في حربنا مع العدو: الميدان هو الفاصل ومستقبل المنطقة على المحك
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تبيّن، في التّصعيد الواضح والمدروس من المقاومة، أنّ شهيد الأُمّة الكبير السيّد نصرالله – أعلى الله مقامه- كان بصدد وضع ضابطة جديدة لقراءة واقع الحرب، وإعطاء معيار حقيقيّ لتقدير قدرات الحزب لا تؤطّره أو تخفيه مساعي الحرب الإعلاميّة والنّفسيّة التي يشنّها العدوّ وأدواته؛ عندما قال منذ بداية الحرب إنّ: “الحاكم هو الميدان”، وعندما ذكر في خطابه الأخير أنّ: “الخبر هو ما ترون، لا ما تسمعون”.
لقد أراد أن يقول لنا: إنّ المناط على الاستقرار العمليّاتيّ، من كثافة العمليّات ونوعيّتها وعمقها ومختلف تفاصيلها، يُعرف تمكُّن الحزب من القيام بما يتناسب مع وجوب الالتزام بما يحقّق الأهداف الاستراتيجيّة للمعركة، ولا سبيل إلى تقييم أداء الحزب ومعرفة مسار الحرب إلّا في ضوء الميدان..
طبعًا، هذا يعني أنّ الحزب هو من يتحكّم بإيقاع الحرب ومسارها، الأمر الذي قد لا يتعقّله مَن عجز عن قراءة المشهد، في الأسابيع الماضية، عندما قام العدوّ الإرهابيّ بعمليّات تفجير الأجهزة وسعى إلى اقتلاع طبقة القيادة من محلّها. قبل التَّوهُّم أنّ هذه الأساليب تُخرج العدوّ من مأزقه، كان ينبغي على البعض أن يعود إلى أُسُس القضيّة. فالكيان الغاصب قائم على صورته كونه تجربةً كولونياليّة أمام الدّاعمين والمستثمرين الأجانب، بل والمستوطنين أنفسهم. وإذا فقد هؤلاء الثّقة بالتّجربة تلاشت “إسرائيل”، ولذلك تجد العدوّ يلجأ إلى التّعتيم الإعلاميّ والعمل على إخفاء خسائره. من هنا كان لا بُدّ من نقل الأولويّة العسكريّة إلى الجبهة اللّبنانيّة ومحاولة استعادة الشّمال..
إذ إنّ خيارات العدوّ لم تتغيّر، وكلّما تجاهل ضرورة الوصول إلى تسوية سياسيّة زاد الطّين بِلّة. هذا؛ قد ذكرت ورقة بحثيّة نشرها مركز CSIS، منذ حوالي سبعة أشهر، أربعة خيارات لـــــ”إسرائيل” في ما يرتبط بالحزب:
1. فرض الواقع الذي كان قائمًا قبل عمليّة “طوفان الأقصى” عن طريق الرّدع.
2. الدّخول إلى حرب شاملة مع الحزب من أجل تدمير قدراته وإجباره على القبول بمطالب “إسرائيل”.
3. الدّخول إلى مواجهة محدودة مع الحزب من أجل الضّغط عليه وإبعاده عن الحدود.
4. استخدام الدّبلوماسيّة الإكراهيّة (coercive diplomacy) من أجل تطبيق القرار ١٧٠١..¹
أمّا اليوم؛ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تبقّى من هذه الخيارات؟
من الواضح أنّ العدوّ الاسرائيليّ قد فشل في ردع الحزب عن الاستمرار في جبهة الإسناد، ولم يستطع مع سلسلة الاغتيالات والمجازر الوحشيّة التي ارتكبها أن يحدث أيّ خلل تنظيميّ داخل المقاومة أو بيئتها يدفعها إلى إعادة النّظر في موقفها الدّاعم لفلسطي. إذ من الواضح من أداء الحزب والعمليّات اليوميّة أنّ الحزب لم يزدد إلّا ثباتًا، ولم ينحرف عن برنامجه العسكريّ قيد أُنملة. كما أنّ العدوّ الصّهيونيّ غير قادر على خوض حرب شاملة ضدّ الحزب، لذلك تجنّب ذلك منذ أن دخلت المقاومة إلى المعركة. هذا بالنّسبة إلى الخيارين الأوّل والثّاني..
بالفعل، يلجأ العدوّ الآن إلى الخيار الثّالث، أي المواجهة المحدودة. لكن إلى الآن، لم يتمكّن من القضاء على القدرات الصّاروخيّة والجوِّيَّة للحزب، مع أنّ الهدف من المواجهة المحدودة هو هذا، ومن دونه لن يتمكّن من رفع المانع من إعادة المستوطنين إلى الشّمال. هو يريد خوض عمليّة برِّيَّة “محدودة” في جغرافيا مختلفة تمامًا عن غزّة، ضدّ وحدات قتاليّة ذات كفاءة عالية، تعرف الجبال والوُديان ولديها القدرة على الإفادة من أساليب الحرب التّقليديّة وغير التّقليديّة، والأهمّ من كلّ ذلك: إنّها تقاتل من أجل الدّفاع عن دينها وأرضها وعرضها، ومن أجل التّفريج عن المستضعفين والمظلومين في فلسطين، والثّأر للشّهداء والجرحى لا سيّما سيّد مجاهدي العصر ورفاقه القادة، ومن أجل الحفاظ على مستقبل المنطقة من المشروع الصّهيونيّ والمدّ الاستكباريّ..
