تستمر لسنوات طويلة".
وجاء كذلك في تقدير موقف بعنوان "عن حلم الشرق الأوسط الجديد وانهياره"، أعده ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، بمناسبة الذكرى الأولى للحرب، أن "السابع من أكتوبر كان اليوم الأكثر دموية في تاريخ الصراع، وهو مفاجأة صادمة وعلى جبهة لم يُنظر إليها على أنها تهديد مباشر؛ مما يقوض الشعور بالتفوق الإستراتيجي، وهو صدمة ستبقى تعيشها الذاكرة الجماعية اليهودية".
وفي مقال نشرته صحيفة "زو هدريخ" العبرية، قال الكاتب البارز أفيشاي إرليخ "إن السنة الماضية كانت أسوأ سنة في تاريخ دولة إسرائيل، معتبرا أن مستقبل البلاد يبدو غامضًا وسط ضباب حرب طويلة دون هدف واضح، ودون موعد نهائي، ودون تكلفة محددة".
وفي مقال في جريدة هآرتس للكاتب حاييم ليفنسون تحت عنوان: "قول ما لا يمكن قوله.. لقد هزمت إسرائيل هزيمة كاملة" علق الكاتب قائلا: "لن يتمكن أي وزير في الحكومة من استعادة شعورنا بالأمن الشخصي".
هذه المفارقة بين حجم الدمار والخسائر التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على غزة وشعور الإسرائيليين أنفسهم بالهزيمة وفقدان الأمن، تفتح الباب لتساؤلات مهمة حول أسباب هذا الشعور المتأصل، التي تنقسم إلى أسباب بنيوية عميقة تسكن الوجدان الإسرائيلي وتجعله دائم الشعور بالقلق والتهديد، وترفع حساسيته للشعور بالخطر أكثر من غيره، وأسباب أخرى أكثر حداثة نتجت عن عملية "طوفان الأقصى" التي أدمت كيان إسرائيل، دولة ومجتمعا، بشكل ربما لا تبرأ منه أبدا.
مشيعون يحضرون جنازة جندي إسرائيلي قُتل في قطاع غزة (رويترز) معضلة الجغرافيا وعقدة التاريخ
"سوف نقبل بحدود الدولة كما سترسم الآن، ولكن حدود الآمال الصهيونية هي شأن الشعب اليهودي وحده، ولن يستطيع أي عامل خارجي الحدّ منها".
هكذا صرح ديفيد بن غوريون بُعيد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، معبرا ليس فقط عن آمال عقائدية بشأن حدود دولة اليهود التاريخية كما يتخيّلها أتباع الحركة الصهيونية، وإنما عن ضرورة جيوسياسية لتأمين الدولة الإسرائيلية الوليدة التي فُرضت قسرا فوق أرض طُرد منها أهلها، ووسط محيط يعادي وجودها بصورة جذرية.
لدى إسرائيل العديد من المعضلات، لكن الجغرافيا هي أهم هذه المعضلات وأعقدها على الإطلاق. بادئ ذي بدء، تعاني الجغرافيا الإسرائيلية من قِصر المسافة المِتْرية بين حدود الأراضي التي تسيطر عليها وبين عاصمتها المفترضة في القدس التي تواجه انكشافا واضحا أمام الخصوم، كما تعاني من هشاشة خطوط اتصالها البحرية والبرية، وسط جيران لا تشعر بينهم بالأمان الكافي بالرغم من تحييد جبهتي مصر والأردن رسميا عقب اتفاقات السلام في كامب ديفيد 1979 ووادي عربة 1994.
هذه المعضلة، كما تهدد الجغرافيا، فإنها تهدد نفسية الإسرائيلي وترفع لديه متطلبات الشعور بالأمن مقارنة بالمواطن في أي دولة أخرى "طبيعية".
ولذا يعتقد كثير من الإسرائيليين أن حدود دولتهم الحالية غير كافية، وأن أمان الشعب اليهودي لن يتحقق إلا بمخطط الدولة المترامية الأطراف الذي وضعه "الآباء المؤسسون"، بما يعطي للدولة الإسرائيلية أمانا طوبوغرافيا طبيعيا ويوفر للمجتمع الإسرائيلي في قلبها حزاما آمنا.
فالوضع الحالي لإسرائيل وغياب العمق الدفاعي يجعلها غير مستعدة لمواجهة عمليات الغزو والاجتياح ولا لإدارة العمليات البرية داخل أراضيها؛ ولذا تعتمد إستراتيجيتها الدفاعية بشكل رئيس على مبدأ "الإنذار المبكر" الذي يمنحها أفضلية قتالية وقدرة على المواجهة الاستباقية.
ومن ثم فإن ثقة الإسرائيليين في قدرة الدولة على استشعار العدوان قبل حدوثه بوقت كافٍ، والاطمئنان للتفوق الاستخباري والتقني؛ ليسا أمرين هيّنين وإذا ضُربا مرة -كما حدث يوم الطوفان- فلن تستعيد إسرائيل عافيتها بسهولة، بل ربما لن تستعيدها أبدا.
