طوفان الأقصى: العاصفة التي أيقظت العالم
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
ليست قبور الفراعنة وحدها تحوي أجسادا مُحنّطة، فرؤوس الكثير من صُناع القرار في العالم عربا وأجانب تحوي عقولا مُحنطة، حتى ظنوا أن القضية الفلسطينية قد ماتت، وأن الشعب الفلسطيني قد ذاب في أصقاع العالم، بعد أن مات لديهم الوازع الأخلاقي والوازع الإنساني والوازع القانوني وحتى الوازع الديني.
وإذا كان الصينيون القُدامى قد استخدموا الإبر لتحفيز الدفاعات الطبيعية للجسد ضد الأمراض، فإن الفلسطينيين استخدموا الأسلوب نفسه بوسائل أخرى لإيقاظ العالم على قضيتهم.
نعم لقد مرّ عام على الحرب في غزة، وما زال دوي المعارك هو الصوت الوحيد الذي يُسمع على الجبهات كافة، ولا تزال الحرب في أوجها، ولا يلوح في الأفق أي نهايات قريبة، وسط مخاوف من توسع أكبر لرقعة الصراع، لكن شعبنا في فلسطين ما زال حيا وقادرا على دفع أثمان صُنع كرامته وحريته وتحقيق استقلاله.
نعم كان المسعى هو تذويب القضية الفلسطينية، تجزئة هذه القضية، ركنها على الرف، ولفت الانتباه الى أمور أخرى، حتى بدأنا نسمع، أن المسألة ليست مسألة الاحتلال، بل المسألة هي دخول إيران عليها…المسألة ليست الاحتلال، بل هي الانسداد السياسي، ومؤخرا باتت المسألة ليست الاحتلال، بل هي مُعاداة السامية. ويبدو أن إسرائيل ما لا تريد أن تواجهه، وهو أمر لا بد أن تواجهه، هو أن هناك احتلالا.
وعلى الرغم من طموحها بأن تكون دولة ديمقراطية ويهودية، كما تدعي، فلا مجال للتوفيق بين هذين الوجهين إطلاقا. فهم يقولون إن اليهود سوف يكونون أكثرية في ما يسمونها إسرائيل الكبرى، أو إسرائيل التاريخية، فيما الحقيقة أنهم أقلية، وإلى تناقص، في حين أن الأكثرية هم الفلسطينيون، وهم يرفضون حتى الإقرار بالوجود الفلسطيني من خلال التجزئة ومن خلال التفتيت، ومن خلال التعامل مع الفلسطينيين على أنهم حالة طارئة وليس على أنهم مجتمع له طموح وطني كما للجميع. إذن ما الحل؟
هنا تصبح المسألة بعد التسويف الأمريكي، الذي بقي يتكلم كذبا على مدى عقود عن حل الدولتين، وبعد الجمود الكامل لأي مفاوضات توصل إلى أن حل الدولتين مسألة حياة أو موت، وعليه فقد أقدمت المقاومة الفلسطينية على غزوة السابع من أكتوبر/تشرين الأول كحل أخير ووحيد، لإيقاظ العالم على حقيقة الشعب الذي سُرقت أرضه وشُرّد أبناؤه وبات يُقتل كل يوم.
إن الكثير من الغربيين يتوهمون بحقيقة الصراع القائم وغالبا ما يتساءلون عن لُب الصراع، هل هو صراع ديني؟ هل هو صراع بين اليهودية السياسية مقابل الإسلام السياسي؟ أم هو صراع وجودي بين احتلال ومقاومة؟ لكن الحقيقة هي أنه ليس صراعا دينيا، ومن يقول بذلك فإنه يسعى لتأطير شكل الصراع لا أكثر. فالمقاومة الفلسطينية لإسرائيل لم تبدأ مع حركة حماس. كانت المقاومة الفلسطينية ذات هوية وطنية وليست دينية. وكانت أيضا مقاومة قومية.
وقبل ذلك كانت تآلفا بين المسلمين والمسيحيين. وهنا لا بد من التذكير بأن العلم الفلسطيني الأول كان علم فلسطين الحالي نفسه لكن مع هلال وصليب. إذن المسألة ليست مسألة عقائدية دينية، ولا يمكن ربط المقاومة بحركة حماس لأنها ذات هوية دينية، ففكرة المقاومة للاحتلال هي الإساس. وقد انبثقت المقاومة الفلسطينية قبل ظهور حماس، وستبقى المقاومة قائمة ولن تزول بزوال هذا الفصيل المقاوم أو ذاك.
فالصراع ليس دينيا، والصراع ليس تاريخيا بمعنى أن هنالك حسابات تاريخية بين اليهود والفلسطينيين أدت إلى الصراع. فالمسالة واضحة جدا أمام كل من ألقى السمع وهو شهيد، فهناك شعب يعيش على أرضه ثم جاء مُحتل من الخارج وسرق أرضه. وما يطالب به الفلسطينيون هو استعادة حقهم في الحياة الحرة الكريمة.
