ماذا بعد تحذير أردوغان من احتلال إسرائيل لسوريا؟
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
أنقرة- في تصريح لافت خلال حوار مع الصحفيين على متن طائرته أثناء عودته من زيارة إلى ألبانيا، عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوفه إزاء ما وصفه بخطر تحرك إسرائيلي نحو دمشق، مما فتح باب التساؤلات حول تداعيات هذا السيناريو على الأوضاع الإقليمية.
وحذر أردوغان من أن أي سيطرة إسرائيلية على العاصمة السورية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يقتصر على دمشق بل قد يمتد إلى الشمال السوري، مما قد يشكّل تهديدا مباشرا للأمن التركي على حدوده الجنوبية.
وشدد على ضرورة تفعيل آلية تعاون ثلاثية بين روسيا وسوريا وإيران، لافتا إلى أهمية اتخاذ خطوات "أكثر حزما" في مواجهة ما وصفه بـ"التنظيمات الإرهابية" المدعومة من الولايات المتحدة، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل القوة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
تحولوجاءت هذه التصريحات بعد خطاب سابق لأردوغان قال فيه إن "الإدارة الإسرائيلية التي تتحرك بوهم الأرض الموعودة، وضعت الأراضي التركية ضمن مخططاتها بعد فلسطين ولبنان". وأكد أن "العدوان الإسرائيلي لا يتوقف عند حدودهما، بل يشمل تركيا أيضا"، مشددا على أن بلاده ستتصدى لـ "إرهاب الدولة بكل الوسائل المتاحة، دفاعا عن الوطن والشعب والسيادة".
وعقد البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، جلسة مغلقة سيظل مضمونها سريا لـ10 سنوات، عرض فيها وزيرا الخارجية هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، تطورات العدوان الإسرائيلي وتوسيع الهجمات من غزة إلى مناطق أخرى، والمخاطر المحتملة على تركيا.
يرى المحلل السياسي باقي لالي أوغلو أن تصريحات أردوغان حول التهديدات الإسرائيلية لسوريا تعكس تحولا في السياسة التركية، إذ لم تعد تركز فقط على القضايا الإقليمية والإنسانية، بل باتت ترى أن "السياسات العدوانية لإسرائيل" تؤثر مباشرة على تركيا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح لالي أوغلو أن التحركات الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا وإيران تسببت في زعزعة الاستقرار الإقليمي مما انعكس سلبا على تركيا.
وأضاف أن الهجوم البري المحتمل على سوريا قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة نحو الشمال السوري، ما قد يضطر أنقرة لتوسيع مناطقها الآمنة هناك.
وأشار إلى أن احتلال إسرائيل الكامل لسوريا غير مرجح حاليا، لكن الاحتلال الجزئي في جنوبها ممكن. كما حذر من أنها قد تسعى لاستهداف بعض الأراضي التركية ضمن ما يُسمى بـ "أرض الميعاد"، خاصة مع دعم الموساد لحزب العمال الكردستاني، مما يعزز التهديد المستقبلي لتركيا.
من جانبه، أوضح الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن ما حذرت منه تركيا طوال العام الماضي أصبح واقعا ملموسا اليوم، إذ توسّع إسرائيل دائرة التصعيد في الشرق الأوسط دون رادع، مما يوضح أهدافها بجلاء، لا سيما ما وعد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تغيير جذري في المنطقة.
وأشار علوش -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن التحركات الإسرائيلية لم تعد مقيدة بحدود واضحة، مما يرفع مستوى المخاطر على جميع دول المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن وإيران، موضحا أن الموقف قد يتفاقم إذا وجدت إسرائيل أن تكلفة توسعها منخفضة.
وبرأيه، يشكّل هذا الوضع مصدر قلق خاصا لتركيا، إذ إن مزيدا من الاضطرابات الإقليمية سيكون له انعكاسات أمنية واقتصادية وسياسية مباشرة على أنقرة.
وأوضح علوش أن نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها سيؤسس لواقع جديد في الشرق الأوسط تكون فيه هي القوة المهيمنة، وهو ما سيلحق أضرارا جيوسياسية كبيرة بالقوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا.