ومثل الجغرافيا، يأتي التاريخ الذي لا يلعب كذلك لصالح الوعي الإسرائيلي، الذي يعاني من عقدة موروثة تتعلق بالخوف من العودة إلى الشتات، ويختزن ذاكرة الاضطهاد الأوروبي التي تضغط بها ماكينة الدعاية الإسرائيلية على وعي الإسرائيلي نفسه بالقدر ذاته الذي تضغط به على الغرب، وهو ما يظهر في همسات القادة الإسرائيليين وتصريحاتهم، من بن غوريون إلى نتنياهو.
ففي 2017، وقبل 6 سنوات من الطوفان؛ صرح رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، قائلا: "سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمنًا، وليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة". هذا المجتمع القلق والمضطرب والخائف من الزوال لا يستطيع تحمل تهديدات وجودية كالتي سببها طوفان الأقصى، ولا يقدر على الخروج من تبعاتها سريعا.
وبشكل أكثر تفصيلا قال رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك في مقال بجريدة يديعوت أحرونوت في مايو/أيار 2022: "التاريخ اليهودي يفيد بأنه لم تُعمَّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين، فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككهما في العقد الثامن، وتجربة الدولة الحالية على وشك دخول عقدها الثامن، وأخشى أن تنزل بها لعنته".
ثمة شعور دفين في العقلية الصهيونية بأن وجود دولتهم، إسرائيل، طارئ ومؤقت، وأنها استثناء تاريخي لا يملك مقومات الاستدامة، وليست حقيقة جغرافية ولا واقعا جيوسياسيا راسخا.
وهذا الشعور ليس وليد قراءات تلمودية وتراكمات تاريخية فحسب، وإنما يستند إلى وقائع سياسية وتهديدات داخلية وخارجية مرشحة للانفجار دوما، وقد انفجر بعضها بالفعل ولا تزال تداعياته آخذة في الاتساع شهرا بعد شهر.
وإلى جانب الشعور بالتهديد، ثمة شعور آخر عميق في الوعي الصهيوني يتجلى في احتقار المجتمعات العربية عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، وهذا الشعور بقدر ما يطلق قدرا هائلا من الاستعداد للعنف الدموي في العقيدة القتالية الإسرائيلية، بوصفها لا تقاتل بشرا وإنما "حيوانات بشرية" كما وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعد ثلاثة أيام من انطلاق الطوفان، فإن هذه النزعة الاستعلائية تولد كذلك شعورا بالحرج وبالهزيمة إذا أثبتت هذه الحيوانات البشرية -كما يرونها- مقدرة عالية على المقاومة، بل وتوجيه الضربات الاستباقية الموجعة التي جرحت الاستعلاء الإسرائيلي وتركت فيه ندوبا ليس من السهل أبدا محوُها.
هذه العوامل المركبة والمتشابكة والضاربة في عمق الوعي الصهيوني، شعبا وقادة، تجعلهم أكثر حساسية للأخطار مقارنة بالدول والشعوب الأخرى. وتصبح الأمور أسوأ في ظل حرب ممتدة ولا تزال مرشحة للتوسع، وتعد أطول حرب في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها.
لم يعد مستغربا إذن أن الإسرائيليين وداعميهم صاروا في أدنى درجات تفاؤلهم بشأن مستقبل دولتهم منذ لحظة تأسيسها، وأنه مهما ارتكب جيشهم من المذابح في غزة ولبنان وفي غيرهما، فما من سبيل لتغيير هذه الحقيقة في وقت قريب.
تأثير الطوفان
يقودنا ذلك إلى التساؤل: ما الذي حدث في إسرائيل خلال عام من الحرب ليتعزّز هذا الشعور المتأصل بالهزيمة والفشل؟
هناك 3 تحولات رئيسية يمكن رصدها في هذا الصدد، أولها انهيار الثقة التاريخية في الجيش الإسرائيلي وقدرته على حماية "حدود إسرائيل" وتوفير الأمن لمواطنيها، وثانيها الاستنزاف الاقتصادي المتواصل الناتج عن حالة الحرب المستمرة، الذي يضغط على مستوى الرفاهية الذي يأمله الإسرائيليون من دولتهم، وأخيرا هناك التحول في الرأي العام الغربي الذي صار أكثر استبصارا بحقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى وإن لم تنعكس تداعيات هذا الاستبصار على المواقف الرسمية للحكومات الغربية حتى الآن.
صورة من اعتصام الطلاب في جامعة كولومبيا (الجزيرة)انهيار الثقة: الجيش الإسرائيلي في مأزق تاريخي
يصف حاييم ليفنسون إسرائيل في مقاله المنشور في أبريل/نيسان 2024 الوضع في إسرائيل قائلا: "لسنا دولة كبيرة، نحن بلد صغير يمتلك قدرات جوية عالية شرط أن تنتبه في الوقت المناسب"، هكذا يمكن لإسرائيل فقط أن تكون آمنة، لكن في السابع من أكتوبر فقدت إسرائيل المبادرة وظهرت قدراتها التقنية والدفاعية محل شك أمام مواطنيها والعالم كله.
ثمة تقارير عديدة تؤكد أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد التقطت عدة مؤشرات تفيد بأن قادة المقاومة يفكرون في عملية لاقتحام مستوطنات غلاف غزة، لكن الثقة المفرطة في تأمين الحدود الجنوبية جعلت التقييم النهائي يرى أن هذه المعلومات مجرد أمانٍ، ولا يمكن أن تتحول إلى خطط عملية فضلا عن واقع ملموس.
