(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الكاتب الصحفي عثمــــان ميــــــرغني لـ(الكـــــــرامة):
قيادات ب(قحت) أوعزت لقائد المليشيا بتنفيذ (انقلاب عسكري) ..
(…..) هذا ما دار بيني وحميدتي قبل الحرب..
موقفي مع الجيش وظللت اكتب يوم عيده لثلاثين عاما..
نتمنى خروج الجيش من الحكم والسلطة بعد الحرب مباشرةً
خططوا لاستلام السلطة بضربةٍ خاطفةٍ وسريعة .

. فوقعت الحرب
انتصار القوات المسلحة يعني الاقتراب من السلام، والعكس ..
للأسف (تقــــدم) وقعت في هذين الخطأين (….)
لهذا السبب التفاوض مهمٌ جدًا (….)
مبنى (التيار) من أوائل المقار التي دخلها الدعم السريع..
(العربية والحدث) كانت تتصل بي (5) أو (6) مرات يوميًا
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، صاحب الآراء المثيرة للجدل، فماذا قال عن حرب الجيش والميليشيا:
أين كنت في اليوم الأول من الحرب؟
في اليوم الأول كنت في المنزل، وكان لدي موعدًا في الجوازات بمجمع السجانة لاستلام جواز سفر جديد، ولكن لم أستطع الخروج بعد سماع أنباءٍ عن إطلاق نار في بعض مناطق العاصمة، فى مرحلة أولية لم يكن واضحًا خلالها هل هي حربٌ أم مجرد اشتباكات بمناطق تماس بين الجيش والدعم السريع.
كيف تلقيت نبأ اندلاع الحرب؟
بدأتُ التواصل مع الشخصيات العسكرية، وهم نفسهم في البداية لم يكن لديهم معلوماتٍ واضحة عن الذي يجري، ولكن بعد دقائق قليلة بدأت الصورة تتضح لديهم ونقلوا لي تفاصيل الهجوم على المدينة الرياضية، والقصر، ومنزل القائد العام، وبعدها ظللت أُتابع عبر الهاتف ما يجري، وكان مقر (صحيفة التيار) من أوائل المقار التي دخلتها قوات الدعم السريع.
كيف مر اليوم الأول؟
لم أخرج من المنزل، ولكني كنت أرد على الفضائيات وأظهر معهم عن طريق الإنترنت حتى صباح اليوم التالي.
كم مكثت في منزلك؟
الأُسبوع الأول كنت في منزلي بأم درمان، ثم خرجت لمنطقة الخليلة شمال بحري.
ما الذي دفعك لاتخاذ قرار المغادرة؟
أولًا: هو نوع من محاولة تجنيب أفراد الاُسرة متابعة الأحداث، خاصةً وأنّ هنالك هجوم بالقرب من منزلي بشارع النيل، وأخذتُ العائلة للمنزل الكبير وأصلًا كانت فرصة عيد الفطر، حيث مكثنا هناك لمدة أسبوع.
ثم ماذا؟
عدت بأم درمان مرةً أخرى لأنّ طريق كبري الحلفايا كان مفتوحًا.
الرحلة من أم درمان للخليلة والعكس؟
في رحلة الذهاب، لم تكن هنالك مشاكل، لكن بعد وصولنا للخليلة حدث اشتباكٌ قويٌ بين الجيش والدعم السريع بالكدرو واستشهد فيه أحد أبناء الخليلة من جنود الجيش، وفي رحلة العودة، كانت هادئة ولم يكن هنالك أثر لمعارك جديدة، وبعد كبري الحلفايا وجدنا آثار اشتباكاتٍ كبيرة.
عدت لأم درمان لماذا؟
لأُتابع من أم درمان، خاصةً وأنّ الشبكة في الخليلة كانت ضعيفة.
متى غادرت للقاهرة؟
بعد شهرٍ ونصف من الحرب.
