الفضاء المفتوح وتأثيره الفكري على الجيل الجديد
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
عبد الله العليان
عندما اخذ الغرب يتقدم ويعتلي الصدارة في النهضة، ويتميز حضاريًا وعلميًا في عصرنا الراهن، بدأ يطرح مقولة "ثقافة المركز وثقافة الأطراف"، والثقافة الغربية هي ثقافة العلم والتقنية والعلوم الاجتماعية، ومن ثم- كما يقول د. محمد عابد الجابري- حرص هذا الغرب على اكتساح الثقافات الأخرى المغايرة، فعمل الغرب بقوة على مبدأ :"يجب إخضاع النفوس بعد إخضاع الأبدان"، وإخضاع الأبدان يتم بالمدفع، أما إخضاع النفوس فسلاحه التعليم والثقافة.
كان ذلك بالأمس، أما اليوم في القرن الحادي والعشرين؛ فالاتصال من دون "المدفع" ممكن " و"إخضاع النفوس "عن بعد، أصبح أمرًا ميسورًا جدًا بفضل التقدم الهائل في وسائل الاتصال السمعية والبصرية. وقد انقلب الوضع؛ إذ لم يعد إخضاع الأبدان شرطًا في إخضاع النفوس؛ بل على العكس، غدا إخضاع النفوس طريقًا لإخضاع الأبدان. وكان القدماء من الفلاسفة يُعرِّفون البدن بأنه "آلة تستخدمها". لذا فإن إخضاع النفس يستتبع حتمًا إخضاع آلتها، وتلك حقيقة "الاختراق الثقافي" في عصرنا الراهن وذلك هو هدفه. هذا الاختراق المُحمَّل بآيديولوجيا العولمة التي نُناقش أبعادها ومخاطرها على الهوية الثقافية، أصبحت حقيقية واقعة، وليست أوهامًا كما يدّعى بعض المثقفين العرب، ذلك أن العولمة من خلال مفهومها الذي وضعه القائمون على تطبيقاتها.
والحضارة الحديثة كما يقول د. عبد الوهاب المسيري "مرتبطة بآليات السوق، وبالعرض والطلب، هي حضارة بسيطة لا تعرف تركيبة الإنسان وتُنكر مقدرته على التجاوز فهو إنسان ذو بُعد واحد (يعيش في مجتمعات أحادية الخط) وعقله عقل آداتي (يغرق في التفاصيل والإجراءات ولا يمكنه إدراك الأنماط التاريخية أو تطوير وعيه التاريخي)؛ فالسوق والمصنع بآلياتهما البسيطة يتطلبان إنسانًا طبيعيًا ماديًا بسيطًا، ليست له علاقة بالإنسان الإنسان، والإنسان المُركَّب، والمجتمعات الاستهلاكية التي لا تُحكم إلّا آليات العرض والطلب والاستهلاك والإنتاج، تزعم أنها قادرة على إشباع جميع رغبات الإنسان المادية والروحية من خلال مؤسساتها الإنتاجية والتسويقية والترويجية".
هذه النزعة التي يُسخّرها الغرب لتحطيم الهويات الأخرى، ليست خالية من الآيديولوجيا المضادة للثقافات الإنسانية؛ فهي تُبرر هذا الاكتساح العملاق بمفاهيم حديثة وجذّابة، مثل: التقدم الاقتصادي والرخاء المادي والديمقراطية والليبرالية وغيره، لكن البعض يشكك في هذه المقولات ويعتبرها مجرد طرح فضفاض ومغاير للواقع الذي تستهدف هذه العولمة وما سبقها من مفاهيم في هذا السياق. والحضارة الغربية، كما يقول د. علي الشامي: "تسلك في اعتمادها أولوية المادة وتهميشها للعوامل الأخرى بحيث تكون المادة مهيمنة على زمن التأسيس، وزمن التغيير والازدهار والأزمات وزمن الاستمرار، كما إنها تحدد الغايات وتخلق وسائل تحقيقها، وبالتالي يصبح نظام الفكر والأخلاق مصنعًا لإنتاج إرادة خاضعة لمنطق المادة أو تطويقًا لإرادة ترفض هيمنة المادة على الحياة برمتها، كما يصبح العلم وسيلة لتطوير المادة بما يخدم هيمنتها على الحياة في الداخل، وتعاظم القوة في الخارج، أكثر مِمَّا هو دلالة على سمو الإنسان ونمو قدراته ومعارفه، وأكثر مما هو حلقة في تاريخ الفكر البشري؛ حيث يُوَرِّث السلف للخلف، علمًا صنعه إنسان لكل إنسان أو حضارة لكل الحضارات، إذًا العولمة في مقولات المتشائمين أنها تستهدف الهوية الثقافية لأنها تؤمن فقط بمعايير الإنسان العالمي، ذي مواصفات وقيم معينة يجري غرسها وتطبيقها وفق هذا المفهوم الذي تم تجسيده في هذه الرؤية، وتجري في سياقات عديدة متقاطعة مع الهويات الثقافية للشعوب".