ووفقا له، يُعد المشروع الانفصالي الكردي في شمال سوريا أحد أكبر المستفيدين من أي تحولات كبيرة في الصراع، مما يثير قلق أنقرة، إذ يرى أردوغان أن تصاعد التهديدات في سوريا يجب أن يكون دافعا قويا لدمشق وحلفائها الروس والإيرانيين لتعزيز عملية التطبيع مع تركيا.
وفي خطوة مفاجئة، قام زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، الذي طالما عارض الحوار مع الأكراد، بمصافحة أعضاء حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب المتهم بصلته بحزب العمال الكردستاني، ما أثار تكهنات كثيرة حول احتمالية تغيير موقف التحالف الحاكم تجاه الأكراد.
وفي تعليقه على الحادثة، قال أردوغان "نرى أن مصافحة السيد بهتشلي مع قادة حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية، وتصريحاته التي أطلقها أمس، خطوات قيمة للغاية، نحن نرى ضرورة أن تقوم الأحزاب التي تدعي انتماءها لتركيا بمحاسبة نفسها على ما فعلته في الماضي".
وأفاد موقع "المونيتور" بأن محادثات استكشافية جارية حاليا بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان، زعيم الكردستاني المسجون، بهدف استئناف المفاوضات لعملية سلام جديدة بين الحكومة والأكراد.
وبحسب الموقع، فقد تمكن أوجلان مؤخرا من التواصل المباشر مع قيادة حزبه المتمركزة في جبال قنديل بشمال العراق. ووفق أحد المصادر، قال أوجلان للقيادة الكردية "لقد حان الوقت لمناقشة إلقاء السلاح".
برأي المحلل السياسي محمود علوش، أن هذا التحول يعكس جزءا من جهود التليين التي بدأها الرئيس التركي مع المعارضة عقب الانتخابات المحلية. ويعتقد أن تهدئة الاستقطاب الداخلي باتت ضرورة ملحة لمساعدة تركيا على الحد من تداعيات الحرب الإقليمية وتأثيراتها على البلاد.
ويضيف أن انفتاح التحالف الحاكم على الحزب الكردي يأتي مدفوعا بشكل رئيسي بأهداف سياسية داخلية، أبرزها رغبة أردوغان في تعديل الدستور، خاصة بعد تراجع رهاناته على التطبيع مع حزب الشعب الجمهوري، كما أنه يحمل بُعدا آخر يتمثل في السعي لإيجاد أفق مستقبلي لمعالجة الصراع المستمر بين الدولة والحالة السياسية الكردية.
إلا أن الباحث الأكاديمي جنك سراج أوغلو يرى أن هذه التحولات في سياسة تحالف الشعب الحاكم، رغم مكاسبها الداخلية كتسريع عملية إعادة صياغة الدستور وضمان ترشح الرئيس أردوغان لولاية جديدة، تحمل أيضا فوائد إستراتيجية على المستوى الخارجي. وإحداها -برأيه- قد تتمثل في تسهيل التوسع التركي في الشمال السوري عبر تفاهم مع الأكراد مقابل تنازلات تقدمها الحكومة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الباحث الأكاديمي إلى أن التحرك الإسرائيلي في سوريا تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني لا يضمن بشكل واضح نوايا تل أبيب الحقيقية.
وبيّن أن العمليات الإسرائيلية في سوريا إن حدثت ستفتح المجال لدور أميركي أكبر في المنطقة، ما قد يساهم في تقوية المشاريع الانفصالية التي تدعمها قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد).
كما لا يستبعد سراج أوغلو احتمال قيام أنقرة بعملية عسكرية في مناطق شرق الفرات، مؤكدا أن الهدف الرئيسي منها سيكون حماية مصالح تركيا، ومنع قيام كيان انفصالي في سوريا يمثل تهديدا لأمنها القومي.
