نحو صنع سياسات اقتصادية فاعلة
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
صنع السياسات عموما من العمليات المعقّدة وتتضمن عدة مراحل بدءا من تحديد المشكلة التي تتطلب معالجة مرورا بتنفيذها وصولا إلى تقييمها، إلا أنها تفتح آفاقا واسعة من الفرص؛ كونها عملية حيوية لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار. وتتأثر السياسات بعدة عوامل أبرزها العوامل الاقتصادية؛ لعدم تناسق بعض السياسات الاقتصادية مع الوضع الاقتصادي للبلدان والموارد المتاحة الداعمة لتنفيذ السياسة الاقتصادية المتخدة، ويتباين نجاح السياسات الاقتصادية في البلدان؛ نظرا لارتباط تنفيذها بمدى القدرة على التفاعل مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم ويتأثر بها خاصة الجوانب المرتبطة بالعولمة مثل التطورات التكنولوجية.
ورغم وجود مؤشرات واضحة على تناغم السياسات الاقتصادية مع ديناميكية الاقتصاد ومدى مواجهته للمتغيرات المحيطة لا سيما المرتبطة بالمجالات السياسية والدولية؛ إلا أن العوامل الاجتماعية تعارض غالبا وجود السياسة الاقتصادية المتخذة مثل القيم الثقافية، والهوية الوطنية، والتنوع الاجتماعي؛ كونها ثوابت لا يقبل المجتمع على المساومة عليها أو المساس بها بهدف المحافظة على كيان المجتمع وعدم الإضرار بمفرداته وأسس تكوينه، حتى لو كانت السياسات عموما تصاغ وتقيّم بناءً على العوائد الاقتصادية. ولذلك فإن السياسات الاقتصادية وإن كانت جذّابة في مجملها أو بمجرد التفكير في وضعها، إلا أنها بمجرد تطبيقها تفقد بريقها بسبب الآثار الاقتصادية المصاحبة لمحاولة تطبيقها، لكن يمكن نمذجتها بحيث تكون السياسة الاقتصادية متّسقة مع الجوانب السياسية والاجتماعية، ولذلك ينبغي أن تتم عملية اتخاذ قرار وضع السياسة الاقتصادية جماعيا مع الوضع في الحسبان الآثار الجانبية للسياسة في حال تجاهل العناصر المرتبطة بها مثل العنصر الاجتماعي الذي بات يحدد كثيرا نتائج صنع السياسة الاقتصادية وربما يتسبب في إرباكها على المدى المتوسط والمدى البعيد؛ لدور العامل الاجتماعي في تحديد السياسة الاقتصادية المناسبة وفاعليتها وقدرتها على التأثير إيجابا على الاقتصاد. ما يواجه صنّاع السياسة الاقتصادية وغيرها من السياسات هو التعقيد المتزايد خلال مرحلة التخطيط للسياسة وإقرارها؛ بسبب تداخل عدة عوامل مع بعضها البعض مما يضع احتمالا قائما بصعوبة تحقيق النتائج المرجوة خاصة عندما تكون السياسة الاقتصادية تلامس الحياة الاجتماعية اليومية للأشخاص وإن كان مجمل السياسة الاقتصادية المتخدة ستعود بالنفع عليهم، ولذلك استخدام نهج النمذجة الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد القياسي سيكون مهما عند التنبؤ بالنتائج المتوقع تحقيقها في حال استمرار المضي في تنفيذ السياسة الاقتصادية المخطط لها.
