د. بدر البلوشي

تتزايد التوترات في الشرق الأوسط بشكل لم يسبق له مثيل؛ حيث تقف إيران اليوم في قلب صراع قد يتجاوز حدود الحسابات التقليدية، في ظل التساؤلات المتكررة عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران، نجد أنَّ الأوضاع تبدو أكثر تعقيدًا مما تظهره العناوين المُعتادة. فهل نحن على وشك الدخول في مرحلة مصيرية، أم أنَّ هناك قوة خفية تدفع نحو تصعيد مدروس لا يُظهر كل أوراقه بعد؟

إيران ليست مجرد دولة تنازع على برنامجها النووي أو نفوذها الإقليمي؛ بل هي ركيزة لا يُمكن تجاهلها في أي سيناريو دولي للشرق الأوسط.

. الحديث عن مواجهة عسكرية يختزل المشهد المعقد في عملية عسكرية سريعة، لكن الواقع يُظهر أن النتائج قد تمتد لأكثر من جبهة، وأن التوترات الإقليمية قد تُشعل صراعات تمتد لعقود. في هذا السياق، تبقى الاستراتيجية الإيرانية مبنية على مزيج من الصبر التكتيكي والردع المتنوع، وهو ما يجعل حسابات القوة لا تسير وفق السيناريوهات التقليدية التي تراهن على التفوق العسكري التقني وحده.

إن ما يميز الوضع الراهن هو أن إيران قد تكون على أعتاب ابتكار استراتيجية جديدة تعزز من وجودها الإقليمي، في ظل تغير موازين القوى، تسعى طهران لتطوير أسلحة هجومية غير تقليدية، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الذكية، التي تمنحها قدرة على توجيه ضربات موجهة إلى أهداف بعيدة دون الحاجة إلى تدخل مباشر. هذه الاستراتيجية لا تمثل فقط تكنولوجيا جديدة، بل تعكس أيضًا تحولًا في التفكير العسكري الإيراني، حيث إن الهجمات المحتملة لن تكون فورية، بل قد تتأخر حتى تصبح إيران مستعدة تمامًا لإطلاق العنان لما لديها من قوة تدميرية في اللحظة الأكثر تأثيرًا.

وفيما يتعلق بالتحالفات، نجد أن إيران تبني شبكة من العلاقات التي تساهم في تعزيز نفوذها الإقليمي. مع ظهور تحالفات جديدة بين الدول مثل الصين وروسيا وإيران، يمكن أن تبرز صورة جديدة لعالم متعدد الأقطاب.

هذه الديناميكيات تجعل من الصعب على القوى الغربية فرض أي نوع من العقوبات أو الضغط، حيث ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع تحالفات جديدة قد تعيد تشكيل قواعد اللعبة.

التحليل الدقيق للعلاقات الإقليمية يشير إلى أن إيران ليست معزولة، بل هي جزء من شبكة عالمية معقدة، وهذا يضيف بعدًا جديدًا للأزمة. علاوة على ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن أي تصعيد عسكري لن يكون مجرد زلزال محلي، بل ستكون له تداعيات واسعة على الساحة الدولية. تهديد إيران بإغلاق طرق الشحن أو استهداف مصالح دولية في المنطقة يمكن أن يتسبب في انقطاع إمدادات النفط العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وخلق أزمات اقتصادية في دول لا ترتبط بالصراع. هذه الديناميكيات تجعل من الصراع الحالي قضية عالمية تتطلب تدخلاً دوليًا جادًا، حيث إن اللامبالاة قد تؤدي إلى فوضى تهدد الاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في الاقتصاد العالمي بأسره.

لكن في خضم هذا التصعيد المستتر، قد تكون الدبلوماسية هي الورقة الرابحة الوحيدة المتبقية على الطاولة. العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لم تنجح في كسر إرادتها، لكن الضغوط المستمرة قد تدفع النظام الإيراني إلى مراجعة سياساته. ومع ذلك، تبقى فكرة "الحل الدبلوماسي" مرهونة بمدى استعداد الأطراف الأخرى للجلوس مجددًا إلى طاولة المفاوضات.

أما بالنسبة للدور الإسرائيلي في هذا الصراع، فقد أصبح واضحًا أن هناك رؤية لتهديد وجودي، إذا ما قررت إسرائيل الانخراط في أي عملية عسكرية، فإن النتائج قد تكون كارثية على المنطقة بأسرها، مما يؤدي إلى مواجهات غير تقليدية تشمل تقنيات حديثة.

