الواقع المرير الذي نعيشه ـ منذ 7 أكتوبر 2023، وحتى الآن ـ حيث حرب الإبادة «الإسرائيلية»، في غزة، ثم انتقالها بكل وحشية إلى لبنان، ربما لم تكن آثاره الهمجية والكارثية المدمرة كافية، حتى يستفيق العرب والمسلمون ـ قادة وشعوبًا ـ على قلب رجل واحد، نُصرة للإنسانية والحق والعدل.
بالطبع لا يمكننا توصيف ما يحدث من قصف وحشي ودمار هائل، أو رصد دقيق لأعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، لأن آلة القتل «الصهيونية» مستمرة في الإبادة، بدعم «أمريكي ـ غربي» استثنائي، وصمت عربي وإسلامي مخزٍ، فاق حدود سياسة النَّفَس الطويل، والصبر الاستراتيجي، والعقلانية!
اللافت أن هذا الوضع البائس والكارثي، خلق جائحة جديدة من حالة تفشي التطرف والغباء والجهل، لبعض المؤلفة مواقفهم من السفهاء «أدعياء الدين»، الذين يقدمون «خدمات مجانية» لـ«الصهاينة»، بإشعال النَّعرات المذهبية والطائفية، وتأجيج العداوة والبغضاء بين المسلمين!
هذا «المِزاج» الطائفي البغيض، الذي ظهر فجأة، بعد سبات عميق ـ استمر عامًا كاملًا ـ وعندما استفاق، استلَّ سَيْفَ العداوة والبغضاء لتشتيت الوِحدة والكلمة، وإحداث الفوضى والفتنة، ليس «انتصارًا لدين الله»، أو دفع الظلم والظالمين، أو نُصرةً للمستضعفين، وإنما إفساد في الأرض وتفريق للأمة، وإحداث اختراق في صفوفها.
هؤلاء الطائفيون، الذين تحكمهم نوازعهم الخبيثة وأيديولوجيتهم العقيمة، بـ«شطحاتهم العقائدية»، في معارك مصيرية، يعبرون عن خللٍ فكريٍّ يتنافى مع الفِطرة السَّوِيَّة، لتغييب الوعي وتسطيح العقول، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالموروثات التاريخية، ليجتهدوا في سلب ما لدى الناس من فضائل فِطرية، ومنحِهم مزيدًا من الغباء والجدل وسوء الظن.
يقينًا، ربما لا يُدرك هؤلاء «التكفيريون» أن المبادئ لا تتجزأ، وأن الإنسانية لها مدلول واحد، أمَّا تصنيف «المقاومين» بحسب معتقدِهم أو انتماءاتهم أو حتى أيديولوجياتهم، فهو عار وحماقة وجهل ونفاق، لا يليق بإنسان.. وبالطبع المسلم.
نعتقد أنه آن الأوان لتجريم ما ينطق به هؤلاء الظلاميون ـ الذين يستهدفون وحدة الأوطان، بعد أن نُزِعَ الإيمان من قلوبهم ـ حتى لا تختلط الأوراق، وتشيع الفتنة بين الناس، كما يجب استبعاد «عقلية التخاصم» و«حُمَّى التاريخ» في ثقافتنا العربية والإسلامية، لأن المسألة ـ برأينا ـ ليست عقائدية أو تعبدية، بقدر ما هي قضية سياسة وذاكرة تاريخية.. ووجود اختلافات في بعض التفاصيل الفرعية بين السنة والشيعة، لا يجب أن يكون مدعاة لإثارة النِّزاع الطائفي وتأليبًا للأحقاد.
أخيرًا.. نقول لـ«مانحي» صكوك الجنة والنار: كفاكم أحقادًا، يجب ألا يتحول الاختلاف الديني «المشروع» إلى «فتنة مقدسة»، لأنها ستحوِّل الصراع بين ظالمٍ ومظلومٍ إلى قتال بين ظالمَيْن، فلا تخافوا من فقدان أماكنكم في الجنة إذا زاد عدد ساكنيها، ففيها بقدرة الله ورحمته متسعٌ لجميع المسلمين.
