الإعلام العبري الناطق بالعربية يتبنى السردية “الإسرائيلية” ويقدم الاحتلال كمدافع عن النفس الإعلام العربي المقاوم يحصِّن المجتمعات من التضليل الموجه من قبل الإعلام المعادي

أوضح إعلاميون ومراقبون أن الإعلام يشكّل جبهة محورية في معركة الوعي وتعزيز الصمود، وله قدرة كبيرة في تشكيل الرأي العام، باعتباره أحد الأسلحة الثقافية والتوعوية القادرة على الوصول، وتقديم إما صورة حقيقية أو مشوهة عن حقيقة التحديات والأخطار التي تواجهها الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصمود ضد كيان الاحتلال الصهيوني.

وأوضحوا أنه وبالنظر إلى واقع تغطية الإعلام العربي لقضايا الأمة ومنها القضية الفلسطينية، نجد أنه أقل ما يمكن أن نعرِّف بعضها بأنها وسائل إعلام عبرية ناطقة بالعربية، حيث تعمل على تبني السردية «الإسرائيلية» وتقديم الاحتلال كمدافع عن النفس أمام عمليات أصحاب الأرض في غزة، وهي ذاتها من كانت تمهّد الرأي العام العربي في كل المراحل التطبيعية مع الأنظمة التي تتبع لها، وبينوا أنه وفي الجانب الآخر المُشرق، يبرز إعلام عربي مقاوم يعمل على نقل الصورة الحقيقية للواقع، ويعزز الوعي العام حول القضايا المحورية مثل القضية الفلسطينية والعدوان الصهيوني على الدول الإسلامية، بالإضافة إلى تحصين المجتمعات العربية فكرياً من التضليل الإعلامي الموجه من قبل الإعلام المعادي الذي يحاول طمس الحقائق أو تحريفها.