إذا تم اتخاذ قرار الضربة العسكرية، ستكون تداعياتها على استقرار المنطقة كارثية، فإيران ليست دولة معزولة، وأي اضطراب في المنطقة سيؤدي إلى أزمات اقتصادية وسياسية تؤثر على الجميع.

الأوضاع الداخلية في إيران تؤدي أيضًا دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الصراع، إذ قد يجد النظام نفسه مضطرًا للتصعيد كوسيلة لتوحيد الصف الداخلي.

هل ترى أن هذا التصعيد قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية؟ هذا سؤال مثير للاهتمام، ويمكن التفكير في النقاط التالية:

التغيرات الجيوسياسية: يمكن أن يمثل التصعيد محاولة لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، في ظل تزايد التوترات بين القوى الكبرى، قد تسعى بعض الدول إلى تعزيز تحالفاتها أو خلق تحالفات جديدة في مواجهة التهديدات المشتركة. دوافع اقتصادية: قد يكون التصعيد مرتبطًا بمصالح اقتصادية، مثل السيطرة على الموارد أو تأمين طرق التجارة، وفي سياق الصراعات، قد تسعى الدول إلى تأمين مواقعها الاستراتيجية من أجل تعزيز اقتصادها الوطني. ردود الفعل على السياسات الدولية: قد يكون التصعيد رد فعل على السياسات الدولية، مثل العقوبات أو الضغوط الدبلوماسية، وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى إعادة تقييم التحالفات الحالية، حيث تسعى الدول لتأمين دعم حلفائها في مواجهة الضغوط. أثر الانقسامات الداخلية: يمكن أن يكون التصعيد أيضًا نتيجة للانقسامات الداخلية في الدول المعنية، إذ قد تسعى الأنظمة السياسية لتعزيز قوتها أو لصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية من خلال تصعيد الأمور على الساحة الدولية. دور القوى العظمى: من المهم أيضًا النظر في دور القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، في تشكيل التحالفات، حيث قد تؤثر تحركات هذه القوى في المنطقة على الاستراتيجيات الإقليمية وتعيد تشكيل التحالفات. المسار المستقبلي: قد يتسبب التصعيد في ظهور تحالفات جديدة أو في تعزيز التحالفات الحالية، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى ظهور تكتلات جديدة تتقاطع مع القضايا الجيوسياسية الكبرى، مما يؤدي إلى تغيير مشهد العلاقات الدولية.

باختصار.. يُحتمل أن يكون التصعيد جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية، ومن المهم مراقبة تطورات الأحداث لفهم الاتجاهات المستقبلية بشكل أفضل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