قد يقول البعض إن عام الطوفان كانت كلفته باهظة على أهلنا في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، بينما الكلفة على إسرائيل أقل، وهذا كلام خارج عن المنطق تماما، ولا يستقيم مع حقائق الأمور. ولو كان هو كذلك لكان شعبنا في الجزائر ما زال يئن تحت الاحتلال الفرنسي حتى اليوم، ولما دفعوا أكثر من مليون شهيد.
الاستمرار بالعدوان يؤسس لأجيال جديدة من المقاومات التي ستجيب على التوحش
وعلى القياس نفسه تأتي فيتنام وغيرها من الشعوب التي ناضلت طويلا ودفعت كُلفا كبيرة ضد المحتلين. فالعدو الصهيوني واهم جدا إن ظن أن الاستمرار في القتل والتدمير سوف يأكل من جرف المقاومة، بل إن استمراره في العدوان على الأقل يمكن أن يشتري به بضعة شهور أو سنوات، ولكن الاستمرار بالعدوان يؤسس لأجيال جديدة من المقاومات التي ستجيب على التوحش. ولا بد من الإقرار بأن هناك حقا أصيلا، هو حق الإنسان الفلسطيني بأن يبقى في أرضه، وأن يكون هو صاحب السيادة على نفسه وعلى أرضه وداره. فما يقول به الإسرائيليون من حق لهم في فلسطين، لا يمكن أن يستقدمه نتنياهو والصهيونية الدينية بنصوص توراتية، لا يتفق عليها جميع اليهود في العالم.
فلهم الحق في أن يؤمنوا بما شاءوا ولكن لا يستطيعون أن يُلزموا أحدا بإيمانهم. بالتالي ما يُتفق عليه من أن ثمة من هو على هذه الارض اليوم وهو هنا لأجيال، لا بد من التعاطي مع حقيقة كهذه. ولكن المنطق الإسرائيلي اليوم، الذي يتجاوز نتنياهو هو منطق إقصائي. وهو منطق يعطي حقا حصريا للإسرائيليين بفلسطين، بينما يستثني صاحب الأرض الحقيقي ويدعو الى إقصائه واستئصاله أيضا.
إن ما يجب التذكير به بعد عام من عمر طوفان الأقصى هو أنه في عام 2010 ونتيجة لسياسة الحصار الإسرائيلي، الذي بدأ عام 2005 على قطاع غزة، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا قالت فيه، إن غزة بحلول عام 2020 ستكون غير صالحة للحياة، وأصدرت توصيات بضرورة رفع الحصار عنها، أو تخفيفه وتسهيل عمل المنظمات الدولية للتخفيف من معاناة السكان فيها. ثم حدّثت الأمم المتحدة معلوماتها وأصدرت تقريرا آخر قالت فيه إن غزة لن تكون صالحة للعيش حتى قبل عام 2020. كل هذا قبل السابع من أكتوبر وليس بعده.
إذن كان السابع من أكتوبر نتيجة من نتائج الاحتلال والقتل والتدمير والتجويع الذي مارسه العدو على مدى عقود طويلة. نعم لقد تكبّد شعبنا خسائر كبيرة في قطاع غزة خلال العام المنصرم، حيث بات حوالي 80% من القطاع مُدمرا، وهناك عدد كبير من الشهداء والجرحى والمفقودين الفلسطينيين.
لكن إسرائيل التي زيّن الغرب وجهها القبيح بقناع حضاري باتت متوحشة أمام المجتمع الدولي، وبه كسبت القضية الفلسطينية زخما كبيرا من التأييد والفهم العقلاني قل نظيره من قبل، وتحركت المؤسسات الدولية القانونية، وشرعت بتجريم قادة العدو السياسيين والعسكريين. وبذلك خسرت إسرائيل الكثير من التعاطف والتأييد الذي نالته سابقا من الكثير من الدول والشعوب على يد أبطال المقاومة الفلسطينية.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال حماس حماس غزة الاحتلال طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الفلسطینیة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
فوضى بوزارة حرب الاحتلال.. استقالات وإقالات منذ عملية طوفان الأقصى (صور)
على مدار عام كامل من العدوان على قطاع غزة ولاحقا لبنان، وجدت وزارة الحرب وأجهزة الاحتلال الأمنية نفسها، أمام واحدة من أعقد الأزمات التي وقعت فيها، وكشفت عن الكثير من نقاط الضعف والخلل، وانعدام الثقة بين قياداتها.
