يمانيون – متابعات
تبيّن، في التّصعيد الواضح والمدروس من المقاومة، أنّ شهيد الأُمّة الكبير السيّد نصرالله – أعلى الله مقامه- كان بصدد وضع ضابطة جديدة لقراءة واقع الحرب، وإعطاء معيار حقيقيّ لتقدير قدرات الحزب لا تؤطّره أو تخفيه مساعي الحرب الإعلاميّة والنّفسيّة التي يشنّها العدوّ وأدواته؛ عندما قال منذ بداية الحرب إنّ: “الحاكم هو الميدان”، وعندما ذكر في خطابه الأخير أنّ: “الخبر هو ما ترون، لا ما تسمعون”.

لقد أراد أن يقول لنا: إنّ المناط على الاستقرار العمليّاتيّ، من كثافة العمليّات ونوعيّتها وعمقها ومختلف تفاصيلها، يُعرف تمكُّن الحزب من القيام بما يتناسب مع وجوب الالتزام بما يحقّق الأهداف الاستراتيجيّة للمعركة، ولا سبيل إلى تقييم أداء الحزب ومعرفة مسار الحرب إلّا في ضوء الميدان..

طبعًا، هذا يعني أنّ الحزب هو من يتحكّم بإيقاع الحرب ومسارها، الأمر الذي قد لا يتعقّله مَن عجز عن قراءة المشهد، في الأسابيع الماضية، عندما قام العدوّ الإرهابيّ بعمليّات تفجير الأجهزة وسعى إلى اقتلاع طبقة القيادة من محلّها. قبل التَّوهُّم أنّ هذه الأساليب تُخرج العدوّ من مأزقه، كان ينبغي على البعض أن يعود إلى أُسُس القضيّة. فالكيان الغاصب قائم على صورته كونه تجربةً كولونياليّة أمام الدّاعمين والمستثمرين الأجانب، بل والمستوطنين أنفسهم. وإذا فقد هؤلاء الثّقة بالتّجربة تلاشت “إسرائيل”، ولذلك تجد العدوّ يلجأ إلى التّعتيم الإعلاميّ والعمل على إخفاء خسائره. من هنا كان لا بُدّ من نقل الأولويّة العسكريّة إلى الجبهة اللّبنانيّة ومحاولة استعادة الشّمال..

إذ إنّ خيارات العدوّ لم تتغيّر، وكلّما تجاهل ضرورة الوصول إلى تسوية سياسيّة زاد الطّين بِلّة. هذا؛ قد ذكرت ورقة بحثيّة نشرها مركز CSIS، منذ حوالي سبعة أشهر، أربعة خيارات لـــــ”إسرائيل” في ما يرتبط بالحزب:

1. فرض الواقع الذي كان قائمًا قبل عمليّة “طوفان الأقصى” عن طريق الرّدع.
2. الدّخول إلى حرب شاملة مع الحزب من أجل تدمير قدراته وإجباره على القبول بمطالب “إسرائيل”.
3. الدّخول إلى مواجهة محدودة مع الحزب من أجل الضّغط عليه وإبعاده عن الحدود.
4. استخدام الدّبلوماسيّة الإكراهيّة (coercive diplomacy) من أجل تطبيق القرار ١٧٠١..¹

أمّا اليوم؛ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تبقّى من هذه الخيارات؟

من الواضح أنّ العدوّ الاسرائيليّ قد فشل في ردع الحزب عن الاستمرار في جبهة الإسناد، ولم يستطع مع سلسلة الاغتيالات والمجازر الوحشيّة التي ارتكبها أن يحدث أيّ خلل تنظيميّ داخل المقاومة أو بيئتها يدفعها إلى إعادة النّظر في موقفها الدّاعم لفلسطي. إذ من الواضح من أداء الحزب والعمليّات اليوميّة أنّ الحزب لم يزدد إلّا ثباتًا، ولم ينحرف عن برنامجه العسكريّ قيد أُنملة. كما أنّ العدوّ الصّهيونيّ غير قادر على خوض حرب شاملة ضدّ الحزب، لذلك تجنّب ذلك منذ أن دخلت المقاومة إلى المعركة. هذا بالنّسبة إلى الخيارين الأوّل والثّاني..