فشلت إسرائيل في تقدير قوة المقاومة، وفشلت في تحديد ساعة الصفر، كما فشلت في المواجهة، وفقدت التوازن ساعات عديدة بعد بدء العملية دون أي رد إسرائيلي.
وطوال شهور الحرب، لم يلتئم الجرح الرئيسي الذي أحدثه الطوفان، ففشلت إسرائيل مرة أخرى في إظهار مقدرة استخبارية داخل غزة، فلم تستطع هدم البنية التحتية للمقاومة حتى في أقرب النقاط الملاصقة لمستوطنات الغلاف، ولا يزال قادة المقاومة الرئيسيون أحياء، ولا يزال الأسرى في مكان غير معلوم رغم اجتياح القطاع.
الحرب إذن زادت من شعور الإسرائيلي بالعجز ولم تشف جروحه الأولى. وبعد اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وتفجيرات منظومة الاتصال في الحزب، كادت إسرائيل للحظة أن تستعيد الشعور بالسيطرة والمبادرة -ولو على جبهة واحدة- لكن الأحداث لم تترك هذا الشعور طويلا ليستقر.
فسرعان ما ضربت صواريخ إيران قواعد إسرائيل الجوية وأصابتها بدقة، بل ضربت تمركزاتها العسكرية داخل قطاع غزة نفسه، في محور نتساريم الذي لا يتعدى عرضه كيلومترا واحدا، وأصابت أهدافها بدقة وثقة عالية في تحدٍّ واستعراض لقدرات صواريخها على إصابة أهدافها دون انحراف كان من الممكن لو حدث أن يؤدي إلى مجزرة في القطاع المكتظ بالسكان.
مواقع إسرائيلية استهدفتها الصواريخ الإيرانية (الجزيرة)أمام هذا الواقع تتعرض العقيدة الأمنية لجيش الاحتلال لتحدٍّ بالغ، وتآكل في الثقة يصعب ترميمه. كما يشعر الإسرائيليون ليس بالفشل فقط، بل بعدم الثقة في المستقبل كله، حيث عبر 48٪ من الإسرائيليين، في الاستطلاع الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، عن تشاؤمهم بشأن مستقبل إسرائيل، كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية بمناسبة عام على الحرب أن 61٪ من الإسرائيليين أصبحوا لا يشعرون بالأمان في دولتهم.
إدماء اقتصادي واستنزاف طويل المدى
ولنعد إلى التاريخ مجددا، ففي أعقاب حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 دخل الاقتصاد الإسرائيلي في موجة طويلة من الركود، بسبب ارتفاع الإنفاق العسكري، مع تراجع النمو الاقتصادي وتعثر المداخيل القومية للاقتصاد. وبعد دورة من الزمن، ها هو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش -الذي يُعدّ من أكثر القيادات الإسرائيلية رغبة في توسيع الحرب واستمرارها- يقر بالضغط الهائل الذي تمثله الحرب الحالية على الاقتصاد الإسرائيلي، واصفا إياها بأنها "الحرب الأعلى تكلفة في تاريخ البلاد".
ويقدر خبراء إسرائيليون تكلفة الحرب حتى الآن بحوالي 250 مليار شيكل (67 مليار دولار) وهو ما يمثل 12٪ من الناتج المحلي القومي الإجمالي، ويتوقعون أن تحتاج وزارة الدفاع إلى زيادة سنوية تقدر بنحو 20 مليار شيكل لمواجهة التحديات الجديدة. أدت هذه المستجدات إلى عجز تراكمي في الميزانية العامة زاد على 8٪؛ مما أدى إلى تصاعد الاعتماد على الديون التي زادت خلال عام واحد بمقدار ضعفين.
وتحت وطأة الحرب، تراجعت العملة المحلية، الشيكل، بنسبة تتجاوز 5٪ خلال عام، وبلغت خسائر قطاع السياحة رقما قياسيا وصل إلى 18.7 مليار شيكل (4.9 مليارات دولار)، كما قُدرت خسائر البورصة الإسرائيلية بنحو 20 مليار دولار.
بيد أن الآثار الأكثر استدامة تكمن في تراجع الثقة في الاقتصاد الإسرائيلي؛ فقد خفضت العديد من الوكالات المختصة تصنيفها الائتماني لإسرائيل، مثل وكالة "ستاندرد آند بورز" التي خفضت تصنيف دولة الاحتلال من "A+" إلى "A" وذلك للمرة الثانية خلال العام، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية، وكذلك فعلت وكالتا "فيتش" و"موديز". وتزامن ذلك مع خروج 60٪ من المستثمرين الأجانب من السوق الإسرائيلية.
وثمة عوامل أخرى ستظهر آثارها تباعا، مثل إغلاق آلاف الشركات نتيجة تدهور الوضع الأمني أو تهجير عمالها وإغلاق مقراتها في مستوطنات الشمال وغلاف غزة، فضلا عن استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط؛ مما يلقي أعباء مزدوجة على ميزانية الدولة وعلى سوق العمل في الوقت نفسه.
وتقدر شركة معلومات الأعمال الإسرائيلية "كوفاس بي دي آي" (Koface BDI) أن 60 ألف شركة إسرائيلية ستغلق أبوابها هذا العام، وغالبية تلك الشركات من فئة الشركات الصغيرة والصغرى.