فصل الخطاب:
العقول الفارغة والهَشَّة تنساقُ وراء أيديولوجيات عقيمة، تستسيغ تصدير الجهل والكراهية والتحريم.. والتكفير.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التيار السلفي الشيعة والسنة محمود زاهر الفتنة الطائفية المذاهب الإسلامية طوفان الأقصى الإبادة الإسرائيلية جنوب لبنان الضاحية الجنوبية المقاومة حزب الله بنيامينا قصف حيفا الغزو البري لجنوب لبنان
إقرأ أيضاً:
المراكز الصيفية الحوثية... قنابل فكرية موقوتة تهدد الهوية اليمنية وتغذي الإرهاب الطائفي
في ظل صمت دولي مقلق، تُواصل ميليشيا الحوثي الإرهابية استغلال المراكز الصيفية التي تُقيمها سنوياً في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لتحويلها إلى أدوات طائفية خطيرة تستهدف الهوية الوطنية والعقيدة الإسلامية الوسطية، عبر حملات ممنهجة لغسل أدمغة الأطفال واليافعين، وتحويلهم إلى أدوات طيعة في مشروعها الكهنوتي السلالي المتطرف.
فبدلاً من أن تكون هذه المراكز بيئة تربوية وتثقيفية تزرع قيم السلام والانتماء للوطن، تحوّلت إلى منصات تعبئة فكرية متطرفة، تُلقّن النشء أفكاراً مأخوذة من ملازم الهالك حسين بدر الدين الحوثي، وخُطب عبدالملك الحوثي، المليئة بأيديولوجيات الكراهية، وثقافة التحريض على العنف، وتكفير الآخر.
تجنيد وتكفير باسم الدين
تشجع المراكز الحوثية – وفقاً لشهادات مواطنين ومراقبين – على ثقافة الموت، وتُقدّم الحرب باعتبارها واجباً دينياً، وتُكفّر كل من يرفض مشروع الجماعة، حتى وإن كان من أبناء المذهب نفسه. وبذلك، تُنشئ هذه المراكز أجيالاً مشبعة بالعنف، مستعدة للقتال بلا وعي، في صفوف جماعة لا تؤمن بالسلام أو التعدد.
وتُعد هذه الممارسات انتهاكاً صارخاً للطفولة، وخرقاً فاضحاً للمواثيق الدولية التي تُجرّم تجنيد الأطفال، وتستغل حاجات المجتمع في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، لتقديم هذه المراكز كبديل "ترفيهي وتعليمي"، فيما تُخفي أهدافاً عميقة أخطر من الرصاص.
ميزانيات ضخمة وتبرعات مشبوهة
رغم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اليمن، تُخصص جماعة الحوثي موازنات مالية ضخمة لتمويل هذه المراكز، حيث تشير تقديرات إلى أن ميزانية العام الجاري تجاوزت مليون دولار أميركي، تُصرف على البرامج التعبوية، والطباعة، والمحفزات، وكسب الولاءات.
وتلجأ المليشيا إلى جمع التبرعات قسرياً من المواطنين والتجار والمساجد، وتستغل منظمات المجتمع المدني التابعة لها، وبعض الجمعيات الخيرية، لتلميع الصورة وتسويق هذه الأنشطة إعلامياً تحت عناوين "صيفية تعليمية".
نداء وطني عاجل
في ضوء هذه التحركات الخطيرة، نُوجّه نداءً عاجلاً لأولياء الأمور في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعدم إرسال أبنائهم إلى هذه المعسكرات الطائفية، والعمل على حمايتهم من خطر الاستلاب الفكري والتجنيد العقائدي.
كما نُطالب الحكومة اليمنية الشرعية ووزارات التربية والتعليم، الأوقاف، الشباب، والثقافة، بتعزيز جهودها في دعم البدائل الوطنية من المراكز الصيفية التربوية، وتوفير بيئة آمنة لأطفال اليمن، تحصّنهم من هذا التغلغل الطائفي، وتعيد إليهم الثقة بالهوية اليمنية الجامعة القائمة على التسامح والتنوع والاعتدال.
خطر لا يُستهان به
إن ما تقوم به ميليشيا الحوثي من خلال هذه المراكز ليس مجرد تعليم ديني، بل هو مشروع تدمير ممنهج للهوية اليمنية الجامعة، ومحاولة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للأجيال القادمة على أسس طائفية دخيلة، تُمهد لتفكيك المجتمع وإعادة بنائه وفق معايير الجماعة العنصرية.
ويُشكل استمرار هذه المراكز تهديداً وجودياً لمستقبل اليمن، ويتطلب استنفاراً وطنياً شاملاً، وموقفاً عربياً وإسلامياً صريحاً، لوقف هذه الانتهاكات التربوية، ومساءلة المسؤولين عنها محلياً ودولياً.