وأوضح أن التحركات العسكرية التركية الأخيرة، بما في ذلك التعزيزات الكبيرة التي دفعت بها إلى مواقعها في شمال غربي سوريا، خاصة في إدلب، تشير إلى أن أنقرة مستعدة لمواجهة أي تطورات ميدانية قد تفرضها الأوضاع على الأرض. وقال إن المحادثات بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان، إن صحت، ستفتح الباب أمام فصل جديد في العلاقات بين الطرفين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشمال السوری بین الحکومة فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: منافسة شرسة بين تركيا وإسرائيل للتأثير على سوريا
قالت مجلة "إيكونوميست" إن المسؤولين العسكريين الأتراك كانوا يسافرون إلى سوريا ولعدة أسابيع ويتفقدون قواعد عسكرية سورية ويتباحثون في خطط لتزويد بعضها بأنظمة دفاعات جوية ومسيرات قتالية. وكانت التحضيرات جارية لسيطرة تركية على قاعدة "تي4" الجوية قرب تدمر.
ثم، في وقت متأخر من يوم 2 نيسان/أبريل، هاجمت "إسرائيل" القاعدة "تي4" وقصفت طائراتها الحربية مدرج القاعدة وأنظمة الرادار فيها وضربت قاعدتين ثانيتين على الأقل وأهدافا عسكرية أخرى في سوريا.
ولتبديد أي شك من قلق "إسرائيل" بشأن النشاط التركي في سوريا، أكد مسؤولوها فحوى الرسالة.
وحذر جدعون ساعر، وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، من أن سوريا في خطر أن تصبح محمية تركية.
وحذر يسرائيل كاتس، وزير الجيش، من أن قادة سوريا سيدفعون ثمنا باهظا إذا سمحوا لقوات معادية لـ"إسرائيل" بدخول سوريا وتعريض المصالح الأمنية للدولة اليهودية للخطر.
وقالت المجلة إن "إسرائيل" عبرت عن قلقها من تنامي الدور التركي في سوريا، بما في ذلك إنشاء قواعد عسكرية وتزويد جيش الحكومة السورية بالأسلحة.
ومن جهتها تخشى تركيا من أن "إسرائيل" تريد تفكيك سوريا وتقسيمها.
ويتهم كل منهما الطرف الآخر بالتحضير لشن حرب بالوكالة ضد الآخر.
وتبدو "إسرائيل" عازمة على إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة.
وأدت الهجمات الإسرائيلية المتتالية على البنى التحتية للجيش السوري السابق إلى تدمير العديد من طائرات نظام الأسد القديمة سوفيتية الصنع.
ويقول ألبر كوسكون، الدبلوماسي التركي السابق الذي يعمل حاليا في وقفية كارنيغي للسلام الدولي: "لقد دمروا كل شبر من القدرات العسكرية التي رأوا أنها تمثل تحد محتمل للمصالح الأمنية الإسرائيلية".
واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حقوق الأقلية الدرزية السورية، وطالب بجعل الجنوب السوري منطقة منزوعة من السلاح.
وعبر المسؤولون الإسرائيليون عن شك في قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الذي وصفه وزير كاتس بأنه "جهادي إرهابي من مدرسة القاعدة".
وقد تعهد الشرع بمنع تحول بلده إلى ملجأ للجهاديين والمتشددين كما في عهد بشار الأسد. إلا أن الإسرائيليين يخشون من فتح الشرع المدعوم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المجال لحركة حماس التي استقبلها في تركيا، للعودة إلى سوريا.
كما يختلف الأتراك والإسرائيليون حول طبيعة الحكم في سوريا، فمن جهة تدعو "إسرائيل" إلى حكم فدرالي تتمتع فيه الأقليات، بمن فيها الأكراد والعلويون بحكم ذاتي. وما جرى من أحداث في الساحل السوري ضد العلويين يؤكد كما يقولون أن الشرع لا يمكن الثقة به.
ومن جهة أخرى لدى الشرع والأتراك رؤية مختلفة، فهم يريدون حكومة مركزية قوية على رأسها رئيس بسلطات تنفيذية واسعة. وفي 13 آذار/ مارس وقع الشرع على إعلان دستوري يقوم على هذا النموذج.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال- شرق سوريا، قد وافقت قبل أيام من الإعلان على الانضمام للحكومة الانتقالية.