ما لم تعتده إسرائيل: تحولات في الرأي العام الغربي
بالتزامن مع ذلك كله، تضررت صورة إسرائيل في الغرب بشكل غير مسبوق، وأصبحت الأصوات أكثر جرأة على انتقادها، خاصة وسط صفوف اليساريين والتقدميين، والشباب الصغار عموما.
ومثالا لذلك، أظهر استطلاع رأي أجراه معهد هارفارد للسياسة في الولايات المتحدة، فيما بين 14 و21 مارس/آذار الماضي، على عينة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، أظهر أن 5 من كل 6 أشخاص يؤيدون الوقف الدائم للحرب على غزة.
هذا التدهور في صورة إسرائيل في الغرب يضع الكثير من الأمور على المحك، فقد اقتاتت الدولة العبرية منذ ولادتها على المساعدات الغربية، خاصة بعد إعلان أيزنهاور 1957 الذي مثل بداية الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، وفتح أبواب الدعم الغربي أمام إسرائيل التي أصبحت المتلقي الأكبر للمساعدات الأميركية منذ الأربعينيات فضلا عن أطنان أخرى من المساعدات الغربية دُفعت جراء الاهتمامات الجيوسياسية والضريبة الباهظة التي فُرضت على أوروبا نتيجة اضطهاد اليهود خلال الحقبة النازية.
لكن الحرب الحالية، والتغيرات المصاحبة لها، تعيد مساءلة هذا الدعم المفتوح وترفع حدة النقاش حوله بشكل غير مسبوق، متحدية السردية الإسرائيلية التي ظلت سائدة ومهيمنة لعقود طويلة. وتحت وطأة الضغوط الحقوقية المحلية؛ قررت العديد من الدول حظر، أو تخفيض، الصادرات العسكرية لإسرائيل، ومن بينها كندا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا.
مظاهرة في واشنطن مؤيدة لفلسطين تطالب باعتقال نتنياهو (الفرنسية)كما قطعت عدة دول علاقتها بشكل كامل مع إسرائيل مثل بوليفيا وكولومبيا، وانضمت 7 دول إلى دعوى جنوب أفريقيا لمقاضاة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية بينها كولومبيا والمكسيك وتركيا ونيكاراغوا، إضافة إلى دولة أوروبية مهمة هي إسبانيا.
واعترفت الأمم المتحدة في مايو/أيار 2024 بدولة فلسطين "كاملة العضوية" بغالبية فاقت الثلثين من أعضائها (147 دولة من الدول الأعضاء). وخلال عام من الحرب أعلنت 40 جامعة، بعضها من كبريات الجامعات الغربية، المقاطعة الأكاديمية والمؤسسية لجامعات إسرائيل.
على المستوى الإقليمي، كانت إسرائيل قبل اندلاع طوفان الأقصى متجهة في تقدير الكثيرين إلى سنوات "ربيع إقليمي" بفضل اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية. لكن دراسة نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي في أبريل/نيسان 2024 اعتبرت أن أسوأ ما قد يحدث بسبب الحرب هو أنها ستفوت على إسرائيل منافع التطبيع وتعطل وصول قطاره إلى محطات جديدة.
وطبقا للدراسة؛ رفعت الحرب أثمان التطبيع على نحو مذهل، ليس فقط لأن الدول التي تفكر في التطبيع ستتعين عليها المطالبة بخطوات عملية من إسرائيل في طريق الدولة الفلسطينية، بل لأن الدول المطبعة أصلًا سوف تكون أكثر ترددا في أخذ علاقاتها مع إسرائيل إلى مستويات جديدة.
بداية الانهيار
"الهجرة اليهودية إلى فلسطين هي دم الحياة لإسرائيل، وضمان أمنها ومستقبلها وجوهر حياتها وروحها".
ديفيد بن غوريون
هذا المزيج المعقد من التعقيدات الجغرافية والتراكمات التاريخية والهشاشة النفسية، الممتزج بالوقائع المعقدة الجديدة التي فرضها طوفان الأقصى وفشلت المذابح الإسرائيلية في تغييرها، بدأ في دفع المجتمع الإسرائيلي بأسره إلى التصرف كـ"جيش منهزم". بداية، فجّرت الحرب أعمق أزمات المجتمع الصهيوني ووسعت الشرخ الديني العلماني إلى هوة غير مسبوقة، سيتصاعد ظهورها في قضايا عديدة لن تقف عند مسألة تجنيد الحريديم وحدها، كما أظهرت مدى التباعد بين التيارات السياسية، وإذا كان مناخ الحرب والشعور بالتهديد الوجودي يحجم ظهور تداعيات ذلك فإن شهور الحساب فيما بعد الحرب ستكون أشد وأعنف على المجتمع الإسرائيلي.
أبعد من ذلك، بدأ الكثير من الإسرائيليين يفكرون في النجاة بأنفسهم والفرار ما دام ذلك ممكنا. وقد كشف استطلاع رأى أجرته قناة كان التابعة لهيئة البث الرسمية أن حوالي ربع الإسرائيليين فكروا خلال العام الماضي في الهجرة من إسرائيل دون عودة، بسبب الأوضاع الأمنية التي خلفتها الحرب. وعلى الرغم من أن هذا التوجه كان مرصودا منذ عدة أعوام قبل الحرب، فإنه ازداد بشكل ملحوظ خلال عام الحرب.