وخلال العام الماضي، وقعت سلسلة من الاستقالات والإقالات، على خلفية الأزمات التي عصفت بالاحتلال، ظل فشله المتواصل في تحقيق أهدافه، على الرغم من المجازر الواسعة التي ارتكبها في قطاع غزة ولبنان، أمام صمود المقاومة ومضيها في حرب استنزاف.
وتعكس الاستقالات حالة الارتباك والفوضى بوزارة حرب الاحتلال، فضلا عن مشكلة استراتيجية في بنية الجيش، إضافة إلى الصراع مع المستوى السياسي الذي يقوده اليمين المتطرف المكون من شخصيات أغلبها ليس لها خلفيات عسكرية بالمطلق ولم تخدم حتى في جيش الاحتلال.
ونستعرض في التقرير التالي، أبرز الاستقالات التي وقعت في صفوف وزارة الحرب وأجهزة أمن الاحتلال، رغم خوضهم عدوانا واسعا لم يتوقف حتى الآن.
أهارون هاليفا
لواء سابق في جيش الاحتلال، كان ضابطا في لواء المظليين، ترأس جهاز الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال، منذ عام 2021، وحتى تاريخ استقالته من الجهاز عام 2024.
حمل نفسه مسؤولية الفشل عن كشف عملية طوفان الأقصى قبل وقوعها، بسبب الإخفاق الاستخباري الذي وقع فيه جهازه في واحدة من أهم الساحات المعادية للاحتلال في قطاع غزة.
يهودا فوكس
لواء سابق بجيش الاحتلال، كان يتولى قيادة القيادة المركزية لجيش الاحتلال، وكان قائد فرقة غزة وقائد المنطقة الوسطى.
رغم أنه يتحمل مسؤوليات بسبب الإخفاق أمام عملية طوفان الأقصى، بفعل خدمته السابقة في فرقة غزة، إلا أن رسالة استقالته كشفت تورط اليمين المتطرف، وخاصة كتيبة نيتساح يهودا التي كانت تنضوي تحت لواءه قبل الاستقالة، في إطلاق تهديدات بحقه ما دفعه للاستقالة.
آفي روزنفيلد
القائد السابق لفرقة غزة، والذي وجهت إليه أصابع الاتهام بصورة مباشرة في الإخفاق في عملية طوفان الأقصى، بعد انهيار قوات فرقته أمام هجوم كتائب القسام.
كتب رسالة أعرب فيها عن الأسف من الإخفاق الذي جرى، وقال فيها "على الجميع أن يتحملوا مسؤولية ما حدث في 7 أكتوبر"، وجاءت استقالته بصورة مفاجئة مع وقت قصير من استقالة هاليفا رئيس شعبة الاستخبارات.
يؤآف غالانت
قائد سابق بجيش الاحتلال، شغل العديد من المناصب كان أبرزها قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش، المسؤولة عن قطاع غزة، فضلا عن شغله منصب وزير الحرب منذ العام 2022.
أقاله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد خلافات طاحنة بينهما، على كيفية إدارة العدوان على القطاع، إضافة إلى كشفه عن الخلافات حول ضرورة الذهاب إلى صفقة تبادل وتقدم تنازلات، وإصراره على تجنيد الحريديم وهو ما يرفضه نتنياهو.
تامير يادعي
أحد كبار الضباط بجيش الاحتلال، بدأ خدمته العسكرية في لواء غولاني، وترقى ليشغل مناصب مختلفة في الجيش ويعتبر من أبرز القادة الميدانيين.
تسلم قيادة وحدات استخبارية ووحدات للنخبة، إضافة إلى قيادة لواء غولاني وفرقة "يهودا والسامرة" الضفة الغربية، واختير قائد للقوات البرية بجيش الاحتلال، عام 2021، وحتى استقالته هذا العام بصورة مباشرة، وصفتها الصحافة العبرية بالزلزال في رئاسة الأركان.
حيزي نحميا
عقيد في جيش الاحتلال، والقائد المسؤول عن تدريب قوات الاحتياط، وأحد المشاركين في صياغة ما يعرف بخطة الجنرالات، والتي تقوم على محاصرة وتجويع السكان شمال قطاع غزة، من أجل تهجيرهم واحتلال المنطقة بالكامل.
أقيل نحميا من منصبه، بعد إطلاقه تصريحات وانتقادات لسير العمليات العسكرية، وقال إن المناورات العسكرية في غزة لن تحقق النصر.
ومن بين المستقلين كذلك من الضباط الأقل رتبة، ريتشارد هيشت المتحدث باسم جيش الاحتلال، للاعلام الاجنبي مع عدد من الضباط من قسم المعلومات تحت إمرة الناطق دانيال هاغاري.
كذلك قدم قائد المنطقة الجنوبية في جهاز الشاباك، استقالته وخطاب اعتراف بالمسؤولية عن الإخفاق والفشل جراء عملية طوفان الأقصى، وبقي اسمه طي السرية بسبب منصبه الحساس.