ما الذي دفعك لاتخاذ قرار المغادرة لخارج البلاد؟
في الفترة الأولى كنت أعتقد بأنّ الحرب حدثٌ تاريخيٌ والحضور عمليًا ومتابعتها كشاهد عيان للتوثيق، والرصد والمتابعة مهم، ولكن قبل مغادرتي للقاهرة بيومٍ واحد، كان هنالك اشتباكٌ قويٌ بين الجيش والدعم السريع، وكان الأطفال والأُسرة بالمنزل في حالة ذعرٍ وخوف، واتخذت قرار المغادرة للمحافظة على أمن الأُسرة، واتصلت الصباح وسافرنا حوالي العصر.
يوميات الحرب؟
خلال الفترة التي مكثت فيها بمنزلي على مدار الساعة، أتابع الأخبار بدقةٍ وأتحدث مع كل الفضائيات والإذاعات بصورةٍ مستمرة. وأذكر انّ قناة (العربية والحدث) كانت تتصل بي يوميًا 5 أو 6 مرات في اليوم، وأظهر في الفترة من 12 ليلًا وحتى الصباح عدة مراتٍ.
هذه حرب مختلفة عن سابقاتها؟
ليس هنالك سابقات، كان أحيانًا تحدث اشتباكات مثل الذي حدث مع قوات (العدل والمساواة) لساعاتٍ قليلة، والذي حدث سنة 1976 اجتياح العاصمة أيضًا كان ساعاتٍ قليلة، فهذه أول حرب بهذا المستوى والحجم من الخسائر والدمار للبنية التحتية.
ماذا فقدت في هذه الحرب؟
قوات التمرد احتلت مقر الصحيفة منذ اليوم الأول، ولا نعرف ما الذي جرى هنالك حتى الآن.
عادة فقدتها مع هذه التجربة؟
العمل في الصحيفة والمنتديات التي كنا نقيمها مثل (كباية شاي)، والنشاط اليومي شكل لنا غيابًا كبيرًا وفراغًا، والتواصل مع الأهل.
كيف تقرأُ راهن الأحداث خلال الفترة المقبلة؟
الحمد لله الآن هنالك انتصاراتٍ للجيش السوداني، وهذه الانتصارات تقرب السلام، كلما استطاع الجيش أن يحقق انتصارًا، فذلك يعني الاقتراب من السلام وليس الحرب، عكس الوضع بالنسبة للتمرد والذي كلما انتصر أصبحت الحرب أوسع والسلام أبعد.
هل بعد كل الانتهاكات التي حدثت من الميليشيا سيتم التفاوض؟
التفاوض مهمٌ جدًا لإنهاء الحرب وليس لوقف إطلاق النار، ولاستعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن البلاد من الانطلاق نحو النهضة والاستقرار وقفل ملفات الحروب للأبد.
مجرد ذكر كلمة (تفاوض)، الرأي العام الشعبي يغلي ويرفض؟
هنالك فهمٌ خطأ، البعض يعتقد بأنّ (التفاوض) يعني قبول وجود التمرد وتجاوز الجرائم التي حدثت. والتفاوض يعني الوصول للسلام الكامل وإغلاق ملف الحرب. والتفاوض يجب أن يكون حول بندين فقط الأول: تفكيك الميليشيا، والثاني: تسليم جميع الأسلحة والمقار العسكرية للجيش السوداني.
ألا تتفق معي، بأنّ هذه الحرب باعدت الثقة بين الشعب والقوى السياسية؟
أسوأ أوجه هذه الحرب، أنّ الثقة انهارت تمامًا بين الشعب والقوى السياسية، لانّ الشعب أُصيب بشكل مباشر ويحمل القوى السياسية المسؤولية الأولى عن هذه الحرب. وأنا كتبتُ كثيرًا وأُحِثُ القوى السياسية بأن تحاول إعادة تقديم نفسها للشعب مرةً أخرى قبل نهاية الحرب.
