هل نحتاج لتشكيل وزاري جديد؟
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
د. عبدالله باحجاج
نطرحُ التساؤل في العنوان أعلاه، من فرضيتين أساسيتين؛ الأولى: أن هذا التشكيل قد جاء في خضم أزمتين من الوزن الثقيل، هما انهيار أسعار النفط، وجائحة كورونا، أما الفرضية الثانية فتتمثل في اتساع دائرة عدم الرضا تجاه الكثير من السياسات المالية والتشريعية، بسبب ما فرضته من واجبات مالية ثقيلة على المُواطن، لذلك يُمكن أن نطلق على التشكيل الوزاري الحالي "فريق مُعالجة الأزمات"؛ سواء أخذنا بتاريخية التعديلات الوزارية التي حدثت في أغسطس 2020، أو إعادة تشكيل مجلس الوزراء في يونيو 2022.
لكن بلادنا في حاجة الآن إلى معرفة مستوى نجاح الفريق التنفيذي الحكومي في التدبير والتسيير والتخطيط والتنفيذ، والإسراع نحو تحقيق التوازن بين المصالح الثلاثة الأساسية التي يقوم عليها الاستقرار العام في بلادنا على وجه الخصوص، وهي: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومرجعية تساؤل عنوان المقال تتمثل في السؤال التالي: هل فريق مرحلة الأزمات مؤهل للإدارة التنفيذية لمرحلة ما بعد الأزمات؟ وهناك مجموعة استدلالات يمكن أن نبني عليها طرح التساؤل الأخير، أبرزها:
استمرار تفكير الأزمتين لما بعدهما رغم انتفاء كل الظروف والمُعطيات التي أنتجت الأزمتين. عودة البلاد إلى وضعها المالي الاعتيادي، وربما أفضل من السابق، وانكشاف ضمانات الاستدامة المالية من خلال قطاعات إنتاجية جديدة كالهيدروجين الأخضر، أي ليس من خلال منظومة الضرائب والرسوم القاسية. تزايد الصرخات الاجتماعية في أساسيات المعيشة، وربما على الإدارة التنفيذية الحكومية أن لا تقلِّل من حجم الصرخات من فاتورتي المياه والكهرباء اللتين تظهران الآن قيادتهما للاستياء والامتعاض الاجتماعي.لن يذهب تفكيرنا إلى أنه بعد خطة التوازن المالي (2021– 2024) ستنتهي الضرائب والسياسات الاجتماعية القاسية، كما قد يفهمها البعض من سياقها الزمني، وإنما هي– أي الخطة– وسيلة لتحقيق غاية دائمة تقود مجموعة إصلاحات بالتبعية؛ فالغاية الكبرى هنا تتمثل في الإصلاح المالي وقيادته لمجموعة إصلاحات اجتماعية كبرى بنيوية لخمسين سنة مُقبلة، دون أن تكون هناك خطة إصلاحية للمجتمع المتجدد، وإنما ستكون حصيلة انعكاسات الإصلاح المالي، وطوال تطبيقاتها خلال الثلاث سنوات حتى الآن، كيف تبدو انعكاساتها الاجتماعية؟ وهل هي مرضية سياسيًا؟
لا بُد أن تكون الإجابة على التساؤلين صريحة وشفافة؛ لأنه ليس من المصلحة الاستراتيجية ترك المجتمع في مُعاناته المعيشية وارتفاع منحنى الامتعاض العام؟ من هنا نرى أن مرحلة انتهاء سنوات خطة التوازن المالي في عام 2024، ينبغي أن يتزامن معها التفكير في التشكيل الوزاري الحالي، ومدى قدرته على صناعة التوازن المعقول بين المصالح الاستراتيجية الثلاثة للدولة- السالفة الذكر- وهي: السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبحسابات الأثقال الوزنية لكل مصلحة منها، وليس حصريًا المصلحة المالية، إذ إن فهمنا العميق يشير إلى أن هناك إفراطًا في حماية رؤوس الأموال الخاصة (المحلية والأجنبية) وإعادة التشريعات والقوانين لخدمتها وحمايتها، وكذلك تفريطٌ في البعد الاجتماعي قد يفُضي إلى انعكاسات سياسية، ونهجٌ لا يُمكن نجاحه في بلد يشعُر بالأبعاد السياسية والاجتماعية أكثر من أي دولة في المنطقة، وينبغي العلم سياسيًا بالضرورة، أن ما تقوم به بعض الدول من إفراط وتفريط، ستدفع ثمنه لاحقًا، ولا ينبغي تبنيه عُمانيًا.
ومن دواعي التفكير كذلك في التشكيل الوزاري الحالي أن كل وزير يعمل برؤيته التنفيذية بمعزل عن نظرائه الآخرين، ويصفه البعض بأنه مُبدعٌ، وأنه سابق زمانه ومكانه، فتصدُر القوانين والسياسات والاستراتيجيات والقرارات الفورية دون تنسيق، ودون تكاملية، وبصورة راديكالية لا تأخذ في عين الاعتبار البناءات السابقة، وحجم المصالح الاجتماعية المُتضررة، علاوة على أنها تقذف بها في محيط اجتماعي تفاعلي تزيد صرخاته بسبب آلامها.