العولمة في رأي بعض ممن تابع سياقات وأهداف العولمة، ومنهم د. علي حرب، "تطال الثقافة بالذات باعتبارها منظومة من الرموز والقيم، يخلع بواسطتها الإنسان معنى على وجوده وتجاربه ومساعيه؛ فالثقافات بما هي مرجعيات للدلالة وأنماط للوجود والحياة،وخاصة بكل أمة أو دولة أو مجتمع، تجد نفسها عارية أمام تدفق الصور والرسائل والعلامات التي تجوب الكرة على مدار الساعة. وهذه هي المشكلة التي ستواجهها الإنسانية في القرن المقبل إذا ما فرضت العولمة كبديل للتنوع الثقافي وعلمت على اكتساح الهوية الحضارية للشعوب ذلك ان الاتجاهات والمعايير المقبلة سائرة في اتجاه التأثير السلبي على الهوية والسيادة معًا".
والغريب أنه خلال فترة الحرب الباردة والصراع على النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى، لم نسمع إلّا بمقولات التفاعل الثقافي والتنوع الحضاري والتسامح الفكري والديني، وإشاعة روح التواصل بين الثقافات باعتبارها مكونات للتفاهم والتعاون وهذا تم في فترة العالم المنقسم، أما الآن وبعد سقوط الحواجز وإزالة الحواجز وبروز قوة عالمية واحدة مهيمنة لم نعد نسمع بالكلمات اللطيفة مثل (التفاعل- التواصل- التسامح- التعدد الثقافي- التنوع الحضاري)، فقط كلمات مثل: افتحوا أبوابكم أيها العرب، وادخلوا عالم العولمة، ليس لكم من خيار، وإذا ما بقيتم في ترددكم ومساجلاتكم فإنكم ستكونون كالحيوان المُلقى على قارعة الطريق.. تلك هي الكلمات الجديدة المتداولة في عالم اليوم الذي يفرضه العالم الجديد الذي يمتطي قطار العولمة- الذي يقولون عنه- أنه لا قطار غيره يتحرك".
وهذا القول التبشيري الذي يطرحونه هدفه إلغاء التعددية الثقافية لصالح الواحدية، فليس صحيحًا- كما يقول عبدالإله بلقزيز- أن العولمة الثقافية هي "الانتقال من حقبة ومن ظاهرة الثقافات الوطنية والقومية إلى ثقافة عُليا جديدة هي الثقافة العالمية أو الكونية، على نحو ما يدّعى مسوقو فكرة العولمة الثقافية؛ بل إنها بالتعريف فعل اغتصاب ثقافي وعدواني رمزي على سائر الثقافات؛ إنها رديف الاختراق الذي يجري بالعنف المُسلَّح بالثقافة، فيُهدر سيادة الثقافة في سائر المجتمعات التي تبلغها عملية العولمة، وإذا كان يحلو لكثيرين أن يتحذلقوا بإفراط في الرد على هذا الفهم للعولمة الثقافية، فيرجمونه بتهمة الانغلاق الثقافي أمام تيارات العصر، والدعوة إلى الانكفاء والتشرنق على الذات (والهوية، والأصالة، ومشتقاتهما..)، وإذا كان يحلو لهم أن يُعيدوا على أسماعنا مواويل الانفتاح الثقافي غير المشروط على "الآخر" للانتهال من موارده ومكتسباته وكشوفه المعرفية.. إلخ، فإنه يطيب لنا أن نلفت انتباههم إلى وجوب وعي الفارق بين التثاقف والعنف الثقافي من جانب واحد".