مجموعة (تقـــدم)، هل استنفدت رصيدها السياسي؟
كان من الممكن أن يكون تحالفًا سياسيًا ومجتمعيًا له إسهامٌ في العملية السياسية، لكن للأسف وقع في أخطاءٍ قاتلة، أولها: توقيع الإعلان المشترك مع التمرد، والذي جعلهم بمثابة الزراع السياسي للتمرد، والثاني: محاولتهم إقصاء القوى السياسية الأخرى واحتكار المشهد، وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه المجلس المركزي للحرية والتغيير في الاتفاق الإطاري، لأنّهم أقصوا بقية القوى السياسية بحجة الإغراق.
من أشعل الحرب، (الميليشيا) أم (تقدم) أو (الإطاري)؟
هو انقلاب عسكري أوعزت به بعض القيادات بالمجلس المركزي للحرية والتغيير إلى قيادة الميليشيا، وتم التخطيط على أساس استلام السلطة بضربةٍ خاطفةٍ وسريعة تشكل انقلابًا عسكريًا بالمعنى الفني، ولكن شاء الله أن تفشل الخطة. ولجأ التمرد للخطة (ب)، وهي مهاجمة منزل البرهان والقيادة العامة على أمل تصحيح خطأ الخطة (أ) سريعًا. واستطاع الجيش إفساد كل ذلك، فتحول السيناريو لحربٍ شاملة.
جلست للمتمرد حميدتي قبل الحرب، ماذا دار في ذلك اللقاء؟
كان لقاءً صحفيًا للرد على عمود كتبته في يوم الثلاثاء 28 فبراير، أطالبه بدمج الدعم السريع فورًا بالجيش، والانتقال من الملعب العسكري للسياسي، وهذا الحديث مذكورٌ في عمودي بتفاصيله، وقدم فيه مرافعة ولكن لم يتطرق على الإطلاق لأي حديث عن خطة ينوي تنفيذها.
بالمنطق، لا يمكن لشخص يخطط لانقلاب عسكري، بأن يستدعي صحفي ليشرح له انقلابه العسكري.
لم تلتقيه بعد ذلك؟
لا، لم ألتقيه بعد ذلك.
شخصيتك مثيرة للجدل، كيف تتقبل الانتقادات؟
الفكرة أحاول دائمًا أن أُشارك بالفكرة والرأي، والذي أحيانًا لا يعجب البعض، وللأسف بدلًا من الرد على الفكرة والرأي، يلجأُ البعض لأسلوب الهجوم الشخصي ومحاولة نقل السجال لقضايا شخصية وليس موضوعية. وحقيقةً مهمة الصحفي أن يكون متفاعلًا مع قضايا وطنه، وأن يُدلي برأيه عن ردود الأفعال إن كانت ضد أو مع، وإلّا أصبح الرأيُ نوعًا من المجاملة أو المداهنة.
البعض يرى بأنّك متقلب المواقف؟
هذا ليس صحيحًا، وإنّما أُعلق على وضعٍ متقلب، البعض يخلط بين الرأي والموقف، وأنا موقفي مع الجيش واضح من قبل الحرب، وكنت أكتبُ كل عامٍ يوم 14 أغسطس بمناسبة عيد الجيش عمودًا بعنوان (جيشنا)، وظللت أفعل ذلك لقرابة الثلاثين عامًا عندما كان البعض لا يعرف الجيش.
ولكن في مجال الرأي، فأن أقول الرأي بغض النظر من موقفي من الجهة سواءً كان لصالح أو ضد الجيش، حسب معطيات الموضوع وليس موقفًا من الجهة.
اليمين واليسار بعد الحرب؟
واحدة من محاسن الحرب أنّها خلطت الأوراق السياسية لدرجةٍ كبيرة، ولم يعد هنالك يمينٌ ولا يسار، وهنالك بعض المحسوبين على اليسار مثلًا يدعمون مواقف المحسوبين على اليمين والعكس صحيح.