بالفعل، يلجأ العدوّ الآن إلى الخيار الثّالث، أي المواجهة المحدودة. لكن إلى الآن، لم يتمكّن من القضاء على القدرات الصّاروخيّة والجوِّيَّة للحزب، مع أنّ الهدف من المواجهة المحدودة هو هذا، ومن دونه لن يتمكّن من رفع المانع من إعادة المستوطنين إلى الشّمال. هو يريد خوض عمليّة برِّيَّة “محدودة” في جغرافيا مختلفة تمامًا عن غزّة، ضدّ وحدات قتاليّة ذات كفاءة عالية، تعرف الجبال والوُديان ولديها القدرة على الإفادة من أساليب الحرب التّقليديّة وغير التّقليديّة، والأهمّ من كلّ ذلك: إنّها تقاتل من أجل الدّفاع عن دينها وأرضها وعرضها، ومن أجل التّفريج عن المستضعفين والمظلومين في فلسطين، والثّأر للشّهداء والجرحى لا سيّما سيّد مجاهدي العصر ورفاقه القادة، ومن أجل الحفاظ على مستقبل المنطقة من المشروع الصّهيونيّ والمدّ الاستكباريّ..

بعد عمليّة اللّيلة الماضية، والتي أُصيب فيها أكثر من مئة جنديّ من جيش الكيان، وكشفت عن قدرات استخباراتيّة ونوعيّة كبيرة لدى الحزب بإمكانه أن يوظّفها في قادم الأيّام، وأن يحوّلها إلى نمط يغيّر المعادلة بالكامل إن أراد ذلك. من هنا؛ من المتوقّع ألّا يكتفي العدوّ بمحاولات التَّسلُّل، وأن يسارع إلى خوض عمليّة برِّيَّة واسعة، حتى إذا تيقّن من عجزه عن مواجهة الحزب وفكّ “الشّيفرة” والتّعامل مع السلطة غير المركزيّة المذهلة التي يتمتّع بها الحزب، فحينئذٍ لن يبقى أمامه إلّا الخيار الرّابع، أي الدّبلوماسيّة الإكراهيّة. غير أنّ الإكراه سيكون من جانب المقاومة، لا من جانبه، إذ ستكون المقاومة هي من يفرض الخيار الرّابع، فستكون المقاومة تاليًا هي من يضع شروط التّسوية وأوضحها: أن لا وقف لإطلاق النّار في لبنان قبل وقف إطلاق النّار في غزّة..

نعم، بإمكان العدوّ أن يستمرّ في عدوانه على غزّة، وأن يختبر حظوظه في العمليّة البرِّيَّة ضدّ الحزب، وأن يحاول استدراج الجمهوريّة الإسلاميّة إلى حرب إقليميّة مع الولايات المتّحدة بهدف تحويلها إلى حرب محاور تعيد التّوازنات، وتنقذه من حتميّة الهزيمة في المواجهة المحصورة. ما من شيء يندرج تحت عنوان الجنون والفوضى يكون مستبعدًا في حقّ العقل الصّهيونيّ..

لكنّ نتنياهو كان قد صرّح بأنّه يريد تغيير الشّرق الأوسط، أي أنّ هدف الكيان من الاستمرار في هذه الحرب هو القضاء على المقاومة في المنطقة، المشروع الذي باتت مصالح الولايات المتّحدة متوقّفة على إتمامه.. فمن دون القضاء على المقاومة، لا أقلّ في الوجدان العربيّ والمسلم، وتصوير فكرة مجابهة الغرب و”إسرائيل” بأنّها رجعيّة وانتحاريّة، لن يكون لمشروع التّطبيع القابليّة اللّازمة عند من يُراد إقناعه بأن يطوي صفحة القضيّة الفلسطينيّة..

إزاء ذلك؛ تُعرف قيمة عمليّة “طوفان الأقصى” التي أيقظت الأُمّة من سباتها، وأعادت قضيّة فلسطين إلى الواجهة، لا سيّما مع ما رأى العالم من مجازر وجرائم حرب ما برح الكيان الغاصب يرتكبها في حقّ الفلسطينيّين. هذا الأُفق لعمليّة “طوفان الأقصى” كان واضحًا للرّئيس الأميركيّ جو بايدن الذي صرّح بأنّه قد يكون هدف حماس من العمليّة منع التّطبيع السّعوديّ-الإسرائيليّ.². وأعاد تأكيده الخبير في شؤون الشّرق الأوسط كريستوفر بلانشارد عندما احتمل في ختام ورقة، نُشرت منذ حوالي شهرين، أن تكون عمليّة السّابع من أكتوبر/تشرين الأول والمعركة المستمرّة منذ ذلك الحين قد أوجبت على الولايات المتّحدة والسّعوديّة و”إسرائيل” إعادة النّظر في أولويّاتهم تجاه التّطبيع وما قد يلي نهاية الحرب..³

* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري ـ الكاتب: محمد علي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: عملی ة من أجل

إقرأ أيضاً:

قاضٍ فيدرالي يوقف ترحيلات ترامب بموجب قانون العدو الأجنبي

أوقف قاضٍ فيدرالي مؤقتًا أي عمليات ترحيل كانت ستُنفذ بموجب استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقانونٍ نادر الاستخدام يعود إلى زمن الحرب لتسريع طرد أعضاء متهمين بالانتماء لعصابة "ترين دي أراجوا" الفنزويلية، وفق ما أوردت صحف أمريكية.