وهنا تساؤل آخر: هل نحتاج إلى إعادة الهندسة السياسية للإدارة الحكومية التنفيذية؟ ومطالبتنا بإعادة التفكير في أول تشكيل وزاري للنهضة المتجددة، ينبع من منطلق أن تقييم الحكومات يُمثل قضية ينبغي أن تحظى باهتمامات سياسية واجتماعية في آنٍ واحدٍ، وأن يجري التقييم بصورة دورية، بإشراك أطراف مختلفة.
نؤمن أنه حتى في ظل ما كانت سياسات الجبايات والرسوم ورفع الدعم مُلزمة على مسارنا الوطني، إلّا أن هناك هوامش كبيرة للحصانة الاجتماعية، أكبر من الحصانة التي توفرها منظومة الرعاية الاجتماعية، ويمكننا أن نُحقق من خلالها الرضا الاجتماعي، ولماذا لم تكن كذلك؟ الإجابة: لأنَّ التفكير كان مسيطرٌ عليه تفكير الاستدامة المالية من خلال الضرائب والرسوم، وليس من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية القديمة والجديدة..
من هنا يستلزم أن تكون هناك عقول وزارية جديدة تُمكَّن من الاعتداد بالوزن الاجتماعي الثقيل للدولة العمانية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تخصيص الموارد لتمويل حزمة الحماية الاجتماعية.. تفاصيل اجتماع الرئيس السيسي مع وزير المالية| فيديو
اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وأحمد كجوك وزير المالية.
وصرح المُتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية أن الاجتماع تناول مؤشرات الأداء المالي للدولة، وملامح ومستهدفات موازنة العام المالي المقبل 2025-2026، ويتضمن مشروع الموازنة الجديدة زيادة في مخصصات برنامجي الحماية الاجتماعية "تكافل" و"كرامة"، مع تخصيص الموارد الكافية لتمويل حزمة الحماية الاجتماعية المعلن عنها مؤخراً وتخصيص نسبه اعلى من الموازنة لبرامج التنميه البشريه لما فيها كافه المبادرات الرئاسية، في إطار تنفيذ الرؤية الإستراتيجية لبناء الإنسان المصري، وفي ضوء حرص الدولة على تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، إلى جانب توفير الرعاية الكاملة للفئات المستحقة من محدودي الدخل.
استعراض الجهود الوطنية لتحقيق الاإنضباط الماليوذكر السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي أنه تم خلال الاجتماع كذلك استعراض الجهود الوطنية لتحقيق الإنضباط المالي ورفع معدل الفائض الأولي وخفض الدين، خاصةً مع قرب الانتهاء من إعداد استراتيجية خفض الدين العام في المدى المتوسط.
وأضاف المتحدث الرسمي أن الرئيس السيسي قد وجه خلال الاجتماع بمواصلة الجهود المكثفة الرامية للحد من التضخم، إلى جانب تحسين الإنتاجية بهدف تحقيق معدلات نمو أعلى، مؤكداً على ضرورة تعزيز الانضباط المالي من خلال الإجراءات الحكومية بما يسهم في تطوير أداء الاقتصاد المصري ويدعم جهود التنمية الوطنية.
وسبق أن أكد أحمد كجوك وزير المالية، رفع الحد الأدنى للأجور إلى ٧ آلاف جنيه اعتبارًا من الأول من يوليو ٢٠٢٥، أنه تنفيذًا للتكليفات الرئاسية، ركزت حزمة الحماية الاجتماعية على الفئات الأقل دخلاً لتحسين أحوالهم بالدعم النقدي المباشر، وراعت التنوع حتى تكون أكثر شمولاً لكل شرائح المواطنين من الفئات المستهدفة، وتضمنت إجراءات استثنائية عاجلة تستهدف الشرائح الأولى بالرعاية خلال شهر رمضان، وعيد الفطر المبارك.
وقال كجوك، إن هناك دعمًا إضافيًا للعشرة ملايين أسرة الأكثر احتياجًا والمقيدة على البطاقات التموينية بتكلفة إجمالية ٤ مليارات جنيه، حيث تم إقرار زيادة ١٢٥ جنيهًا للبطاقات ذات الفرد الواحد، و٢٥٠ جنيهًا لفردين فأكثر لمدة شهرين، لافتًا إلى أنه سيتم صرف ٣٠٠ جنيه مساندة إضافية خلال شهر رمضان لكل أسرة بإجمالي ٥,٢ مليون أسرة مستفيدة من برنامج «تكافل وكرامة» بتكلفة إجمالية ١,٥ مليار جنيه.
أضاف أنه ستتم زيادة قيمة المساندة النقدية الشهرية للمستفيدين ببرنامج «تكافل وكرامة» بنسبة ٢٥٪ اعتبارًا من أبريل ٢٠٢٥ بتكلفة إجمالية بنحو ١٣ مليار جنيه حتى يونيو ٢٠٢٦، وعلاج ٦٠ ألف حالة على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار بتكلفة إجمالية ٣ مليارات جنيه، مؤكدًا أن الرئيس وجه بعلاج كل الحالات الحرجة على نفقة الدولة حتى نحتفل بشفائها مع حلول عيد الفطر.