لا يمكننا الآن الوقوف على الأعداد الحقيقة لأولئك الذين فرّوا من إسرائيل خلال العام الماضي؛ وذلك ببساطة لأن هناك تشكيكًا إسرائيليًّا في الأرقام التي تصدرها دائرة الإحصاء الرسمية حول أعداد المهاجرين، من قبل الإسرائيليين أنفسهم.
وقد نشرت صحيفة "ذا ماركر" (The Marker) الاقتصادية البارزة تقريرا اتهمت فيه الدائرة بإخفاء الأعداد الحقيقية، وقدرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن نصف مليون إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلَم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة. أما البيانات الرسمية لدائرة الإحصاء فتظهر أن 55 ألفا غادروا إسرائيل في 2023 مقابل 38 ألفا في 2022، وتصاعد هذا العدد ليصل إلى 40 ألفا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
يخبرنا ذلك أن مكاسب الحرب وخسائرها لا تحددها فقط أعداد القتلى والمباني المهدمة، فالحرب سلوك شامل متعدد الأوجه وخسائرها أيضا شاملة متعددة الأوجه. ورغم ما أظهرته إسرائيل من مرونة في التكيف في حالة الحرب الدائمة، وكفاءة في القفز إلى الأمام نحو حرب متعددة الجبهات؛ فإن ذلك لا يعني أنها نجحت في تجاوز آثار السابع من أكتوبر نهائيا أو أنها قريبة من ذلك؛ إذ يظل ذلك التاريخ بمثابة لحظة الحقيقة التي تضغط على وعي إسرائيل الجمعي وتطارد مستقبلها ووجودها، تماما كما تنبأ قادة الاحتلال عبر العصور.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد السابع من أکتوبر من الإسرائیلیین الإسرائیلی فی طوفان الأقصى إسرائیل فی هذا الشعور بن غوریون خلال عام من الحرب فی تاریخ فضلا عن أکثر من فی مقال الذی ی
إقرأ أيضاً:
ما تاريخ صفقات التبادل التي أجرتها إسرائيل مع دول عربية وفصائل المقاومة؟
تقترب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من إبرام صفقة تبادل أسرى كانت مستبعدة إسرائيليا لتؤدي، كما هو مفترض، إلى وقف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من 15 شهرا، مقابل الإفراج عن نحو 100 أسير إسرائيلي اعتقلوا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ومنذ قيام دولة الاحتلال جرى عقد عشرات صفقات التبادل الصغيرة والكبيرة مع عدد من الدول العربية ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية سواء حركة حماس أو فتح والجهاد الإسرائيلي، إلى إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
عقب النكبة
بعد حرب عام 1948 ووقوع أحداث النكبة، أجرى الاحتلال الإسرائيلي عمليات تبادل مع مصر والأردن وسوريا ولبنان، حيث كان لدى القاهرة 156 جنديا إسرائيليا، وفى عمّان 673 جنديا، ومع دمشق 48 جنديا، ومع بيروت 8.
وفي ذات الوقت كان الاحتلال يحتجز 1098 مصريا، 28 سعوديا، 25 سودانيا، 24 يمنيا، 17)أردنيا، 36 لبنانيا، 57 سوريا و5021 فلسطينيا، بسحب إحصاء أجرته سابقا شبكة "بي بي سي".
ونفذت "إسرائيل" عمليات التبادل مع كل دولة تحتجز إسرائيليين على انفراد، فعقدت "صفقة الفالوجة" مع مصر في 27 شباط/ فبراير 1949، ومع لبنان في الفترة ما بين آذار/ مارس ونيسان/ أبريل من نفس العالم، بينما كانت الصفقة الأخيرة مع سوريا بتاريخ 21 تموز/ يوليو.
وبعد ذلك في 1954 أسرت مصر عشرة ملاحين إسرائيليين على متن السفينة "بت جاليم" في قناة السويس، وبعد تدخل مجلس الأمن أطلق سراحهم في مطلع العام التالي.
في شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 1954 أسر السوريون خمسة جنود إسرائيليين توجهوا إلى مرتفعات الجولان في مهمة خاصة، وقد انتحر أحدهم في سجنه بسوريا ويدعى اورى ايلان، وفى 14 كانون الثاني/ يناير 1955 أرجعت جثته لـ"اسرائيل"، بينما كان الأربعة الآخرون هم مائير موزس، يعقوب ليند، جاد كستلنس، مائير يعقوبى وقد في نهاية آذار/ مارس 1956، بالمقابل وأفرج الاحتلال عن 41 أسيرا سوريا.
חמישה לוחמים יצאו למשימה וכולם שילמו עליה מחיר כבד בדצמבר 54'. אורי אילן התאבד בשבי. מאיר יעקובי, נחוש להחזיר את כבודו נהרג במיתלה. מאיר מוזס שינה את שמו לאחר השבי. לא רצה להיות מזוהה כמי שנשבר. גדי קסטלניץ השתקם ונפטר לפני עשור. והיום נפרד האחרון, ג'קי לינד, שירד מהארץ ולא שב. pic.twitter.com/QjZhofPjeY — nir dvori (@ndvori) March 23, 2023
ومع حلول عام 1957 أدت صفقة تبادل إلى إطلاق سراح 5500 مصري كانت قد أسرتهم "إسرائيل" في حرب عام 1956 (العدوان الثلاثي)، وقد أرجعوا إلى مصر مع جنود مصريين آخرين مقابل إفراج مصر عن أربعة جنود إسرائيليين كانت قد أسرتهم في الحرب ذاتها.