وليد جنبلاط في ذكرى اغتيال والده: نحذّر من مخططات تقسيم سوريامصرع 51 وأكثر من 100 مصاب في حريق ملهى ليلي بمقدونيامساعد الرئيس الروسي: نستعد لقمة بوتين وترامب وسيتم تنظيمها في أقرب وقتهرتسي هاليفي: حماس استخدمت الهدوء كفخ محكم لخداع الجيش الإسرائيليقائد الحرس الثوري الإيراني: نحذر أعداء إيران من أي تهديد.. وردنا سيكون صارمًا ومدمرًا

استند ترامب إلى قانون "العدو الأجنبي" لعام 1798 ضد هذه العصابة، قائلاً إن الولايات المتحدة تواجه "غزوًا" من منظمة إجرامية يرتبط اسمها بالاختطاف والابتزاز والجريمة المنظمة والقتل المأجور.

أصدر القاضي جيمس بواسبيرج أمرًا تقييديًا مؤقتًا لمدة 14 يومًا. 
قال بواسبيرج إن القانون "لا يوفر أساسًا قانونيا لأغراض الرئيس نظرًا لأن مصطلحي الغزو يتعلقان في الواقع بالأعمال العدائية التي ترتكبها أي دولة وتتناسب مع أفعال الحرب".

وفي معرض استناده إلى القانون، قال ترامب إن أعضاء العصابة "يشنون حربًا غير نظامية ويقومون بأعمال عدائية ضد الولايات المتحدة" بهدف زعزعة استقرار البلاد.

قد يسمح القانون للرئيس بتجاوز حقوق الإجراءات القانونية الواجبة للمهاجرين المصنفين على أنهم تهديد للدولة وترحيلهم بسرعة واجب.

وقال لي جيليرنت، المحامي في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، الذي دافع عن الأمر في جلسة استماع يوم السبت، لرويترز في مقابلة: "هذا الإعلان خارج عن القانون مثل أي شيء فعلته إدارة ترامب".

ذكر "نحن على أرضية خطرة فعندما تحاول الإدارة استخدام سلطة زمن الحرب، ونحن في حالة سلم لأغراض الهجرة أو أي غرض آخر غير عسكري فهو أمر لا يمكن تمريره".

وقالت المدعية العامة بام بوندي إن بواسبيرج "دعم إرهابيي ترين دي أراجوا مهددًا سلامة الأمريكيين".

بموجب إعلان ترامب، فإن جميع المواطنين الفنزويليين الذين تبلغ أعمارهم 14 عامًا فأكثر، والذين يُثبت انتمائهم للعصابة، والمتواجدين داخل الولايات المتحدة، وغير الحاصلين على الجنسية الأمريكية أو الإقامة الدائمة القانونية فيها "معرضون للاعتقال والاحتجاز والترحيل باعتبارهم أعداءً أجانب".

يُعرف قانون "الأعداء الأجانب" بأنه يُستخدم لتبرير وجود معسكرات الاعتقال للأشخاص من أصول يابانية وألمانية وإيطالية خلال الحرب العالمية الثانية.

وقد انتقدت جماعات الحقوق المدنية وبعض الديمقراطيين فكرة إحياء هذا القانون لزيادة عمليات الترحيل الجماعي.

وفي فبراير، صنّفت إدارة ترامب عصابة ترين دي أراجوا وكارتل سينالوا وست جماعات إجرامية أخرى منظمات إرهابية عالمية.
 

مقالات مشابهة

  • حنين اليمنيين يتجدد كل رمضان للراحل يحيى علاو وبرنامج ''فرسان الميدان''
  • حماس.. المهمة الصعبة في إقليم يتغير
  • تدريب عملي للحكام وتحليل الحالات الجدلية
  • نائب الحزب يحذّر الحكومة من التقاعس: المقاومة لن تُبقي الأمور على حالها!
  • لبنان في عين العاصفة... مسار التعافي والاستقرار على المحك
  • حين يقابَــلُ الحصارُ بالحصار والقصفُ بالقصف
  • الحوثي: العدو الأمريكي يسعى لإخضاع المنطقة لإسرائيل وسنواصل مواجهته
  • قاضٍ فيدرالي يوقف ترحيلات ترامب بموجب قانون العدو الأجنبي
  • المقاومة تلعب بذكاء والعدو يكرس فشله أكثر.. الهُدنة إلى أين؟
  • فصائل فلسطينية تعقب على القصف الإسرائيلي في بيت لاهيا