واتهم أردوغان، "إسرائيل" بأنها تقوم بإثارة النعرات الدينية والطائفية من أجل زعزعة استقرار البلد الخارج من حرب أهلية قاتلة.
لكن ما يثير قلقه هي العلاقة بين "إسرائيل" والأكراد.
وتشك تركيا أن "إسرائيل" تستخدم قوات سوريا الديمقراطية لتقويض التأثير التركي في سوريا وتشعل المشاعر الانفصالية في داخل تركيا.
وتعتبر الأخيرة ومعظم الدول الغربية، حزب العمال الكردستاني، جماعة إرهابية.
ولم تبدد "إسرائيل" هذه المخاوف، ففي العام الماضي أشار ساعر إلى قوات سوريا الديمقراطية والأكراد باعتبارهم "حلفاء طبيعيين" لبلاده، ودعا العالم الخارجي إلى حمايتهم من تركيا.
وليس من الواضح ما إن كان يعني في كلامه أن "إسرائيل" قد تساعد في تسليح الأكراد في شمال - شرق سوريا، مع أن العديد من الإسرائيليين سيرحبون بفرصة جر أردوغان، الذي يدعم حماس، لكي يتجرع نفس السم.
ومن المؤكد أن تركيا تتعامل مع هذا الخطر بطريقة جادة.
فقد كان الخوف من ظهور تحالف بين "إسرائيل" والأكراد عاملا رئيسيا وراء قرار تركيا العام الماضي بدء محادثات سرية مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان.
وقد أثمرت هذه المحادثات في آذار/مارس عندما أعلن حزب العمال الكردستاني وقفا مؤقتا لإطلاق النار.
وتقول دارين خليفة، من مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل: "تعتقد تركيا أن إسرائيل تريد إنشاء دويلة لحزب العمال الكردستاني على حدودها. ويعتقد الإسرائيليون أن تركيا قد تستخدم سوريا ضدهم بالطريقة نفسها".
وتعتقد المجلة أن العلاقات بين تركيا و"إسرائيل"، المتوترة أصلا بسبب حرب غزة، مرشحة للتدهور أكثر.
لكن من غير المرجح أن يندلع صراع مسلح فعلي بين ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحليف الإقليمي الرئيسي لأمريكا. ولا يرغب أي من الطرفين في قتال الآخر.
وتمهد تركيا و"إسرائيل" الطريق للردع لا للحرب.
ويعتبر الرئيس أردوغان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صديقا قديما، ويعتقد أنه مع توليه الرئاسة، قد تشهد علاقات تركيا مع أمريكا تحسنا، بما في ذلك فرصة لإلغاء حظر بيع مقاتلات الشبح إف-35.
كما يأمل في تحسين العلاقات مع أوروبا، التي تريد منه المساعدة في ضمانات الأمن وحفظ السلام في أوكرانيا.
ولا يريد أردوغان والحالة هذه تعريض هذه العلاقة للخطر عبر الدخول في حرب ضد "إسرائيل".
وأشار ترامب إلى العلاقة الخاصة مع أردوغان في لقائه مع نتنياهو يوم الاثنين بالبيت الأبيض، وطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، العودة إليه في أي مشكلة مع تركيا.
وفي ظل هذا الوضع، قد تجد تركيا و"إسرائيل" أرضية مشتركة في سوريا: أي إيران.
فكلاهما يريد منع طهران من إعادة ترسيخ وجودها مرة ثانية في سوريا. وبالمقابل سيخسر كلاهما إذا فشلت سوريا الجديدة.
ويقول مصدر استخباراتي إسرائيلي: "سوريا دولة كبيرة تمر بأزمة عميقة، ولن يكون لدى [أردوغان] الوقت الكافي لتحدي إسرائيل"، و"إذا نجح في تحقيق الاستقرار فيما كان يمكن أن يصبح دولة جهادية فوضوية، فهذا أمر جيد لإسرائيل أيضا".