استطلاع/ أسماء البزاز

البداية مع الإعلامي أحمد الكبسي – معد ومقدم برامج في قناة «اليمن اليوم» حيث يقول: في الحقيقة أن الحديث عن دور للإعلام العربي في تعزيز الصمود العربي والإسلامي ونصرة قضايا الأمة دون تمييز هو أمر غير مطابق للواقع في ظل حالة الانقسام التي تعيشها الأمة بين محور المقاومة وقوى التطبيع والعمالة والتي تنعكس على وسائل الإعلام حيث نجد الإعلام السعودي والإماراتي على رأس قائمة العار وهو يتبنى الرواية الصهيونية ويفرد مساحة واسعة لإرهاب الشعوب المقاومة للاحتلال ويسعى لتدجينها والتسليم للهيمنة الأمريكية.
وبين الكبسي أنه ومن هنا باتت المسؤولية أكبر على إعلام محور المقاومة في مواجهة السردية الصهيونية بلسان عربي وتوعية الأمة بمخاطر الانزلاق إلى هاوية التطبيع والارتهان لقوى الشر التي تعمل بكل ما لديها على فرض أجندتها وسلب شعوب المنطقة الحرية من خلال إخضاع مقدرات الأمة العربية إلى القرار الغربي الصهيوأمريكي.
وتابع: غير أن الواقع اليوم لاسيما عقب الفعل الكبير المتمثل بمعركة طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية وما تبعها من جبهات أسناد قد تمكنت من تغيير المعادلة على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والاستراتيجية والإعلامية بالتأكيد.
بين الطوفان والتطبيع:
من ناحيته يقول الإعلامي الحسين عبدالكريم السقاف – قناة عدن الفضائية: حقيقة لا نستطيع في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن العربي وفي ظل التحديات والمخاطر التي يتعرض لها أن نتحدث عن إعلام عربي موحد ينتصر لقضايا الأمة العربية والإسلامية فقد حدث انقسام خطير في الإعلام العربي لاسيما مع تنامي مؤامرات ومخططات العدو الإسرائيلي الغاصب، حيث انفردت الدول العربية التي تسير نحو التطبيع والخيانة مع العدو الإسرائيلي بإعلام هش وهزيل وملوث يعمل على تزييف وعي الأمة ويحاول إقناعها بالتطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب والمجرم تحت شعارات السلام والتعايش متناسيا أن هذا العدو المجرم هو العدو المجرم الذي يغتصب أرض فلسطين المحتلة منذ اكثر من ٧٥ عاما بدون وجه حق، ومازال حتى اليوم يرتكب ابشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والنساء والأطفال وفي ظل صمت عالمي معيب ومخز.
وقال السقاف: إنه ورغم هذه الجرائم مازال إعلام الدول العربية المطبعة كالسعودية والإمارات ومصر والأردن يحاول إشغال أبناء الأمة العربية بقضايا سخيفة بل يحاول من خلال إعلامه التغطية على جرائم العدو الصهيوني بإقامة مهرجانات مخزية كمهرجان موسم الرياض مثلا ومسابقات ومسلسلات ماجنة كما هو الحال في مصر مثلا، لكن وفي خضم هذا الإعلام العربي المتصهين يبرز لنا في الجهة الأخرى الإعلام العربي والإسلامي الواعي وصاحب الرسالة السامية وهو إعلام دول محور المقاومة مثلا وهو الإعلام المسخر لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية العادلة والذي يمثل صوت أبناء الأمة العربية والإسلامية ويعبر عن تطلعاتهم وأمالهم وأحلامهم واستطاع هذا الإعلام العربي والإسلامي أن يعزز الصمود العربي والإسلامي في مواجهة أعداء الأمة وعملائهم بالمنطقة، واستطاع بشكل فعلي أن يكون إعلاما مؤثرا يساهم في تعزيز الوعي العربي والإسلامي ويوحد أبناء الشعب العربي والإسلامي لمواجهة العدو الصهيوني المجرم، والملاحظ نجاح هذا الإعلام الشريف في توعية الجيل الجديد بأهمية الاهتمام بالقضية المركزية الكبرى للأمة العربية والإسلامية قضية فلسطين.
إمبراطوريات إعلامية