الستينيات والسبعينيات
في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1963 جرت عملية تبادل بين الاحتلال وسوريا وتم بموجبها إطلاق سراح 11 إسرائيليا مقابل 15 أسير سوري.
أما فيما يعقب حرب حزيران/ يونيو 1967 (النكسة) أسرت القوات العربية 15 جنديا إسرائيليا، (11 مع مصر واحد مع سوريا و2 لدى العراق وواحد لدى لبنان)، بينما أسرت "إسرائيل" 5237 مصريا و899 أردنيا، و572 سوريا.
وبدأت عملية التبادل في حزيران/ يوليو 1967 وانتهت في كانون الثاني/ يناير 1968، وتضمنت الإفراج عن طيارين إسرائيليين في العراق وهما يتسحاق جولان- وجدعون درور، وقد وقعا في الأسر بعد أن قصفا مطار "إتش 3" العسكري في غرب العراق، وأفرجت "إسرائيل" مقابل ذلك عن 428 أردنيا.
وأفرجت "إسرائيل" خلال تلك الفترة عن 572 سوريا مقابل طيار وجثث ثلاثة جنود إسرائيليين آخرين، مع استمرار الرفض في تسليم جثة الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلى كوهين، الذي أعدم شنقاً في دمشق عام 1968.
وفي العام ذاته، جرت عملية تبادل مع الأردن، حيث أفرج الاحتلال عن 12 أسيرا، بينما سلمت عمان جثة جندى كان قد قتل في معركة الكرامة، بينما لازال جنديان آخران مفقودين حتى الآن.
لأول مرة
مع حلول 23 تموز/ يوليو 1968 جرت أول عملية تبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" وذلك بعد نجاح مقاومين فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة يوسف الرضيع وليلى خالد باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة "العال"، والتي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب.
وكانت هذه العملية أول طائرة اسرائيلية تختطف آنذاك، وتم إبرام الصفقة من خلال الصليب الأحمر الدولي وأفرج عن الركاب مقابل (37) أسيرا فلسطينيا من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيين كانوا قد أسروا قبل العام 1967.
وبعد ذلك بعام، خطفت مجموعة أخرى من الجبهة الشعبية بقيادة ليلى خالد طائرة العال الإسرائيلية وكان مطالب الخاطفين الإفراج عن الأسرى في سجون "إسرائيل" وحطت الطائرة في بريطانيا وقتل خلالها أحد أفراد المجموعة الخاطفة ويدعى باتريك أورغويللو بينما تم اعتقال ليلى خالد، وبعدها تم اختطاف طائرة بريطانية من قبل مجموعة تتبع لنفس التنظيم وأجريت عملية تبادل أطلق بموجبها أطلق سراح ليلى خالد.
" حين عُرض عليّ ان أقوم بخطف الطائرة وافقتُ وانا أتخيّلُ أنني أحمل طائرة على كتفي وأجري بها في الشارع "
المناضلة العظيمة الفلسطينيّة ليلى خالد❤ pic.twitter.com/VUcmnXddh4 — Fawzy (@fawzy_lubbad) March 6, 2020
وفي بداية عام 1970 وقع بأيدى المصريين 12 جنديا إسرائيليا ووقع ثلاثة آخرون بأيدي السوريين، وفي منتصف ذلك العام أرجعت مصر طيارا مصابا، بينما في آذار/ مارس 1971 أفرجت القاهرة عن جندي آخر مقابل الإفراج عن عدد محدود من الجنود والمدنيين المصريين.
وجرت في العام ذاته عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين "إسرائيل" وحركة فتح الفلسطينية، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز، والذي اختطفته الحركة أواخر عام 1969.
وفي أوائل مارس/ آذار عام 1973 جرت عملية تبادل مع سوريا، حيث أفرجت "إسرائيل" عن خمسة ضباط سوريين كانت قد اختطفتهم من جنوب لبنان خلال مهمة استطلاع عسكرية، مقابل إطلاق سراح أربعة طيارين إسرائيليين كانوا بحوزة سوريا.
أما في حزيران/ يوليو من نفس العام أفرجت سوريا عن ثلاثة طيارين إسرائيليين وهم جدعون ماجين، وبنحاس نحماني، وبوعاز ايتان بعد أن احتجزوا لمدة ثلاث سنوات في الأسر، وأفرجت "إسرائيل" مقابلهم عن 46 سوريا.
في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وقع بأيدي المصريين 242 جنديا إسرائيليا، ومع سوريا 68 جنديا، من بينهم ثلاثة أسروا خلال فترة وقف إطلاق النار، ومع لبنان 4 جنود، بينما وقع في أيدي الاحتلال 8372 جنديا مصريا منهم 99 خلال وقف إطلاق النار، و 392 سوريا، و6 من المغرب، و13 عراقيا.
وقد تمت الصفقة مع مصر في الفترة ما بين منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 22 من الشهر ذاته، حيث أطلقت مصر سراح 242 جنديا وضابطا إسرائيليا ، مقابل ما لدى الاحتلال من جنود وضباط مصريين.