بعد عمليّة اللّيلة الماضية، والتي أُصيب فيها أكثر من مئة جنديّ من جيش الكيان، وكشفت عن قدرات استخباراتيّة ونوعيّة كبيرة لدى الحزب بإمكانه أن يوظّفها في قادم الأيّام، وأن يحوّلها إلى نمط يغيّر المعادلة بالكامل إن أراد ذلك. من هنا؛ من المتوقّع ألّا يكتفي العدوّ بمحاولات التَّسلُّل، وأن يسارع إلى خوض عمليّة برِّيَّة واسعة، حتى إذا تيقّن من عجزه عن مواجهة الحزب وفكّ “الشّيفرة” والتّعامل مع السلطة غير المركزيّة المذهلة التي يتمتّع بها الحزب، فحينئذٍ لن يبقى أمامه إلّا الخيار الرّابع، أي الدّبلوماسيّة الإكراهيّة. غير أنّ الإكراه سيكون من جانب المقاومة، لا من جانبه، إذ ستكون المقاومة هي من يفرض الخيار الرّابع، فستكون المقاومة تاليًا هي من يضع شروط التّسوية وأوضحها: أن لا وقف لإطلاق النّار في لبنان قبل وقف إطلاق النّار في غزّة..
نعم، بإمكان العدوّ أن يستمرّ في عدوانه على غزّة، وأن يختبر حظوظه في العمليّة البرِّيَّة ضدّ الحزب، وأن يحاول استدراج الجمهوريّة الإسلاميّة إلى حرب إقليميّة مع الولايات المتّحدة بهدف تحويلها إلى حرب محاور تعيد التّوازنات، وتنقذه من حتميّة الهزيمة في المواجهة المحصورة. ما من شيء يندرج تحت عنوان الجنون والفوضى يكون مستبعدًا في حقّ العقل الصّهيونيّ..
لكنّ نتنياهو كان قد صرّح بأنّه يريد تغيير الشّرق الأوسط، أي أنّ هدف الكيان من الاستمرار في هذه الحرب هو القضاء على المقاومة في المنطقة، المشروع الذي باتت مصالح الولايات المتّحدة متوقّفة على إتمامه.. فمن دون القضاء على المقاومة، لا أقلّ في الوجدان العربيّ والمسلم، وتصوير فكرة مجابهة الغرب و”إسرائيل” بأنّها رجعيّة وانتحاريّة، لن يكون لمشروع التّطبيع القابليّة اللّازمة عند من يُراد إقناعه بأن يطوي صفحة القضيّة الفلسطينيّة..
إزاء ذلك؛ تُعرف قيمة عمليّة “طوفان الأقصى” التي أيقظت الأُمّة من سباتها، وأعادت قضيّة فلسطين إلى الواجهة، لا سيّما مع ما رأى العالم من مجازر وجرائم حرب ما برح الكيان الغاصب يرتكبها في حقّ الفلسطينيّين. هذا الأُفق لعمليّة “طوفان الأقصى” كان واضحًا للرّئيس الأميركيّ جو بايدن الذي صرّح بأنّه قد يكون هدف حماس من العمليّة منع التّطبيع السّعوديّ-الإسرائيليّ.². وأعاد تأكيده الخبير في شؤون الشّرق الأوسط كريستوفر بلانشارد عندما احتمل في ختام ورقة، نُشرت منذ حوالي شهرين، أن تكون عمليّة السّابع من أكتوبر/تشرين الأول والمعركة المستمرّة منذ ذلك الحين قد أوجبت على الولايات المتّحدة والسّعوديّة و”إسرائيل” إعادة النّظر في أولويّاتهم تجاه التّطبيع وما قد يلي نهاية الحرب..³
* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري ـ الكاتب: محمد علي
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
كيف سيؤثر سقوط الأسد وهدنة لبنان على حرب غزة؟
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وإسرائيل في سياق تطورات كبيرة ومتسارعة تشهدها المنطقة تُطرح تساؤلات عن مصير الحرب الإسرائيلية على غزة والتأثيرات المحتملة على "محور المقاومة"، بما في ذلك المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرهما.
ووفقا لآراء خبراء ومحللين سياسيين تحدثت إليهم الجزيرة نت، قد تسهم هذه التغيرات في تشكيل تحالفات إستراتيجية جديدة في المنطقة، مع تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على القضية الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية.
حرب غزةوبشأن تأثيرات هذه التغيرات في المنطقة على مسار الحرب بغزة، يستبعد الكاتب المصري والباحث في العلوم السياسية الدكتور خليل العناني أن تنتهي هذه الحرب، لأن الاحتلال يصر على البقاء هناك بشكل أو بآخر.
