تبعات الانتقال إلى المدن وهجر القرى والأرياف
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
هل غيَّر التوجه الاقتصادي الجديد قناعات الماضي بأن تصل التنمية مهما كانت تكلفتها إلى المناطق البعيدة وإلى الحلل والقرى والواحات والأرياف والمناطق الحدودية؟ وأن يُحافظ على هذا التواجد في كل ربوع عُمان، وذلك من مُنطلقات عدة؛ أبرزها: رفع مستوى الرفاه للإنسان أينما وُجِد في هذا الوطن، وترسيخ وجود العُمانيين في كل شبر من أرض عُمان، لحماية الأمن والسلم الاجتماعي، وعدم منح مساحات يُمكن أن يتحرك فيها العابثون.
وقد يغفل بعض المُخطِّطِين المُنكبِّين على حساب التكلفة المالية، عن أهمية وجود الإنسان وعن التكاليف غير المباشرة؛ ففي حال هجرة السكان لحللهم وقراهم وأريافهم وانتقالهم إلى البوابات الكبرى، ستكون هناك تبعات تفوق توفير بضعة آلاف من الريالات، وهي قيمة نقل الطلبة مثلًا؛ كونها لا تتطابق مع المعيار المالي المُجرَّد المُطبَّق في المدن، إضافة إلى إعادة النظر في جدوى بعض المدارس، مُقارنة بعدد طلابها؛ مما قد يقود تدريجيًا إلى غلق تلك المدارس، وهذا يعني دفع السكان إلى الانتقال أو العودة لمجتمع الحقل ورعي الماشية، ومن ثم عودة الأمية والبطالة في هذه المجتمعات التي تمسَّكت ببقائها في مناطق أصبحت غير جاذبة للعيش، وهذا بدوره ربما يقود لوقوع جرائم أو الانزلاق إلى مستنقع الأفكار غير السوية، فهل نحن مدركون لهذه التكاليف على المدى البعيد والمتوسط؟!
والثورة المحاسبية التي اكتشفناها مؤخرًا تقود الى الضبط المالي الصارم لكل شيء تقريبًا، لكنها تغفل جوانب أخرى قد تؤدي لانهيار كل ما جمعنا في أبواب أخرى تم إغفال حسابها ضمن دراسة الجدوى المحاسبية تلك. وهنا نُورِد أمثلة لتقريب الأفكار؛ إذ قبل فترة تواصل معي رجل لا تربطني به صلة من قبل، من قرية بلد سيت بوادي بني عوف التابعة لولاية الرستاق، بعد أن كتبتُ مقالًا عن زيارتي للقرية الحالمة في مطلع تسعينيات القرن الماضي برفقة رجل إنجليزي واصفًا طبيعة أهلها وكرمهم وتمسكهم بحقولهم في قلب ذلك الجبل الرمادي الشاحب، ووصفتُ بلد سيت بقلب أخضر صغير ينبض في جسد ذلك الجبل القاسي الذي لا تكاد ترى فيه علامة للحياة. أذكرُ أنَّ المتصل هنأني على هذا المقال واشتكى لي من انتقال أهل القرية إلى مدن الساحل المفعمة بالتنمية والخدمات، وتراجع الاهتمام بالحقول مع رحيل الشُيّاب الأولين، وتقلُّص أعداد الطلبة لأسباب كثيرة؛ أبرزها: وعورة الطريق، وضعف الخدمات. فكيف لنا اليوم أن نقارن تكلفة نقل الطلبة في هذه الواحة النادرة مع مدن كبرى مثل مسقط أو صحار؟ ونقرر جدوى التعليم من عدمه من الناحية المحاسبية البحتة. لا ريب أن هذا يُعد ظلمًا عظيمًا لكل التضحيات التي بذلها الأجداد لإبقاء نبض الحياة في هذا الطرف القصي من عُمان.
الأمر ذاته وصلني من أهالي قرية "دهق" الرابضة على سفح جبل القمر، بولاية ضلكوت في محافظة ظفار، بالقرب من الحدود مع اليمن، عندما أُغلقت مدرستهم قبل عام للأسباب المحاسبية ذاتها، رغم أن الأهمية الأمنية للولاية والانتقال الكبير لسكانها إلى ولاية صلالة حتى المتبقين الذين أصروا على التمسُّك بقُراهم أجبرتهم الحسبة الاقتصادية على الانتقال؛ فالمدرسة لم تعد ذات جدوى اقتصادية. لكن متى كان بناء المدارس والنهوض بالتعليم يُقاس بمسطرة الربح والخسارة؟! لهذا يجب إعادة النظر في مثل هذه الإجراءات وقياس تبعاتها من كل الجوانب وليس فقط من الناحية المالية، وخاصة في الحلل والقرى والأرياف والمناطق الحدودية، التي تتمتع بحساسية عالية، وتُشكِّل هجرة أهلها خسارةً كبيرة لكل ما تم بناؤه منذ نصف قرن، وجعل عُمان أيقونة التفرد بصمود الإنسان في بيئته، حتى أصبحت تلك القرى والحلل الصغيرة مزارات سياحية نُفاخر بها دول العالم.