وليس صحيحا أيضًا أن فكرة الاختراق الثقافي- الذي تسعى إليه بعض القوى في عصر العولمة والكوكبة- مجرد أوهام في عقول بعض دعاة الخصوصية الثقافية، ذلك أن فرنسا نفسها وهي جزء من المنظومة الغربية المُهمة تُطلق التحذيرات من الغزو الأمريكي على الخصوصية الثقافية لفرنسا، على الرغم من أنهم ينتمون إلى قيم ثقافية واحدة، وهذه ما عبَّر عنه الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير عندما قال: "نعم هناك إمبريالية ثقافية أمريكية طبعًا، هذه الليبرالية اقتصادية وسياسية، لكن ما يهمنا هو الميدان الثقافي لا سيما أنه الهدف الذي يدور حوله الصراع في العقد الأخير من هذا القرن، فإمَّا أن يُدجَّن العالم ويخضع للثقافة الأمريكية، وإما أن تظهر فيه وتتشكل مراكز مقاومة ثقافية تتيح أن تتمحور حول ثقافات وحضارات مناهضة للثقافة الأمريكية المهيمنة".
والشيء الغريب أن فرنسا التي أنكرت مقولة "الاختراق الثقافي" للشعوب منذ أكثر من ربع قرن، عادت لتُطلقه من جديد، خوفًا على ثقافتها وتراثها. ومع ذلك فإن تحذيرها من مخاطر الاختراق الثقافي على الهوية الثقافية لا يجد الازدراء والسخرية من بعض المثقفين العرب، ومقولة فرنسا هذه من الاختراق الأمريكي لثقافتها- والتي هي في الأصل ثقافة واحدة- تجد الصمت المُطبق من هؤلاء المثقفين! فهل هذه الظاهرة "جلد للذات"؟ أم أنها عملية استلاب حضاري جديد؟ هذا هو السؤال الذي سيجد الجواب يومًا ما!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جدة تحتضن بطولة الجيل القادم لرابطة محترفي التنس
جدة- واس
تتجه أنظار جماهير ومحبي كرة التنس غدًا الأربعاء نحو مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة؛ حيث منافسات بطولة الجيل القادم لرابطة محترفي التنس 2024، في نسختها الثانية التي تستمر حتى 22 ديسمبر.
ويشارك في البطولة ثمانية لاعبين تحت سنة 20 عامًا، وهم الفرنسي أرثر فيلس، والتشيكي جاكوب مينشيك، والأمريكي ليرنر تين، والبرازيلي جواو فونسيكا، إضافة إلى الأمريكي أليكس ميك يلسن، والصيني شانغ جونشينغ، والفرنسي لوكا فان أش، والأمريكي نيشيش با سافاريدي.
ويسعى الفرنسي آرثر فيلس لمواصلة تألقه هذا العام بعد وصوله إلى نهائي 2023 في جدة بالنسخة الأولى، حيث يعود اللاعب الفرنسي البالغ من العمر 20 عامًا إلى المملكة بعد موسم رائع في جولة رابطة محترفي التنس، الذي شهد فوزه بلقبين في رابطة محترفي التنس 500 في هامبورغ وطوكيو، مما ساعده على الوصول إلى أعلى تصنيف في مسيرته في تصنيف PIF رابطة محترفي التنس، حيث شهدت نتائجه في بطولات رابطة محترفي التنس 500 تصدره قائمة مكافآت رابطة محترفي التنس 500 لعام 2024.