وأضاف العناني للجزيرة نت "قد نشهد توقفا مؤقتا نتيجة لضغوط داخلية وخارجية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ما دام هناك احتلال هناك مقاومة"، وفق رأيه.
ويتابع "صحيح أن الظرف الإقليمي لا يبدو في صالح المقاومة، ولكن هذه أوضاع مؤقتة ومتغيرة ولن تحسم المعركة في المدى المنظور".
ويتفق الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات مع العناني في توقعه باستمرار الحرب على غزة، مؤكدا للجزيرة نت أن ظلال هذه الحرب ستبقى موجودة إلى فترة تقدر بعام أو أكثر.
إعلانويوضح بشارات أن استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها، قائلا "حتى وإن وصلنا في مرحلة معينة لوقف تام للحرب على القطاع لكن ارتداداتها ستبقى حاضرة، والوجود الإسرائيلي في قطاع غزة سيبقى إلى حد ما حتى وإن كان ضمن تموضع في محاور معينة".
ويشير الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن الوضع الإنساني الحالي في غزة وجرائم الإبادة والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل ربما تفتح المجال أمام ضغوط كبيرة قد تمارس على مستوى قانوني وحقوقي، سواء على الولايات المتحدة أو حتى على بعض من الدول الإقليمية أو حتى على إسرائيل، وربما تفضي إلى تسوية سياسية على حساب الخيار العسكري.
بشارات: استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها (الجزيرة) إضعاف المقاومةومن ناحية أخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأميركية بجنين أيمن يوسف إن ما حدث في سوريا ولبنان مؤخرا ربما أضعف جبهة "المقاومة والممانعة" التي تقودها إيران.
ويتوقع يوسف في تصريحات للجزيرة نت أن تغيّر إيران سياساتها في المنطقة، ليس فقط تجاه لبنان وسوريا، بل وحتى تجاه غزة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خاصة أن فصائل المقاومة تتلقى مساعدات من إيران، وبالتالي فإن عدم وجود مسار عسكري قوي تدعمه إيران يعني وجود مسار تفاوضي سياسي.
العناني: المقاومة الفلسطينية تعول على الحق المشروع في مقاومة المحتل الغاصب (الجزيرة)وفي السياق نفسه، يؤكد العناني أن سقوط نظام الأسد في سوريا شكّل خسارة كبيرة لإيران وحزب الله، وهو ما قد يفرض ضغوطا على المقاومة الفلسطينية بسبب علاقة الحزب بإيران.
ويتوقع أن تسعى إسرائيل وأميركا إلى الاستفادة من الوضع الجديد للضغط على حماس لتقديم تنازلات فيما يخص وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن، مؤكدا أن هذا كله مؤقت ومرتبط بتوجهات الإدارة الجديدة في سوريا، وهل ستكون مع أو ضد المقاومة، وهذا أمر متروك للزمن، وفق تعبيره.
إعلانوبحسب الباحث المصري، فإن المقاومة الفلسطينية تعول على أمرين هما "الحق المشروع في مقاومة المحتل العنصري الغاصب، وهذه مسألة مهمة للغاية وتمثل ركيزة في نضالات الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه".
أما الأمر الآخر فهو التعويل على شعبية المقاومة، خاصة بين الشباب الذين يرفضون الاستسلام للاحتلال "وهو ما نرى تجسيده في الضفة الغربية وفي قدرة حماس على تجنيد أعضاء جدد رغم الحرب الدموية على القطاع".
بدوره، يشير أيمن يوسف يشير إلى أن هناك تراجعا واضحا في قوة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد استهداف القيادات العليا في حركة حماس، وفي الضفة الغربية تسعى السلطة الفلسطينية إلى إظهار قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية، مما يعزز دورها في ترتيبات إعادة إعمار غزة، لكن الانقسام الفلسطيني الداخلي يعقّد المشهد، خاصة مع اختلاف ترتيبات غزة عن الضفة.
مستقبل الضفةوثمة مخاوف أيضا من خطط إسرائيلية بشأن الضفة الغربية استغلالا للأوضاع الحالية، وهو ما يشير إليه بشارات بقوله "الاحتلال يسعى لتحويل وجوده في الضفة الغربية إلى صوره مماثلة لوضعه غزة، مما يمكنه من التمركز وبناء المستوطنات وتنفيذ عملياته الأمنية والعسكرية من دون قيود، مما يعيد مفهوم الاحتلال العسكري المباشر".
وأضاف بشارات أن الاحتلال يربط بين غزة والضفة في إطار صفقات سياسية محتملة من الممكن أن تشمل التنازل عن السيطرة الكاملة على غزة مقابل ضوء أخضر لضم الضفة الغربية واعتبارها امتدادا للدولة اليهودية، وهذا سيؤدي إلى القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية بشكل كامل.
أما خليل العناني فلا يستبعد سقوط السلطة الفلسطينية "نتيجة فقدانها الشرعية وبسبب قمعها كتائب وحركات المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما سينقلب عليها وقد يؤدي إلى انهيارها"، وفق تحليله.