أحمد محمد الصنعاني- إعلامي يقول من جانبه: الإعلام يشكّل جبهة محورية في معركة الوعي وتعزيز الصمود، وله قدرة كبيرة في تشكيل الرأي العام، باعتباره أحد الأسلحة الثقافية والتوعوية القادرة على الوصول، وتقديم إما صورة حقيقية أو مشوهة عن حقيقة التحديات والأخطار التي تواجهها الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصمود ضد كيان الاحتلال الصهيوني.
وقال الصنعاني: إنه وبالنظر إلى واقع تغطية الإعلام العربي لقضايا الأمة ومنها القضية الفلسطينية، نجد أنه أقل ما يمكن أن نعرِّف بعضها بأنها وسائل إعلام عبرية ناطقة بالعربية، حيث تعمل على تبني السردية «الإسرائيلية» وتقديم الاحتلال كمدافع عن النفس أمام عمليات أصحاب الأرض في غزة، وهي ذاتها من كانت تمهّد الرأي العام العربي في كل المراحل التطبيعية مع الأنظمة التي تتبع لها.
ومضى الصنعاني بالقول: كلنا تابعنا وسائل إعلام محور المقاومة منذ بداية معركة طوفان الأقصى وهي تبث الأخبار والتقارير والمواد المختلفة التي تركز على بطولات المقاومة والانتصارات التي يحققها المجاهدون في غزة ولبنان واليمن والعراق، مما رفع معنويات الشعوب وشجعها على التمسك بأرضها وحقوقها، وغذت الشعور بالهوية الوطنية والدينية واتجهت لدعم حركات المقاومة ضد كيان الاحتلال المؤقت، وبالتالي عززت من الوحدة بين الشعوب وخلقت حالة من التضامن الإقليمي والدولي مع الشعوب المعتدى عليها.
وتابع: للإعلام المقاوم دور فعّال في مواجهة الإعلام المعادي الذي يروج للتطبيع وطمس الهوية الثقافية والدينية للعرب والمسلمين، من خلال تفنيد الأكاذيب والدعاية التي ينشرها الإعلام الداعم للاحتلال أو العدوان، مما عزز القدرة على الصمود الفكري والنفسي، وفهم أوسع لطبيعة الصراع وخطورة التطبيع على كل المستويات.
حرب نفسية
من جهته يقول محمد الرضي – رئيس مركز الراصد العربي: يمثل الإعلام حاليا جبهة مواجهة لا تختلف عن جبهة المواجهات العسكرية
وقال الرضي: للأسف الشديد ظهر الإعلام العربي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة كمتلق للإعلام الإسرائيلي ينقل من هيئتة الإعلامية وقنواته ويحلل ويعرض وينقل الحرب النفسية إلى الداخل العربي وحول الشعوب إلى متلقين للأخبار من الصهاينة لضرب معنوياتهم وفي ظل نقص وعي كبير للمتابع العربي بمؤامرة العدو التي تستهدف نفسيته ومعنوياته وفي ظل إحباط الشعوب من قادتها الذين لا يهتمون بأمر الأمة، وكذا نقص وعي الشعوب بالسنن الإلهية وان لله عاقبة الأمور. وهنا يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه: «إذا عاش الإنسان في هذه الدنيا وهو لا يحاول أن يستفيد، أن يستفيد مما يحصل فإنه نفسه من سيكون معرضاً للكثير من المزالق».
وتابع: هكذا أصبح الإعلام العربي يمثل طعنة للعربي الحر وشاهدنا قنوات العربية والحدث والجزيرة وناشطي وإعلاميي السعودية والإمارات والمرتزقة يوجهون سهامهم نحو المقاومة التي تدافع عن قضايا الأمة وأصبح الإعلام العربي إعلاما ممولا لصالح مؤامرات أمريكا، يهيئون الأجواء للأمريكان واليهود لاحتلال البلدان العربية واستهداف المدنيين وقصف المدارس والمستشفيات وكما شاهدنا أن إعلام المطبعين والمتصهينين حين يقصف العدو مدرسة أو منزلا يروجون لما قاله العدو وان هذه البنى تحتوي على أسلحة.
وبين الرضي أن هناك إعلاما عربيا حرا ومقاوما أيضا وإن وجد فيه تقصير إلا أنه بحاجة إلى التحرك إلى أن يصل بإعلامه إلى المواجهة ويستشعر انه في معركة – كما قال السيد القائد حفظه الله – وأن لا يظل مكانه ينقل أخبارا فقط دون إيصال رسالة أيضا وكشف مؤامرة والعمل على رفع وعي الأمة.