ويتطلع الأمريكي أليكس ميكلسين البالغ من العمر 20 عامًا، إلى مواصلة تألقه في هذا العام، حيث يشارك وهو في أعلى تصنيف له في مسيرته، حيث يحتل المركز 41 في تصنيف رابطة محترفي التنس، كما وصل ميكلسين إلى نهائيين في جولة ATP في 2024، في بطولة of Hall Open Fame و Open Winston-Salem، وحقق أفضل نتيجة له في البطولات الكبرى بوصوله إلى الدور الثالث في بطولة أستراليا المفتوحة.
ويطمح التشيكي جاكوب مينسيك صاحب 19 عامًا، إلى تقديم مستويات مميزة في ظهوره الأول في نهائيات الجيل القادم لرابطة محترفي التنس بعد موسم متميز حقق فيه أداءً كبيرًا، حيث تمكن من الوصول إلى أول نهائي له في جولة ATP في بطولة قطر المفتوحة في الدوحة، وفاز على البطلين السابقين أندي موراي وأندريه روبليف في طريقه إلى النهائي، كما وصل مينسيك إلى ربع النهائي الأول له في بطولات 1000 Masters في شنغهاي، معادلًا أفضل نتيجة له في البطولات الكبرى بوصوله إلى الدور الثالث في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة.
ويشارك الصيني شانغ جونشينغ البالغ من العمر 19 عامًا، للمرة الأولى بعد فوزه بلقب في جولة ATP ببطولة تشنغدو المفتوحة في سبتمبر ، كما وصل إلى نصف النهائي في بطولتي هونغ كونغ وأتلانتا، إضافة إلى بلوغه الدور الثالث في بطولتي أستراليا المفتوحة والولايات المتحدة المفتوحة، وهي أفضل نتائجه في البطولات الكبرى.
ويسعى الأمريكي ليرنرتين 19 عامًا في أول ظهور بالبطولة إلى مواصلة البصمة المميزة هذا العام بعد أن حقق في جولة Challenger ATP في 2024، أربعة ألقاب في منافسات المستوى الثاني للاعبين المحترفين، إضافة إلى ثلاثة ألقاب أخرى في جولة Tour Tennis World ITF ذات المستوى الثالث، فيما ينافس الفرنسي لوكا فان آش صاحب 20 عامًا ، في البطولة بظهوره الثاني بعد مشاركته العام الماضي بجدة ووصل إلى نصف النهائي، متطلعًا لتقديم مستويات مميزة في نهاية الموسم، بعد أن حقق تألقًا بوصوله إلى الدور الثالث في بطولة أستراليا المفتوحة، كما وصل إلى ثلاث دورات نصف نهائي في Tour Challenger ATP في 2024.
وفي أول ظهور في نهائيات الجيل القادم، للأمريكي نيشيش باسافا، قبل أن يخوض أول مشاركاته في جولة ATP. وقدم اللاعب الأمريكي البالغ من العمر 19 عامًا أداءً ملفتًا ثابتًا في جولة Challenger ATP هذا الموسم، حيث وصل إلى ستة نهائيات وحقق لقبين، حيث شهد موسم بطل فئة الشباب في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة 2022 زخمًا متصاعدًا في تصنيفات رابطة محترفي التنس المقدمة برعاية صندوق الاستثمارات العامة هذا الموسم.
فيما يتطلع البرازيلي جواو فونسيكا صاحب 18 عامًا إلى تقديم مستوى مميز في أول ظهور له في نهائيات الجيل القادم لرابطة محترفي التنس في جدة بصفته آخر لاعب يتأهل للبطولة، حيث وصل اللاعب البرازيلي إلى ربع نهائيين في جولة ATP في 2024،.
وحقق لقبًا في Tour Challenger ATP في ليكسينغتون ، كما يعد فونسيكا واحدًا من أكثر اللاعبين الذين حققوا تقدمًا في تصنيف رابطة محترفي التنس المقدم برعاية صندوق الاستثمارات العامة هذا الموسم، حيث استهل مشواره هذا العام وهو في المركز 727، لكنه قفز ليصل إلى أعلى تصنيف له في مسيرته حيث يحتل المركز 145 حاليًا.