ومع سوريا تمت صفقة التبادل مطلع حزيران/ يونيو 1974 حتى وفيها أفرج 392 سوريا وستة مغاربة وعشرة عراقيين مقابل إطلاق سراح سوريا 58 أسيرا إسرائيليا، وأفرجت "إسرائيل" أيضا عن 65 أسيرا مصراً وفلسطينيّا مقابل إطلاق سراح جاسوسين إسرائيليين في مصر.
وأعادت مصر أيضا في ذلك العام لـ"اسرائيل" جثث ورفات 39 جنديا، بالمقابل عن 92 أسيرا.
وفي العام ذاته، جرت عملية تبادل الليطاني أو كما سميت "عملية النورس" بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وهي إحدى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته في عملية الليطاني قبل ذلك بعام تقريبا.
وفي هذه العملية تم مهاجمة شاحنة إسرائيلية في كمين قرب صور وهو ليس بعيدا عن مخيم الرشيدية فقتل آنذاك أربعة جنود اسرائيليين وأسر واحد من قوات الاحتياط وهو أبراهام عمرام، وأفرجت "إسرائيل" بالمقابل عن 76 أسيرا من كافة فصائل الثورة الفلسطينية وكانوا في سجونها، من ضمنهم 12 فتاة فلسطينية.
الثمانينيات والتسعينيات
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1983 وضمن عملية تبادل جديدة ما بين حكومة "إسرائيل" وحركة فتح، جرى إطلاق سراح جميع معتقلي معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم 4700 فلسطيني ولبناني إضافة إلى 65 أسيرا من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود اسرائيليين من لواء "ناحال" أسروا في منطقة بحمدون في لبنان من قبل عناصر تابعة لفتح.
وبعد ذلك بعام تقريبا أعادت "إسرائيل" ثلاثة من جنودها هم جيل فوجيل، وأرئيل ليبرمان، ويوناثان شلوم وخمس جثث لجنود آخرين كانوا قد أسروا من قبل سوريا، مقابل الإفراج عن 291 جنديا سوريا و85 لبنانيا و13 سوريا من الجولان، بشرط بقائهم في الجولان.
وفي منتصف العقد، أجرت "إسرائيل" عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وهي، سميت بعملية الجليل، وأطلقت "إسرائيل" بموجبها سراح 1155 أسيرا كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود.
وفي أيلول/ سبتمبر من نفس العام، أفرجت "إسرائيل" عن 119 لبنانيا في سجن عتليت، مقابل إطلاق سراح 39 رهينة أمريكية كانوا محتجزين على متن طائرة بوينغ أمريكية تابعة لشركة "تى دبليو إي" فى حزيران/ يونيو من العام ذاته.
وشهد عام 1991 عمليتي تبادل بين حزب الله اللبناني و"إسرائيل"، الأولى تمت في 21 كانون الثاني/ يناير 1991، وأفرج الاحتلال بموجبها عن 25 معتقلا من معتقل الخيام بينهم امرأتان، والثانية بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر 1991 وأفرج عن 51 معتقلا من مقابل استعادة جثة جندي إسرائيلي كانت محتجزة لدى حزب الله.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1991 أيضا، أفرجت حركة الجهاد الإسلامي عن أستاذ الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت جيسى تيرتر، في مقابل إطلاق إسرائيل سراح 15 معتقلا لبنانيا بينهم 14 من سجن الخيام.
وحصلت "إسرائيل" في تموز/ يوليو 1996 على رفات الجنديين يوسف بينيك ورحاميم الشيخ ، مقابل إفراجها عن رفات 132 لبنانيا استشهدوا في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية، كما أطلق حزب الله سراح 17 جنديا من جيش لبنان الجنوبي، وأطلق الأخير سراح 45 معتقلاً من الحزب من معتقل الخيام، وقد تمت العملية بوساطة ألمانية.
ومع حلول عام 1997، جرت اتفاقية تبادل ما بين "إسرائيل" والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين اعتقلتهم قوات الأمن الأردنية بعد محاولتهم الفاشلة في اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينها، فيما أطلقت إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، والذي كان معتقلاً في سجونها منذ العام 1989 وكان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.
قبل 20 عاما في 22 مارس 2004 قام جيش الاحتلال الاسرائيلي باغتيال مؤسس وزعيم حركة حماس الشيخ احمد ياسين بعد أدائه صلاة الفجر في المسجد فماذا كانت أمنية حياته قبل الشهادة ؟ #غزة_تحت_القصف #فلسطين #رمضان #رمضان_12_الدعاء_المستجاب pic.twitter.com/n6r2PjOlN9 — A Mansour أحمد منصور (@amansouraja) March 22, 2024
وفي حزيران/ يوليو 1998 أعادت "إسرائيل" 40 جثة لشهداء لبنانيين مع إطلاق سراح 60 لبنانيا، وقد تم إخراج جثث 38 مقاتلا من المقابر وجثتين من مشرحة أبو كبير إحداهما جثة هادى نصر الله نجل الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، وبالمقابل سلم حزب الله رفات الرقيب إيتامار إيليا من وحدة الكوماندوز في سلاح البحرية في القسم العسكري في مطار اللد والذي قتل معه 11 ضابط وجندي إسرائيلي آخرين من الكوماندوز البحري خلال مهمة خاصة في لبنان.