أقسام الإعلام العربي:
من جهته يقول الدكتور عبدالرحمن المختار – عضو مجلس الشورى: إن الإعلام العربي في الوقت الراهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول الإعلام المساند وهذا القسم له دور مهم جدا لكن هذا الدور لا يرقى أبدا لمستوى الحدث وبعض تناولات هذا القسم تخدم القوى الاستعمارية الصهيوغربية عن غير قصد وبسبب تدني مستوى المهنية التي في الأصل يحب أن تواكب الإنجازات الميدانية.
وقال: إن القسم الثاني هو الإعلام المحايد وعلى رأسه قناة الجزيرة هذا القسم من الإعلام يخدم القوى العدوانية الصهيوغربية بشكل كبير، فهذا القسم روج ولا يزال يروج لما جرى ويجري في غزة والضفة الغربية والضاحية الجنوبية لبيروت بأنه حرب وما جرى ويجري هو جريمة إبادة جماعية اقترفت أفعالها القوى الاستعمارية الصهيوغربية بصور مختلفة. ووصف هذا القسم من الإعلام ما جرى ويجري بأنه حرب فهذا الوصف يخدم بكل تأكيد القوى الإجرامية باعتبار أن الحرب يمكن أن تكون مشروعة على الأقل بالنسبة لأحد طرفيها والحرب هي نزاع مسلح بين طرفين أو أكثر ولا بد أن تكون أطراف الحرب دولا مستقلة ذات سيادة يتوافر لكل منها كافة وسائل ومستلزمات الدفاع.
وبيّن المختار أن القسم الثالث هو الإعلام المنحاز وهذا القسم يعمل ليلا ونهارا لخدمة أهداف القوى الاستعمارية الصهيوغربية وعلى رأس هذا القسم قناتا العربية والحدث وغيرهما من القنوات التي تتبنى سياسة تضليلية خدمة للقوى الإجرامية الصهيوغربية، والمؤسف أن دور الإعلام العربي بشكل عام سلبي خدم ولا يزال يخدم القوى الاستعمارية الصهيوغربية عن قصد وعن غير قصد!
ذو حدين
من ناحيته يقول فضيلة العلامة الحسين السراجي: إن الإعلام سلاح ذو حدين والإعلام رسالة خالدة عندما يكون توجهها لصالح الأمة وتعزيز روابطها.
مبينا أنه ومع التغيرات الحاصلة فإن الإعلام العربي ينقسم في الغالب إلى قسمين: إعلام معزز للصمود وتبني قضايا الأمة وإعلام متصهين يسبح بحمد الأنظمة ويمجدها ويمجد فعلها وتوجهها المنحرف.
وأضاف السراجي أن الإعلام العربي عندما يعمل في الاتجاه الصحيح والسليم فإنه سيؤدي الدور المفترض منه وهو تعزيز صمود الجبهة العربية والإسلامية وتحصينها من الاختراق والعمل على إظهار قضاياها وتبنيها، وعندما يعمل في الاتجاه الآخر فإنه يفتت الأمة ويمزقها ويسعى بكل جهده لتمجيد الحكام المتصهينين وتبرير أفعالهم الممزقة للأمة ونسيجها والتخلي عن قضاياها.
مبينا أنه في الواقع فإن لدينا إعلام عربي وإسلامي مقاوم يعمل بكل قوة لتعزيز الصمود وتقوية الجبهة الداخلية وتبني قضايا الأمة ونشر كل ما يهمها ويرفع شأنها، لدينا إعلام قوي ومتماسك في محور المقاومة يتابعه الكثير من أحرار العالم العربي والإسلامي حتى لو كانت أنظمتهم وإعلامهم متصهين.
وتابع السراجي: إن الجمهور الواسع للإعلام المقاوم يأتي من صحوة الشعوب واستشعارها للخطر كما أنه يأتي من الثقة والمصداقية والشفافية، وان إعلامنا المقاوم يعمل في الغالب منه بجهود ذاتية ومتطوعة وبنفقات قليلة جداً قد لا تصل إلى 10 ٪ من نفقات إعلام الصهاينة، لكن العاملين في الإعلام المقاوم يستشعرون الواجب الجهادي لدورهم فيؤدونه بالمتاح ولهم في الحقيقة التحية والتقدير فهم جنود مجاهدون مجهولون لا يعرف قدرهم الكثير.
ويرى أن جبهة الإعلام المقاوم هي جبهة جهاد ورباط وكل ما نتلقاه منها يعمل على تعزيز الصمود ونصرة قضايا الأمة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ماذا حدث لثورتنا: أسأل عن الطبقة في قيادتها (٢-٢)