إن التكامل المحكم بين السياستين النقدية والمالية بهدف تصحيح أي اختلال يطرأ على التوازن الاقتصادي العام، مع الوضع في الحسبان جميع العوامل والعناصر المرتبطة باتخاذ السياسات الاقتصادية يضمن نجاحها وفاعليتها ويحد من التحديات المتوقع ارتفاع وتيرتها خلال مرحلة التنفيذ والتقييم؛ لارتباط بعض العوامل بالسياسات الاقتصادية مباشرة لاسيما العوامل الاجتماعية والسياسة والحياتية عموما، ولأثرها المتوقع على أفراد المجتمع، كما أنه ليس بالضرورة أن يرافق السياسات الاقتصادية آثار سلبية على الأشخاص، فمثلا تطبيق الحوكمة المتمثلة في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في سلطنة عُمان ساعد صنّاع السياسات الاقتصادية، والاستفادة من الخبرات الدولية التي تنتهج أفضل الممارسات في صنع السياسات الاقتصادية خاصة الدول التي استفادت كثيرا من الآثار الناتجة عن السياسات وآلية معالجتها وتصحيحها بحيث تتناسب مع العوامل والعناصر المرتبطة بالسياسة الاقتصادية،. وأرى من الجيد إشراك أفراد المجتمع في صنع السياسات الاقتصادية عبر تفعيل المشاركة المجتمعية واستطلاع آراء الجمهور بهدف تجويد بعض الجوانب قبل صنع السياسة واتخاذها، ورغم أن صنع السياسات عموما تمثّل تحديا وتتطلب جهدا كبيرا؛ للمهارات النوعية والقدرات العالية للتعامل مع التعقيد خلال مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم، ولتأثرها بالعوامل الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، إلا أن هناك فرصا لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع؛ لاحتمالية التغلب على التحديات التي دفعت صانعي السياسات على اتخاذها وإقرارها، إضافة إلى استكشاف الفرص للإسهام في تحقيق التنمية المستدامة عبر بناء مجتمع مزدهر قادر على التفاعل مع المتغيرات المحيطة به، فالتكامل بين السياستين النقدية والمالية يضمن الاستقرار والتوازن الاقتصادي على المستويين الكلي والجزئي وفقا لما أثبتته النظريات الاقتصادية عبر ضبط معدلات التضخم ومعدل الباحثين عن عمل، إضافة إلى توفير السلع والخدمات بأسعار تتوافق مع القدرة المالية للمستهلكين.
ختاما،، يسعى صنّاع السياسات الاقتصادية إلى تحقيق عدة أهداف خلال مرحلة التخطيط للسياسة الاقتصادية المتفق عليها، منها المحافظة على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق نسب مرتفعة في التوظيف والتشغيل، واستقرار المستوى العام للأسعار، أيضا هناك أهدافا أخرى تسعى إلى تحقيقها صنّاع السياسة الاقتصادية وهي الأهداف الاجتماعية؛ بهدف إيجاد الاستقرار الاجتماعي وتماسكه من خلال تهيئة البنى الأساسية الداعمة لخدمات المرافق الأساسية، وتمكين أفراد المجتمع على تلبية متطلبات حياتهم الاجتماعية، مما يساعد على وعيهم بالتوجهات الاقتصادية للبلد وحرصهم على ضمان نجاحها وفاعليتها وفقا للخطط الوطنية، هذا بدوره سيسهم في أن يعطي هامشا لصنّاع السياسة الاقتصادية ومتخذيها على تفعيل أدواتها وتطبيقها؛ للتناغم الإيجابي بين توجهات الدولة اقتصاديا وقبول الأفراد لها.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسات الاقتصادیة السیاسة الاقتصادیة صنع السیاسات إلا أن
إقرأ أيضاً:
انخفاض إنتاج النفط الأفريقي.. السياسات الأميركية تفرض تحديات جديدة
رغم التحديات العالمية غير المواتية، تظل بعض الدول الأفريقية من اللاعبين الرئيسيين في إنتاج النفط بالقارة. ومع ذلك، لم يكن شهر مارس/ آذار 2025 فترة صعبة على بعض منتجي النفط في أفريقيا، حيث سجلوا انخفاضا عاما في كميات الإنتاج.
ويُعزى هذا التراجع إلى حد كبير إلى الإجراءات التعريفية الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة لحماية بعض القطاعات الإستراتيجية في الاقتصاد.