القوى السياسية التقليدية، كيف سيكون فرصها بعد هذه التجربة؟
أتوقع بأن يكون هنالك متغيرٌ كبير بعد الحرب عند المواطن السوداني الذي يبحث عن معادلة تربط بين الأمن، وتحقيق مطالبه الحياتية الأخرى، بمعنى انّ التجربة المريرة التي تعرض لها المواطن ستجعله ينظر للأمن باعتبار أنّه البند الأول والثاني وحتى العاشر، ثم بعد ذلك أي بنودٍ أخرى.
تتوقع بأن يطول حكم الجيش لفترةٍ من الزمن بعد الحرب؟
هذا ما لا نتمناه، ونتمنى خروج الجيش من الحكم والسلطة بعد الحرب مباشرةً، ولكن وفق معادلة تجعله حارسًا للدستور والنظام السياسي بصورة مباشرة.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوى السیاسیة انقلاب عسکری الیوم الأول بعد الحرب هذه الحرب أم درمان أن یکون

إقرأ أيضاً:

ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

 

 

تبذل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب محاولات حثيثة من أجل تحقيق اختراق يقود إلى مفاوضات تنهي الحرب الروسية الأوكرانية على أمل أن يقود ذلك إلى مكاسب جيوستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة التي تستعد لحشد مواردها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، وسط عراقيل وتحديات تواجه هذه المبادرة التي لم تتخط حتى اليوم حدود الضغوط على كييف والتلويح بقبول موسكو هدنة جزئية مؤقتة مدتها 30 يوميا.

تحليل / أبو بكر عبدالله

حتى اليوم لم تتوفر أي صيغة جاهزة للصفقة المنتظر أن تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدثت عن مسار يقترح خطتين هما الخطة (أ) التي تسعى إلى مبادرة البيت الأبيض لمفاوضات مع كل من أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار وفق خطة تستوعب شروط ومخاوف ومطالب الطرفين، ثم الخطة (ب) التي ستمثل المرحلة الثانية بجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات مباشرة بمشاركة وسطاء دوليين سعيا إلى انهاء الحرب بشكل دائم على قاعدة احترام مصالح جميع الأطراف.
وعلى ضبابية هذه الخطة فقد جاءت تصريحات الرئيس ترامب لتزيل الغموض على فحوى المبادرة الأمريكية بعد أن أكد أن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وانضمامها لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أمر مستحيل، ناهيك بإصداره أمرا تنفيذيا بتعليق المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية المقدّمة لكييف، وتأكيده بأنه لن يعيدها إلا بعد قبول أوكرانيا بمشروعه للهدنة.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز حتى الآن المرحلة الأولى، حيث تمكنت تحت الضغط من انتزاع موافقة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي لهدنة مؤقتة مع روسيا مدتها 30 يوما تقضي بعدم استهداف منشآت الطاقة، فيما أفضت المباحثات الهاتفية التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب إلى انتزاع موافقة روسية للهدنة المؤقتة من دون أن تحقق أي اختراق مهم في جدار الأزمة يقود إلى وقف عملي للنار وانهاء الحرب.
وتبدو الرؤية التي تتبناها إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركز على الحل التفاوضي السريع مع روسيا، في ظل تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية من الجانب الأوكراني.
وما هو واضح حتى الآن هو وجود تباين بين ما تريده موسكو وما تريده واشنطن فالأولى تريد مواقفه موسكو على وقف مؤقت لإطلاق النار، في حين تطالب موسكو بوقف دائم للحرب يقوم على إزالة أسبابها.
شروط متبادلة
الشروط المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث تتمسك روسيا بشروط صارمة لا تقبل التنازل وفي المقدمة تمسكها بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها اليها بموجب استفتاء شعبي، ومعها أراضي شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها عام 2014، ورفضها نشر أي قوات من دول “الناتو” في أوكرانيا وإلغاء ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وتذهب الشروط الروسية إلى انسحاب الجيش الأوكراني إلى خارج حدود الأقاليم الأربعة التي تسيطر عليها، والاعتراف بالسيادة الروسية عليها، والتعهد بأن تصبح أوكرانيا خالية من الجيوش الأجنبية وعدم امتلاكها للسلاح النووي.