عبد الله علي إبراهيم

(العنوان عائد لعنوان مسرحية للكاتب الألماني بيتر فايس عن الثورة الفرنسية انتجها المسرح الجامعي بجامعة الخرطوم في نحو ١٩٦٨ من إخراج عثمان جعفر النصيري. وعنوان المسرحية الأصل "جين-بول مارا" الثوري الفرنسي الجذري. وتصرف النصيري في الاسم)

ما الذي حدث لثورتنا حتى صار علينا ما رآه الكاتب الروسي مكسيم جوركي مرة عاد فيها إلى وطنه من المنفى. قال وجدت كل أحد مسحوقاً لدرجة ومجرداً من بركة الرب. وقال، "والحل الذي لا غيره هو الثقافة".

قلت أمس إننا أحسنا فهم ثورة ديسمبر من وجوه الشباب والنوع (الكنداكات) فيها، بل والعرق (الحركات المسلحة). غير أن ما لم يعرض لنا في فهمها هو أصلها الطبقي وفي قيادتها خاصة. وعرّفت الطبقة الغالبة في هذه الثورة، وفي قيادتها خاصة، بالبرجوازية لصغيرة. وكان اسم دلعها "الصفوة". وعرضت لخبرتنا كشيوعيين معها في ثورة أكتوبر خبرة خلصنا منها أنها أول من ينوء تحت كاهل ثورته، ويهدم ما بناه دون تحقيق مطلوب ثورته “لصناعة الدنيا وتركيب الحياة القادمة".
في عرض "الماركسية وقضايا الثورة السودانية"، تقرير المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي في ١٩٦٧، لتجربتنا معها في أكتوبر قال إنها مرت بطورين. حاول الحزب في أولهما السير بالثورة إلى غايات جذرية في تغيير المجتمع، ولكنه سرعان ما تراجع عن هذه الغايات إلى خطة أكثر تواضعاً حين رأى أن قيادة الثورة البرجوازية الصغيرة، وقد لوعتها قوى الثورة المضادة، لن تنهض بذلك البرنامج الثوري.
حاول الحزب في الطور الأول (اجتماع المركزية في ٤ نوفمبر ١٩٦٤) تغذية الثورة ببرنامج جذري مثل تحويل جبهة الهيئات إلى جبهة ديمقراطية تتحمل عب النضال من أجل المهام الثورية. ولمّا اتضح له أن ذلك لن يحدث أعاد النظر فيما ينبغي عمله بواقعية في اجتماع اللجنة المركزية في ١٤ يناير ١٩٦٥. فتواثق الاجتماع على أن الحكومة التي نشأت بعد الثورة ذات صفة وطنية معادية للاستعمار، وبها تمثيل مميز للقوى الثورية وبين البرجوازية الصغيرة برغم وجود القوى اليمينة في تركيبة السلطة الجديدة. ولما لم يكن واقعياً السير بالثورة كما اتفق للحزب في اجتماع نوفمبر اكتفى بالحث على الشغل لدفع الجماهير لاحتلال مواقع ديمقراطية، واكتساب أرض تكون طريقاً لنهوض سلطة وطني ديمقراطية جديدة. وعليه فقد استعد الحزب لطريق متعرج من النضال انتهى كما هو معروف بانتصار الثورة المضادة. وكانت الواقعية التي توخاها الحزب في يناير ١٩٦٥ مما لا مهرب منه. فلما طمع الحزب في أن تتحول جبهة الهيئات إلى جبهة وطنية ديمقراطية مستقرة تحمل مهام الثورة إلى غايتها وجد أن البرجوازيين الصغار قد تداعوا للتخلص منها بهدمها صامولة صامولة.
ونجح الإخوان المسلمون، يمين البرجوازية الصغيرة، في إذعار المهنيين والطلاب من جبهة الهيئات التي صارت في زعمهم بيد الشيوعيين (وكل الصفات) لخدمة خطتهم في تجميد الثورة. وهي الثورة التي عصفت بالنادي السياسي التقليدي. فمثلت لأول مرة العمال والمزارعين والمهنيين مستقلين في مجلس الوزراء، وأعطت المرأة والصبيان حق التصويت، وشرعت في تغيير صورة الريف بمراجعة أوضاع الإدارة الأهلية، وإخضاع رموز النظام القديم للمساءلة عن عوس أيديهم خلال عمر النظام. وتواثق الرجعيون على أنه لابد لتلك الثورة أن تطوي صفحتها وتتلاشى ككابوس مزعج أفاقوا منه. تماماً كما يفعلون اليوم.
لم يفت عليّ التطابق بين انقلاب البرجوازية الصغيرة على جبهة الهيئات المفترض إنها عقدة إرادتها وبين انفضاض دوائر كبيرة عن تجمع المهنيين عن لجنة تفكيك التمكين في هذه الثورة بذرائع شتى. فتوالت استقالات الهيئات عن جبهة الهيئات كشلك كشلك كشلك*: نقابة أساتذة جامعة الخرطوم، كشلك. نقابة أساتذة المعهد الفني، كشلك. نقابة خريجي وزارة التجارة، كشلك. نقابة بنك السودان، كشلك. اتحاد المستشارين القانونيين، كشلك. الإدارة العامة، كشلك، أئمة المساجد والعلماء. كشلك. نقابة وزارة الخارجية، كشلك، المحامون الشرعيون، كشلك. اتحاد وزارة الاستعلامات، كشلك. شمبات الزراعي، كشلك. جبهة التحرير الإسلامي، كشلك، الاتحاد المهني للإذاعة، كشلك. اتحاد التجار، كشلك، الجبهة الوطنية النسائية، كشلك، اتحاد الكتاب والفنانين، كشلك، اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. كشلك.
وكنت في يوم التصويت على قرار سحب اتحاد طلاب جامعة الخرطوم من جبهة الهيئات. وكنا في القلة القليلة. واسودت وجوه.

*كنت نشرت مقالاً وظفت فيه كلمة "كشلك" في معرض بيان كيف انصرفت جماعات من الثوار عن لجنة إزالة التمكين لا تلوي على شيء من فرط كثافة النيران التي صوبتها الثورة المضادة للجنة. وكان ذلك وهناً.


ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • بالوعي والمقاومة.. كيف أعاد اليمن صياغة معركة الأمة؟
  • إعلام العدو الصهيوني يعترف: اليمن أطلق أكثر من 370 صاروخ وطائرة مسيرة على “إسرائيل”
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تبارك القصف الصاروخي اليمني في عمق الكيان الصهيوني
  • المشروع الصهيوني وتحديات الأمة العربية.. رؤية السيد الحوثي للخلاص
  • وزارة الإعلام السورية تدعو المنشقين للعودة لبناء إعلام حر
  • ماذا حدث لثورتنا: أسأل عن الطبقة في قيادتها (٢-٢)
  • منظمة حقوقية تكشف : الكيان الصهيوني يخفي استشهاد عدد كبير من الأسرى في سجونه
  • قائد الثورة: الشعب الفلسطيني يمتلك الحق الشرعي والقانوني للتصدي للعدو
  • ” الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية
  • قائد الثورة: العدوان الإسرائيلي على بلدنا لن يثنينا عن مساندة ونصرة فلسطين