لم أكن مُتفِقًا مع إلغاء نيابات ومراكز إدارية في جبال ظفار، وفقًا لذات الحسبة الاقتصادية البحتة، وإغفال الجوانب الأخرى المُهمة، التي كانت تُشكِّلُها، ووردني هذا الأسبوع اتصال من أهالي منطقة "ألسان" حول نقل عدد من أبنائهم من مدارسهم في الريف إلى المدينة، على أساس بعد وقرب المدارس عن سكنهم، والتوفير في وسائل النقل، وفق حسبة عدد الكراسي مع عدد الطلبة في كل حافلة، وقد لا يعلم من دعم هذا القرار أن سكان أرياف ظفار ينتقل معظمهم في الخريف إلى السهول وخاصة مربو الإبل والأغنام، ويعودون إلى الأرياف بعد انحسار الموسم الماطر، وقد تكون لهم مساكن في السهل والجبل؛ نظرًا لحركة ترحالهم الدورية مع مواشيهم منذ الأزل. هؤلاء الطلبة لم يذهبوا للمدارس حتى اليوم، ولم توافق مدرستهم الأم "ألسان" على استقبالهم؛ كونهم نُقلوا إلى مدارس المدينة. فمن المسؤول عن تعطيل تعليم هؤلاء الطلبة لأكثر من شهر واستمرار محنتهم؟ هل عُدمت الحلول وغابت المرونة لصالح المال؟
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مصر: العثور على مقبرة ملكية تعود لعصر الانتقال الثاني
المناطق_متابعات
أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية العثور على مقبرة ملكية تعود لعصر الانتقال الثاني، وورشة كاملة لصناعة الفخار تعود للعصر الروماني، في محافظة سوهاج جنوب مصر.
والكشف الأول جرى في جبل «أنوبيس» بمنطقة أبيدوس الأثرية بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، وعثرت عليه بعثة أثرية مشتركة من المجلس الأعلى للآثار المصرية، وجامعة بنسلفانيا الأمريكية، فيما وقع الكشف الأثري الثاني في قرية بناويط بالمحافظة، وعثر عليه آثاريون مصريون.
أخبار قد تهمك مصر تدين قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن قطاع غزة 11 مارس 2025 - 8:15 مساءً رويترز: محادثات أمريكية مصرية إيجابية حول إدارة غزة بعد انتهاء الحرب 6 مارس 2025 - 2:35 مساءًوقال وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، إن الكشفين الأثريين الجديدين بمحافظة سوهاج، سيساعدان على تحقيق مزيد من الترويج للمنتج السياحي المصري.
ولفت إلى استمرار الأعمال التي تقوم بها بعثات أثرية مصرية وأجنبية بمختلف المواقع الأثرية المصرية، من أجل الكشف عن المزيد من خبايا وأسرار وتاريخ الحضارة المصرية القديمة.
بدوره، أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية الدكتور محمد إسماعيل خالد، على أهمية هذين الكشفين حيث يقدم كشف المقبرة الملكية بأبيدوس أدلة علمية جديدة على تطور المقابر الملكية في جبانة «جبل أنوبيس»، والتي تعود إلى عصر «أسرة أبيدوس» التي تخص سلسلة من الملوك الذين حكموا في صعيد مصر بين 1700- 1600 ق.م، كما أنه يضيف معلومات جديدة لملوك هذه الأسرة وفهماً أعمق للتاريخ السياسي المعقد لعصر الانتقال الثاني في مصر.
وأضاف أن الكشف عن ورشة الفخار ببناويط، يشير إلى أن هذه الورشة كانت واحدة من أكبر المصانع التي كانت تمد الإقليم التاسع بالفخار والزجاج، حيث يوجد بها مجموعة كبيرة من الأفران، والمخازن الواسعة لتخزين الأواني، ومجموعة من 32 أوستراكا (كسرات الفخار أو قطع من الحجارة) بالخط الديموطيقي واللغة اليونانية توضح المعاملات التجارية في ذلك الوقت وطريقة دفع الضرائب.
وقال رئيس قطاع الأثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار المصرية محمد عبد البديع، إن الدراسات التي أجريت على المقبرة الملكية بأبيدوس تشير إلى أنها تنتمي إلى أحد الملوك السابقين للملك سنب كاي الذي تم اكتشاف مقبرته في أبيدوس بواسطة البعثة عام 2014، وأنها أكبر بكثير من المقابر الأخرى المعروفة سابقاً والمنسوبة إلى «أسرة أبيدوس»، لافتاً إلى أنه لم يتم التعرف على اسم صاحب المقبرة حتى الآن.
فيما أوضح رئيس البعثة المصرية الأمريكية العاملة بأبيدوس الدكتور جوزيف وجنر، أنه تم العثور على المقبرة الملكية على عمق يصل إلى حوالى 7 أمتار تحت سطح الأرض، وتتكون من غرفة للدفن من الحجر الجيري، مغطاة بأقبية من الطوب اللبن يصل ارتفاعها في الأصل إلى حوالى 5 أمتار، كما يوجد بها بقايا نقوش على جانبي المدخل المؤدي إلى غرفة الدفن للمعبودتين إيزيس ونفتيس، مع أشرطة كتابية صفراء كانت تحمل ذات يوم اسم الملك بالهيروغليفية، ويشبه أسلوب الزخارف والنصوص في طرازه تلك التي تم اكتشافها سابقاً في مقبرة الملك «سنب كاي».