ووفقا للبيانات التي نشرتها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فقد تميزت 5 دول أفريقية بحجم إنتاجها، رغم أن الاتجاه العام كان في انخفاض.
تراجع عام مع تعديلات خاصةفي مارس/ آذار 2025، تأثر معظم الدول المنتجة في أفريقيا بزيادة التعريفات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على صادرات النفط.
ومن بين أكبر 5 منتجين للنفط في القارة، سجلت نيجيريا تراجعا في إنتاجها بمقدار 25 ألف برميل يوميا. ورغم الإجراءات الإستراتيجية التي اتخذتها الحكومة النيجيرية لتعزيز الإنتاج، فإنها تأثرت بشكل ملحوظ بسبب السياسات الأميركية.
من جهة أخرى، حققت الكونغو برازافيل أداء متميزا في هذا الشهر، حيث استطاعت زيادة إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا، ليكون البلد الوحيد بين كبار المنتجين الذي شهد زيادة في إنتاجه.
إعلانويُعزى هذا الإنجاز إلى بدء تشغيل منشآت جديدة للحفر وتحسن الاستقرار في البنية التحتية للتصدير.
مستقبل النفط في أفريقيابينما يواصل المنتجون الأفارقة مواجهة تقلبات السوق، تظهر الكونغو برازافيل كمثال على التحول في خريطة الطاقة للقارة.
وقد يصبح هذا البلد نموذجا للنجاح في ظل الاستثمارات المتزايدة في البنية التحتية والتنقيب، مع مواصلة البلدان الأخرى السعي إلى تنويع اقتصاداتها بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط.
كما أن التحديات التي تطرأ على سوق النفط العالمية، حسب ما يرى محللون، بما في ذلك السياسات التجارية الدولية، تظل عوامل مؤثرة في كيفية إدارة موارد النفط الأفريقية.
وبالتالي، يجب على الدول المنتجة أن تعدل إستراتيجياتها من أجل الحفاظ على جاذبيتها في هذه السوق المتقلبة، بين تحديث المنشآت وتطوير إستراتيجيات استثمارية أكثر مرونة.
المنتجون الخمسة الأوائل في أفريقيا في مارس/آذار 2025:1- نيجيريا: 1,515 مليون برميل (-25 ألف برميل)
2- ليبيا: 1,262 مليون برميل (-22 ألف برميل)
3- الجزائر: 912 ألف برميل (-2 ألف برميل)
4- الكونغو برازافيل: 259 ألف برميل (+1 مليون برميل)
5- الغابون: 222 ألف برميل (-1 ألف برميل)
تظهر معطيات مارس/ آذار 2025 أن سوق النفط في أفريقيا تمر بفترة من التقلبات الكبيرة، نتيجة لمجموعة من العوامل العالمية والمحلية التي تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج والاقتصاديات الأفريقية.
بينما يظل النفط المورد الحيوي للعديد من الدول الأفريقية، فإن تأثير السياسات التجارية العالمية، مثل الزيادة في التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، يسلط الضوء على مدى هشاشة هذه الاقتصادات في مواجهة الأزمات العالمية.
رغم التحديات التي يواجهها كبار منتجي النفط الأفارقة، تبقى الكونغو المثال الأبرز في هذا السياق، حيث استطاعت تحقيق زيادة ملحوظة في الإنتاج بفضل الاستثمارات الجديدة في البنية التحتية والتنقيب، مما يشير إلى أن الدول الأفريقية التي تستثمر في تطوير هذه القطاعات قد تظل قادرة على تحقيق النمو حتى في أوقات الأزمات.
إعلانويرى خبراء في صناعة النفط أن تحسين استقرار البنية التحتية وتعزيز الاستثمارات في المجال يعدان من العوامل الرئيسية التي يمكن أن تعزز من قدرة الدول الأفريقية على المنافسة في الأسواق العالمية.