وطبقا لتصريحات سابقة للرئيس بوتين فإن موسكو قد توافق على اقتراح وقف إطلاق النار إن أدى إلى سلام مستدام وإزالة كل أسباب الصراع، وهي إشارة واضحة إلى تمسك موسكو بانتزاع اعتراف كييف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة المسيطر عليها من جانب روسيا وبقاء كييف في وضع محايد وعدم انضمامها إلى حلف “الناتو”.
وبالنسبة لكييف فهي تتمسك بعودة أراضيها، كما تعتبر انضمامها إلى حلف “الناتو” خيارا استراتيجيا غير قابل للتغيير خصوصا وهو منصوص عليه في الدستور الأوكراني، بوصفه الضمانة الأكثر فعالية لأمن أوكرانيا مستقبلا.
ورغم تراجع الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة عن مساعيها لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لا تزال أوكرانيا تتبنى رؤى مغايرة لتلك التي تتبناها واشنطن ودول أوروبية وذلك بدا واضحا من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الخارجية الأوكراني والتي بدت متناقضة تماما مع ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي سبق أن أعلن بأن مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الحلف لم تعد قائمة.
يضاف إلى دوامة الشروط تلك التي أفصحت عنها الدول الأوروبية التي ساندت أوكرانيا بكل طاقاتها العسكرية والاقتصادية خلال السنوات الماضية، بعد الإعلانات المتضاربة التي تحدث عن قبول دول الاتحاد الرؤية الأمريكية بشروط نشر قوات للناتو في أوكرانيا، بالتزامن مع إعلانات أخرى تحدثت عن مواصلة دول أوروبا دعم أوكرانيا في حربها ماليا وعسكريا ومطالبة روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية كشرط لقبول وقف إطلاق النار وانهاء الحرب.
تحديات متوقعة
وفقا لخارطة الشروط التي يطرحها طرفا الصراع والأطراف الداعمة، فإن الكثير من التحديات تواجه إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن هذا الملف، في ظل المطالب الروسية الصارمة والتي ترجح عدم موافقة موسكو على وقف إطلاق النار دون تنفيذها، وهي مسألة جوهرية بالنسبة لموسكو خصوصا وان الموافقة على انهاء الحرب دون الأخذ بالشروط الروسية قد يقود إلى تصاعد المعارضة الداخلية لنظام بوتين بصورة غير مسبوقة.
ولدى الروس مبرراتهم الوجيهة لذلك، والتي يتصدرها المكاسب التي حققتها موسكو خلال سنوات الحرب، في ضمها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها إلى أراضيها (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريزجيا) منذ 2022، وهي مكاسب عسكرية لا يبدو أن موسكو بصدد التنازل عنها بعد أن حولت المقاطعات الأوكرانية إلى جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي تحت مظلة الاتحاد الروسي.
وهناك معطى آخر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، وهو ضمانات تحييد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وهذا الأمر ينظر اليه في روسيا على أنه هدف استراتيجي باعتباره يهدد الدولة الروسية كما يهدد المستقبل السياسي للرئيس بوتين، الذي طالما قدم هذه القضية بكونها صراعاً وجودياً لروسيا ضد “الناتو”.
ومن جانب آخر، فإن موسكو تبدو حريصة على ربط أي مفاوضات لإنهاء الحرب أو الهدنة برفع العقوبات الأمريكية والغربية، وهو شرط ترفضه واشنطن حتى الآن على الأقل كما ترفضه الدول الحليفة وتطالب لقائه انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية.
وفقا لذلك فإن الراجح هو عدم موافقة موسكو على وقف لإطلاق نار دون شروط لأن ذلك سيعني عمليا، اعترافا بفشل أهداف عمليتها الخاصة التي كبدت روسيا خسائر هائلة، ناهيك عن ان قيامها بذلك سيشكل انتكاسة لمشروعها الاستراتيجي في ان تكون فاعلاً إقليمياً في عالم تريده أن يكون متعدد الأقطاب.