غموض مصير إسماعيل قاآنى.. أزمة القيادة الإيرانية وسط تصاعد التوترات الإقليمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تتزايد التكهنات حول مصير إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيراني، فى ضوء انقطاع الاتصال به منذ الضربات الجوية الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي.
وتزامنت هذه الأحداث مع تصاعد التوترات فى المنطقة، مما أثار القلق فى الأوساط الإيرانية بشأن سلامته.
مصادر أمنية إيرانية أكدت لوكالة رويترز أن حالة من القلق سادت بعد عدم ورود أى معلومات جديدة عن قاآنى منذ تلك الضربات، وهو ما دفع نائب قائد الفيلق، إيرج مسجدي، إلى الخروج لطمأنة الناس بأن قاآنى "بصحة جيدة ويمارس أنشطته".
فى حديثه، أشار مسجدى إلى عدم الحاجة لإصدار بيان رسمى حول وضعه، مما يعكس محاولة النظام الإيرانى لاحتواء القلق الجماهيرى وتأكيد قوة القيادة.
فى السياق نفسه؛ أفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية بأن رسالة من قاآنى نُقلت إلى مؤتمر تضامن مع الأطفال الفلسطينيين الذى عُقد فى طهران.
وبحسب الوكالة، فإن القائد لم يتمكن من الحضور بسبب وجوده فى اجتماع مهم آخر، مما يضيف مزيدًا من الغموض حول مكانه وسبب غيابه.
هذا النوع من الرسائل يُظهر رغبة القيادة الإيرانية فى إظهار أنها لا تزال تتواصل مع القضايا الإقليمية المهمة، حتى فى ظل التوترات الحالية.
ومع ذلك، تتضارب الأنباء حول قاآني، فهناك تقارير تفيد بأنه كان متواجدًا فى الضاحية الجنوبية لبيروت أثناء الضربة، والتى استهدفت هاشم صفى الدين، أحد كبار المسئولين فى حزب الله.
مما يزيد الشكوك حول مدى تأثير الغارات الإسرائيلية على الاستراتيجية الإيرانية فى لبنان، ومدى قدرة قاآنى على التعامل مع هذه الأوضاع الحرجة.
أفادت التقارير أيضًا بأن قاآنى يخضع للتحقيق بشأن احتمال تعرضه للاختراق، وذلك بعد الاشتباه فى تخابر رئيس مكتبه، إحسان شفيقي، مع إسرائيل.
ووفقا للتقارير فإن هذه التحقيقات انطلقت بعد أن وُضِع شفيقى فى السجن بسبب المعلومات التى أفادت بتواصله مع إسرائيل من خلال وسيط يعيش خارج إيران.
ويشير الوضع إلى حالة من عدم الثقة التى تسود فى هيكل القيادة الإيرانية، ويعكس التحديات التى يواجهها قاآنى فى إدارة الفيلق فى ظل هذه الضغوط.
وأفادت بعض التقارير بأن قاآنى قد تعرض لأزمة قلبية أثناء التحقيقات، وتم نقله إلى المستشفى، مما يزيد من المخاوف حول صحته وأثر هذه الأحداث على نفسية القيادة الإيرانية بشكل عام. 
هناك قلق كبير فى الأوساط الإيرانية بشأن التغلغل الإسرائيلى فى هرم القيادة، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على السياسة الإيرانية فى المنطقة.
تأتى هذه التطورات فى سياق أعمق، حيث تشير التقارير إلى وجود خلافات بين الأجنحة المختلفة لفيلق القدس منذ اغتيال سليماني، حيث أظهرت تلك الخلافات الضغط المتزايد على قاآني، الذى تولى القيادة فى وقت حساس للغاية.
وعُيّن قاآنى فى منصبه بعد مقتل سليمانى فى غارة أمريكية بطائرة مسيرة فى بغداد عام ٢٠٢٠، مما وضعه فى موقف يتطلب منه ملء فراغ قائد بارز بحضور قوي.
ويعرف قاآني، بلقب "رجل الظل"، لطالما كان له دور غير معلن فى العمليات السرية التى ينفذها فيلق القدس، والذى يُعتبر المسؤول عن الأنشطة العسكرية والاستخباراتية الإيرانية فى الخارج. 
ومع ذلك، يختلف أسلوبه عن أسلوب سليمانى الذى كان يتمتع بشخصية قوية وظهور إعلامى واسع. هذه الفروق فى الأسلوب تؤثر على قدرة قاآنى على تعزيز وجوده ونفوذه بنفس الطريقة التى حققها سليماني.
إحدى التحديات الرئيسية التى تواجه قاآنى هى إدارة الخلافات الداخلية بين الفصائل الموالية لإيران فى المنطقة، وخاصة فى العراق، بينما كان سليمانى يحظى بعلاقات وثيقة مع قادة الميليشيات العراقية، فإن قاآنى يواجه صعوبة فى بناء تلك العلاقات، مما يؤثر على النفوذ الإيرانى فى العراق.
وتؤكد الديناميكيات على أهمية تعزيز التحالفات فى المنطقة، وهو ما يعتبر عنصرًا حيويًا لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية.
مع تصاعد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على إيران، يزداد القلق بشأن مدى قدرة قاآنى على قيادة فيلق القدس خلال هذه المرحلة الحرجة، حيث أثارت غياب الإنجازات العسكرية الكبرى تحت قيادته تساؤلات حول قدرته على التكيف مع التحديات الجديدة واحتواء التوترات المتزايدة. 

مقالات مشابهة

  • إيران توقف محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة وسط تصاعد التوترات الإقليمية
  • السعودية تستضيف الاجتماع الرابع للمجموعة الإقليمية لأمن الطيران والتسهيلات بالشرق الأوسط
  • المملكة تستضيف الاجتماع الرابع للمجموعة الإقليمية لأمن الطيران والتسهيلات بالشرق الأوسط
  • انطلاق الاجتماع الرابع للمجموعة الإقليمية لأمن الطيران والتسهيلات بالشرق الأوسط اليوم
  • عُمان وإيران تؤكدان دعم الجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد في الشرق الأوسط
  • غموض مصير إسماعيل قاآنى.. أزمة القيادة الإيرانية وسط تصاعد التوترات الإقليمية
  • قائد بحرية "الناتو" السابق يحذر من انقطاع إمدادات النفط بسبب المواجهة بين إيران وإسرائيل
  • إيران تؤكد عدم رغبتها في التصعيد بالمنطقة وتعلن استعدادها للسلام
  • إيران: لا نسعى إلى توسيع التصعيد لكننا مستعدون تمامًا لحالة الحرب