من عام 2000
في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر من الألفية الجديدة، جرى اختطاف عقيد الاحتياط في جيش الاحتلال إلحانان تاننباوم، من قبل حزب الله اللبناني، واحتجز لمدة أكثر من ثلاث سنوات.
وتم استدراج تاننباوم، للمشاركة في صفقة تهريب مخدرات، واختطف إلى لبنان على يد قيس عبيد واللبناني كايد برو، بحسب قناة "i24news" الإسرائيلية.
وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر أيضا من العام ذاته، أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، على قناة المنار: "لدينا عقيد إسرائيلي في أيدينا".
ذاكرة #المقاومة_الإسلامية#السيد_نصرالله يعلن عن عملية أسر الجاسوس ألحنان تننباوم 15/10/2000 pic.twitter.com/pHDLTOfgnj — Hasan Saado (@HasanSaado1) August 8, 2024
وتم إطلاق سراح تاننباوم كجزء من صفقة تبادل أسرى تمت في 29 كانون الثاني/ يناير 2004 بين "إسرائيل" وحزب الله برعاية ألمانية، تم بموجبها إعادة جثث جنود إسرائيليين تم اختطافهم أيضا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000.
في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مرة أخرى من عام 2000، نفذ حزب الله عبر الحدود عملية تمكن فيها من أسر ثلاثة جنود إسرائيليين، هم: بيني أفراهام، وآدي أفيتان، وعمر سواعد، بينما كانوا يقومون بدورية في الجدار الأمني على طول الحدود مع لبنان، وليس من الواضح حتى الآن متى أو تحت أي ظروف قتل الجنود الذي أعيدت جثثهم إلى "إسرائيل" في صفقة التبادل عام 2004.
في مثل هذا اليوم قبل 24 عامًا، اختطفت منظمة حزب الله وقتلت الجنود الثلاثة بيني أبراهام وآدي أفيتان وعمر سويد في منطقة جبل دوف pic.twitter.com/5SBMexdlEs — ترجمات الصحف / اخبار 24 (@galebsami) October 7, 2024
وبموجب الصفقة، أفرجت "إسرائيل" عن 431 أسيرا فلسطينيا من الضفة الغربية وقطاع غزة، و24 أسيرا لبنانيّا، و8 أسرى عرب، وقد كان من أبرزهم القيادي في حزب الله عبد الكريم عبيد، الذي اختطفه الإسرائيليون من لبنان عام 1989، ومصطفى الديراني الذي اختطفته "إسرائيل" عام 1994.
ملف شاليط
في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، أصدرت كتائب القسام لأول مرة شريط فيديو مصورا، يظهر فيه الجندي الأسير جلعاد شاليط لمدة دقيقتين، مرتديا الزي العسكري وحاملا جريدة إخبارية فلسطينية بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2009، وتحدث بالعبرية، مخاطبا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالموافقة على شروط حماس، وتأمين الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان.
وبسبب هذا الشريط والمعلومات التي وردت فيه، نجحت كتائب القسام في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2009 بوساطة ألمانية مصرية، بتأمين الإفراج عن 19 أسيرة فلسطينية من ذوات المحكوميات العالية، مقابل إصدار دليل مادي يثبت بأن الجندي الأسير لا يزال على قيد الحياة.
وبناء عليه، تمت الصفقة وسلمت حماس شريطا لـ "إسرائيل" يظهر فيه الجندي المختطف بصحة جيدة.
وفي 11 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2011، أعلن التوصل لاتفاق بوساطة مصرية، لتبادل الأسير غلعاد شاليط، الذي تم أسره عام 2006، مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا، كان من ضمنهم رئيس المكتب السياسي الحالي لحركة حماس يحيى السنوار.
وتم إبرام الصفقة بشكل رسمي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، وهي الصفقة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، التي تمت فيها عملية الأسر ومكان الاحتجاز والتفاوض داخل أرض فلسطين، وأطلقت عليها حماس اسم "وفاء الأحرار".
الصفقة المحدودة
خلال حرب الإبادة الحالية تم إجراء صفقة تبادل محدودة بين "إسرائيل" وحماس بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، وكانت جزءًا من اتفاقية وقف إطلاق النار المؤقت في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر وامتد لفترة أسبوع.
في مشاهد تسليم الأسرى، ذكاء لا يخفى وعزّة لا تغيب، وإيمان يطغى على أثرة النفس وهواها! الكثير من الرسائل في كل مشهد، الكثير من الثبات في كل صورة، والكثير من الغيظ في أكباد الخونة المرجفين، من احتضان الأسير للمقاوم، والتلويح له مودّعًا إياه، كأنّما يفارق عزيزًا عاشَ معه، «Goodbye». pic.twitter.com/mmyLSHI7w8 — قصي عاصم العسيلي (@qalosaily) November 30, 2023
أطلقت إسرائيل سراح 240 أسيرا فلسطينيا، 107 منهم أطفال، وثلاثة أرباعهم لم تتم إدانتهم بارتكاب جريمة، وفي المقابل، أطلقت حماس سراح 105 مدنيين، من بينهم 81 شخصًا من "إسرائيل" و23 تايلانديًا وفلبينيًا واحدًا.