سيناريوهات بديلة
يمكن للرئيس ترامب ممارسة الضغوط على كييف من اجل القبول بأي صيغة من شأنها وقف النار وانهاء الحرب، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة في محاولاته الضغط على موسكو التي يطمح ترامب إلى بناء علاقات جديدة معها، ربما للتفرغ لملفات تبدو بالنسبة لترامب أكثر أهمية من أوكرانيا أو حلف الناتو.
والسبب في ذلك أن أوكرانيا تواجه معضلة معقدة، فهي وإن خضعت للضغوط الأمريكية وقبلت التنازل عن أراضيها لموسكو، فإنها ستواجه رفضا شعبيا داخليا مع وجود نسبة كبيرة من الأوكران الرافضين لفكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا، ناهيك عن الموانع الدستورية، حيث يحرم دستور أوكرانيا التنازل عن أي أراض أوكرانية تحت أي ظروف.
وفقا لذلك فإن الخيارات أمام كييف تبدو ضيقة للغاية، إذ أن طول أمد الحرب مع روسيا من دون الدعم الأمريكي سيقود إلى استنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة كبيرة، بما يؤدي في النهاية إلى قبولها بأي حل مطروح من دون شروط.
وتدرك كييف أن عدم قبولها الرؤية الأمريكية الآن، سيفقدها ميزات يمكن أن تحصل عليها من واشنطن على شاكلة الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وترتيبات دفاعية كما سيفقدها تعويضات وبرامج إعمار كان يمكن ان تقودها واشنطن في حال موافقة كييف على خطة ترامب.
وخلافا للوضع في أوكرانيا فإن الإدارة الأمريكية تبدو مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا بدلا من ممارسة الضغوط عليها، والمرجح أن يعرض الرئيس ترامب على موسكو تخفيف العقوبات على قطاعات روسية حيوية (مثل الطاقة) واستئناف التعاون في مجالات مثل الغاز والنفط، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، حتى لو لم تستعيد كييف كل أراضيها.
وفي حال فشلت المبادرة الأمريكية الحالية، وذهبت العلاقات مع روسيا إلى المزيد من التوتر فإن أكثر ما يمكن أن تفعله إدارة ترامب هو مواصلة الدعم العسكري المقدم لكييف وهو أمر قد تواجهه روسيا التي خبرت الحرب مع الغرب الجماعي خلال السنوات الماضية، لكنه سيلقي بتبعات ثقيلة على دول القارة الأوروبية التي سيذهب ترامب بلا شك إلى تحميلها تكاليف استمرار الحرب في أوكرانيا باعتبارها المستفيد الرئيسي من حماية أمن أوكرانيا.
مكاسب أمريكية
غداة المباحثات الهاتفية التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين مؤخرا كان ملاحظا في بيان الإدارة الأمريكية تشديدها على ما سمته “المزايا الهائلة” لإقامة علاقة ثنائية أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا تُفضي إلى اتفاقات اقتصادية ضخمة محتملة.
هذا الأمر فتح باب التساؤلات حول المصالح التي تتوقع أمريكا جنيها من تبني إدارة ترامب مبادرة وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصا وأن أي مبادرة من هذا النوع ستكون حتما جزءا من استراتيجية أوسع تضع المصالح الأمريكية في المقدمة وتجسد شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ولم يعد خافيا ما تطمح اليه إدارة ترامب بإنهاء الصراع في أوكرانيا وبالمقام الأول تقليل الموارد المالية التي تتكبدها الخزينة الأمريكية لتمويل الجيش الأوكراني، ووقف استنزاف المخزونات العسكرية الأمريكية، وهي أمور ترى إدارة ترامب أنها ستساهم في توفير تمويلات مالية ضخمة يمكن استخدامها في خطط واشنطن الجديدة لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ ومواجهة التوسع الصيني.
ومنذ وقت مبكر ترى الولايات المتحدة الصين التهديد الأكبر لحلفائها في آسيا مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وهي لذلك تسعى إلى تقليص الموارد التي توجهها لحماية أوروبا، وتوجيهها نحو آسيا، بما يتيح لها مواجهة التهديدات الصينية، فضلا عن طموحاتها بإقامة تحالفات جديدة من اجل احتواء النفوذ الصيني في آسيا.
صار من الواضح أن لدى واشنطن اليوم أهدافا استراتيجية كبيرة تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة وفي المقدمة تفكيك التحالفات الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران، أو على الأقل تقليل تماسكها، وكذلك مواجهة التهديد الذي تشكله منظمة بريكس” للاقتصاد الأمريكي بعد الإفصاح عن عملة بديلة للدولار الأمريكي بين دول مجموعة “بريكس”.
ولا تخفي واشنطن مخاوفها من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التحالف الروسي الصيني خصوصا وهو قام على مبدأ رئيسي وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية عبر التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
والحال كذلك مع الشراكة الروسية الإيرانية التي تضمنت التعاون العسكري والدعم السياسي في الملفات الإقليمية وتبادل الموارد من الأسلحة الدفاعية والهجومية.
حيال ذلك تأمل إدارة ترامب أن يقود وقف الحرب في أوكرانيا إلى المساهمة في تنفيذ سياساته الرامية إلى تفكيك التحالفات الاستراتيجية مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية حماية أمنهم بما يسمح للولايات المتحدة بتحويل مواردها نحو آسيا.
مكاسب جيوستراتيجية
تبدي إدارة ترامب اليوم حماسة منقطعة النظير حيال التقارب مع موسكو من اجل تحقيق مكاسب جيوستراتيجية كبيرة عجزت الإدارة السابقة عن تحقيقها وفي المقدمة إنهاء التحالف الروسي الصيني والإيراني الروسي.
أداتها لتحقيق ذلك هي إنهاء العزلة الدولية المفروضة على موسكو وتخفيف العقوبات الدولية عليها، حيث أن عودة روسيا إلى النظام الدولي سيقود إلى تباعد بينها وإيران، في حين أن إعادة روسيا إلى المنظومة الاقتصادية الغربية، بالسماح لها بتصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا سيقود إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين كشريك اقتصادي وحيد وقد يضعف تحالفها مع الصين.
ولأبعد من ذلك فإن إدارة ترامب تسعى إلى حصول تحسن بالاقتصاد الروسي يعيد موسكو إلى المنافسة في سوق السلاح إلى دول الشرق الأوسط، عوض التعاون مع إيران في سباق تسلح ترى واشنطن أنه قد يقوض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وبالمقابل فإن واشنطن تسعى إلى إحياء التنافس الخفي بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى والقطب الشمالي ولذلك تسارع إدارة ترامب لإنجاح مفاوضات وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا لتكون بوابة لعلاقات جديدة مع روسيا، تفتح الطريق لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيما في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ودفع روسيا لتبني مواقف أكثر تعاونا مع الغرب بما يتيح لأمريكا والغرب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

 

مقالات مشابهة

  • ماذا قال حزب الإصلاح في ذكرى تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وماهي الرسائل السياسية التي بعثها إليهم ؟
  • الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الأهداف التي ضربها في غزة
  • شاهد.. هكذا تبدو المناطق التي استعادها الجيش من الدعم السريع
  • مجموعة توثّق انتهاكات الحرب تتهم الجيش السوداني بتنفيذ قصف دام على إقليم دارفور  
  • عبد الله حمدوك.. المدني الذي آثر السلامة فدفعه الجيش إلى الهامش
  • كثيرون يتساءلون لماذا لا يستهدف الجيش قوات المليشيا المنسحبة من الخرطوم؟
  • تطور جديد بالأزمة السياسية التي تعصف في كوريا الجنوبية
  • معركة القصر الجمهوري.. كيف استعدت المليشيا وكيف احدث الجيش المعجزة
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • مصدر عسكري:انسحاب الجيش من مركز قضاء سنجار